ماي خلوف: الملفات العالقة مفتاح استقرار البلدين

في ظلّ التحوّلات الإقليمية المتسارعة ومحاولات إعادة رسم العلاقات بين دول الجوار على أسس جديدة، تبرز العلاقة اللبنانية – السورية كأحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا. فبعد سنوات طويلة طغى عليها منطق الوصاية والتداخل، يعود هذا المسار اليوم إلى واجهة النقاش السياسي والدبلوماسي.
في هذا السياق، تكشف النائبة في مجلس الشعب السوري ماي خلوف، في مقابلة مع “نداء الوطن”، عن قراءة سورية للمرحلة المقبلة، محدّدة ملامح الانتقال من علاقة ملتبسة إلى إطار رسميّ ومؤسّساتي، وعن الأولويات والملفات العالقة التي ترى فيها دمشق مفتاحًا لاستقرار البلدين وبناء شراكة قائمة على السيادة والتعاون المتبادل.
من إطار الوصاية نحو مرحلة جديدة
تؤكّد النائبة خلوف، أن العلاقة بين لبنان وسوريا دخلت مرحلة جديدة ذات طابع رسميّ ومؤسّساتي، بعدما خرجت من إطار الوصاية الذي طبع المرحلة السابقة، لتتجه نحو منطق التعاون القائم على احترام سيادة الدولتين والمصالح المشتركة.
وتوضح خلوف أن التعامل بين البلدين بات يتمّ على مستوى رئاسي ووزاري رسميّ، معتبرة أن تعيين السفير ليس سوى خطوة ضمن مسار تثبيت العلاقات الدبلوماسية، بما يضمن التخاطب بين بيروت ودمشق على مستوى مؤسّساتي ودبلوماسي رفيع.
أولويات الحوار والملفات العالقة
وتشير خلوف إلى أن أولويات دمشق في الحوار مع لبنان تتركّز على حفظ سيادة البلدين، مع الحفاظ على المصالح المشتركة، إضافة إلى معالجة الملفات الأساسية، وفي مقدّمها ضبط الحدود أمنيًا، وملف اللاجئين السوريين، وملف السجناء السوريين في السجون اللبنانية، وكذلك ملف المفقودين اللبنانيين في المعتقلات السورية منذ عهد النظام البائد.
وتلفت إلى أن لدى لبنان استعدادًا جديًا لمناقشة ومقاربة هذه الملفات العالقة، نظرًا لكونها تشكّل جزءًا أساسيًا من استقرار البلدين. فملف السجناء السوريين في لبنان، على سبيل المثال، يحتاج إلى جهد وعمل دقيقين، ولا بدّ فيه من التمييز بين أنواع الجرائم وأسباب السجن، وهو ما يستوجب إعداد لوائح اسمية بالتنسيق بين الأمن العام اللبناني والسلطات السورية، تمهيدًا لتسليم السجناء إلى السلطات السورية لاستكمال محاكمتهم أو معاملتهم وفق أحكام بلدهم.
ملف اللاجئين وضوابط العودة
أمّا في ما خصّ ملف عودة اللاجئين السوريين، فتؤكد خلوف أنه يخضع لمعايير دولية واضحة، ولا بدّ أن تتمّ العودة إلى مناطق محدّدة “مستقرة أمنيًا”، لا تشمل كامل الجغرافيا السورية، في ظلّ غياب برامج إعادة إدماج شاملة، ما يجعل العودة هشة وقابلة للانتكاس.
وفي ما يتعلّق بضمانات العائدين، توضح خلوف أن الإجراءات تشمل إجراء تدقيق أمني قبل العودة عبر لوائح اسمية منسّقة مع الأمن العام اللبناني، ومنح العائد تسوية لوضعه الأمني عند المعبر أو في محافظته. كما تشدّد على ضرورة أن يتمّ التنسيق للعودة من خلال الدولة، لا عبر الأفراد، مع عدم الملاحقة بسبب اللجوء، وإصدار مراسيم وقوانين تخفف الأعباء عن الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء السورية أو لم يثبت تورّطهم مع جهات إقليمية دعمت النظام سابقًا.
ضبط الحدود والمعابر غير الشرعية
وتؤكد خلوف أن معالجة المعابر غير الشرعية يجب أن تتمّ من قبل الطرفين اللبناني والسوري، باعتبار أن هذا الملف يمسّ أمن البلدين بشكل مباشر. وتشدّد على ضرورة ضبط الحدود بآليات مشتركة لضبط حركة تجارة الممنوعات وتهريب السلاح، وكذلك السلاح المتفلّت، مع ضرورة تشكيل لجان مشتركة لهذا الغرض، بما يضمن الاستقرار.
