بعد 15 أيار…هل يصبح نواب الأمّة منتحلي صفة ؟

لم تكن الجلسة التشريعية فقط لتسيير أمور الناس كما حاول بعض النواب تبرير مشاركتهم فيها، بل كان الهدف منها سياسيًا بامتياز. وهذا الهدف لم يكن ليتحقّق لو لم تواكبه أو تسبقه اتصالات أجريت على أعلى المستويات مع عدد من النواب لتأمين نصاب هذه الجلسة، التي كانت أسرع جلسة في تاريخ ساحة النجمة، وذلك لأن المطلوب منها قد تحقّق. ولكن أخطر ما في هذه الجلسة هي أن “تطيير” الموعد الدستوري للاستحقاق الانتخابي، إلى أجل غير مسمّى، ولو في شكل غير رسمي، قد أصبح واقعًا لا مفرّ منه. ولكي يصبح هذا “التطيير” رسميًا يُفترض أن يصدر ذلك بقانون عن مجلس النواب تمامًا كما كان يحصل يوم كان النائب السابق نقولا فتوش يفتي ذلك عبر اقتراح قانون معجّل مكرر يرفعه إلى الهيئة العامة للمجلس. ولكي تُعقد هكذا جلسة يُفترض أن تسبقها اتصالات سياسية ينتج عنها توافق سياسي، ولو بحدّه الأدنى، على مسألة تأجيل الاستحقاق الانتخابي. ومن دون هذا التوافق لن يتمّ التعديل، ولن تحصل الانتخابات، وبالتالي يصبح المجلس الحالي بعد 15 أيار المقبل منتحل صفة.
فالاستحقاق النيابي لم يعد مجرّد محطة دستورية دورية، بل تحوّل إلى ملف سياسي سيادي بامتياز، تتقاطع عنده الحسابات الداخلية مع التوازنات الإقليمية والضغوط الدولية. فما جرى في الجلسة التشريعية الأخيرة، وما سبقها وتلاها من سجالات، يؤكّد أن الانتخابات باتت تُدار بمنطق الوقت لا بمنطق المهل، وبحسابات الواقعية السياسية لا الشعارات الدستورية.
في هذا السياق، يمكن رسم جدول زمني محتمل لمسار الانتخابات النيابية حتى موعدها الدستوري، يضيء على المراحل المقبلة وما تحمله من دلالات سياسية وإقليمية.
المرحلة الأولى: تتّسم هذه المرحلة باستمرار عقد جلسات تشريعية انتقائية، من دون إدراج بنود حاسمة تتعلّق مباشرة بقانون الانتخاب أو بتعديلاته الضرورية. هذا السلوك لا يعكس عجزًا بقدر ما يدلّ على قرار بإدارة الملف بدل حسمه. وهذا ما يتقنه جيدًا الرئيس نبيه بري، مستفيدًا من خبرته الطويلة في تدوير الزوايا وتأجيل المواجهات الكبرى، في ظل ترقّب مسار الجبهة الجنوبية والضغوط الأميركية–الفرنسية الرامية إلى منع توسّع المواجهة مع إسرائيل.
المرحلة الثانية: مع اقتراب المهلة الزمنية، يتوقّع أن يتصاعد السجال السياسي والإعلامي بالنسبة إلى ضرورة الالتزام بالمواعيد الدستورية، في مقابل ترويج متزايد لفكرة “الاستحالة التقنية” لإجراء الانتخابات، في الوقت الذي ستحاول فيه قوى المعارضة، ولا سيما “القوات اللبنانية”، رفع سقف خطابها السياسي لمنع أي تسوية قد تؤدّي إلى تأجيل الاستحقاق. في المقابل، تعمل قوى السلطة على تهيئة الرأي العام لفكرة أن الظروف الأمنية واللوجستية والمالية لا تسمح بإجراء الانتخابات في موعدها.
