إسرائيل قد ترجئ حربها على لبنان…لكنها لن تلغيها

هل يمكننا القول بأن المساعي الدولية والعربية، وبالأخصّ الأميركية والمصرية، قد نجحت بتجنيب لبنان حربًا كانت تل أبيب قد حدّدت موعدًا لها مع بداية السنة الجديدة. وهذا التجنيب لا يعني بالضرورة أن
إسرائيل قد صرفت النظر عمّا تخطّط له وتسعى إليه، وهو جعل المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني منطقة منزوعة السلاح تمهيدًا لتحويلها إلى منطقة آمنة نسبيًا بالنسبة إلى أمن الجليل الأعلى في الشمال الإسرائيلي، الذي تهجّر منه مستوطنوه خلال الحرب الأخيرة مع “حزب الله”.
ولكي تصل إسرائيل إلى مبتغاها لا بدّ لها من أن تلجأ إلى العنف المتمثّل بما يسمى بـ “الحرب الشاملة”، والتي يُتوقع أن تكون هذه المرّة في المناطق الواقعة خارج حدود جنوب الليطاني، باعتبار أن الجيش يُفترض أن يكون قد أحكم سيطرته الأمنية على هذه المنطقة بالكامل. فتأجيل الحرب على لبنان لا يعني بالضرورة في الحسابات الإسرائيلية أنه لم تعد واردة على رغم ما تتعرّض له حكومة نتنياهو من ضغوطات دولية.
وفي هذا الإطار يبدو أن اجتماعات لجنة “الميكانيزم”، بعد تعيين السفير سيمون كرم لرئاسة الوفد اللبناني المفاوض، لم تعد مجرّد لقاءات تقنية شكلية لضبط الحدود الجنوبية، بل تحوّلت إلى نوع من فرصة سانحة أمام لبنان للانتقال إلى مرحلة أكثر تقدمًا في المسار التفاوضي بينه وبين إسرائيل لتحقيق ما يصبو إليه اللبنانيون، وهو التوصّل إلى استقرار دائم على غرار ما أرسته هدنة العام 1949 طوال سنوات، وقبل أن تتحّول الساحة الجنوبية إلى ساحة مفتوحة أمام العمل الفلسطيني المسلح، وبعده إلى مساحة لتغييب دور الدولة عبر شنّ “حزب الله” حرب اسناد لم تكن ظروفها الميدانية متكافئة، وأدّت إلى ما أدّت اليه من نتائج يسعى لبنان إلى إعادة الوضع على ما كان عليه قبل 8 تشرين الأول من العام 2022، أي إلى تأمين الظروف المؤاتية لانسحاب إسرائيل من الأراضي التي لا تزال تحتلها، وإعادة الاسرى اللبنانيين لدى الجانب الإسرائيلي، وإعادة اعمار ما تهدّم خلال هذه الحرب الشعواء.
مهمة السفير كرم لن تكون سهلة، أو بمعنى آخر أن المفاوض الإسرائيلي في لجنة “الميكانيزم” لن يسهّل عليه مهمته، خصوصًا أن الشرط الإسرائيلي المتماهي مع مطلب دولي عام هو حصر السلاح بيد الشرعية
اللبنانية دون سواها، وهذا المطلب تعتبره تل أبيب شرطًا أساسيًا لا يمكن السير من دونه في أي مسار تفاوضي مع لبنان، فيما المطالب اللبنانية معروفة، وهي بالتدرج: وقف الاعتداءات اليومية، الانسحاب التدريجي من التلال الخمس، عودة الأهلي إلى قراهم، إعادة الاسرى اللبنانيين، المباشرة بورشة إعادة اعمار قرى الحافة الأمامية المهدّمة كليًا.
