قاسم وصفي الدين و”الراديكاليّون الجدد”!

الكلام على الراديكاليين أو الجهاديين بدأ يُسمع أخيرًا، خصوصًا بعد صدور مواقف تصعيدية مصدرها طهران، أطلقها بعض مسؤوليها ومعهم عبد الله صفي الدين، شقيق الأمين العام السابق لـ”الحزب” هاشم صفي الدين. وثمّة جهات بدأت تتحدّث عن احتمال نشوء نسخة جديدة من “الحزب” تعترض على “ليونة” نعيم قاسم، وعن اقتناع بعض كوادر الجناح العسكري بأنّ قاسم يتنازل كثيرًا، منسجمًا مع حركة “أمل”.
مع اجتماع لجنة الميكانيزم غدًا في الناقورة، يدخل مصير “حزب الله” مرحلةً أكثر حساسيةً: كيف سيتم التعاطي مع سلاحه في شمال الليطاني، أو شمال الأولي؟ وهل سيبقى له دور في السياسة كسائر القوى السياسية المحلية، أم مكتوب له، كتنظيم تتداخل فيه العقيدة بالسياسة والسلاح، إمّا أن يسقط بكامله وإمّا أن يبقى بكامله؟
في هذه المسألة، يجدر التوقف عند ما ذكرته صحيفة “هآرتس” أخيرًا، ومفاده أن الجيش الإسرائيلي يمتلك معلومات عن “الحزب” تؤكّد أنّه يرمّم قواته، في بيروت والبقاع خصوصًا، أي حيث ما زال يستطيع أن يفعل. ويقدّر الإسرائيليون حجم الوسائل القتالية التي يمتلكها “الحزب” اليوم بخُمسَ ما كان لديه في 7 تشرين الأول/2023، لكنّه، وفق التقديرات عينها، “جاهز لتصنيع السلاح، أو لتهريبه إلى لبنان على الرغم من المصاعب التي يواجهها منذ تولّي أحمد الشرع حكم سوريا، لأنّ خط الحدود طويل ويصعب إغلاق كل ثغراته. وفي الموازاة، ينجح “الحزب” في إدخال الأموال”.
هذه التقديرات التي يتعمّد الجيش الإسرائيلي تسريبها في هذا التوقيت ترتدي أهميةً بالغةً في لبنان، لأنّ من شأنها إيضاح الخيارات التي تفكر إسرائيل في اعتمادها، بتعاطيها مع “حزب الله” ولبنان خلال المرحلة المقبلة، أي المرحلة الثانية من خطة الحكومة اللبنانية لنزع سلاح “الحزب”. خيارات إسرائيل، كما بات واضحًا، محصورة باثنين أساسيين:
1 – الإصرار على نزع السلاح كاملًا من كل لبنان. وهذا يضع لبنان أمام جولات كثيرة من المواجهات والمفاوضات.
2 – نزع السلاح تمامًا من كل الجنوب وإبقاء السلاح الذي لا يشكل خطرًا على إسرائيل مدفونًا في مخازن شمال نهر الأولي، مع وضع آلية محكمة للسيطرة عليه تتولاها الدولة. وهذا الخيار قد يوافق عليه “الحزب” لكنّ عواقبه في الداخل وخيمة، لأنه يعني عمليًا استمرار احتفاظ فئة لبنانية بسلاح تستقوي به على الفئات الأخرى. فمقولة وضع المخازن تحت إشراف الدولة فاشلة، إذ يُرَجَّحُ أن تنهار وصاية الدولة يومًا بعد يوم، لتعود المخازن إلى أصحابها في النهاية، سرًّا أو علانيةً.
لكنّ المثير هو الكلام الذي بدأ تداوله عن نصائح وجهها بعض الوسطاء إلى إسرائيل، ومفادها بأنّه من الأفضل للجميع بقاء “حزب الله” منهكًا وعاجزًا، وأن تتم إزاحته بهدوء، لأن زواله بالقوة وبشكل مفاجئ قد تقوم باستغلاله بعض القوى الأكثر راديكالية، في ظلّ عجز الدولة اللبنانية عن الإمساك تمامًا بزمام البلد. ويقال إنّ واشنطن والغربيين والعرب يتحسّبون لهذا الاحتمال إلى حدٍّ معيّن، وهو من أسباب الدعوة التي يوجّهها دونالد ترامب لنتنياهو كي يمنح المزيد من الفرص لخيار التفاوض لا الحرب في لبنان، ما دام قادرًا على تحقيق الأهداف ذاتها، وألّا يتم استخدام القوة إلّا إذا فشل الخيار الدبلوماسي تمامًا.
