تبدل الإسم… ماذا عن “الجلد”؟.. المجالس بين “البعث” و”الراية الوطنية” ليست بالأمانات

الكاتب: نوال نصر | المصدر: هنا لبنان
19 كانون الأول 2025

لا أحد يطيق أحدًا. بلغ “البعث” في لبنان حالة جدّ مزرية. ثلاثة أو أربعة يتكلّمون في مجالس خاصة “جدًّا” فيعرف “الخصوم”- بالتفصيل الممل- ماذا قالوا وفكّروا وعملوا.

وبين بين، بين الخصوم، جُلنا في بحثٍ دؤوبٍ عن آخر رمق في “روحية” حزب “البعث” في لبنان، مستطلعين حقيقة “حكاية البعث في لبنان” مع نهاية نظام بعثي جاورنا طوال خمسة عقود. بين حزب “الراية الوطنية” الجديد وحزب “البعث” القديم تدور الحكاية الجديدة مؤكدةً أن العالم تغيّر. فهل يصحّ “ضرب الميت” أو إعادة إحيائه أو الانسحاب منه بالنفَس والروحيّة والقول: نحن حزب جديد؟ كل شيء عن حزب “البعث العربي الاشتراكي في لبنان” – “والخارج من رحمه حزب “الراية الوطنية”

بين الرملة البيضاء والحمراء تدور التفاصيل. عاصم قانصو وعلي حجازي -الخارجان من رحم واحد- رفيقان لم يلتقيا يومًا. أيام قليلة مرت على إعلان علي حجازي تغيير اسم “البعث” إلى “الراية”. فهل انتهى الأمر هنا؟ هل بشطب اسمٍ يُمحى تاريخ “بعثٍ” فيه من “العبثِ” الكثير؟ لبنانيّون كثيرون ضحكوا من قلب القلب على هكذا “فكاهة” لكنّ حجازي لم يبالِ. فهو مدرك أنّ المنطقة بكاملها تغيّرت -وتتغيّر- وتحت مقولة “احفظ رأسك” بدّل الاسم والجلد. وعاد إلى الداخل اللبناني قائلًا: “قرار تغيير الاسم جاء بعد نقاش حزبي مطوّل. ونحن اليوم لا نعلن اسمًا جديدًا فحسب، بل مرحلة متجدّدة”.

مات الملك. عاش الملك. انتهى آل الأسد في سوريا فأصبح لزامًا البحث عن خيارات أخرى. فلنقصد الرملة البيضاء. عاصم قانصو دعا كوادر -أو مَن تبقى من كوادر- “البعث” إلى لقاء مع غروب شمس كانون هذا. وحين سألناه عن المستجدّات دعانا فلبَّيْنا. هو اجتماع لم يزد عدد من شاركوا فيه عن ستة، ونحن. فهل هؤلاء مَن بقوا في “البعث”؟ أبو جاسم يجيب: “لا، لا، نحن لم ندعُ إلى لقاء كبير. لو أردنا أن نجمع فقط عددًا لفعلنا”. نحاول أن نصدق.

يرفض المجتمعون مقولة تغيير الاسم، فالبعثيّون ليسوا غنمًا يُقال لهم انتهى حزب وانطلق حزب، وأنتم أصبحتم “الراية الوطنية لا البعث”. نترك عاصم قانصو يتذكّر أيام رومانيا و”تشاوتشيسكو” ومدرسة الحكمة التي تعلّم فيها، ونصغي إلى فادي حسامي -أمين فرع بيروت لحزب البعث العربي الاشتراكي- وهو يتلو مجدّدًا قسمًا حفظه من زمان: “أقسم بشرفي ومعتقدي أن أكون وفيًّا لمبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي، حافظًا لعهدي، متقيّدًا بنظامي، حريصًا على الوحدة الفكرية والتنظيمية، إلى أن أموت. ويوم أموت فليردّدوا أمام جثماني: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”. يهنئه “رفاقه” على مداخلته. لكن، ماذا بقي من “البعث”؟ ماذا عن الخطوات المقبلة بعدما تبدّل الاسم والمضمون والفكر والعهد؟ يُجيب قيادي آخر: “نحن ننتمي إلى فكر قومي وواجهنا ظروفًا سيئةً أقسى من الظروف الحالية وصمدنا وسنبقى”.

الكلام ليس عليه جمرك. ففي “الحمراء” حيث تبدّل المفهوم والعهد كلام آخر. هناك لا يرغب مَن يوجد في الردّ على عاصم “فهو كبر كثيرًا ولم يعد يدري ما يقول”. وهم، أي جناح البعث -الراية الوطنية- يمثّلون الجيل الجديد، بمضمون مختلف تمامًا ينطلق من خطاب القسَم الذي تلاه الرئيس جوزاف عون. هناك يتكلمون عن “الخيار الوطني”. صدّقوا أو لا تصدّقوا.

