“الحزب” يسعى لإرسال موفد إلى السعودية لطي صفحة الخلاف

يسعى “حزب الله” إلى إرسال موفد إلى السعودية في محاولة لطي صفحة الخلاف، وقد تداولت وسائل إعلام محلية اسم النائب السابق في الحزب والمسؤول عن العلاقات العربية والدولية عمار الموسوي.
بعد أشهر قليلة على كلام الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم، الذي تحدث فيه عن “مد اليد” إلى السعودية، يبدو أن الحزب اليوم يسعى إلى إرسال موفد إلى الرياض في محاولة لطي صفحة الخلاف، وقد تداولت وسائل إعلام محلية اسم النائب السابق في الحزب والمسؤول عن العلاقات العربية والدولية عمار الموسوي.
وفيما بقي هذا التطور عالقاً بين تقارير إعلامية محلية وتسريبات في مواقع التواصل، من دون أي تأكيد، وضعه محللون ضمن مساعي الحزب إلى التقارب مع السعودية، بخاصة بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
كما أن هذه المساعي، وفق محللين، توضع ليس فقط ضمن محاولات الحزب لطي صفحة الماضي مع الرياض، بل تدخل فيها الحسابات الانتخابية النيابية قبل أشهر قليلة من موعدها، إذ ترى قيادة الحزب في أي تقارب مع الدول الإقليمية، وعلى رأسها السعودية، عامل قوة وإيجابية أمام بيئته وجمهوره بعد تراجع دوره العسكري، وورقة سياسية تقوي موقفه في الداخل اللبناني أمام من بقي من حلفائه وخصومه في الوقت نفسه.
ضعف ومحاولة تغطية
في واقع الحال اليوم، وبعد جولات عسكرية مكلفة، خرج “حزب الله” منهكاً على المستويات كافة، عسكرياً ومالياً وسياسياً، وحتى اجتماعياً داخل بيئته الشيعية. لأن الضربات التي تلقاها لم تكن فقط ميدانية، بل ضربات طاولت صورة الحزب وسرديته التاريخية التي قام عليها، أي سردية “القوة” و”الردع” وتوازن الرعب.
أما اليوم، فقد بات الحزب عاجزاً عن الرد على الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة، وباتت قيادته مضطرة إلى تبرير هذا العجز أمام جمهورها، وهنا تبرز أهمية “راية المفاوضات” التي يسعى إليها.
في الوقت نفسه، تقرأ مساعي الحزب لإرسال موفد عنه إلى الرياض على أنها ترجمة سياسية للقاء الذي عقد قبل أشهر بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والموفد الإيراني علي لاريجاني، وذلك مباشرة بعد القصف الإسرائيلي الذي استهدف الدوحة.
وهو ما يمكن وضعه ضمن سياق أوسع من الرسائل الإقليمية التي يعمل الحزب على تمريرها في أكثر من اتجاه، من السعودية إلى تركيا (حيث زار وفد من الحزب ضم الموسوي نفسه إسطنبول قبل أيام) ودولاً إقليمية أخرى. وتتمحور هذه الرسائل، وفق المعطيات، حول التأكيد أن سلاح الحزب لن يستخدم في أية مواجهة إقليمية، وأن دوره يمكن أن يقدم كعنصر “استقرار طويل الأمد” من دون تفعيل عسكري.
اللعب على وتر “الانفتاح السعودي”
يبقى أن مساعي “حزب الله” لإرسال موفد إلى السعودية تحديداً، فالرياض تمثل مركز الثقل العربي والخليجي، كما أنها الدولة التي وجه إليها الحزب منذ عقدين التهديدات والعداء. وقد ارتبط اسم “حزب الله”، من اليمن إلى لبنان، ومن البحرين إلى الكويت، بصورة مباشرة بأدوار أمنية وعسكرية وإعلامية استهدفت المصالح السعودية والخليجية.