المرحلة الثالثة: تُعدّ هذه المرحلة الأكثر حساسية، إذ أنه من المرجّح أن يُتّخذ فيها القرار الفعلي من دون إعلان رسمي. فغياب أي خطوات تنفيذية جدّية من الحكومة ووزارة الداخلية، سواء على مستوى التمويل، أو التحضيرات اللوجستية، أو إطلاق المهل الإدارية، يعني عمليًا أن الانتخابات لن تحصل في موعدها، حتى لو استمر الخطاب السياسي بعكس ذلك.
المرحلة الرابعة: في هذه المرحلة، يتمّ طرح خيار “التأجيل التقني” إلى العلن، سواء عبر مبادرة تشريعية في مجلس النواب أو عبر مقاربة حكومية استثنائية تُسوَّق على أنها ضرورة قاهر، بحيث يُقدَّم هذا التأجيل كخيار اضطراري لا سياسي، مع تبادل اتهامات محسوبة بين القوى المختلفة لامتصاص الغضب الشعبي. ويجري التركيز على المخاطر الأمنية والمالية، لا على المسؤوليات السياسية.
المرحلة الخامسة: مع انقضاء الموعد، يدخل لبنان في مرحلة جديدة، إمّا عبر تحديد موعد جديد ضمن مهلة مفتوحة، أو من خلال تمديد مقنّع للمجلس النيابي تحت عناوين مختلفة. وهنا تكون السلطة قد ربحت الوقت، فيما تكون المعارضة قد ربحت الخطاب، من دون القدرة على تغيير النتيجة. وينتقل الصراع من صندوق الاقتراع إلى الشارع والإعلام والمؤسسات.
فالانتخابات النيابية لم تعد مجرّد استحقاق دستوري، بل أصبحت ورقة ضمن إدارة الصراع الداخلي تحت سقف التوازنات الإقليمية. السؤال الحقيقي لم يعد: هل ستُجرى الانتخابات، بل متى، وبأي شروط، وعلى وقع أي تسوية؟ وبين الانتظار والتعطيل، لا يزال الداخل يلعب ورقة تقطيع الوقت، فيما يبقى القرار النهائي معلّقًا خارج الحدود، إلى حين نضوج لحظة إقليمية تُعيد فتح صناديق الاقتراع.
بعد 15 أيار…هل يصبح نواب الأمّة منتحلي صفة ؟

لم تكن الجلسة التشريعية فقط لتسيير أمور الناس كما حاول بعض النواب تبرير مشاركتهم فيها، بل كان الهدف منها سياسيًا بامتياز. وهذا الهدف لم يكن ليتحقّق لو لم تواكبه أو تسبقه اتصالات أجريت على أعلى المستويات مع عدد من النواب لتأمين نصاب هذه الجلسة، التي كانت أسرع جلسة في تاريخ ساحة النجمة، وذلك لأن المطلوب منها قد تحقّق. ولكن أخطر ما في هذه الجلسة هي أن “تطيير” الموعد الدستوري للاستحقاق الانتخابي، إلى أجل غير مسمّى، ولو في شكل غير رسمي، قد أصبح واقعًا لا مفرّ منه. ولكي يصبح هذا “التطيير” رسميًا يُفترض أن يصدر ذلك بقانون عن مجلس النواب تمامًا كما كان يحصل يوم كان النائب السابق نقولا فتوش يفتي ذلك عبر اقتراح قانون معجّل مكرر يرفعه إلى الهيئة العامة للمجلس. ولكي تُعقد هكذا جلسة يُفترض أن تسبقها اتصالات سياسية ينتج عنها توافق سياسي، ولو بحدّه الأدنى، على مسألة تأجيل الاستحقاق الانتخابي. ومن دون هذا التوافق لن يتمّ التعديل، ولن تحصل الانتخابات، وبالتالي يصبح المجلس الحالي بعد 15 أيار المقبل منتحل صفة.
فالاستحقاق النيابي لم يعد مجرّد محطة دستورية دورية، بل تحوّل إلى ملف سياسي سيادي بامتياز، تتقاطع عنده الحسابات الداخلية مع التوازنات الإقليمية والضغوط الدولية. فما جرى في الجلسة التشريعية الأخيرة، وما سبقها وتلاها من سجالات، يؤكّد أن الانتخابات باتت تُدار بمنطق الوقت لا بمنطق المهل، وبحسابات الواقعية السياسية لا الشعارات الدستورية.
