وَقَعَ التّمديد: كلّهم مذنبون!

تتصرّف الطبقة السياسيّة على أساس أنّ التمديد واقع لا محالة، بانتظار اللحظة المناسبة لتجرّع كأسه. كان يكفي رصد دقائق اجتماع لجنة شؤون الخارجيّة والمغتربين، الذي عُقد يوم الأربعاء المنصرم، للتأكّد من أنّ الطبقة السياسيّة برمّتها تلهث وراء التمديد لمجلس النوّاب، فيما البحث جارٍ عن صيغة تقيها شرّ رجم الرأي العامّ، وتحول دون الطعن بقانون التمديد أمام المجلس الدستوريّ.
في الوقائع، مؤشّران أساسيّان طبعا الأيّام القليلة الماضية، ويقودان إلى خلاصة مفادها أنّ مجلس النوّاب بصدد حياكة صيغة قانونيّة تتيح له البقاء حتّى عام 2026:
- استعادة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لأكثريّة نيابيّة تسمح له بفتح باب البرلمان بعدما جرى تعطيله منذ 29 أيلول المنصرم، تاريخ انعقاد آخر جلسة تشريعيّة. إذ إنّ خروج “تكتّل الاعتدال الوطنيّ” من تحت عباءة الفريق المعطِّل لينضمّ إلى الكتل المشاركة، رفع من حماسة الرئيس برّي ليحشد مشاركة 69 نائباً في الجلسة، فتعود المبادرة إلى يد رئيس البرلمان. هذا مع العلم أنّ التمديد قد يتمّ بـ30 نائباً لا أكثر، ولا يحتاج إلّا إلى نصاب النصف زائداً واحداً. المهمّ هو الغطاء السياسيّ الذي تعمل القوى السياسيّة كلّ من جهتها على ترتيب لوحة الشطرنج من أجله.
- بيّن اجتماع لجنة الخارجيّة الذي كان مخصّصاً لمناقشة مشروع القانون المعجّل الذي أرسلته الحكومة في 17 تشرين الثاني المنصرم، والقاضي بتعليق الموادّ 112 والفقرة الأولى من المادّة 118، وتعليق الموادّ 121 و122، وتعديل المادّتين 84 و113، أنّ الحكومة غير مكترثة أصلاً بمتابعة المشروع الذي أحالته. إذ بعدما شارك وزيرا الداخليّة والخارجيّة أحمد الحجّار ويوسف رجّي في الاجتماع الأوّل، الذي طلبت فيه اللجنة من الوزيرين تسليمها التقرير التقنيّ الذي تعدّه اللجنة المشتركة من الوزارتين، تغيّب الوزيران عن الاجتماع واكتفيا بإرسال مسؤولين في الوزارتين. هؤلاء أبلغوا أعضاء لجنة الخارجيّة أنّهم قاموا بواجبهم لجهة تحضير التقرير التقنيّ، لكنّ رفعه إلى المجلس هو قرار سياسيّ.
يُفهم من ذلك أنّ الحكومة التي سبق لها أن “ادّعت” بعد جلسة 16 أيلول المنصرم أنّها عاجزة عن إجراء الانتخابات ما لم يتدخّل مجلس النوّاب “من أجل العمل على معالجة وتصحيح العيوب الموجودة في القانون الحاليّ أو استدراك تلك النواقص في أيّ قانون انتخابيّ جديد سيرعى وينظّم العمليّة الانتخابيّة المقبلة”، لا تزال تتصرّف بمنطق بارد، وكأنّها غير مستعجلة لإجراء الاستحقاق، ولا معنيّة بتفكيك الألغام التي تعترض طريقه.
تركت الحكومة المشروع الذي أحالته إلى مجلس النوّاب معلّقاً على مكتب لجنة الخارجيّة، التي باتت اجتماعاتها خارج المتناول، بسبب رفض “القوّات” المشاركة في النقاش بحجّة انتهاء مهلة الدرس في اللجنة وصار لا بدّ من إحالته إلى الهيئة العامّة. ولهذا خرج نوّاب “القوّات” يوم الخميس من اجتماع لجنة الخارجيّة، فانفرط عقدها. ومن المرجّح عدم مشاركتهم من جديد في اجتماعها إذا كان الهدف درس مشروع الحكومة.
