مصالح متباينة تتلاقى على رفض قانون الفجوة المالية… بلا بدائل

الكاتب: عزة الحاج حسن | المصدر: المدن
23 كانون الأول 2025

تعدّدت الأسباب والنتيجة واحدة “رفض مشروع قانون الانتظام المالي” من قبل أطراف متباينة المصالح. فقد وقفت المصارف في مواجهة المشروع، وفي المقابل نزل المودعون إلى الشارع رفضاً له، في حين التقت كتل سياسية وجمعيات مدنية وخبراء اقتصاديون وقانونيون على معارضته، في مشهد غير مسبوق منذ اندلاع الأزمة المالية في العام 2019، حيال أول مشروع تشريعي متكامل من هذا النوع.

وبين من يعارض المشروع بهدف تحميل الدولة حصة أكبر من مسؤولية الفجوة المالية وتخفيف العبء عن المصارف، ومن يرفضه مدافعاً عن حقوق المودعين ومطالباً بمحاسبة الدولة والمصارف معاً، يلتقي خصوم السياسة والاقتصاد على موقف واحد هو إسقاط مشروع قانون الانتظام المالي، المعروف بقانون الفجوة المالية، مع اختلاف جذري في الخلفيات والأهداف.

وبحسب مصدر حكومي، فإن الرفض المطلق للمشروع من قبل المصارف وبعض مجموعات المودعين وعدد من الكتل السياسية يعكس مقاربة إشكالية لأحد أخطر الملفات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ويتساءل عن جدوى إسقاط مشروع قانون بالكامل من دون طرح بدائل واضحة، أو من دون مقاربة بنوده بنداً بنداً لتصحيح ما يلزم منها.

غضب المصارف والمودعين

باشرت الحكومة أمس مناقشة مشروع قانون الانتظام المالي، تمهيداً لإقراره وإحالته إلى مجلس النواب لدراسته والتصويت عليه، وسط توقعات بأن يخضع لتعديلات جوهرية في البرلمان، في ضوء الاعتراضات السياسية والاقتصادية الواسعة التي أُثيرت حوله. ويأتي المشروع في لحظة مفصلية من عمر الأزمة، باعتباره أول إطار تشريعي متكامل يُطرح منذ العام 2019 لمعالجة الفجوة المالية ووضع أسس إعادة الانتظام للقطاع المصرفي.

ورغم أن مسودة القانون أثارت غضب المصارف ورفض شريحة واسعة من المودعين، إلا أنها وللمرة الأولى، تتضمن آليات محددة لاسترداد الودائع، وخريطة طريق لإعادة رسملة المصارف، في محاولة لوضع حد لحال المماطلة والتسويف التي عمّقت الأزمة خلال السنوات الماضية. كما ترى الحكومة بحسب ما ورد في المشروع أنه يهدف إلى إطلاق مسار فعلي لاستعادة الحقوق، وإنهاء الفوضى المالية، وإحياء القطاع المصرفي والاقتصاد.

في المقابل، يرى معارضو المشروع أنه يضع المصارف والمودعين في خانة واحدة، ويوحي بتعمد تحميل الطرفين معاً كلفة الانهيار، ما يثير شكوكاً حول نيات الإصلاح الفعلي.

مواقف منسجمة… مصالح متباينة

في هذا السياق، برزت مواقف متباينة، بعضها مفاجئ في حدّته. فقد رأت جمعية المستهلك أن مشروع قانون الفجوة المالية يناقض وعود الحكومة بإنصاف المودعين، ويحملهم عبء أزمة لم يكونوا سبباً فيها، ويكرّس منطق الإفلات من المحاسبة بدل تصحيحه. غير أن المستغرب، وفق متابعين، هو رفض الجمعية للمشروع برمّته كسلة واحدة، في تقاطع شكلي مع مواقف مصرفيين ونقابات تجارية، رغم الاختلاف الجوهري في أسباب الرفض لاسيما أن الجمعية لم تَدعُ إلى تعديل القانون بما يُنصف المودع ويضع حداً لخسارته المستمرة منذ 6 سنوات وإن كانت تسعى إلى ذلك فعلاً. 

