أدوية مزوّرة من أوروبا: المافيا المجهولة ما زالت قوية

الكاتب: خضر حسان | المصدر: المدن
20 كانون الأول 2025

تتكرّر معزوفة أنّ في لبنان مافيا للدواء، على غرار المافيات الحاكمة في قطاعات أخرى. لكنّ أحداً لم يكتشف مَن هي هذه المافيا التي تتاجر بحياة اللبنانيين، بالرغم من أنّ الكثير من الأدوية والمتمّمات الغذائية والمستحضرات المستخدمة بعمليات تجميلية، يتمّ ضبطها آتية إلى لبنان بطرق غير قانونية، وبعضها مزوَّر بشتّى الطرق، إمّا بالمنشأ أو بالصلاحية أو بالتركيبة… وما إلى ذلك. وتضبط القوى الأمنية شحنات الأدوية تلك، ويتمّ توقيف صاحب الصيدلية أو المخزن المضبوط، إلاّ أنّ المسار يقف عند هذا الحدّ ولا يُستَكمَل لمعرفة كيف دخلت تلك المواد لبنان، ومَن سَهَّل ذلك، ومَن المسؤول عن تلك المافيا التي تتحكّم بهذا السوق؟.

بين التهريب والتزوير

عملية الغش في قطاع الدواء، ليست حدثاً عابراً يمكن التقليل من شأنه واعتباره مجرّد فصل من فصول الفساد في البلد. فالمنتَج المغشوش هنا ليس كرسيّاً يمكن استبداله عند تعرّضه للتلف. ولذلك، من الضروري تحديد جوهر القضية بوضوح، وتحديداً المسؤوليات ومتابعتها. وفي السياق، فإنّ المعضلة الأساسية في قطاع الدواء تكمن في التهريب والتزوير. وهنا، تشير مصادر متابعة لهذا الملفّ إلى أنّ “التهريب يأتي عبر المرافىء والمطار، وفي هذه الحالة تبرز مسؤولية الجهات الأمنية. وبما أنّ الدواء المهرَّب يصل إلى الصيدليات ومستودعات الأدوية، فإنّ خرقاً واضحاً يحصل في هذا المجال، فمَن يسهِّل الخرق؟ الجواب يبقى لدى الأجهزة الأمنية والقضائية والسياسية التي تتحكّم بمفاصل البلد ومؤسساته ومرافقه العامة”.

في مسألة التزوير، تقول المصادر في حديث لـ”المدن”، إنّ التزوير “يأخذ أشكالاً كثيرة، منها ما يتلطّى خلف ستار الشرعية، وهو ما يحصل في لبنان. فبعض الجهات المستوردة للأدوية تذهب إلى مصانع أدوية في أوروبا، وخصوصاً في إيطاليا وفرنسا، وتطلب منها منتجاً يماثل منتجها الأصلي، لكن بجودة أقل، لتحقيق أرباح أكبر في لبنان. وبعض تلك المصانع يوافق على ذلك كسباً للمال، ولا يعترض على ذلك إذ لا تهمّه مشكلة الرقابة في لبنان. وبالتالي، يصبح لدينا في السوق منتجاً أصلياً في الشكل، لكنّه مزوّر في المضمون، لأنّ خفض الجودة يعني التقليل من كمية المواد الفعّالة في الدواء”.

شكلٌ آخر من أشكال التزوير، هو تغيير مدّة صلاحية الدواء، وهو أمر شائع “ومسار يبدأ من بعض شركات الأدوية والموزّعين وصولاً إلى بعض الصيادلة، وتشارك بعض المستشفيات في ذلك”. وتكشف المصادر أنّ “بعض الصيدليات والمستشفيات لا يقومون بتغيير مدّة صلاحية الأدوية، لأنّها لا تُباع للمرضى، إذ تُعطى الأدوية بالحبّة، ولا يمكن للمريض معرفة نوعها وتاريخ صلاحيّتها وجودة موادها الفعّالة، وهي أمور كلّها لا يمكن السيطرة عليها في ظل غياب الرقابة الفعلية”.