من هنا، يقول أكثر من نائب إنّ الطبقة السياسيّة، الموزّعة بين الحكومة ومجلس النوّاب، تلعب لعبة مكشوفة تقوم على تقاذف الاتّهام بالتعطيل. رفعت السلطة التنفيذيّة بطاقة حمراء بحجّة أنّها لا تستطيع إجراء الاستحقاق إذا لم يتمّ تعديل القانون، فيما مجلس النوّاب يقفل باب التعديل بسبب الخلاف بين الكتل النيابيّة إزاء مسألة اقتراع المغتربين، في حين باتت القناعة راسخة أنّ البرلمان يستعدّ لصياغة اقتراح للتمديد سنتين تحت عنوان عدم جهوزيّة الحكومة لإجراء الاستحقاق.
أمّا فدائيّو هذا الاقتراح فكثر: سجيع عطيّة، جهاد الصمد، حتّى الياس بو صعب قادر على فعلها ومهّد للأمر يوم أمس حين أعلن بعد انتهاء الجلسة التشريعيّة “أنا قلت إنّه إذا ذهبنا إلى خيار إعادة فتح المهل للمغتربين للتسجيل للاقتراع لـ128 نائباً سنكون ملزَمين بتمديد تقنيّ لمجلس النوّاب”.
يرى المعنيّون أنّ تركيز المجتمع الدوليّ، وتحديداً واشنطن، على ملفّ المفاوضات بين لبنان وإسرائيل (وحده جان إيف لودريان تحدث عن ضرورة احترام الاستحقاقات الدستورية)، يترك مصير الاستحقاق النيابيّ بين يدي المنظومة السياسيّة اللبنانيّة التي تفضّل الهروب من معموديّة الانتخابات قدر الإمكان، خصوصاً أن لا مؤشّرات تدلّ على أنّ المال السياسيّ سيرعى الاستحقاق ويدير مساراته.
الكرة حتّى اللحظة في ملعب الحكومة لجهة المضيّ في الإجراءات التنفيذيّة، وتحديداً في دعوة الهيئات الناخبة، سواء في ما خصّ الناخبين المقيمين أو غير المقيمين. إذ سبق لوزير الداخليّة أن حذّر من انتهاء العام الحالي من دون تعديل القانون، الأمر الذي سيحول دون دعوة الناخبين غير المقيمين.
تنصّ المادّة 41 من القانون رقم 8 تاريخ 17/6/2017 وتعديلاته (قانون الانتخابات النيابيّة) على دعوة الهيئات الناخبة (المقيمين) قبل تسعين يوماً على الأقلّ من تاريخ الانتخاب، وعلى دعوة الهيئات الناخبة لغير المقيمين قبل مئة وعشرين يوماً على الأقلّ. وهذا ما يعني أنّ هذه الخطوة يجب أن تتمّ بالحدّ الأقصى في شهر كانون الثاني، وكلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ الأمر صار مستحيلاً.
إذاً ستكون وزارة الداخليّة أمام إشكاليّة قانونيّة: هل تدعو غير المقيمين ضمن المهلة القانونيّة أم تقول صراحة إنّها لا تستطيع إشراكهم في الانتخابات من خلال الاقتراع في الخارج؟
مع مطلع العام الجديد، ستكون الحكومة أوّلاً والبرلمان ثانياً أمام تحدّي حسم مصير الانتخابات: إمّا الذهاب إلى تسوية تطيِّر حقّ المغتربين في الاقتراع في الخارج سواء للدائرة 16 أم للنوّاب الـ128 بعد تأجيل تقنيّ إلى تمّوز المقبل، وإمّا وضع قطار التمديد لسنتين على سكّته، هذا مع العلم أن بعض النواب يؤكدون أن التمديد قرار صعب ويحتاج إلى توافق جامع يمنع المزايدات.