الطاقة والتعاون الإقليمي
وفي ما يخصّ تفعيل خط الغاز العربي والترانزيت، تشير خلوف إلى أن هذا الملف مطروح ضمن سياق التعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة، وكجزء من مشاريع الربط الإقليمي للطاقة. إلّا أن الوضع لا يزال في مرحلة التحضير والتفاوض الفني– السياسي، وليس في إطار التنفيذ الفوري. وتكشف عن عقد اجتماعات ثلاثية مؤخرًا في عمّان بين الأردن وسوريا ولبنان، لمناقشة مشاريع الربط الكهربائي ونقل الغاز، بما في ذلك إمكانية إعادة تشغيل شبكة الغاز التي تربط الدول الثلاث.
الاقتصاد وإعادة الإعمار
وترى خلوف أن الشراكات الاقتصادية باتت ضرورة، مؤكدة أن إعادة إعمار سوريا ستنعكس إيجابًا على الاقتصاد اللبناني على مختلف الأصعدة والمستويات. وتشير إلى أن التعاون الاقتصادي مرشح لأن يكون في أعلى مستوياته، بما يشمل تبادل المنتجات الزراعية والصناعية المعدّة للتصدير.
التنسيق الأمني في ظلّ توتر الجنوب
ومع اتساع التوتر في الجنوب، توضح خلوف أن التنسيق القائم هو أمني أكثر ممّا هو سياسي، ويهدف أساسًا إلى منع الاحتكاك غير المقصود وضبط الحدود، وليس إلى إدارة مشتركة للأزمة. ويشمل هذا التنسيق تبادل المعلومات حول التحركات الحدودية، ومخاطر التسلّل أو التهريب، واحتمالات انتقال مجموعات مسلحة، من دون أن يصل ذلك إلى مستوى غرفة عمليات مشتركة أو تنسيق علني.
وتحذر من أن أي تصعيد يمسّ سوريا، سواء كانت طرفًا فيه أم لا، قد يؤدي إلى توسّع الضربات الإسرائيلية، وامتداد الاضطرابات إلى الجنوب السوري، ما قد يفتح الباب أمام تسلل عصابات عبر الحدود، وزيادة مشكلة السلاح المتفلّت. كما أن لذلك تداعيات سياسية، قد تؤدّي إلى زعزعة الثقة التي تسعى سوريا إلى بنائها مع دول الإقليم، وإعادة خلط الأوراق وإعادة ترتيب الأولويات من قبل بعض الدول. وتخلص خلوف إلى أن أمن لبنان من أمن سوريا، والعكس صحيح.
المناخ العربي والدور الغربي
وتشير إلى أن العلاقة بين سوريا ولبنان تتأثر بأي نوع من التفاهمات العربية الجديدة، لكن بشكل تدريجيّ لا فوري. فلبنان، تاريخيًا، يتأثر بالمناخ العربي العام، وأي تفاهم عربي يخلق هامش حركة أوسع للحكومة اللبنانية، ويمنحها قدرة كبرى على تبرير الانخراط مع دمشق باعتباره خيارًا عربيًا لا ثنائيًا فقط، ما يعزز حرية القرار اللبناني.
أما عن الدور الأميركي– الأوروبي، فتقول خلوف إنه يظهر بوضوح في العلاقة بين البلدين، لكن بطابع حذر، حيث يعمل الغرب على إدارة هذه العلاقة لا منحها حرية كاملة، في إطار علاقة خاضعة للرقابة. ويتجلّى ذلك في تقارب بطيء، لا قطيعة ولا تطبيع كاملًا، بل خطوات اقتصادية وأمنية وسياسية مرصودة بعين أميركية وأوروبية.
رسالة إلى لبنان واللبنانيين
وتختم خلوف بدعوة الجانب اللبناني إلى اتخاذ خطوات جدية وواثقة أكثر باتجاه سوريا، والوصول إلى حل حقيقي للملفات العالقة، وخصوصًا ملفات اللاجئين والحدود والسجناء، بما يحسم خيار لبنان بأن العلاقة مع سوريا هي علاقة دولة– دولة.
وفي النهاية وجهت خلوف رسالة إلى اللبنانيين، مؤكدة أن سوريا ترى في لبنان شريكًا وجارًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وتتمنى علاقات قائمة على الثقة، لا وصاية ولا قطيعة، والتعامل كدولتين سياديتين بلا توترات أو انقسامات، للوصول إلى مفهوم الأمن المشترك. وتؤكد أن سوريا ترغب وتطمح إلى فتح صفحة جديدة مع لبنان، وأن ما تريده هو شراكة واضحة وصادقة، لأن أي مستقبل آمن للمنطقة يبدأ من تعاون الجيران لا من خصومتهم.