علي حجازي أصغر من عاصم قانصو بواحد وخمسين عامًا. عبارة تتكرّر في الحمراء. يعني المستقبل للحمراء لا للرملة البيضاء. لكن، هل هذا يكفي ليُبدّل الحزب جلده بالكامل؟ الجواب: “نحن فهمنا أنّ الزمن تغير. أجرينا نقدًا ذاتيًّا يجب أن نحترمه. وأدركنا أنّ الاسم ما عاد يخدمنا”.

فلنعد إلى الرملة البيضاء، حيث المجتمعون بعدد أصابع اليد، وبينهم امرأتان هما: رولا السامراني وسميرة عبود. تقديم الشاي يتكرّر. والنقاش هادئ. والتأكيد يبدو “نظريًا” جامعًا: “الأستاذ (أزيلت عنه صفة الرفيق) علي حجازي لا يستطيع تغيير الاسم. التغيير يتطلب مؤتمرًا عامًّا”. وتقول رولا السمراني: “اتصل بي حجازي ودعاني إلى لقاء حزبي لا إلى مؤتمر. سألته: هل ستفاجئنا بشيء؟ نفى مؤكدًا أنه سيكون مجرد لقاء ونقاش وغداء. اعتذرت عن المشاركة. وعلمت لاحقًا بما حصل. هو لا يستطيع تغيير الاسم أبدًا. التغيير يتطلب ترتيبات وسندًا قانونيًّا وأصولًا تنظيميةً، والرفيق أبو جاسم (عاصم قانصو) هو رئيس اللجنة التنظيمية”.

نسأل أبو جاسم عمّا إذا كان علي حجازي قد حاول الكلام معه قبل أن يُقدم على ما فعل، أجاب: “لا، تمنّيت على واصف شرارة طلب انعقاد مؤتمر في ظلّ كل المتغيّرات، لكن علي حجازي رفض للحؤول دون حصول انتخابات”.

علي حجازي، في الشكل، أخذ حزب البعث. وعاصم قانصو يتحدّث عن خطوات مقبلة، في الشكل، لإعادة تنظيم البعث. وبين الشكلَيْن يقين أن لبنان تغيّر، وما خاله البعض أبديًّا سرمديًّا انتهى كفقاعة. فلا أحد، من الآن وصاعدًا، يراهن على مقولة “إلى الأبد”. علي حجازي فهم ذلك بسرعة لكن خطوته لا تحسب ذكية؛ لأنه أقدم عليها متأخرًا. سيطلّ من يقول: أن يأتي الأمر متأخرًا خير من ألا يأتي أبدًا. في المقابل، سيطل من يقول: إذا كان هذا صحيحًا فكيف تكون المحاسبة عن أخطاء حصلت؟ خصوصًا أن هناك من لا يزال يراهن حتى اليوم على أحصنة خاسرة.

ماذا عن الخطوات المقبلة؟ وماذا عن أملاك “البعث” في لبنان؟ وما صحّة الكلام أن عاصم قانصو يروّج لرسالة تلقاها من بشار الأسد يعلن فيها دعمه؟ وهل صحيح أن قيادة المخابرات العسكرية أرسلت مَن يُثني عاصم قانصو عن أي تحرّك جديد؟

يستغرب قانصو السؤال الأخير ويقول: “هناك من يشوّش علينا. أمّا بشار فلا شأن لنا به وهمومه تكفيه. وبالنسبة إلى خطواتنا المقبلة فسنكثّف اجتماعاتنا ونشكّل قيادةً جديدةً خلال شهر وسنوزع استمارات، فمَن يريد البقاء معنا نرحب مُجدّدًا به ومن يريد الخروج فليفعل. أمّا بالنسبة إلى العقار في رأس النبع الذي ينوي علي حجازي الاستيلاء عليه -وسبق وتعرّض لغارة قتل فيها محمد عفيف- فهو لنا وسننزل ونضع خيامًا فيه متى شئنا، ولا يحقّ لرئيس حزب الراية الوطنية أي شيء من ممتلكات الحزب”.

كلام كثير سمعناه. كلام للنشر وكلام في مجالس الأمانات، لكنّ المفارقة كانت أنّنا ما إنْ خرجنا من منزل عاصم قانصو حتى نقل أحدهم لنا، من خصوم الرملة البيضاء، ما قيل بالتفصيل المملّ. نعم، الخرق موجود.