مسؤولية وزارة الصحة

إن كان دخول الأدوية عن طريق المعابر أمراً أمنياً في بدايته، إلاّ أنّ انتشار الدواء المهرَّب والمزوَّر في السوق، يصبح من مسؤولية الجهات الأخرى، وهنا يأتي دور وزارة الصحة “الطرف المعني الأوّل في هذا الملف”، وفق المصادر التي ترى أنّ “التفتيش الصيدلي في وزارة الصحة عليه تكثيف عمله. كما أنّ غياب المختبر المركزي لفحص الدواء، يساهم في تعقيد المسألة وتأخير الحلّ، وهذا أيضاً من مسؤولية وزارة الصحّة”.

وللحدّ من التهريب والتزوير، أعادت الوزارة تفعيل نظام “مدي تراك” MediTrack الذي يتيح للمرضى مسح الباركود Barcode الموجود على علب الدواء للتأكّد من تسجيله في الوزارة وخضوعه لرقابتها. ويمكن عبر النظام البحث عن الإسم التجاري للدواء أو تركيبته العلمية. لكن بحسب المصادر “هذه الخطوة لا تكفي، لأنّها لا تحارب التهريب والتزوير، بل تتيح تتبُّع مسار الدواء المقونن فقط من دون التأكّد من جودته، لأن ذلك مسار مخبري آخر”.

المواطن لا يعلم

صيدليات تتم مداهمتها، وآخرها صيدلية في انطلياس، ومستودعات يجري الكشف عليها أحياناً، على أنّ المستشفيات غائبة عن المشهد الرقابي في هذا الملف، ما خلا فضيحة أدوية السرطان المغشوشة في مستشفى رفيق الحريري الحكومي في العام 2017. لكن المشترك في كل ذلك، هو عدم اكتشاف الرؤوس الكبيرة في المافيا التي يتحدّث عنها الجميع. بل إنّ مَن يقع، هو الحلقة الأصغر في ذلك التسلسل الهرمي، أي صيدلاني، ومسؤول مستودع وأحد الأطباء أو أحد الممرّضين، وما إلى ذلك.

ووسط كل ذلك، يبقى المرضى هم الشريحة التي تدفع الثمن. وهؤلاء ليسوا خبراء أدوية ليكتشفوا التهريب والتزوير بالعين المجرّدة. فالمريض يطلب الدواء من الصيدلية بعيداً من كل تلك التفاصيل. وقليل من المرضى ينتبهون إلى الملصق الصغير على علب الأدوية، والذي يشير إلى أنّ الدواء مسجَّل لدى وزارة الصحة. ومع ذلك، وإن كان الدواء مسجَّلاً وليس مهرّباً، فهل يستطيع المريض معرفة قوّة المادة الفعّالة في ذلك الدواء؟ وفي السياق، يقول رئيس “الهيئة الوطنية الصحية – الصحة حق وكرامة” الدكتور إسماعيل سكرية، إنّ هذا الملف “أشبع كلاماً منذ عقود، ومع ذلك لا يزال الوضع على حاله من تزوير وتهريب وغياب للرقابة وللمختبر المركزي للدواء”. ويشرح سكرية في حديث لـ”المدن” أنّ مسألة التزوير في مهلة الصلاحية أو تركيبة الدواء ليست مجرّد عملية عادية “حتى لو تمّ التلاعب بالصلاحية لفترة محدودة، وهناك مَن يتذرّع بأنّ انقضاء التاريخ لا يعني أنّ الدواء بات قاتلاً أو مضرّاً بشكل مباشر. نعم قد لا يكون الضرر مباشراً بالنسبة لأدوية مثل المسكّنات، لكنه بالنسبة لأدوية القلب والشرايين والضغط والسرطان قد يكون قاتلاً، لأنّ خفض فاعلية الدواء تعني عدم إعطاء المريض الجرعة المناسبة، وهذا يسبب الموت أحياناً، والمريض لا يمكنه معرفة كل هذه التفاصيل”.