وَقَعَ التّمديد: كلّهم مذنبون!

تتصرّف الطبقة السياسيّة على أساس أنّ التمديد واقع لا محالة، بانتظار اللحظة المناسبة لتجرّع كأسه. كان يكفي رصد دقائق اجتماع لجنة شؤون الخارجيّة والمغتربين، الذي عُقد يوم الأربعاء المنصرم، للتأكّد من أنّ الطبقة السياسيّة برمّتها تلهث وراء التمديد لمجلس النوّاب، فيما البحث جارٍ عن صيغة تقيها شرّ رجم الرأي العامّ، وتحول دون الطعن بقانون التمديد أمام المجلس الدستوريّ.
في الوقائع، مؤشّران أساسيّان طبعا الأيّام القليلة الماضية، ويقودان إلى خلاصة مفادها أنّ مجلس النوّاب بصدد حياكة صيغة قانونيّة تتيح له البقاء حتّى عام 2026:
- استعادة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لأكثريّة نيابيّة تسمح له بفتح باب البرلمان بعدما جرى تعطيله منذ 29 أيلول المنصرم، تاريخ انعقاد آخر جلسة تشريعيّة. إذ إنّ خروج “تكتّل الاعتدال الوطنيّ” من تحت عباءة الفريق المعطِّل لينضمّ إلى الكتل المشاركة، رفع من حماسة الرئيس برّي ليحشد مشاركة 69 نائباً في الجلسة، فتعود المبادرة إلى يد رئيس البرلمان. هذا مع العلم أنّ التمديد قد يتمّ بـ30 نائباً لا أكثر، ولا يحتاج إلّا إلى نصاب النصف زائداً واحداً. المهمّ هو الغطاء السياسيّ الذي تعمل القوى السياسيّة كلّ من جهتها على ترتيب لوحة الشطرنج من أجله.
- بيّن اجتماع لجنة الخارجيّة الذي كان مخصّصاً لمناقشة مشروع القانون المعجّل الذي أرسلته الحكومة في 17 تشرين الثاني المنصرم، والقاضي بتعليق الموادّ 112 والفقرة الأولى من المادّة 118، وتعليق الموادّ 121 و122، وتعديل المادّتين 84 و113، أنّ الحكومة غير مكترثة أصلاً بمتابعة المشروع الذي أحالته. إذ بعدما شارك وزيرا الداخليّة والخارجيّة أحمد الحجّار ويوسف رجّي في الاجتماع الأوّل، الذي طلبت فيه اللجنة من الوزيرين تسليمها التقرير التقنيّ الذي تعدّه اللجنة المشتركة من الوزارتين، تغيّب الوزيران عن الاجتماع واكتفيا بإرسال مسؤولين في الوزارتين. هؤلاء أبلغوا أعضاء لجنة الخارجيّة أنّهم قاموا بواجبهم لجهة تحضير التقرير التقنيّ، لكنّ رفعه إلى المجلس هو قرار سياسيّ.
يُفهم من ذلك أنّ الحكومة التي سبق لها أن “ادّعت” بعد جلسة 16 أيلول المنصرم أنّها عاجزة عن إجراء الانتخابات ما لم يتدخّل مجلس النوّاب “من أجل العمل على معالجة وتصحيح العيوب الموجودة في القانون الحاليّ أو استدراك تلك النواقص في أيّ قانون انتخابيّ جديد سيرعى وينظّم العمليّة الانتخابيّة المقبلة”، لا تزال تتصرّف بمنطق بارد، وكأنّها غير مستعجلة لإجراء الاستحقاق، ولا معنيّة بتفكيك الألغام التي تعترض طريقه.
تركت الحكومة المشروع الذي أحالته إلى مجلس النوّاب معلّقاً على مكتب لجنة الخارجيّة، التي باتت اجتماعاتها خارج المتناول، بسبب رفض “القوّات” المشاركة في النقاش بحجّة انتهاء مهلة الدرس في اللجنة وصار لا بدّ من إحالته إلى الهيئة العامّة. ولهذا خرج نوّاب “القوّات” يوم الخميس من اجتماع لجنة الخارجيّة، فانفرط عقدها. ومن المرجّح عدم مشاركتهم من جديد في اجتماعها إذا كان الهدف درس مشروع الحكومة.
