هيكل يسيطر على المشهد: الجيش اللبناني يثبت قوته من قلب الجنوب

في توقيت دقيق تتقاطع فيه الحسابات الميدانية بالإقليمية، اختار قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، توجيه رسالته من قلب الجنوب اللبناني. الجولة التي نظمها مع وفد من السفراء والملحقين العسكريين لم تكن مجرد نشاط بروتوكولي، بل خطوة مدروسة في توقيتها ومضمونها، جاءت بعد فترة من استبعاده عن الدعوة إلى واشنطن، لتتحول عمليًا إلى رد هادئ ومباشر يؤكد قدرة المؤسسة العسكرية على الفعل والتأثير من أرضها، لا من العواصم البعيدة.
وبحسب مصادر دبلوماسية لـ “نداء الوطن”، عكست الجولة تقدمًا ملموسًا في خطة نزع السلاح جنوب الليطاني، إذ نفذ الجيش نحو 95 % من المهام الموكلة إليه، مع عمليات مسح شاملة للمناطق الخاضعة لمراقبته المباشرة، فيما تقلّص الوجود العسكري لـ “حزب الله” بشكل كبير. وقد عاين الدبلوماسيون نفقًا كان “الحزب” قد استخدمه سابقًا وتم تحييده ضمن جهود الجيش لضبط الأمن ومنع أي خروقات. ولم تكن هذه المشاهد رمزية فحسب، بل وثائق ميدانية تؤكد أن الجنوب بات، إلى حدّ بعيد، تحت سيطرة الدولة ومؤسساتها الشرعية، في مرحلة حساسة تتزاحم فيها المبادرات الدولية ومساعي التهدئة.
تحمل الجولة رسائل سياسية مزدوجة: من جهة، تطمين المجتمع الدولي إلى أن الجيش اللبناني يمسك بالجنوب بجدية ومسؤولية، ومن جهة أخرى، تأكيد أن لبنان لا يزال يمتلك مؤسسات قادرة على حماية سيادته. وقد لقيت هذه الرسائل اهتمامًا أوروبيًا لافتًا، خصوصًا قبيل الاجتماع المزمع عقده في باريس لدعم المؤسسة العسكرية، برعاية رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون. وأشارت المصادر إلى أن الجولة ساهمت في تقييم عمل “الميكانيزم” القائم، مع توجه لرفع مستوى التمثيل الإسرائيلي فيه ليوازي مستوى تمثيل الجانب اللبناني، ممثلًا بالسفير سيمون كرم، في وقت لا تزال فيه تل أبيب تراهن على فشل هذا المسار لدفع لبنان نحو مفاوضات أعمق وأشمل.
وعلى المستوى الإقليمي، تفيد مصادر دبلوماسية متقاطعة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو لا يبدو في وارد الذهاب إلى حرب شاملة بعد موسم الأعياد، ليس فقط لأسباب عسكرية، بل لأن خيار الحرب غير صالح للاستثمار الانتخابي مع اقتراب الانتخابات النيابية الإسرائيلية المتوقعة في تشرين الأول 2026. وبناءً عليه، يُرجّح أن تكتفي إسرائيل بضربات موضعية ضد “حزب الله”، قد تتخذ شكل عمليات عسكرية خاطفة إذا دعت الحاجة، ولا سيما في مناطق بعلبك – الهرمل، بهدف إبقاء لبنان تحت ضغط أمني محسوب من دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.
في المقابل، يراهن دبلوماسيون أوروبيون على تطوير عمل “الميكانيزم” ورفع مستوى التمثيل الإسرائيلي فيه، غير أن إسرائيل، بحسب هذه الأوساط، لا تزال تراهن على فشل المفاوضات، وتعمل على إبقاء الوضع على ما هو عليه، في محاولة لدفع لبنان نحو مفاوضات أوسع قد تصل في نهاية المطاف إلى طرح ملف التطبيع النهائي. غير أن هذا الخيار يبقى عبئًا لا يستطيع لبنان تحمّله، في ظل بيئة عربية غير مهيّأة لأي تحوّل من هذا النوع، ولا سيما أن دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لا تزال بعيدة عن خيار التطبيع والسلام مع إسرائيل، سواء لأسباب تتعلق بالقضية الفلسطينية أو لحسابات إقليمية أوسع.