ولا يمكن تجاهل أن الحزب، عبر قياداته وخطابه الرسمي، صنف السعودية في مرحلة معينة كـ”عدو” يفوق إسرائيل، كما لم يتردد أمينه العام السابق حسن نصر الله في شن حملات سياسية وإعلامية حادة ضد الرياض. فوق ذلك، هناك سجل ثقيل لا يمكن شطبه بجملة أو تصريح: صواريخ باليستية أطلقت باتجاه الأراضي السعودية عبر الحوثيين، وخلايا أمنية مرتبطة بالحزب في دول الخليج، وشبكات تهريب مخدرات وكبتاغون أغرقت الأسواق الخليجية، إضافة إلى دور الحزب في تأجيج الفوضى السياسية والإعلامية ضد المملكة.
ولعل آخر ما يؤكد هذا الواقع ما كشف عنه اغتيال الرجل الثاني في “حزب الله” قبل أسابيع في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت هيثم الطبطبائي، الذي تبين أنه كان المسؤول المباشر عن تدريب وإعداد المقاتلين الحوثيين في اليمن على مدى سنوات طويلة، كل ذلك يجعل من فكرة “طي صفحة الماضي” أمراً غير واقعي.
الأهم من ذلك، تؤكد مصادر دبلوماسية عربية أن الرياض، كما بقية الدول الإقليمية والدولية، لا تفاوض ميليشيات، بل تفاوض دولاً. هذا مبدأ ثابت في السياسة السعودية، ولم يظهر أي تغيير جذري عليه.
الإيراني في الخلفية
كما لا يمكن فصل هذا المشهد عن الدور الإيراني، فالتودد الإقليمي الذي يقوم به “حزب الله” يقرأ برأي خبراء استراتيجيين، في جزء كبير منه، كامتداد لمحاولة إيرانية أوسع لإعادة التموضع بعد الضربات التي تلقاها محور “الممانعة”. فطهران، التي تدرك أن نفوذها العسكري المباشر بات مكلفاً، تحاول اللعب على وتر التخويف، القائم على أن ضعف المحور (الممانعة) يعني تفوقاً إسرائيلياً مطلقاً وتهديداً مباشراً للخليج.
كما يشير متابعون إلى أن ما يمارسه “حزب الله” اليوم يمكن توصيفه بـ”التقية السياسية”، بخطاب انفتاحي مرحلي تفرضه الظروف، لا يعكس تغييراً بنيوياً في العقيدة أو المشروع، وهو خطاب مرتبط بمرحلة ضعف.
لكن صفحات الماضي لا تطوى بهذه السهولة، فالدول لا تنسى الصواريخ، ولا تنسى المخدرات، ولا تنسى الخلايا الأمنية، ولا تنسى الخطاب العدائي الذي استمر سنوات. وأية محاولة لتقديم صورة مغايرة، من دون مراجعة حقيقية، تبقى مجرد مناورة إعلامية، تكشف عن هشاشة صاحبها أكثر مما تعكس قوته.
رفض قاطع
في مداخلته، يؤكد المحلل السياسي والصحافي السعودي مبارك آل عاتي استبعاده التام لأي انفتاح سعودي على “حزب الله”، سواء عبر قنوات مباشرة أم غير مباشرة، نافياً بصورة حاسمة ما يشاع عن زيارات أو لقاءات مزعومة لشخصيات من الحزب في الرياض.
ويشدد آل عاتي على أن الرياض لا يمكن أن تستقبل أي مسؤول أو ممثل عن حزب تصنفه رسمياً كميليشيات إرهابية، تلطخت أيديها بالدم اللبناني، وبدماء مواطنين سعوديين سقطوا في اليمن نتيجة تورط الحزب المباشر إلى جانب الميليشيات الحوثية في مشروع عدائي معلن ضد المملكة.