تبدل الإسم… ماذا عن “الجلد”؟.. المجالس بين “البعث” و”الراية الوطنية” ليست بالأمانات

الكاتب: نوال نصر | المصدر: هنا لبنان
19 كانون الأول 2025

لا أحد يطيق أحدًا. بلغ “البعث” في لبنان حالة جدّ مزرية. ثلاثة أو أربعة يتكلّمون في مجالس خاصة “جدًّا” فيعرف “الخصوم”- بالتفصيل الممل- ماذا قالوا وفكّروا وعملوا.

وبين بين، بين الخصوم، جُلنا في بحثٍ دؤوبٍ عن آخر رمق في “روحية” حزب “البعث” في لبنان، مستطلعين حقيقة “حكاية البعث في لبنان” مع نهاية نظام بعثي جاورنا طوال خمسة عقود. بين حزب “الراية الوطنية” الجديد وحزب “البعث” القديم تدور الحكاية الجديدة مؤكدةً أن العالم تغيّر. فهل يصحّ “ضرب الميت” أو إعادة إحيائه أو الانسحاب منه بالنفَس والروحيّة والقول: نحن حزب جديد؟ كل شيء عن حزب “البعث العربي الاشتراكي في لبنان” – “والخارج من رحمه حزب “الراية الوطنية”

بين الرملة البيضاء والحمراء تدور التفاصيل. عاصم قانصو وعلي حجازي -الخارجان من رحم واحد- رفيقان لم يلتقيا يومًا. أيام قليلة مرت على إعلان علي حجازي تغيير اسم “البعث” إلى “الراية”. فهل انتهى الأمر هنا؟ هل بشطب اسمٍ يُمحى تاريخ “بعثٍ” فيه من “العبثِ” الكثير؟ لبنانيّون كثيرون ضحكوا من قلب القلب على هكذا “فكاهة” لكنّ حجازي لم يبالِ. فهو مدرك أنّ المنطقة بكاملها تغيّرت -وتتغيّر- وتحت مقولة “احفظ رأسك” بدّل الاسم والجلد. وعاد إلى الداخل اللبناني قائلًا: “قرار تغيير الاسم جاء بعد نقاش حزبي مطوّل. ونحن اليوم لا نعلن اسمًا جديدًا فحسب، بل مرحلة متجدّدة”.

مات الملك. عاش الملك. انتهى آل الأسد في سوريا فأصبح لزامًا البحث عن خيارات أخرى. فلنقصد الرملة البيضاء. عاصم قانصو دعا كوادر -أو مَن تبقى من كوادر- “البعث” إلى لقاء مع غروب شمس كانون هذا. وحين سألناه عن المستجدّات دعانا فلبَّيْنا. هو اجتماع لم يزد عدد من شاركوا فيه عن ستة، ونحن. فهل هؤلاء مَن بقوا في “البعث”؟ أبو جاسم يجيب: “لا، لا، نحن لم ندعُ إلى لقاء كبير. لو أردنا أن نجمع فقط عددًا لفعلنا”. نحاول أن نصدق.

يرفض المجتمعون مقولة تغيير الاسم، فالبعثيّون ليسوا غنمًا يُقال لهم انتهى حزب وانطلق حزب، وأنتم أصبحتم “الراية الوطنية لا البعث”. نترك عاصم قانصو يتذكّر أيام رومانيا و”تشاوتشيسكو” ومدرسة الحكمة التي تعلّم فيها، ونصغي إلى فادي حسامي -أمين فرع بيروت لحزب البعث العربي الاشتراكي- وهو يتلو مجدّدًا قسمًا حفظه من زمان: “أقسم بشرفي ومعتقدي أن أكون وفيًّا لمبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي، حافظًا لعهدي، متقيّدًا بنظامي، حريصًا على الوحدة الفكرية والتنظيمية، إلى أن أموت. ويوم أموت فليردّدوا أمام جثماني: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”. يهنئه “رفاقه” على مداخلته. لكن، ماذا بقي من “البعث”؟ ماذا عن الخطوات المقبلة بعدما تبدّل الاسم والمضمون والفكر والعهد؟ يُجيب قيادي آخر: “نحن ننتمي إلى فكر قومي وواجهنا ظروفًا سيئةً أقسى من الظروف الحالية وصمدنا وسنبقى”.

الكلام ليس عليه جمرك. ففي “الحمراء” حيث تبدّل المفهوم والعهد كلام آخر. هناك لا يرغب مَن يوجد في الردّ على عاصم “فهو كبر كثيرًا ولم يعد يدري ما يقول”. وهم، أي جناح البعث -الراية الوطنية- يمثّلون الجيل الجديد، بمضمون مختلف تمامًا ينطلق من خطاب القسَم الذي تلاه الرئيس جوزاف عون. هناك يتكلمون عن “الخيار الوطني”. صدّقوا أو لا تصدّقوا.