أدوية مزوّرة من أوروبا: المافيا المجهولة ما زالت قوية

الكاتب: خضر حسان | المصدر: المدن
20 كانون الأول 2025

تتكرّر معزوفة أنّ في لبنان مافيا للدواء، على غرار المافيات الحاكمة في قطاعات أخرى. لكنّ أحداً لم يكتشف مَن هي هذه المافيا التي تتاجر بحياة اللبنانيين، بالرغم من أنّ الكثير من الأدوية والمتمّمات الغذائية والمستحضرات المستخدمة بعمليات تجميلية، يتمّ ضبطها آتية إلى لبنان بطرق غير قانونية، وبعضها مزوَّر بشتّى الطرق، إمّا بالمنشأ أو بالصلاحية أو بالتركيبة… وما إلى ذلك. وتضبط القوى الأمنية شحنات الأدوية تلك، ويتمّ توقيف صاحب الصيدلية أو المخزن المضبوط، إلاّ أنّ المسار يقف عند هذا الحدّ ولا يُستَكمَل لمعرفة كيف دخلت تلك المواد لبنان، ومَن سَهَّل ذلك، ومَن المسؤول عن تلك المافيا التي تتحكّم بهذا السوق؟.

بين التهريب والتزوير

عملية الغش في قطاع الدواء، ليست حدثاً عابراً يمكن التقليل من شأنه واعتباره مجرّد فصل من فصول الفساد في البلد. فالمنتَج المغشوش هنا ليس كرسيّاً يمكن استبداله عند تعرّضه للتلف. ولذلك، من الضروري تحديد جوهر القضية بوضوح، وتحديداً المسؤوليات ومتابعتها. وفي السياق، فإنّ المعضلة الأساسية في قطاع الدواء تكمن في التهريب والتزوير. وهنا، تشير مصادر متابعة لهذا الملفّ إلى أنّ “التهريب يأتي عبر المرافىء والمطار، وفي هذه الحالة تبرز مسؤولية الجهات الأمنية. وبما أنّ الدواء المهرَّب يصل إلى الصيدليات ومستودعات الأدوية، فإنّ خرقاً واضحاً يحصل في هذا المجال، فمَن يسهِّل الخرق؟ الجواب يبقى لدى الأجهزة الأمنية والقضائية والسياسية التي تتحكّم بمفاصل البلد ومؤسساته ومرافقه العامة”.

في مسألة التزوير، تقول المصادر في حديث لـ”المدن”، إنّ التزوير “يأخذ أشكالاً كثيرة، منها ما يتلطّى خلف ستار الشرعية، وهو ما يحصل في لبنان. فبعض الجهات المستوردة للأدوية تذهب إلى مصانع أدوية في أوروبا، وخصوصاً في إيطاليا وفرنسا، وتطلب منها منتجاً يماثل منتجها الأصلي، لكن بجودة أقل، لتحقيق أرباح أكبر في لبنان. وبعض تلك المصانع يوافق على ذلك كسباً للمال، ولا يعترض على ذلك إذ لا تهمّه مشكلة الرقابة في لبنان. وبالتالي، يصبح لدينا في السوق منتجاً أصلياً في الشكل، لكنّه مزوّر في المضمون، لأنّ خفض الجودة يعني التقليل من كمية المواد الفعّالة في الدواء”.

شكلٌ آخر من أشكال التزوير، هو تغيير مدّة صلاحية الدواء، وهو أمر شائع “ومسار يبدأ من بعض شركات الأدوية والموزّعين وصولاً إلى بعض الصيادلة، وتشارك بعض المستشفيات في ذلك”. وتكشف المصادر أنّ “بعض الصيدليات والمستشفيات لا يقومون بتغيير مدّة صلاحية الأدوية، لأنّها لا تُباع للمرضى، إذ تُعطى الأدوية بالحبّة، ولا يمكن للمريض معرفة نوعها وتاريخ صلاحيّتها وجودة موادها الفعّالة، وهي أمور كلّها لا يمكن السيطرة عليها في ظل غياب الرقابة الفعلية”.