ويعتبر آل عاتي أن “حزب الله” كان عاملاً أساسياً في اختطاف الدولة اللبنانية، وتعطيل مؤسساتها الدستورية، وإغراق لبنان في سنوات طويلة من الشلل السياسي، سواء عبر تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية أو شل عمل الحكومات. كما حمل الحزب مسؤولية عزل لبنان عن محيطه العربي والخليجي، وجره إلى صدامات إقليمية مع إسرائيل وسوريا، وإلى مسار فوضوي دفع ثمنه الشعب اللبناني واقتصاد الدولة.
ويضيف أن الرياض، بحكم خبرتها الطويلة في فهم السلوك الإيراني وأدواته في المنطقة، تدرك طبيعة الحزب كتنظيم ميليشياوي لا يعترف بالدولة اللبنانية ولا يلتزم بقوانينها، ولذلك فهي لا تؤمن أصلاً بالتفاوض أو التواصل مع الميليشيات، داخل أراضيها أو خارجها. ويذكر بأن الحزب كان سبباً مباشراً في تعريض لبنان لاعتداءات إسرائيلية متكررة، وفي فرض عزلة عربية ودولية على الدولة اللبنانية في مراحل سابقة.
وفي هذا السياق، يلفت آل عاتي إلى أن محاولات الحزب الترويج لوجود مفاوضات أو قنوات تواصل مع الرياض تهدف حصراً إلى تبييض صورته السياسية داخلياً، وإظهاره كقوة “طبيعية” قادرة على الحوار مع دولة بحجم السعودية. وشدد في الوقت عينه على أن التقارب السعودي – الإيراني تم على مستوى الدول، وتحت ضمانات دولية، ولا يعني بأية صورة من الصور القبول بأذرع إيران المسلحة أو التغاضي عن أدوارها التخريبية، سواء في اليمن أو لبنان.
ويؤكد أن الرياض لا تزال تنظر بعين الشك إلى سلوك إيران الإقليمي، في ظل استمرار دعمها للحوثيين و”حزب الله”، معتبراً أن المملكة لا يمكن أن تنسى سجل الحزب من الجرائم والاعتداءات ومحاولات زعزعة الاستقرار. في المقابل، يوضح آل عاتي أن السعودية معنية بصورة كاملة بأمن واستقرار لبنان، وتدعم الدولة ومؤسساتها الشرعية، من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب، إضافة إلى الجيش والأجهزة الأمنية.
سردية الاحتواء
في السياق، يلفت الخبير في الشؤون العسكرية والتسلح العميد رياض قهوجي إلى أن “حزب الله” يحاول منذ الغارة التي استهدفت الدوحة قبل أشهر قليلة تكريس سردية جديدة تقوم على اعتبار إسرائيل التهديد الأساس للعالم العربي ولدول الخليج، وتبرير الإبقاء على السلاح في هذه المرحلة باعتباره ورقة قوة لا يجوز التفريط بها الآن. ووفق هذه المقاربة، يسوق بأن السلاح لن يستخدم، وأنه سيبقى محصوراً شمال الليطاني، في إطار ما يشبه سياسة “الاحتواء” وطمأنة الداخل والخارج بأن الحزب لن يقدم على خطوات عسكرية، بل سيكتفي بخطاب التهديد، على أن يرحل ملف تسليم السلاح إلى تسويات إقليمية أشمل في المستقبل.
ويشير قهوجي إلى أن هذه السردية تأتي في لحظة إقليمية متبدلة، إذ يبرز الدور التركي كلاعب متقدم يسعى إلى ملء الفراغ الذي خلفته إيران بعد الضربات التي تلقتها، وهو ما ينعكس بوضوح في الساحة السورية. وما يجري في سوريا، برأيه، يترك أثراً مباشراً في لبنان.
ويضيف أن الحزب يحاول اليوم البحث عن صيغة تضمن استمراريته كقوة سياسية فاعلة في لبنان، مع الاحتفاظ بالسلاح، سواء بكامله أم بجزء منه، كما يسعى إلى إيجاد دور له في المرحلة المقبلة كتنظيم سياسي.
