ليس هذا هو الميلاد الحقيقي

الكاتب: اندريه قصاص | المصدر: لبنان24
25 كانون الأول 2025

تبدو المناطق اللبنانية، بمدنها وقراها، هذه السنة في سباق غير مسبوق لإظهار أحسن زينة لشجرة الميلاد. هي أجواء تدعو إلى فرح يستحقه اللبنانيون أكثر من غيرهم من شعوب على وجه

الكرة الأرضية. هو فرح الطفولة البريئة، التي تفتش عن بارقة أمل، من خلال أنوار شجرة الميلاد المشجعة، بغد مشرق يشبه إلى حدّ كبير تلك الأيام الثلاثة، التي عاشها كل لبنان مع الحبر الأعظم قداسة البابا لاوون الرابع عشر، الذي استنهض اللبنانيين، ودعاهم إلى عيش السلام، الذي يستحقونه بعد كل هذا العذاب، الذي عاشوه من جيل إلى جيل.

لكن ما يخدش فرح الطفولة بالميلاد الآتي هو هذا التنافس الحاد في إبراز قدرة أي من المكونات السياسية لهذه المدينة أو البلدة على إظهار مهارة هندسية أكثر من غيره، من دون أن يستعير أي من هؤلاء السياسيين ما يرمز إليه ميلاد يسوع في حقيقته الايمانية البعيدة عن كل زيف وتصنّع وابتذال، وهو الذي اختار أن يولد “متضعًا” في مزود في بيت لحم، تلك القرية، التي أصبحت أشهر قرى الأرض قاطبة.

فالميلاد بمفهومه الخلاصي ليس زينة وبهرجة وأضواء فقط. هو غير كل ذلك، أو بالأحرى هو نقيض كل ذلك. ميلاد يسوع هو بداية لمشروع خلاصي بدأ من بيت لحم ولم ينتهِ على الجلجلة، بل امتدّ لآلاف السنين. الميلاد ليس “بابا نويل” وهدايا فقط.

في عمق هذا الحدث، لا يولد طفل فحسب، بل يولد معنى جديد للحياة. يولد إله يتجسّد ليشارك الإنسان ألمه قبل فرحه، وخوفه قبل طمأنينته، وصليبه قبل قيامته. هنا، يصبح الميلاد فعل خلاص، لا مناسبة موسمية، ورسالة تغيير داخلي، لا مهرجانًا عابرًا. فالله، في الميلاد، لم يأتِ ليُبهر العالم، بل ليخلّصه، ولم يأتِ ليُدهش العيون، بل ليوقظ القلوب.

من هنا، فإن أخطر ما يمكن أن يصيب الميلاد هو تفريغه من مضمونه الخلاصي، وتحويله إلى مناسبة استهلاكية أو مادة استعراض سياسي واجتماعي. فالخشبة التي وُضع عليها الطفل يسوع في المزود كانت أول إعلان عن صليب آتٍ، والصمت الذي لفّ ليل بيت لحم كان تمهيدًا لكلمة ستغيّر وجه التاريخ. وبين المزود والصليب، وُلد معنى المحبة التي تبذل ذاتها حتى النهاية.

الميلاد الحقيقي هو ذاك الذي يولد في داخل الإنسان، حين يتجرّأ على المصالحة بدلًا من الكراهية، وعلى التواضع بدلًا من الغرور، وعلى المحبة بدلًا من العنف. هو ميلاد يعيد الاعتبار إلى الإنسان كقيمة، لا كوسيلة، وكغاية، لا كرقم في صراع أو مشروع. وهو، في زمن الانهيارات والحروب، دعوة مفتوحة للبنان كي يتذكّر أن خلاصه لا يكون بالقوة، بل بالحق، ولا بالاستعراض، بل بالصدق.
لذلك، ليس كل ما يلمع ميلادًا، وليس كل نور خلاصًا. الميلاد الحقيقي لا يُقاس بارتفاع الشجرة، ولا بعدد الأضواء، بل بقدرتنا على أن نسمح لذلك الطفل، الذي وُلد متواضعًا، أن يولد من جديد في ضمائرنا، وفي خياراتنا، وفي طريقة عيشنا مع بعضنا البعض. عندها فقط، يصبح الميلاد خلاصًا، لا ذكرى، ورسالة حياة، لا موسمًا عابرًا.