ما فُهم من أجواء آخر اجتماع للجنة “الميكانيزم” أن السفير كرم يسعى من خلال اعتماده خطّة مبرمجة ومتدرجة إلى تحقيق خطوات تراكمية تبدأ بالملفات الإنسانية والأمنية الأقل تعقيداً، على قاعدة “الخطوة مقابل خطوة”، تمهيداً لمعالجة القضايا الأكثر تعقيدًا في مراحل لاحقة.
وفي هذا السياق المتوازي، لا يزال لبنان عند موقفه المبدئي القائم على إبداء استعداده المشروط لهوامش تفاوض محدودة. ومن ضمن هذه الهوامش يأتي دور الجيش في منطقة جنوب نهر الليطاني من خلال تعزيز انتشاره الفعلي، مع ما يحتاج إليه من المزيد من العتاد والعديد، وذلك لتمكينه من تحمّل مسؤوليات أمنية مباشرة في القرى التي يُفترض أن ينسحب منها الجيش الإسرائيلي. كذلك، لا يمانع لبنان، وفق ما تنقل المصادر، تشديد آليات الرقابة الدولية، سواء عبر تقارير تقنية دورية أو وسائل مراقبة غير قتالية، شرط أن تبقى هذه الآليات ضمن تفويض “اليونيفيل” القائم، وألا تتحوّل إلى وصاية دائمة أو بديلة عن الدولة. وتشير المصادر إلى أنّ عودة السكان إلى القرى الحدودية، تشكّل في المقاربة اللبنانية، خط الاختبار الأول للصدقية الدولية. فبيروت ترفض بشكل قاطع أي طرح يُبقي القرى خالية من أهاليها تحت حجج أمنية، أو يُعيد إنتاج مفهوم “المنطقة العازلة” (أو المنطقة الاقتصادية أو السياحية)، بصيغة غير معلنة.
فهل ينجح السفير كرم، وهو المشهود له الصلابة في المواقف الحساسة والجريئة، في دفع إسرائيل إلى واقع جديد يتمثّل بسياسة “خطوة مقابل خطوة”، وهذا ما كانت تل أبيب قد رفصته في السابق؟ (للبحث صلة)
إسرائيل قد ترجئ حربها على لبنان…لكنها لن تلغيها

هل يمكننا القول بأن المساعي الدولية والعربية، وبالأخصّ الأميركية والمصرية، قد نجحت بتجنيب لبنان حربًا كانت تل أبيب قد حدّدت موعدًا لها مع بداية السنة الجديدة. وهذا التجنيب لا يعني بالضرورة أن
إسرائيل قد صرفت النظر عمّا تخطّط له وتسعى إليه، وهو جعل المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني منطقة منزوعة السلاح تمهيدًا لتحويلها إلى منطقة آمنة نسبيًا بالنسبة إلى أمن الجليل الأعلى في الشمال الإسرائيلي، الذي تهجّر منه مستوطنوه خلال الحرب الأخيرة مع “حزب الله”.
ولكي تصل إسرائيل إلى مبتغاها لا بدّ لها من أن تلجأ إلى العنف المتمثّل بما يسمى بـ “الحرب الشاملة”، والتي يُتوقع أن تكون هذه المرّة في المناطق الواقعة خارج حدود جنوب الليطاني، باعتبار أن الجيش يُفترض أن يكون قد أحكم سيطرته الأمنية على هذه المنطقة بالكامل. فتأجيل الحرب على لبنان لا يعني بالضرورة في الحسابات الإسرائيلية أنه لم تعد واردة على رغم ما تتعرّض له حكومة نتنياهو من ضغوطات دولية.