والكلام على الراديكاليين أو الجهاديين بدأ يُسمع أخيرًا، خصوصًا بعد صدور مواقف تصعيدية مصدرها طهران، أطلقها بعض مسؤوليها ومعهم عبد الله صفي الدين، شقيق الأمين العام السابق لـ”الحزب” هاشم صفي الدين. وثمّة جهات بدأت تتحدّث عن احتمال نشوء نسخة جديدة من “حزب الله” تعترض على “ليونة” نعيم قاسم، وعن اقتناع بعض كوادر الجناح العسكري في “الحزب” بأنّ قاسم يتنازل كثيرًا، منسجمًا مع حركة “أمل”. وسُمعت تحذيرات من احتمال خروج هذه المجموعات من “الحزب”، خصوصًا إذا تلقت دعمًا من قوى أخرى متشددة في طهران كـ”فيلق القدس”، فتنشئ لنفسها خطًّا “جهاديًا”، وتسيطر على مناطق ما زال “حزب الله” مرتاحًا فيها حاليًا، ولا سيما بيروت والبقاع.
لكنّ مصادر أخرى نقلت تحذيراتٍ من نوعٍ آخر، إذ تحدثت عن احتمال أن تؤدّي استثارة الراديكالية أو الجهادية الشيعية إلى استثارة راديكالية أخرى سنّية، أي سلفية جهادية، سواء بالنسخة المعولمة، التي حرّكتها قبل أيام عملية سيدني، أي “القاعدة” و”داعش”، أو بالنسخة السورية التي حرّكتها أخيرًا عملية تدمر. ولطالما تاجر نظام آل الأسد بالراديكالية السنّية، والأرجح أنه كان يخترعها غالبًا، لفرض الهيمنة على اللبنانيين والفلسطينيين وآخرين في الشرق الأوسط. ومكمن الخطر في لبنان هو استغلال مجموعات أو خلايا ما زالت مخبأةً في المخيمات الفلسطينية كعين الحلوة وبعض الجيوب في الشمال والبقاع للتخريب. ومن طبيعة هذه القوى أنّها لا تنصاع لقواعد اشتباك أو تفاهمات أو اتفاقات لوقف النار، وغالبًا لا تقيم حسابًا لحجم الخسائر العسكرية أو السياسية.
وافتراضًا، إذا أتيح لسيناريو “التنسيق والتعاون” بين أنواع الراديكاليين أو الجهاديين الشيعة والسنّة أن يتحقّق، فسيكون الكيان والدولة في لبنان في وضعٍ حرجٍ جدًّا. وهذا الأمر يدركه الأميركيون والأوروبيون والعرب العاملون على خط لبنان، ولذلك هم يطالبون إسرائيل بأن تزيل خطر “حزب الله” بعمليات جراحية عسكرية وسياسية دقيقة، تتكفّل بتحقيق الهدف، أي نزع السلاح، من دون إتاحة الفرصة لقيام الجهات المتضررة باستثارة بدائل أكثر راديكالية أو فوضوية. ويقول البعض إنّ “الحزب” معروف عنوانه السياسي ولديه وزراء ونواب ومصالح في لبنان يمكن الضغط عليها، وربّما يمكن إقناع قيادته الحالية بقبول التفاوض، وأمّا الأكثر راديكالية من داخل الحزب وخارجه فليس معروفًا كيف يمكن التعاطي معهم.
لذلك، من الضروري الانتهاء من المهمة الأولى بإزالة سلاح “الحزب” الراديكالي، ولكن يجب أن يُتاح للجيش أن يكون القوة الوحيدة الجاهزة للإمساك بالأرض بعد “حزب الله” بحيث لا تُمنح أي جهة خارجية أو داخلية جهادية وأكثر راديكالية فرصة الاستثمار في الفوضى، أو خلق بدائل أكثر تطرفًا من “الحزب” نفسه. ومن هنا دقّة العملية الجراحية المطلوب تنفيذها، وبأسرع ما يمكن.