في الميلاد، لا يطلب الله من الإنسان أن يُعجب بالحدث، بل أن يسمح له بأن يغيّره. فهناك، في صمت المزود، يبدأ الخلاص حين يولد التواضع في القلب، ويُهزم العنف بالمحبة، ويُستعاد الإنسان إلى إنسانيته. عندها فقط، يصبح الميلاد نورًا لا ينطفئ، لا لأن الشجرة مضاءة، بل لأن الضمير قد استيقظ.

بهذا التواضع، الذي لا يشبه أي تواضع آخر، كان الخلاص، وكانت البداية، بداية مصالحة الأرض مع السماء، وبداية إعادة الانسان إلى جنّة عدن، وإلى حضن الأب السماوي.

في مثل هذا اليوم، وإن اختلف المؤرخون على تحديد الزمن الميلادي، وقبل 2025 سنة، تغيّر وجه الكون، وأصبح الوعد حقيقة مطلقة.

الميلاد الحقيقي هو ذاك الذي يولد في داخل الإنسان، حين يتجرّأ على المصالحة بدلًا من الكراهية، وعلى التواضع بدلًا من الغرور، وعلى المحبة بدلًا من العنف. هو ميلاد يعيد الاعتبار إلى الإنسان كقيمة، لا كوسيلة، وكغاية، لا كرقم في صراع أو مشروع. وهو، في زمن الانهيارات والحروب، دعوة مفتوحة للبنان كي يتذكّر أن خلاصه لا يكون بالقوة، بل بالحق، ولا بالاستعراض، بل بالصدق.

ليس هذا هو الميلاد الحقيقي

الكاتب: اندريه قصاص | المصدر: لبنان24
25 كانون الأول 2025

تبدو المناطق اللبنانية، بمدنها وقراها، هذه السنة في سباق غير مسبوق لإظهار أحسن زينة لشجرة الميلاد. هي أجواء تدعو إلى فرح يستحقه اللبنانيون أكثر من غيرهم من شعوب على وجه

الكرة الأرضية. هو فرح الطفولة البريئة، التي تفتش عن بارقة أمل، من خلال أنوار شجرة الميلاد المشجعة، بغد مشرق يشبه إلى حدّ كبير تلك الأيام الثلاثة، التي عاشها كل لبنان مع الحبر الأعظم قداسة البابا لاوون الرابع عشر، الذي استنهض اللبنانيين، ودعاهم إلى عيش السلام، الذي يستحقونه بعد كل هذا العذاب، الذي عاشوه من جيل إلى جيل.

لكن ما يخدش فرح الطفولة بالميلاد الآتي هو هذا التنافس الحاد في إبراز قدرة أي من المكونات السياسية لهذه المدينة أو البلدة على إظهار مهارة هندسية أكثر من غيره، من دون أن يستعير أي من هؤلاء السياسيين ما يرمز إليه ميلاد يسوع في حقيقته الايمانية البعيدة عن كل زيف وتصنّع وابتذال، وهو الذي اختار أن يولد “متضعًا” في مزود في بيت لحم، تلك القرية، التي أصبحت أشهر قرى الأرض قاطبة.

فالميلاد بمفهومه الخلاصي ليس زينة وبهرجة وأضواء فقط. هو غير كل ذلك، أو بالأحرى هو نقيض كل ذلك. ميلاد يسوع هو بداية لمشروع خلاصي بدأ من بيت لحم ولم ينتهِ على الجلجلة، بل امتدّ لآلاف السنين. الميلاد ليس “بابا نويل” وهدايا فقط.