كما عبّرت نقابات تجارية عن قلقها من الصيغة المطروحة، معتبرة أنها تتضمن ثغرات أساسية، لا سيما في ما يتعلق بالقروض والتسهيلات التجارية، بما يهدد الاقتصاد المنتج. وحمّلت هذه النقابات الدولة المسؤولية الأساسية عن الانهيار نتيجة السياسات المالية الخاطئة والهدر وغياب المحاسبة، مع إقرارها بمسؤولية جزئية تقع على عاتق المصارف.

كذلك اعترضت كتل سياسية على المشروع بحجة غياب الأرقام الواضحة وعدم تحديد المسؤوليات بشكل صريح. إلا أن مصدراً حكومياً رأى أن وظيفة القانون ليست حسم الأرقام أو توزيع المسؤوليات مسبقاً، بل وضع الإطار القانوني والتقني الذي يتيح الوصول إلى أرقام موحّدة وتحديد نسب المسؤولية لاحقاً على أسس علمية شفافة.

موقف نقابة المحامين

في هذا المشهد المتشابك، برز موقف نقابة المحامين في بيروت بوصفه من أكثر المواقف القانونية وضوحاً وحدّة. فقد التقت النقابة مع أطراف متباينة المصالح على رفض مشروع قانون الانتظام المالي، لكن من منطلق مختلف جذرياً عن منطلق المصارف. فبينما تعارض المصارف المشروع خشية تحميلها جزءاً أكبر من الخسائر، ترى النقابة أن القانون المطروح يشرّع الكارثة المالية بدل معالجتها، ويحوّل شطب الودائع إلى أمر واقع بقوة التشريع.

وتعتبر النقابة أن المشروع لا يهدف إلى استرداد الودائع، بل إلى إدارتها زمنياً عبر اقتطاعات مقنعة ورد جزئي ومؤجل، ما يؤدي عملياً إلى تبرئة الدولة ومصرف لبنان والمصارف من مسؤولياتهم، في ظل غياب أي تحقيق شفاف يحدّد أسباب الفجوة المالية ويوزع المسؤوليات. كما تحذر من أن تجاهل استرداد الأموال المحوّلة إلى الخارج يمنح غطاء قانونياً للخسائر، ويقضي على ما تبقى من ثقة بالنظام المالي.

منطق الرفض المطلق

إلى ذلك، برزت في مواجهة مشروع قانون الفجوة المالية مواقف نافرة اتخذتها جمعيات المودعين وعدد من الخبراء القانونيين والاقتصاديين، إضافة إلى المصارف، وإن اختلفت منطلقاتها. فقد رأت جمعيات المودعين أن المشروع يشرعن شطب الودائع تحت عناوين تقنية، ويحوّل حقوقهم إلى التزامات مؤجلة أو مشروطة. في المقابل، حذّر خبراء قانونيون من مخالفات دستورية محتملة، ولا سيما في ما يتصل بحماية الملكية والمساواة أمام القانون، فيما اعتبر اقتصاديون أن غموض الأرقام يضعف الثقة ويخيف المستثمرين. أما المصارف، فترى أن القانون يفرض عليها أعباء غير قابلة للتنفيذ ويقود إلى تفليس منظّم بدل الإصلاح.

من هنا تبرز تساؤلات مشروعة “هل رفض مشروع قانون الانتظام المالي كسلة واحدة يخدم فعلاً حقوق المودعين ويقود إلى حل الأزمة، أم أنه يصب عملياً في مصلحة المصارف التي تواصل تذويب الودائع؟” وهل إن إسقاط أي محاولة تشريعية، مهما شابتها ثغرات، يوقف النزف أم يمدّد الفوضى القائمة؟

في المقابل، يرى متابعون أن المعالجة الجدية للأزمة تقتضي الانتقال من منطق الرفض المطلق إلى منطق التدقيق والمساءلة والتعديل، عبر تفنيد بنود المشروع وتصحيح ما يلزم منها، وتحصينها بما يحفظ حقوق المودعين والمصلحة العامة، بدل ترك البلد بلا إطار قانوني، وبلا أفق ولا محاسبة.