في هذا السياق، يمكن رسم جدول زمني محتمل لمسار الانتخابات النيابية حتى موعدها الدستوري، يضيء على المراحل المقبلة وما تحمله من دلالات سياسية وإقليمية.
المرحلة الأولى: تتّسم هذه المرحلة باستمرار عقد جلسات تشريعية انتقائية، من دون إدراج بنود حاسمة تتعلّق مباشرة بقانون الانتخاب أو بتعديلاته الضرورية. هذا السلوك لا يعكس عجزًا بقدر ما يدلّ على قرار بإدارة الملف بدل حسمه. وهذا ما يتقنه جيدًا الرئيس نبيه بري، مستفيدًا من خبرته الطويلة في تدوير الزوايا وتأجيل المواجهات الكبرى، في ظل ترقّب مسار الجبهة الجنوبية والضغوط الأميركية–الفرنسية الرامية إلى منع توسّع المواجهة مع إسرائيل.
المرحلة الثانية: مع اقتراب المهلة الزمنية، يتوقّع أن يتصاعد السجال السياسي والإعلامي بالنسبة إلى ضرورة الالتزام بالمواعيد الدستورية، في مقابل ترويج متزايد لفكرة “الاستحالة التقنية” لإجراء الانتخابات، في الوقت الذي ستحاول فيه قوى المعارضة، ولا سيما “القوات اللبنانية”، رفع سقف خطابها السياسي لمنع أي تسوية قد تؤدّي إلى تأجيل الاستحقاق. في المقابل، تعمل قوى السلطة على تهيئة الرأي العام لفكرة أن الظروف الأمنية واللوجستية والمالية لا تسمح بإجراء الانتخابات في موعدها.
المرحلة الثالثة: تُعدّ هذه المرحلة الأكثر حساسية، إذ أنه من المرجّح أن يُتّخذ فيها القرار الفعلي من دون إعلان رسمي. فغياب أي خطوات تنفيذية جدّية من الحكومة ووزارة الداخلية، سواء على مستوى التمويل، أو التحضيرات اللوجستية، أو إطلاق المهل الإدارية، يعني عمليًا أن الانتخابات لن تحصل في موعدها، حتى لو استمر الخطاب السياسي بعكس ذلك.
المرحلة الرابعة: في هذه المرحلة، يتمّ طرح خيار “التأجيل التقني” إلى العلن، سواء عبر مبادرة تشريعية في مجلس النواب أو عبر مقاربة حكومية استثنائية تُسوَّق على أنها ضرورة قاهر، بحيث يُقدَّم هذا التأجيل كخيار اضطراري لا سياسي، مع تبادل اتهامات محسوبة بين القوى المختلفة لامتصاص الغضب الشعبي. ويجري التركيز على المخاطر الأمنية والمالية، لا على المسؤوليات السياسية.
المرحلة الخامسة: مع انقضاء الموعد، يدخل لبنان في مرحلة جديدة، إمّا عبر تحديد موعد جديد ضمن مهلة مفتوحة، أو من خلال تمديد مقنّع للمجلس النيابي تحت عناوين مختلفة. وهنا تكون السلطة قد ربحت الوقت، فيما تكون المعارضة قد ربحت الخطاب، من دون القدرة على تغيير النتيجة. وينتقل الصراع من صندوق الاقتراع إلى الشارع والإعلام والمؤسسات.
فالانتخابات النيابية لم تعد مجرّد استحقاق دستوري، بل أصبحت ورقة ضمن إدارة الصراع الداخلي تحت سقف التوازنات الإقليمية. السؤال الحقيقي لم يعد: هل ستُجرى الانتخابات، بل متى، وبأي شروط، وعلى وقع أي تسوية؟ وبين الانتظار والتعطيل، لا يزال الداخل يلعب ورقة تقطيع الوقت، فيما يبقى القرار النهائي معلّقًا خارج الحدود، إلى حين نضوج لحظة إقليمية تُعيد فتح صناديق الاقتراع.