وفي هذا الإطار يبدو أن اجتماعات لجنة “الميكانيزم”، بعد تعيين السفير سيمون كرم لرئاسة الوفد اللبناني المفاوض، لم تعد مجرّد لقاءات تقنية شكلية لضبط الحدود الجنوبية، بل تحوّلت إلى نوع من فرصة سانحة أمام لبنان للانتقال إلى مرحلة أكثر تقدمًا في المسار التفاوضي بينه وبين إسرائيل لتحقيق ما يصبو إليه اللبنانيون، وهو التوصّل إلى استقرار دائم على غرار ما أرسته هدنة العام 1949 طوال سنوات، وقبل أن تتحّول الساحة الجنوبية إلى ساحة مفتوحة أمام العمل الفلسطيني المسلح، وبعده إلى مساحة لتغييب دور الدولة عبر شنّ “حزب الله” حرب اسناد لم تكن ظروفها الميدانية متكافئة، وأدّت إلى ما أدّت اليه من نتائج يسعى لبنان إلى إعادة الوضع على ما كان عليه قبل 8 تشرين الأول من العام 2022، أي إلى تأمين الظروف المؤاتية لانسحاب إسرائيل من الأراضي التي لا تزال تحتلها، وإعادة الاسرى اللبنانيين لدى الجانب الإسرائيلي، وإعادة اعمار ما تهدّم خلال هذه الحرب الشعواء.
مهمة السفير كرم لن تكون سهلة، أو بمعنى آخر أن المفاوض الإسرائيلي في لجنة “الميكانيزم” لن يسهّل عليه مهمته، خصوصًا أن الشرط الإسرائيلي المتماهي مع مطلب دولي عام هو حصر السلاح بيد الشرعية
اللبنانية دون سواها، وهذا المطلب تعتبره تل أبيب شرطًا أساسيًا لا يمكن السير من دونه في أي مسار تفاوضي مع لبنان، فيما المطالب اللبنانية معروفة، وهي بالتدرج: وقف الاعتداءات اليومية، الانسحاب التدريجي من التلال الخمس، عودة الأهلي إلى قراهم، إعادة الاسرى اللبنانيين، المباشرة بورشة إعادة اعمار قرى الحافة الأمامية المهدّمة كليًا.
ما فُهم من أجواء آخر اجتماع للجنة “الميكانيزم” أن السفير كرم يسعى من خلال اعتماده خطّة مبرمجة ومتدرجة إلى تحقيق خطوات تراكمية تبدأ بالملفات الإنسانية والأمنية الأقل تعقيداً، على قاعدة “الخطوة مقابل خطوة”، تمهيداً لمعالجة القضايا الأكثر تعقيدًا في مراحل لاحقة.
وفي هذا السياق المتوازي، لا يزال لبنان عند موقفه المبدئي القائم على إبداء استعداده المشروط لهوامش تفاوض محدودة. ومن ضمن هذه الهوامش يأتي دور الجيش في منطقة جنوب نهر الليطاني من خلال تعزيز انتشاره الفعلي، مع ما يحتاج إليه من المزيد من العتاد والعديد، وذلك لتمكينه من تحمّل مسؤوليات أمنية مباشرة في القرى التي يُفترض أن ينسحب منها الجيش الإسرائيلي. كذلك، لا يمانع لبنان، وفق ما تنقل المصادر، تشديد آليات الرقابة الدولية، سواء عبر تقارير تقنية دورية أو وسائل مراقبة غير قتالية، شرط أن تبقى هذه الآليات ضمن تفويض “اليونيفيل” القائم، وألا تتحوّل إلى وصاية دائمة أو بديلة عن الدولة. وتشير المصادر إلى أنّ عودة السكان إلى القرى الحدودية، تشكّل في المقاربة اللبنانية، خط الاختبار الأول للصدقية الدولية. فبيروت ترفض بشكل قاطع أي طرح يُبقي القرى خالية من أهاليها تحت حجج أمنية، أو يُعيد إنتاج مفهوم “المنطقة العازلة” (أو المنطقة الاقتصادية أو السياحية)، بصيغة غير معلنة.
فهل ينجح السفير كرم، وهو المشهود له الصلابة في المواقف الحساسة والجريئة، في دفع إسرائيل إلى واقع جديد يتمثّل بسياسة “خطوة مقابل خطوة”، وهذا ما كانت تل أبيب قد رفصته في السابق؟ (للبحث صلة)