مصالح متباينة تتلاقى على رفض قانون الفجوة المالية… بلا بدائل

الكاتب: عزة الحاج حسن | المصدر: المدن
23 كانون الأول 2025

تعدّدت الأسباب والنتيجة واحدة “رفض مشروع قانون الانتظام المالي” من قبل أطراف متباينة المصالح. فقد وقفت المصارف في مواجهة المشروع، وفي المقابل نزل المودعون إلى الشارع رفضاً له، في حين التقت كتل سياسية وجمعيات مدنية وخبراء اقتصاديون وقانونيون على معارضته، في مشهد غير مسبوق منذ اندلاع الأزمة المالية في العام 2019، حيال أول مشروع تشريعي متكامل من هذا النوع.

وبين من يعارض المشروع بهدف تحميل الدولة حصة أكبر من مسؤولية الفجوة المالية وتخفيف العبء عن المصارف، ومن يرفضه مدافعاً عن حقوق المودعين ومطالباً بمحاسبة الدولة والمصارف معاً، يلتقي خصوم السياسة والاقتصاد على موقف واحد هو إسقاط مشروع قانون الانتظام المالي، المعروف بقانون الفجوة المالية، مع اختلاف جذري في الخلفيات والأهداف.

وبحسب مصدر حكومي، فإن الرفض المطلق للمشروع من قبل المصارف وبعض مجموعات المودعين وعدد من الكتل السياسية يعكس مقاربة إشكالية لأحد أخطر الملفات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ويتساءل عن جدوى إسقاط مشروع قانون بالكامل من دون طرح بدائل واضحة، أو من دون مقاربة بنوده بنداً بنداً لتصحيح ما يلزم منها.

غضب المصارف والمودعين

باشرت الحكومة أمس مناقشة مشروع قانون الانتظام المالي، تمهيداً لإقراره وإحالته إلى مجلس النواب لدراسته والتصويت عليه، وسط توقعات بأن يخضع لتعديلات جوهرية في البرلمان، في ضوء الاعتراضات السياسية والاقتصادية الواسعة التي أُثيرت حوله. ويأتي المشروع في لحظة مفصلية من عمر الأزمة، باعتباره أول إطار تشريعي متكامل يُطرح منذ العام 2019 لمعالجة الفجوة المالية ووضع أسس إعادة الانتظام للقطاع المصرفي.

ورغم أن مسودة القانون أثارت غضب المصارف ورفض شريحة واسعة من المودعين، إلا أنها وللمرة الأولى، تتضمن آليات محددة لاسترداد الودائع، وخريطة طريق لإعادة رسملة المصارف، في محاولة لوضع حد لحال المماطلة والتسويف التي عمّقت الأزمة خلال السنوات الماضية. كما ترى الحكومة بحسب ما ورد في المشروع أنه يهدف إلى إطلاق مسار فعلي لاستعادة الحقوق، وإنهاء الفوضى المالية، وإحياء القطاع المصرفي والاقتصاد.

في المقابل، يرى معارضو المشروع أنه يضع المصارف والمودعين في خانة واحدة، ويوحي بتعمد تحميل الطرفين معاً كلفة الانهيار، ما يثير شكوكاً حول نيات الإصلاح الفعلي.

مواقف منسجمة… مصالح متباينة

في هذا السياق، برزت مواقف متباينة، بعضها مفاجئ في حدّته. فقد رأت جمعية المستهلك أن مشروع قانون الفجوة المالية يناقض وعود الحكومة بإنصاف المودعين، ويحملهم عبء أزمة لم يكونوا سبباً فيها، ويكرّس منطق الإفلات من المحاسبة بدل تصحيحه. غير أن المستغرب، وفق متابعين، هو رفض الجمعية للمشروع برمّته كسلة واحدة، في تقاطع شكلي مع مواقف مصرفيين ونقابات تجارية، رغم الاختلاف الجوهري في أسباب الرفض لاسيما أن الجمعية لم تَدعُ إلى تعديل القانون بما يُنصف المودع ويضع حداً لخسارته المستمرة منذ 6 سنوات وإن كانت تسعى إلى ذلك فعلاً. 