من هنا، يقول أكثر من نائب إنّ الطبقة السياسيّة، الموزّعة بين الحكومة ومجلس النوّاب، تلعب لعبة مكشوفة تقوم على تقاذف الاتّهام بالتعطيل. رفعت السلطة التنفيذيّة بطاقة حمراء بحجّة أنّها لا تستطيع إجراء الاستحقاق إذا لم يتمّ تعديل القانون، فيما مجلس النوّاب يقفل باب التعديل بسبب الخلاف بين الكتل النيابيّة إزاء مسألة اقتراع المغتربين، في حين باتت القناعة راسخة أنّ البرلمان يستعدّ لصياغة اقتراح للتمديد سنتين تحت عنوان عدم جهوزيّة الحكومة لإجراء الاستحقاق.
أمّا فدائيّو هذا الاقتراح فكثر: سجيع عطيّة، جهاد الصمد، حتّى الياس بو صعب قادر على فعلها ومهّد للأمر يوم أمس حين أعلن بعد انتهاء الجلسة التشريعيّة “أنا قلت إنّه إذا ذهبنا إلى خيار إعادة فتح المهل للمغتربين للتسجيل للاقتراع لـ128 نائباً سنكون ملزَمين بتمديد تقنيّ لمجلس النوّاب”.
يرى المعنيّون أنّ تركيز المجتمع الدوليّ، وتحديداً واشنطن، على ملفّ المفاوضات بين لبنان وإسرائيل (وحده جان إيف لودريان تحدث عن ضرورة احترام الاستحقاقات الدستورية)، يترك مصير الاستحقاق النيابيّ بين يدي المنظومة السياسيّة اللبنانيّة التي تفضّل الهروب من معموديّة الانتخابات قدر الإمكان، خصوصاً أن لا مؤشّرات تدلّ على أنّ المال السياسيّ سيرعى الاستحقاق ويدير مساراته.
الكرة حتّى اللحظة في ملعب الحكومة لجهة المضيّ في الإجراءات التنفيذيّة، وتحديداً في دعوة الهيئات الناخبة، سواء في ما خصّ الناخبين المقيمين أو غير المقيمين. إذ سبق لوزير الداخليّة أن حذّر من انتهاء العام الحالي من دون تعديل القانون، الأمر الذي سيحول دون دعوة الناخبين غير المقيمين.
تنصّ المادّة 41 من القانون رقم 8 تاريخ 17/6/2017 وتعديلاته (قانون الانتخابات النيابيّة) على دعوة الهيئات الناخبة (المقيمين) قبل تسعين يوماً على الأقلّ من تاريخ الانتخاب، وعلى دعوة الهيئات الناخبة لغير المقيمين قبل مئة وعشرين يوماً على الأقلّ. وهذا ما يعني أنّ هذه الخطوة يجب أن تتمّ بالحدّ الأقصى في شهر كانون الثاني، وكلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ الأمر صار مستحيلاً.
إذاً ستكون وزارة الداخليّة أمام إشكاليّة قانونيّة: هل تدعو غير المقيمين ضمن المهلة القانونيّة أم تقول صراحة إنّها لا تستطيع إشراكهم في الانتخابات من خلال الاقتراع في الخارج؟
مع مطلع العام الجديد، ستكون الحكومة أوّلاً والبرلمان ثانياً أمام تحدّي حسم مصير الانتخابات: إمّا الذهاب إلى تسوية تطيِّر حقّ المغتربين في الاقتراع في الخارج سواء للدائرة 16 أم للنوّاب الـ128 بعد تأجيل تقنيّ إلى تمّوز المقبل، وإمّا وضع قطار التمديد لسنتين على سكّته، هذا مع العلم أن بعض النواب يؤكدون أن التمديد قرار صعب ويحتاج إلى توافق جامع يمنع المزايدات.