علي حجازي أصغر من عاصم قانصو بواحد وخمسين عامًا. عبارة تتكرّر في الحمراء. يعني المستقبل للحمراء لا للرملة البيضاء. لكن، هل هذا يكفي ليُبدّل الحزب جلده بالكامل؟ الجواب: “نحن فهمنا أنّ الزمن تغير. أجرينا نقدًا ذاتيًّا يجب أن نحترمه. وأدركنا أنّ الاسم ما عاد يخدمنا”.

فلنعد إلى الرملة البيضاء، حيث المجتمعون بعدد أصابع اليد، وبينهم امرأتان هما: رولا السامراني وسميرة عبود. تقديم الشاي يتكرّر. والنقاش هادئ. والتأكيد يبدو “نظريًا” جامعًا: “الأستاذ (أزيلت عنه صفة الرفيق) علي حجازي لا يستطيع تغيير الاسم. التغيير يتطلب مؤتمرًا عامًّا”. وتقول رولا السمراني: “اتصل بي حجازي ودعاني إلى لقاء حزبي لا إلى مؤتمر. سألته: هل ستفاجئنا بشيء؟ نفى مؤكدًا أنه سيكون مجرد لقاء ونقاش وغداء. اعتذرت عن المشاركة. وعلمت لاحقًا بما حصل. هو لا يستطيع تغيير الاسم أبدًا. التغيير يتطلب ترتيبات وسندًا قانونيًّا وأصولًا تنظيميةً، والرفيق أبو جاسم (عاصم قانصو) هو رئيس اللجنة التنظيمية”.

نسأل أبو جاسم عمّا إذا كان علي حجازي قد حاول الكلام معه قبل أن يُقدم على ما فعل، أجاب: “لا، تمنّيت على واصف شرارة طلب انعقاد مؤتمر في ظلّ كل المتغيّرات، لكن علي حجازي رفض للحؤول دون حصول انتخابات”.

علي حجازي، في الشكل، أخذ حزب البعث. وعاصم قانصو يتحدّث عن خطوات مقبلة، في الشكل، لإعادة تنظيم البعث. وبين الشكلَيْن يقين أن لبنان تغيّر، وما خاله البعض أبديًّا سرمديًّا انتهى كفقاعة. فلا أحد، من الآن وصاعدًا، يراهن على مقولة “إلى الأبد”. علي حجازي فهم ذلك بسرعة لكن خطوته لا تحسب ذكية؛ لأنه أقدم عليها متأخرًا. سيطلّ من يقول: أن يأتي الأمر متأخرًا خير من ألا يأتي أبدًا. في المقابل، سيطل من يقول: إذا كان هذا صحيحًا فكيف تكون المحاسبة عن أخطاء حصلت؟ خصوصًا أن هناك من لا يزال يراهن حتى اليوم على أحصنة خاسرة.

ماذا عن الخطوات المقبلة؟ وماذا عن أملاك “البعث” في لبنان؟ وما صحّة الكلام أن عاصم قانصو يروّج لرسالة تلقاها من بشار الأسد يعلن فيها دعمه؟ وهل صحيح أن قيادة المخابرات العسكرية أرسلت مَن يُثني عاصم قانصو عن أي تحرّك جديد؟

يستغرب قانصو السؤال الأخير ويقول: “هناك من يشوّش علينا. أمّا بشار فلا شأن لنا به وهمومه تكفيه. وبالنسبة إلى خطواتنا المقبلة فسنكثّف اجتماعاتنا ونشكّل قيادةً جديدةً خلال شهر وسنوزع استمارات، فمَن يريد البقاء معنا نرحب مُجدّدًا به ومن يريد الخروج فليفعل. أمّا بالنسبة إلى العقار في رأس النبع الذي ينوي علي حجازي الاستيلاء عليه -وسبق وتعرّض لغارة قتل فيها محمد عفيف- فهو لنا وسننزل ونضع خيامًا فيه متى شئنا، ولا يحقّ لرئيس حزب الراية الوطنية أي شيء من ممتلكات الحزب”.

كلام كثير سمعناه. كلام للنشر وكلام في مجالس الأمانات، لكنّ المفارقة كانت أنّنا ما إنْ خرجنا من منزل عاصم قانصو حتى نقل أحدهم لنا، من خصوم الرملة البيضاء، ما قيل بالتفصيل المملّ. نعم، الخرق موجود.

مزيد من الأخبار

مزيد من الأخبار