ماي خلوف: الملفات العالقة مفتاح استقرار البلدين

في ظلّ التحوّلات الإقليمية المتسارعة ومحاولات إعادة رسم العلاقات بين دول الجوار على أسس جديدة، تبرز العلاقة اللبنانية – السورية كأحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا. فبعد سنوات طويلة طغى عليها منطق الوصاية والتداخل، يعود هذا المسار اليوم إلى واجهة النقاش السياسي والدبلوماسي.
في هذا السياق، تكشف النائبة في مجلس الشعب السوري ماي خلوف، في مقابلة مع “نداء الوطن”، عن قراءة سورية للمرحلة المقبلة، محدّدة ملامح الانتقال من علاقة ملتبسة إلى إطار رسميّ ومؤسّساتي، وعن الأولويات والملفات العالقة التي ترى فيها دمشق مفتاحًا لاستقرار البلدين وبناء شراكة قائمة على السيادة والتعاون المتبادل.
من إطار الوصاية نحو مرحلة جديدة
تؤكّد النائبة خلوف، أن العلاقة بين لبنان وسوريا دخلت مرحلة جديدة ذات طابع رسميّ ومؤسّساتي، بعدما خرجت من إطار الوصاية الذي طبع المرحلة السابقة، لتتجه نحو منطق التعاون القائم على احترام سيادة الدولتين والمصالح المشتركة.
وتوضح خلوف أن التعامل بين البلدين بات يتمّ على مستوى رئاسي ووزاري رسميّ، معتبرة أن تعيين السفير ليس سوى خطوة ضمن مسار تثبيت العلاقات الدبلوماسية، بما يضمن التخاطب بين بيروت ودمشق على مستوى مؤسّساتي ودبلوماسي رفيع.
أولويات الحوار والملفات العالقة
وتشير خلوف إلى أن أولويات دمشق في الحوار مع لبنان تتركّز على حفظ سيادة البلدين، مع الحفاظ على المصالح المشتركة، إضافة إلى معالجة الملفات الأساسية، وفي مقدّمها ضبط الحدود أمنيًا، وملف اللاجئين السوريين، وملف السجناء السوريين في السجون اللبنانية، وكذلك ملف المفقودين اللبنانيين في المعتقلات السورية منذ عهد النظام البائد.
وتلفت إلى أن لدى لبنان استعدادًا جديًا لمناقشة ومقاربة هذه الملفات العالقة، نظرًا لكونها تشكّل جزءًا أساسيًا من استقرار البلدين. فملف السجناء السوريين في لبنان، على سبيل المثال، يحتاج إلى جهد وعمل دقيقين، ولا بدّ فيه من التمييز بين أنواع الجرائم وأسباب السجن، وهو ما يستوجب إعداد لوائح اسمية بالتنسيق بين الأمن العام اللبناني والسلطات السورية، تمهيدًا لتسليم السجناء إلى السلطات السورية لاستكمال محاكمتهم أو معاملتهم وفق أحكام بلدهم.
ملف اللاجئين وضوابط العودة
أمّا في ما خصّ ملف عودة اللاجئين السوريين، فتؤكد خلوف أنه يخضع لمعايير دولية واضحة، ولا بدّ أن تتمّ العودة إلى مناطق محدّدة “مستقرة أمنيًا”، لا تشمل كامل الجغرافيا السورية، في ظلّ غياب برامج إعادة إدماج شاملة، ما يجعل العودة هشة وقابلة للانتكاس.
وفي ما يتعلّق بضمانات العائدين، توضح خلوف أن الإجراءات تشمل إجراء تدقيق أمني قبل العودة عبر لوائح اسمية منسّقة مع الأمن العام اللبناني، ومنح العائد تسوية لوضعه الأمني عند المعبر أو في محافظته. كما تشدّد على ضرورة أن يتمّ التنسيق للعودة من خلال الدولة، لا عبر الأفراد، مع عدم الملاحقة بسبب اللجوء، وإصدار مراسيم وقوانين تخفف الأعباء عن الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء السورية أو لم يثبت تورّطهم مع جهات إقليمية دعمت النظام سابقًا.
ضبط الحدود والمعابر غير الشرعية
وتؤكد خلوف أن معالجة المعابر غير الشرعية يجب أن تتمّ من قبل الطرفين اللبناني والسوري، باعتبار أن هذا الملف يمسّ أمن البلدين بشكل مباشر. وتشدّد على ضرورة ضبط الحدود بآليات مشتركة لضبط حركة تجارة الممنوعات وتهريب السلاح، وكذلك السلاح المتفلّت، مع ضرورة تشكيل لجان مشتركة لهذا الغرض، بما يضمن الاستقرار.