مسؤولية وزارة الصحة

إن كان دخول الأدوية عن طريق المعابر أمراً أمنياً في بدايته، إلاّ أنّ انتشار الدواء المهرَّب والمزوَّر في السوق، يصبح من مسؤولية الجهات الأخرى، وهنا يأتي دور وزارة الصحة “الطرف المعني الأوّل في هذا الملف”، وفق المصادر التي ترى أنّ “التفتيش الصيدلي في وزارة الصحة عليه تكثيف عمله. كما أنّ غياب المختبر المركزي لفحص الدواء، يساهم في تعقيد المسألة وتأخير الحلّ، وهذا أيضاً من مسؤولية وزارة الصحّة”.

وللحدّ من التهريب والتزوير، أعادت الوزارة تفعيل نظام “مدي تراك” MediTrack الذي يتيح للمرضى مسح الباركود Barcode الموجود على علب الدواء للتأكّد من تسجيله في الوزارة وخضوعه لرقابتها. ويمكن عبر النظام البحث عن الإسم التجاري للدواء أو تركيبته العلمية. لكن بحسب المصادر “هذه الخطوة لا تكفي، لأنّها لا تحارب التهريب والتزوير، بل تتيح تتبُّع مسار الدواء المقونن فقط من دون التأكّد من جودته، لأن ذلك مسار مخبري آخر”.

المواطن لا يعلم

صيدليات تتم مداهمتها، وآخرها صيدلية في انطلياس، ومستودعات يجري الكشف عليها أحياناً، على أنّ المستشفيات غائبة عن المشهد الرقابي في هذا الملف، ما خلا فضيحة أدوية السرطان المغشوشة في مستشفى رفيق الحريري الحكومي في العام 2017. لكن المشترك في كل ذلك، هو عدم اكتشاف الرؤوس الكبيرة في المافيا التي يتحدّث عنها الجميع. بل إنّ مَن يقع، هو الحلقة الأصغر في ذلك التسلسل الهرمي، أي صيدلاني، ومسؤول مستودع وأحد الأطباء أو أحد الممرّضين، وما إلى ذلك.

ووسط كل ذلك، يبقى المرضى هم الشريحة التي تدفع الثمن. وهؤلاء ليسوا خبراء أدوية ليكتشفوا التهريب والتزوير بالعين المجرّدة. فالمريض يطلب الدواء من الصيدلية بعيداً من كل تلك التفاصيل. وقليل من المرضى ينتبهون إلى الملصق الصغير على علب الأدوية، والذي يشير إلى أنّ الدواء مسجَّل لدى وزارة الصحة. ومع ذلك، وإن كان الدواء مسجَّلاً وليس مهرّباً، فهل يستطيع المريض معرفة قوّة المادة الفعّالة في ذلك الدواء؟ وفي السياق، يقول رئيس “الهيئة الوطنية الصحية – الصحة حق وكرامة” الدكتور إسماعيل سكرية، إنّ هذا الملف “أشبع كلاماً منذ عقود، ومع ذلك لا يزال الوضع على حاله من تزوير وتهريب وغياب للرقابة وللمختبر المركزي للدواء”. ويشرح سكرية في حديث لـ”المدن” أنّ مسألة التزوير في مهلة الصلاحية أو تركيبة الدواء ليست مجرّد عملية عادية “حتى لو تمّ التلاعب بالصلاحية لفترة محدودة، وهناك مَن يتذرّع بأنّ انقضاء التاريخ لا يعني أنّ الدواء بات قاتلاً أو مضرّاً بشكل مباشر. نعم قد لا يكون الضرر مباشراً بالنسبة لأدوية مثل المسكّنات، لكنه بالنسبة لأدوية القلب والشرايين والضغط والسرطان قد يكون قاتلاً، لأنّ خفض فاعلية الدواء تعني عدم إعطاء المريض الجرعة المناسبة، وهذا يسبب الموت أحياناً، والمريض لا يمكنه معرفة كل هذه التفاصيل”.

مزيد من الأخبار

مزيد من الأخبار