“الحزب” يسعى لإرسال موفد إلى السعودية لطي صفحة الخلاف

يسعى “حزب الله” إلى إرسال موفد إلى السعودية في محاولة لطي صفحة الخلاف، وقد تداولت وسائل إعلام محلية اسم النائب السابق في الحزب والمسؤول عن العلاقات العربية والدولية عمار الموسوي.
بعد أشهر قليلة على كلام الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم، الذي تحدث فيه عن “مد اليد” إلى السعودية، يبدو أن الحزب اليوم يسعى إلى إرسال موفد إلى الرياض في محاولة لطي صفحة الخلاف، وقد تداولت وسائل إعلام محلية اسم النائب السابق في الحزب والمسؤول عن العلاقات العربية والدولية عمار الموسوي.
وفيما بقي هذا التطور عالقاً بين تقارير إعلامية محلية وتسريبات في مواقع التواصل، من دون أي تأكيد، وضعه محللون ضمن مساعي الحزب إلى التقارب مع السعودية، بخاصة بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
كما أن هذه المساعي، وفق محللين، توضع ليس فقط ضمن محاولات الحزب لطي صفحة الماضي مع الرياض، بل تدخل فيها الحسابات الانتخابية النيابية قبل أشهر قليلة من موعدها، إذ ترى قيادة الحزب في أي تقارب مع الدول الإقليمية، وعلى رأسها السعودية، عامل قوة وإيجابية أمام بيئته وجمهوره بعد تراجع دوره العسكري، وورقة سياسية تقوي موقفه في الداخل اللبناني أمام من بقي من حلفائه وخصومه في الوقت نفسه.
ضعف ومحاولة تغطية
في واقع الحال اليوم، وبعد جولات عسكرية مكلفة، خرج “حزب الله” منهكاً على المستويات كافة، عسكرياً ومالياً وسياسياً، وحتى اجتماعياً داخل بيئته الشيعية. لأن الضربات التي تلقاها لم تكن فقط ميدانية، بل ضربات طاولت صورة الحزب وسرديته التاريخية التي قام عليها، أي سردية “القوة” و”الردع” وتوازن الرعب.
أما اليوم، فقد بات الحزب عاجزاً عن الرد على الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة، وباتت قيادته مضطرة إلى تبرير هذا العجز أمام جمهورها، وهنا تبرز أهمية “راية المفاوضات” التي يسعى إليها.
في الوقت نفسه، تقرأ مساعي الحزب لإرسال موفد عنه إلى الرياض على أنها ترجمة سياسية للقاء الذي عقد قبل أشهر بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والموفد الإيراني علي لاريجاني، وذلك مباشرة بعد القصف الإسرائيلي الذي استهدف الدوحة.
وهو ما يمكن وضعه ضمن سياق أوسع من الرسائل الإقليمية التي يعمل الحزب على تمريرها في أكثر من اتجاه، من السعودية إلى تركيا (حيث زار وفد من الحزب ضم الموسوي نفسه إسطنبول قبل أيام) ودولاً إقليمية أخرى. وتتمحور هذه الرسائل، وفق المعطيات، حول التأكيد أن سلاح الحزب لن يستخدم في أية مواجهة إقليمية، وأن دوره يمكن أن يقدم كعنصر “استقرار طويل الأمد” من دون تفعيل عسكري.
اللعب على وتر “الانفتاح السعودي”
يبقى أن مساعي “حزب الله” لإرسال موفد إلى السعودية تحديداً، فالرياض تمثل مركز الثقل العربي والخليجي، كما أنها الدولة التي وجه إليها الحزب منذ عقدين التهديدات والعداء. وقد ارتبط اسم “حزب الله”، من اليمن إلى لبنان، ومن البحرين إلى الكويت، بصورة مباشرة بأدوار أمنية وعسكرية وإعلامية استهدفت المصالح السعودية والخليجية.