قاسم وصفي الدين و”الراديكاليّون الجدد”!

الكلام على الراديكاليين أو الجهاديين بدأ يُسمع أخيرًا، خصوصًا بعد صدور مواقف تصعيدية مصدرها طهران، أطلقها بعض مسؤوليها ومعهم عبد الله صفي الدين، شقيق الأمين العام السابق لـ”الحزب” هاشم صفي الدين. وثمّة جهات بدأت تتحدّث عن احتمال نشوء نسخة جديدة من “الحزب” تعترض على “ليونة” نعيم قاسم، وعن اقتناع بعض كوادر الجناح العسكري بأنّ قاسم يتنازل كثيرًا، منسجمًا مع حركة “أمل”.
مع اجتماع لجنة الميكانيزم غدًا في الناقورة، يدخل مصير “حزب الله” مرحلةً أكثر حساسيةً: كيف سيتم التعاطي مع سلاحه في شمال الليطاني، أو شمال الأولي؟ وهل سيبقى له دور في السياسة كسائر القوى السياسية المحلية، أم مكتوب له، كتنظيم تتداخل فيه العقيدة بالسياسة والسلاح، إمّا أن يسقط بكامله وإمّا أن يبقى بكامله؟
في هذه المسألة، يجدر التوقف عند ما ذكرته صحيفة “هآرتس” أخيرًا، ومفاده أن الجيش الإسرائيلي يمتلك معلومات عن “الحزب” تؤكّد أنّه يرمّم قواته، في بيروت والبقاع خصوصًا، أي حيث ما زال يستطيع أن يفعل. ويقدّر الإسرائيليون حجم الوسائل القتالية التي يمتلكها “الحزب” اليوم بخُمسَ ما كان لديه في 7 تشرين الأول/2023، لكنّه، وفق التقديرات عينها، “جاهز لتصنيع السلاح، أو لتهريبه إلى لبنان على الرغم من المصاعب التي يواجهها منذ تولّي أحمد الشرع حكم سوريا، لأنّ خط الحدود طويل ويصعب إغلاق كل ثغراته. وفي الموازاة، ينجح “الحزب” في إدخال الأموال”.
هذه التقديرات التي يتعمّد الجيش الإسرائيلي تسريبها في هذا التوقيت ترتدي أهميةً بالغةً في لبنان، لأنّ من شأنها إيضاح الخيارات التي تفكر إسرائيل في اعتمادها، بتعاطيها مع “حزب الله” ولبنان خلال المرحلة المقبلة، أي المرحلة الثانية من خطة الحكومة اللبنانية لنزع سلاح “الحزب”. خيارات إسرائيل، كما بات واضحًا، محصورة باثنين أساسيين:
1 – الإصرار على نزع السلاح كاملًا من كل لبنان. وهذا يضع لبنان أمام جولات كثيرة من المواجهات والمفاوضات.
2 – نزع السلاح تمامًا من كل الجنوب وإبقاء السلاح الذي لا يشكل خطرًا على إسرائيل مدفونًا في مخازن شمال نهر الأولي، مع وضع آلية محكمة للسيطرة عليه تتولاها الدولة. وهذا الخيار قد يوافق عليه “الحزب” لكنّ عواقبه في الداخل وخيمة، لأنه يعني عمليًا استمرار احتفاظ فئة لبنانية بسلاح تستقوي به على الفئات الأخرى. فمقولة وضع المخازن تحت إشراف الدولة فاشلة، إذ يُرَجَّحُ أن تنهار وصاية الدولة يومًا بعد يوم، لتعود المخازن إلى أصحابها في النهاية، سرًّا أو علانيةً.
لكنّ المثير هو الكلام الذي بدأ تداوله عن نصائح وجهها بعض الوسطاء إلى إسرائيل، ومفادها بأنّه من الأفضل للجميع بقاء “حزب الله” منهكًا وعاجزًا، وأن تتم إزاحته بهدوء، لأن زواله بالقوة وبشكل مفاجئ قد تقوم باستغلاله بعض القوى الأكثر راديكالية، في ظلّ عجز الدولة اللبنانية عن الإمساك تمامًا بزمام البلد. ويقال إنّ واشنطن والغربيين والعرب يتحسّبون لهذا الاحتمال إلى حدٍّ معيّن، وهو من أسباب الدعوة التي يوجّهها دونالد ترامب لنتنياهو كي يمنح المزيد من الفرص لخيار التفاوض لا الحرب في لبنان، ما دام قادرًا على تحقيق الأهداف ذاتها، وألّا يتم استخدام القوة إلّا إذا فشل الخيار الدبلوماسي تمامًا.