في المقابل، يواصل “حزب الله” تثبيت معادلاته الدفاعية، وقد شدد الشيخ نعيم قاسم مؤخرًا على أن أي تماهٍ مع إسرائيل يشبه “ثقبًا في السفينة” يؤدي إلى إغراق الجميع، مؤكدًا أن “الحزب” ماضٍ في الدفاع عن لبنان حتى أقصى حدود التضحية، من دون أي نية للتراجع. ويعكس هذا الموقف تمسّك “الحزب” بخطوطه الحمراء، في وقت يسعى فيه المجتمع الدولي إلى إدخال تعديلات على قواعد الاشتباك عبر لجان وآليات تقنية، يعتبرها الحزب تنازلات لا يمكن القبول بها قبل وقف العدوان الإسرائيلي.
وسط هذه المعادلات المتشابكة، تبدو المرحلة المقبلة حافلة بالتطورات، من غزة إلى بيروت، بين محاولات إيرانية لعرقلة بعض المسارات المرتبطة بالخطط الأميركية في المنطقة، وبين دفع أميركي متدرّج باتجاه عام 2026 لإقفال ملف الشرق الأوسط والتفرغ لملفات الشرق الأقصى، وفي مقدّمها الصين. وفي هذا الإطار، يبقى لبنان عالقًا في مرحلة “إدارة أزمات” أكثر منها مرحلة حلول، مع تصعيد مضبوط هنا، وحراك دبلوماسي هناك.
في الخلاصة، تحاول المؤسسة العسكرية اللبنانية أن تثبت أن الأمن لا يُدار بالشعارات بل بالفعل، وأنه رغم التجاهل الأميركي والضغوط الإقليمية، لا يزال لبنان يمتلك أوراق قوة ومصداقية وطنية. وجاءت جولة قائد الجيش في الجنوب لتؤكد أن الدولة، برغم أزماتها وانقساماتها، ما زالت قادرة على حماية حدودها وصون كرامتها بسيادتها، لا بوصايات الخارج.
هيكل يسيطر على المشهد: الجيش اللبناني يثبت قوته من قلب الجنوب

في توقيت دقيق تتقاطع فيه الحسابات الميدانية بالإقليمية، اختار قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، توجيه رسالته من قلب الجنوب اللبناني. الجولة التي نظمها مع وفد من السفراء والملحقين العسكريين لم تكن مجرد نشاط بروتوكولي، بل خطوة مدروسة في توقيتها ومضمونها، جاءت بعد فترة من استبعاده عن الدعوة إلى واشنطن، لتتحول عمليًا إلى رد هادئ ومباشر يؤكد قدرة المؤسسة العسكرية على الفعل والتأثير من أرضها، لا من العواصم البعيدة.
وبحسب مصادر دبلوماسية لـ “نداء الوطن”، عكست الجولة تقدمًا ملموسًا في خطة نزع السلاح جنوب الليطاني، إذ نفذ الجيش نحو 95 % من المهام الموكلة إليه، مع عمليات مسح شاملة للمناطق الخاضعة لمراقبته المباشرة، فيما تقلّص الوجود العسكري لـ “حزب الله” بشكل كبير. وقد عاين الدبلوماسيون نفقًا كان “الحزب” قد استخدمه سابقًا وتم تحييده ضمن جهود الجيش لضبط الأمن ومنع أي خروقات. ولم تكن هذه المشاهد رمزية فحسب، بل وثائق ميدانية تؤكد أن الجنوب بات، إلى حدّ بعيد، تحت سيطرة الدولة ومؤسساتها الشرعية، في مرحلة حساسة تتزاحم فيها المبادرات الدولية ومساعي التهدئة.