ولا يمكن تجاهل أن الحزب، عبر قياداته وخطابه الرسمي، صنف السعودية في مرحلة معينة كـ”عدو” يفوق إسرائيل، كما لم يتردد أمينه العام السابق حسن نصر الله في شن حملات سياسية وإعلامية حادة ضد الرياض. فوق ذلك، هناك سجل ثقيل لا يمكن شطبه بجملة أو تصريح: صواريخ باليستية أطلقت باتجاه الأراضي السعودية عبر الحوثيين، وخلايا أمنية مرتبطة بالحزب في دول الخليج، وشبكات تهريب مخدرات وكبتاغون أغرقت الأسواق الخليجية، إضافة إلى دور الحزب في تأجيج الفوضى السياسية والإعلامية ضد المملكة.
ولعل آخر ما يؤكد هذا الواقع ما كشف عنه اغتيال الرجل الثاني في “حزب الله” قبل أسابيع في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت هيثم الطبطبائي، الذي تبين أنه كان المسؤول المباشر عن تدريب وإعداد المقاتلين الحوثيين في اليمن على مدى سنوات طويلة، كل ذلك يجعل من فكرة “طي صفحة الماضي” أمراً غير واقعي.
الأهم من ذلك، تؤكد مصادر دبلوماسية عربية أن الرياض، كما بقية الدول الإقليمية والدولية، لا تفاوض ميليشيات، بل تفاوض دولاً. هذا مبدأ ثابت في السياسة السعودية، ولم يظهر أي تغيير جذري عليه.
الإيراني في الخلفية
كما لا يمكن فصل هذا المشهد عن الدور الإيراني، فالتودد الإقليمي الذي يقوم به “حزب الله” يقرأ برأي خبراء استراتيجيين، في جزء كبير منه، كامتداد لمحاولة إيرانية أوسع لإعادة التموضع بعد الضربات التي تلقاها محور “الممانعة”. فطهران، التي تدرك أن نفوذها العسكري المباشر بات مكلفاً، تحاول اللعب على وتر التخويف، القائم على أن ضعف المحور (الممانعة) يعني تفوقاً إسرائيلياً مطلقاً وتهديداً مباشراً للخليج.
كما يشير متابعون إلى أن ما يمارسه “حزب الله” اليوم يمكن توصيفه بـ”التقية السياسية”، بخطاب انفتاحي مرحلي تفرضه الظروف، لا يعكس تغييراً بنيوياً في العقيدة أو المشروع، وهو خطاب مرتبط بمرحلة ضعف.
لكن صفحات الماضي لا تطوى بهذه السهولة، فالدول لا تنسى الصواريخ، ولا تنسى المخدرات، ولا تنسى الخلايا الأمنية، ولا تنسى الخطاب العدائي الذي استمر سنوات. وأية محاولة لتقديم صورة مغايرة، من دون مراجعة حقيقية، تبقى مجرد مناورة إعلامية، تكشف عن هشاشة صاحبها أكثر مما تعكس قوته.
رفض قاطع
في مداخلته، يؤكد المحلل السياسي والصحافي السعودي مبارك آل عاتي استبعاده التام لأي انفتاح سعودي على “حزب الله”، سواء عبر قنوات مباشرة أم غير مباشرة، نافياً بصورة حاسمة ما يشاع عن زيارات أو لقاءات مزعومة لشخصيات من الحزب في الرياض.
ويشدد آل عاتي على أن الرياض لا يمكن أن تستقبل أي مسؤول أو ممثل عن حزب تصنفه رسمياً كميليشيات إرهابية، تلطخت أيديها بالدم اللبناني، وبدماء مواطنين سعوديين سقطوا في اليمن نتيجة تورط الحزب المباشر إلى جانب الميليشيات الحوثية في مشروع عدائي معلن ضد المملكة.