في عمق هذا الحدث، لا يولد طفل فحسب، بل يولد معنى جديد للحياة. يولد إله يتجسّد ليشارك الإنسان ألمه قبل فرحه، وخوفه قبل طمأنينته، وصليبه قبل قيامته. هنا، يصبح الميلاد فعل خلاص، لا مناسبة موسمية، ورسالة تغيير داخلي، لا مهرجانًا عابرًا. فالله، في الميلاد، لم يأتِ ليُبهر العالم، بل ليخلّصه، ولم يأتِ ليُدهش العيون، بل ليوقظ القلوب.

من هنا، فإن أخطر ما يمكن أن يصيب الميلاد هو تفريغه من مضمونه الخلاصي، وتحويله إلى مناسبة استهلاكية أو مادة استعراض سياسي واجتماعي. فالخشبة التي وُضع عليها الطفل يسوع في المزود كانت أول إعلان عن صليب آتٍ، والصمت الذي لفّ ليل بيت لحم كان تمهيدًا لكلمة ستغيّر وجه التاريخ. وبين المزود والصليب، وُلد معنى المحبة التي تبذل ذاتها حتى النهاية.

الميلاد الحقيقي هو ذاك الذي يولد في داخل الإنسان، حين يتجرّأ على المصالحة بدلًا من الكراهية، وعلى التواضع بدلًا من الغرور، وعلى المحبة بدلًا من العنف. هو ميلاد يعيد الاعتبار إلى الإنسان كقيمة، لا كوسيلة، وكغاية، لا كرقم في صراع أو مشروع. وهو، في زمن الانهيارات والحروب، دعوة مفتوحة للبنان كي يتذكّر أن خلاصه لا يكون بالقوة، بل بالحق، ولا بالاستعراض، بل بالصدق.
لذلك، ليس كل ما يلمع ميلادًا، وليس كل نور خلاصًا. الميلاد الحقيقي لا يُقاس بارتفاع الشجرة، ولا بعدد الأضواء، بل بقدرتنا على أن نسمح لذلك الطفل، الذي وُلد متواضعًا، أن يولد من جديد في ضمائرنا، وفي خياراتنا، وفي طريقة عيشنا مع بعضنا البعض. عندها فقط، يصبح الميلاد خلاصًا، لا ذكرى، ورسالة حياة، لا موسمًا عابرًا.

في الميلاد، لا يطلب الله من الإنسان أن يُعجب بالحدث، بل أن يسمح له بأن يغيّره. فهناك، في صمت المزود، يبدأ الخلاص حين يولد التواضع في القلب، ويُهزم العنف بالمحبة، ويُستعاد الإنسان إلى إنسانيته. عندها فقط، يصبح الميلاد نورًا لا ينطفئ، لا لأن الشجرة مضاءة، بل لأن الضمير قد استيقظ.

بهذا التواضع، الذي لا يشبه أي تواضع آخر، كان الخلاص، وكانت البداية، بداية مصالحة الأرض مع السماء، وبداية إعادة الانسان إلى جنّة عدن، وإلى حضن الأب السماوي.

في مثل هذا اليوم، وإن اختلف المؤرخون على تحديد الزمن الميلادي، وقبل 2025 سنة، تغيّر وجه الكون، وأصبح الوعد حقيقة مطلقة.

الميلاد الحقيقي هو ذاك الذي يولد في داخل الإنسان، حين يتجرّأ على المصالحة بدلًا من الكراهية، وعلى التواضع بدلًا من الغرور، وعلى المحبة بدلًا من العنف. هو ميلاد يعيد الاعتبار إلى الإنسان كقيمة، لا كوسيلة، وكغاية، لا كرقم في صراع أو مشروع. وهو، في زمن الانهيارات والحروب، دعوة مفتوحة للبنان كي يتذكّر أن خلاصه لا يكون بالقوة، بل بالحق، ولا بالاستعراض، بل بالصدق.

مزيد من الأخبار

مزيد من الأخبار