تحمل الجولة رسائل سياسية مزدوجة: من جهة، تطمين المجتمع الدولي إلى أن الجيش اللبناني يمسك بالجنوب بجدية ومسؤولية، ومن جهة أخرى، تأكيد أن لبنان لا يزال يمتلك مؤسسات قادرة على حماية سيادته. وقد لقيت هذه الرسائل اهتمامًا أوروبيًا لافتًا، خصوصًا قبيل الاجتماع المزمع عقده في باريس لدعم المؤسسة العسكرية، برعاية رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون. وأشارت المصادر إلى أن الجولة ساهمت في تقييم عمل “الميكانيزم” القائم، مع توجه لرفع مستوى التمثيل الإسرائيلي فيه ليوازي مستوى تمثيل الجانب اللبناني، ممثلًا بالسفير سيمون كرم، في وقت لا تزال فيه تل أبيب تراهن على فشل هذا المسار لدفع لبنان نحو مفاوضات أعمق وأشمل.
وعلى المستوى الإقليمي، تفيد مصادر دبلوماسية متقاطعة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو لا يبدو في وارد الذهاب إلى حرب شاملة بعد موسم الأعياد، ليس فقط لأسباب عسكرية، بل لأن خيار الحرب غير صالح للاستثمار الانتخابي مع اقتراب الانتخابات النيابية الإسرائيلية المتوقعة في تشرين الأول 2026. وبناءً عليه، يُرجّح أن تكتفي إسرائيل بضربات موضعية ضد “حزب الله”، قد تتخذ شكل عمليات عسكرية خاطفة إذا دعت الحاجة، ولا سيما في مناطق بعلبك – الهرمل، بهدف إبقاء لبنان تحت ضغط أمني محسوب من دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.
في المقابل، يراهن دبلوماسيون أوروبيون على تطوير عمل “الميكانيزم” ورفع مستوى التمثيل الإسرائيلي فيه، غير أن إسرائيل، بحسب هذه الأوساط، لا تزال تراهن على فشل المفاوضات، وتعمل على إبقاء الوضع على ما هو عليه، في محاولة لدفع لبنان نحو مفاوضات أوسع قد تصل في نهاية المطاف إلى طرح ملف التطبيع النهائي. غير أن هذا الخيار يبقى عبئًا لا يستطيع لبنان تحمّله، في ظل بيئة عربية غير مهيّأة لأي تحوّل من هذا النوع، ولا سيما أن دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لا تزال بعيدة عن خيار التطبيع والسلام مع إسرائيل، سواء لأسباب تتعلق بالقضية الفلسطينية أو لحسابات إقليمية أوسع.
في المقابل، يواصل “حزب الله” تثبيت معادلاته الدفاعية، وقد شدد الشيخ نعيم قاسم مؤخرًا على أن أي تماهٍ مع إسرائيل يشبه “ثقبًا في السفينة” يؤدي إلى إغراق الجميع، مؤكدًا أن “الحزب” ماضٍ في الدفاع عن لبنان حتى أقصى حدود التضحية، من دون أي نية للتراجع. ويعكس هذا الموقف تمسّك “الحزب” بخطوطه الحمراء، في وقت يسعى فيه المجتمع الدولي إلى إدخال تعديلات على قواعد الاشتباك عبر لجان وآليات تقنية، يعتبرها الحزب تنازلات لا يمكن القبول بها قبل وقف العدوان الإسرائيلي.
وسط هذه المعادلات المتشابكة، تبدو المرحلة المقبلة حافلة بالتطورات، من غزة إلى بيروت، بين محاولات إيرانية لعرقلة بعض المسارات المرتبطة بالخطط الأميركية في المنطقة، وبين دفع أميركي متدرّج باتجاه عام 2026 لإقفال ملف الشرق الأوسط والتفرغ لملفات الشرق الأقصى، وفي مقدّمها الصين. وفي هذا الإطار، يبقى لبنان عالقًا في مرحلة “إدارة أزمات” أكثر منها مرحلة حلول، مع تصعيد مضبوط هنا، وحراك دبلوماسي هناك.
في الخلاصة، تحاول المؤسسة العسكرية اللبنانية أن تثبت أن الأمن لا يُدار بالشعارات بل بالفعل، وأنه رغم التجاهل الأميركي والضغوط الإقليمية، لا يزال لبنان يمتلك أوراق قوة ومصداقية وطنية. وجاءت جولة قائد الجيش في الجنوب لتؤكد أن الدولة، برغم أزماتها وانقساماتها، ما زالت قادرة على حماية حدودها وصون كرامتها بسيادتها، لا بوصايات الخارج.