ويعتبر آل عاتي أن “حزب الله” كان عاملاً أساسياً في اختطاف الدولة اللبنانية، وتعطيل مؤسساتها الدستورية، وإغراق لبنان في سنوات طويلة من الشلل السياسي، سواء عبر تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية أو شل عمل الحكومات. كما حمل الحزب مسؤولية عزل لبنان عن محيطه العربي والخليجي، وجره إلى صدامات إقليمية مع إسرائيل وسوريا، وإلى مسار فوضوي دفع ثمنه الشعب اللبناني واقتصاد الدولة.
ويضيف أن الرياض، بحكم خبرتها الطويلة في فهم السلوك الإيراني وأدواته في المنطقة، تدرك طبيعة الحزب كتنظيم ميليشياوي لا يعترف بالدولة اللبنانية ولا يلتزم بقوانينها، ولذلك فهي لا تؤمن أصلاً بالتفاوض أو التواصل مع الميليشيات، داخل أراضيها أو خارجها. ويذكر بأن الحزب كان سبباً مباشراً في تعريض لبنان لاعتداءات إسرائيلية متكررة، وفي فرض عزلة عربية ودولية على الدولة اللبنانية في مراحل سابقة.
وفي هذا السياق، يلفت آل عاتي إلى أن محاولات الحزب الترويج لوجود مفاوضات أو قنوات تواصل مع الرياض تهدف حصراً إلى تبييض صورته السياسية داخلياً، وإظهاره كقوة “طبيعية” قادرة على الحوار مع دولة بحجم السعودية. وشدد في الوقت عينه على أن التقارب السعودي – الإيراني تم على مستوى الدول، وتحت ضمانات دولية، ولا يعني بأية صورة من الصور القبول بأذرع إيران المسلحة أو التغاضي عن أدوارها التخريبية، سواء في اليمن أو لبنان.
ويؤكد أن الرياض لا تزال تنظر بعين الشك إلى سلوك إيران الإقليمي، في ظل استمرار دعمها للحوثيين و”حزب الله”، معتبراً أن المملكة لا يمكن أن تنسى سجل الحزب من الجرائم والاعتداءات ومحاولات زعزعة الاستقرار. في المقابل، يوضح آل عاتي أن السعودية معنية بصورة كاملة بأمن واستقرار لبنان، وتدعم الدولة ومؤسساتها الشرعية، من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب، إضافة إلى الجيش والأجهزة الأمنية.
سردية الاحتواء
في السياق، يلفت الخبير في الشؤون العسكرية والتسلح العميد رياض قهوجي إلى أن “حزب الله” يحاول منذ الغارة التي استهدفت الدوحة قبل أشهر قليلة تكريس سردية جديدة تقوم على اعتبار إسرائيل التهديد الأساس للعالم العربي ولدول الخليج، وتبرير الإبقاء على السلاح في هذه المرحلة باعتباره ورقة قوة لا يجوز التفريط بها الآن. ووفق هذه المقاربة، يسوق بأن السلاح لن يستخدم، وأنه سيبقى محصوراً شمال الليطاني، في إطار ما يشبه سياسة “الاحتواء” وطمأنة الداخل والخارج بأن الحزب لن يقدم على خطوات عسكرية، بل سيكتفي بخطاب التهديد، على أن يرحل ملف تسليم السلاح إلى تسويات إقليمية أشمل في المستقبل.
ويشير قهوجي إلى أن هذه السردية تأتي في لحظة إقليمية متبدلة، إذ يبرز الدور التركي كلاعب متقدم يسعى إلى ملء الفراغ الذي خلفته إيران بعد الضربات التي تلقتها، وهو ما ينعكس بوضوح في الساحة السورية. وما يجري في سوريا، برأيه، يترك أثراً مباشراً في لبنان.
ويضيف أن الحزب يحاول اليوم البحث عن صيغة تضمن استمراريته كقوة سياسية فاعلة في لبنان، مع الاحتفاظ بالسلاح، سواء بكامله أم بجزء منه، كما يسعى إلى إيجاد دور له في المرحلة المقبلة كتنظيم سياسي.