الطاقة والتعاون الإقليمي
وفي ما يخصّ تفعيل خط الغاز العربي والترانزيت، تشير خلوف إلى أن هذا الملف مطروح ضمن سياق التعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة، وكجزء من مشاريع الربط الإقليمي للطاقة. إلّا أن الوضع لا يزال في مرحلة التحضير والتفاوض الفني– السياسي، وليس في إطار التنفيذ الفوري. وتكشف عن عقد اجتماعات ثلاثية مؤخرًا في عمّان بين الأردن وسوريا ولبنان، لمناقشة مشاريع الربط الكهربائي ونقل الغاز، بما في ذلك إمكانية إعادة تشغيل شبكة الغاز التي تربط الدول الثلاث.
الاقتصاد وإعادة الإعمار
وترى خلوف أن الشراكات الاقتصادية باتت ضرورة، مؤكدة أن إعادة إعمار سوريا ستنعكس إيجابًا على الاقتصاد اللبناني على مختلف الأصعدة والمستويات. وتشير إلى أن التعاون الاقتصادي مرشح لأن يكون في أعلى مستوياته، بما يشمل تبادل المنتجات الزراعية والصناعية المعدّة للتصدير.
التنسيق الأمني في ظلّ توتر الجنوب
ومع اتساع التوتر في الجنوب، توضح خلوف أن التنسيق القائم هو أمني أكثر ممّا هو سياسي، ويهدف أساسًا إلى منع الاحتكاك غير المقصود وضبط الحدود، وليس إلى إدارة مشتركة للأزمة. ويشمل هذا التنسيق تبادل المعلومات حول التحركات الحدودية، ومخاطر التسلّل أو التهريب، واحتمالات انتقال مجموعات مسلحة، من دون أن يصل ذلك إلى مستوى غرفة عمليات مشتركة أو تنسيق علني.
وتحذر من أن أي تصعيد يمسّ سوريا، سواء كانت طرفًا فيه أم لا، قد يؤدي إلى توسّع الضربات الإسرائيلية، وامتداد الاضطرابات إلى الجنوب السوري، ما قد يفتح الباب أمام تسلل عصابات عبر الحدود، وزيادة مشكلة السلاح المتفلّت. كما أن لذلك تداعيات سياسية، قد تؤدّي إلى زعزعة الثقة التي تسعى سوريا إلى بنائها مع دول الإقليم، وإعادة خلط الأوراق وإعادة ترتيب الأولويات من قبل بعض الدول. وتخلص خلوف إلى أن أمن لبنان من أمن سوريا، والعكس صحيح.
المناخ العربي والدور الغربي
وتشير إلى أن العلاقة بين سوريا ولبنان تتأثر بأي نوع من التفاهمات العربية الجديدة، لكن بشكل تدريجيّ لا فوري. فلبنان، تاريخيًا، يتأثر بالمناخ العربي العام، وأي تفاهم عربي يخلق هامش حركة أوسع للحكومة اللبنانية، ويمنحها قدرة كبرى على تبرير الانخراط مع دمشق باعتباره خيارًا عربيًا لا ثنائيًا فقط، ما يعزز حرية القرار اللبناني.
أما عن الدور الأميركي– الأوروبي، فتقول خلوف إنه يظهر بوضوح في العلاقة بين البلدين، لكن بطابع حذر، حيث يعمل الغرب على إدارة هذه العلاقة لا منحها حرية كاملة، في إطار علاقة خاضعة للرقابة. ويتجلّى ذلك في تقارب بطيء، لا قطيعة ولا تطبيع كاملًا، بل خطوات اقتصادية وأمنية وسياسية مرصودة بعين أميركية وأوروبية.
رسالة إلى لبنان واللبنانيين
وتختم خلوف بدعوة الجانب اللبناني إلى اتخاذ خطوات جدية وواثقة أكثر باتجاه سوريا، والوصول إلى حل حقيقي للملفات العالقة، وخصوصًا ملفات اللاجئين والحدود والسجناء، بما يحسم خيار لبنان بأن العلاقة مع سوريا هي علاقة دولة– دولة.
وفي النهاية وجهت خلوف رسالة إلى اللبنانيين، مؤكدة أن سوريا ترى في لبنان شريكًا وجارًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وتتمنى علاقات قائمة على الثقة، لا وصاية ولا قطيعة، والتعامل كدولتين سياديتين بلا توترات أو انقسامات، للوصول إلى مفهوم الأمن المشترك. وتؤكد أن سوريا ترغب وتطمح إلى فتح صفحة جديدة مع لبنان، وأن ما تريده هو شراكة واضحة وصادقة، لأن أي مستقبل آمن للمنطقة يبدأ من تعاون الجيران لا من خصومتهم.