والكلام على الراديكاليين أو الجهاديين بدأ يُسمع أخيرًا، خصوصًا بعد صدور مواقف تصعيدية مصدرها طهران، أطلقها بعض مسؤوليها ومعهم عبد الله صفي الدين، شقيق الأمين العام السابق لـ”الحزب” هاشم صفي الدين. وثمّة جهات بدأت تتحدّث عن احتمال نشوء نسخة جديدة من “حزب الله” تعترض على “ليونة” نعيم قاسم، وعن اقتناع بعض كوادر الجناح العسكري في “الحزب” بأنّ قاسم يتنازل كثيرًا، منسجمًا مع حركة “أمل”. وسُمعت تحذيرات من احتمال خروج هذه المجموعات من “الحزب”، خصوصًا إذا تلقت دعمًا من قوى أخرى متشددة في طهران كـ”فيلق القدس”، فتنشئ لنفسها خطًّا “جهاديًا”، وتسيطر على مناطق ما زال “حزب الله” مرتاحًا فيها حاليًا، ولا سيما بيروت والبقاع.
لكنّ مصادر أخرى نقلت تحذيراتٍ من نوعٍ آخر، إذ تحدثت عن احتمال أن تؤدّي استثارة الراديكالية أو الجهادية الشيعية إلى استثارة راديكالية أخرى سنّية، أي سلفية جهادية، سواء بالنسخة المعولمة، التي حرّكتها قبل أيام عملية سيدني، أي “القاعدة” و”داعش”، أو بالنسخة السورية التي حرّكتها أخيرًا عملية تدمر. ولطالما تاجر نظام آل الأسد بالراديكالية السنّية، والأرجح أنه كان يخترعها غالبًا، لفرض الهيمنة على اللبنانيين والفلسطينيين وآخرين في الشرق الأوسط. ومكمن الخطر في لبنان هو استغلال مجموعات أو خلايا ما زالت مخبأةً في المخيمات الفلسطينية كعين الحلوة وبعض الجيوب في الشمال والبقاع للتخريب. ومن طبيعة هذه القوى أنّها لا تنصاع لقواعد اشتباك أو تفاهمات أو اتفاقات لوقف النار، وغالبًا لا تقيم حسابًا لحجم الخسائر العسكرية أو السياسية.
وافتراضًا، إذا أتيح لسيناريو “التنسيق والتعاون” بين أنواع الراديكاليين أو الجهاديين الشيعة والسنّة أن يتحقّق، فسيكون الكيان والدولة في لبنان في وضعٍ حرجٍ جدًّا. وهذا الأمر يدركه الأميركيون والأوروبيون والعرب العاملون على خط لبنان، ولذلك هم يطالبون إسرائيل بأن تزيل خطر “حزب الله” بعمليات جراحية عسكرية وسياسية دقيقة، تتكفّل بتحقيق الهدف، أي نزع السلاح، من دون إتاحة الفرصة لقيام الجهات المتضررة باستثارة بدائل أكثر راديكالية أو فوضوية. ويقول البعض إنّ “الحزب” معروف عنوانه السياسي ولديه وزراء ونواب ومصالح في لبنان يمكن الضغط عليها، وربّما يمكن إقناع قيادته الحالية بقبول التفاوض، وأمّا الأكثر راديكالية من داخل الحزب وخارجه فليس معروفًا كيف يمكن التعاطي معهم.
لذلك، من الضروري الانتهاء من المهمة الأولى بإزالة سلاح “الحزب” الراديكالي، ولكن يجب أن يُتاح للجيش أن يكون القوة الوحيدة الجاهزة للإمساك بالأرض بعد “حزب الله” بحيث لا تُمنح أي جهة خارجية أو داخلية جهادية وأكثر راديكالية فرصة الاستثمار في الفوضى، أو خلق بدائل أكثر تطرفًا من “الحزب” نفسه. ومن هنا دقّة العملية الجراحية المطلوب تنفيذها، وبأسرع ما يمكن.