كما عبّرت نقابات تجارية عن قلقها من الصيغة المطروحة، معتبرة أنها تتضمن ثغرات أساسية، لا سيما في ما يتعلق بالقروض والتسهيلات التجارية، بما يهدد الاقتصاد المنتج. وحمّلت هذه النقابات الدولة المسؤولية الأساسية عن الانهيار نتيجة السياسات المالية الخاطئة والهدر وغياب المحاسبة، مع إقرارها بمسؤولية جزئية تقع على عاتق المصارف.

كذلك اعترضت كتل سياسية على المشروع بحجة غياب الأرقام الواضحة وعدم تحديد المسؤوليات بشكل صريح. إلا أن مصدراً حكومياً رأى أن وظيفة القانون ليست حسم الأرقام أو توزيع المسؤوليات مسبقاً، بل وضع الإطار القانوني والتقني الذي يتيح الوصول إلى أرقام موحّدة وتحديد نسب المسؤولية لاحقاً على أسس علمية شفافة.

موقف نقابة المحامين

في هذا المشهد المتشابك، برز موقف نقابة المحامين في بيروت بوصفه من أكثر المواقف القانونية وضوحاً وحدّة. فقد التقت النقابة مع أطراف متباينة المصالح على رفض مشروع قانون الانتظام المالي، لكن من منطلق مختلف جذرياً عن منطلق المصارف. فبينما تعارض المصارف المشروع خشية تحميلها جزءاً أكبر من الخسائر، ترى النقابة أن القانون المطروح يشرّع الكارثة المالية بدل معالجتها، ويحوّل شطب الودائع إلى أمر واقع بقوة التشريع.

وتعتبر النقابة أن المشروع لا يهدف إلى استرداد الودائع، بل إلى إدارتها زمنياً عبر اقتطاعات مقنعة ورد جزئي ومؤجل، ما يؤدي عملياً إلى تبرئة الدولة ومصرف لبنان والمصارف من مسؤولياتهم، في ظل غياب أي تحقيق شفاف يحدّد أسباب الفجوة المالية ويوزع المسؤوليات. كما تحذر من أن تجاهل استرداد الأموال المحوّلة إلى الخارج يمنح غطاء قانونياً للخسائر، ويقضي على ما تبقى من ثقة بالنظام المالي.

منطق الرفض المطلق

إلى ذلك، برزت في مواجهة مشروع قانون الفجوة المالية مواقف نافرة اتخذتها جمعيات المودعين وعدد من الخبراء القانونيين والاقتصاديين، إضافة إلى المصارف، وإن اختلفت منطلقاتها. فقد رأت جمعيات المودعين أن المشروع يشرعن شطب الودائع تحت عناوين تقنية، ويحوّل حقوقهم إلى التزامات مؤجلة أو مشروطة. في المقابل، حذّر خبراء قانونيون من مخالفات دستورية محتملة، ولا سيما في ما يتصل بحماية الملكية والمساواة أمام القانون، فيما اعتبر اقتصاديون أن غموض الأرقام يضعف الثقة ويخيف المستثمرين. أما المصارف، فترى أن القانون يفرض عليها أعباء غير قابلة للتنفيذ ويقود إلى تفليس منظّم بدل الإصلاح.

من هنا تبرز تساؤلات مشروعة “هل رفض مشروع قانون الانتظام المالي كسلة واحدة يخدم فعلاً حقوق المودعين ويقود إلى حل الأزمة، أم أنه يصب عملياً في مصلحة المصارف التي تواصل تذويب الودائع؟” وهل إن إسقاط أي محاولة تشريعية، مهما شابتها ثغرات، يوقف النزف أم يمدّد الفوضى القائمة؟

في المقابل، يرى متابعون أن المعالجة الجدية للأزمة تقتضي الانتقال من منطق الرفض المطلق إلى منطق التدقيق والمساءلة والتعديل، عبر تفنيد بنود المشروع وتصحيح ما يلزم منها، وتحصينها بما يحفظ حقوق المودعين والمصلحة العامة، بدل ترك البلد بلا إطار قانوني، وبلا أفق ولا محاسبة.

مزيد من الأخبار

مزيد من الأخبار