السنة الأولى من العهد: شاهدا المَلِك… إسرائيل و”الحزب”

ينتهي عام 2025 بحماسة أقلّ من أوّله. هي حال السنة الأولى في ولاية الرئيس جوزف عون. بعض ما أُعطيت السنة الأولى مشابه لِما عرفه معظم أسلافه في السنة الأولى على الأقلّ في ولايتهم: أن يؤتى انتخاب الرئيس بأوسع تأييد في مجلس النوّاب وفي الشارع، وأن يختار حكومته الأولى على صورة المواصفات التي أوجبت انتخابه، وأن يأتي برجاله في تعيينات الجيش والأمن والقضاء والإدارة. القاسم المشترك بين الرؤساء السابقين أنّ كلّاً منهم حمل في خطاب القسم أكبر مستودع من الوعود.
لا يختلف اثنان على أنّ الحرب الإسرائيليّة على “الحزب” بين تمّوز وتشرين الثاني 2024 شقّت الطريق أمام إعادة الروح إلى فكرة الدولة. بفعل نتائجها المباشرة انتُخب رئيس للجمهوريّة دُعي مجلس النوّاب إلى التصويت له ولم ينبثق من إرادة الكتل التي لم يسعها إلّا أن تسلّم رغماً عنها بانتخاب القائد السابق للجيش، وليست المرّة الأولى التي يؤتى بقائد للجيش لوظيفة كهذه.
سُمّي رئيس مكلّف للحكومة بجهد مماثل جعله لا يدين لأيّ من الكتل بمنصبه. المُعادلان الرئيسان لذيْنك الحدثَيْن اثنان آخران مهّدا لهما وضاهياهُما أهميّة هما سقوط نظام الرئيس السوريّ بشّار الأسد والانهيار الكامل للتجربة العسكريّة لـ”الحزب”.
التحوّل الأكثر أهميّة في ولاية السنة الأولى دخول إسرائيل في صلب معادلة الاستقرار اللبنانيّ كما فوضاه بعد خروج سوريا منه. مذّاك وقعت الدولة اللبنانيّة بين فكّي اعتداءات الدولة العبريّة وإصرار “الحزب” على التمسّك بسلاحه، كما لو أنّه كان يجبه في عام 2025 ما كان اختبره في عام 2006 مع انتهاء حرب تمّوز، على أنّها جولة في حرب طويلة لا تتوقّف. وبمقدار ما كان كلاهما، إسرائيل و”الحزب”، عدوّين، كانا شاهدَي الملك على ولاية يصعب أن تكون ضدّهما معاً، ويصعب أن تكون مع أحدهما، وحتماً معهما معاً.
لا تخلّي عن السّلاح
تنتهي السنة الحاليّة بسؤال يكاد لا يملك أحد جواباً عنه: أيّهما يسبق الآخر، الصدام أم التسوية؟
بعض المعطيات المرتبطة بالسؤال:
1 ـ يمتنع “الحزب” عن التخلّي عن سلاحه أيّاً تكن تداعيات تمسّكه به في الداخل اللبنانيّ. كانت المخابرات المصريّة آخر مَن أخطرهم بموقفه هذا الرافض على نحو مطلق لمبادرتها، المتمسّك بالحجّة التي يسوّق لها وهي أن لا تخلّي عن السلاح بالمطلق أوّلاً، ولا مناقشة فيه مع أحدٍ حتّى الدولة اللبنانيّة قبل تجريد المخيّمات الفلسطينيّة من سلاحها وضمان أمن الحدود الشرقيّة مع سوريا وتحقيق الانسحاب الشامل للقوّات الإسرائيليّة من جنوب لبنان.
بعدذاك، ما إن يتيقّن من الوصول إلى هذه الأهداف سيكون جاهزاً للجلوس مع الدولة اللبنانيّة والخوض في استراتيجية أمن وطنيّ. مغزى ما يتمسّك به هو أن لا تخلّي عن سلاحه الآن ولا في أيّ وقت آخر. أقصى تنازل يقدّمه هو القبول بتنظيم الإبقاء عليه في عهدته في حوار مع السلطات الرسميّة على أنّه دونما إشهار ظلُّ الجيش.
2 ـ ما لم يعُد مكتوماً أنّ قرار “الحزب” لم يعد لدى قيادته، بل في إيران، ولا أحد يعلم بالغرفة السوداء المقفلة التي يُتّخذ فيها. فقد “الحزب” مرجعيّته الداخليّة التي أحكم الإمساك بها أمينه العامّ الراحل السيّد حسن نصرالله. لا يملك القادة الجدد الغامضون، الموجَّهون من الحرس الثوريّ الإيرانيّ، ما كان أُعطي لنصرالله من مقدرة على تكييف أيّ قرار إيرانيّ يتعلّق بلبنان تصل إلى تعديله، وهذا الواقع من ضمن حقائق الوضع الداخليّ. بصفته قائد المحور مذ خلف قاسم سليماني على أثر اغتياله قبل خمس سنوات، أضحى نصرالله شريكاً في قرارات إدارة الجمهوريّة الإسلاميّة أذرعها في المنطقة بدءاً من اليمن مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان وغزّة.
تسوية في الأفق؟
3 ـ ما بات يقيناً لدى المسؤولين اللبنانيّين بمَن فيهم الذين يجولون بين “الحزب” والسلطات، وبينه وبين الموفدين العرب والأجانب، أنّ مصيره في لبنان بات جزءاً لا يتجزّأ من أيّ تسوية تبرم مع الجمهوريّة الإسلاميّة. يستند هؤلاء إلى اعتبارَيْن يحتّمان التعويل في وقت ما على التسوية:
– أوّلهما أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة المشهود لها باللعب على الحافة دونما المجازفة بالانتحار، باتت أكثر ميلاً إلى التهدئة بعدما فقدت ذراعَيْها القويّين من حول إسرائيل، وهما “حماس” و”الحزب”، وأكثر استعداداً للمضيّ في حوار شاقّ مع الأميركيّين.
– ثانيهما، حاجة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب إلى اتّفاق مع إيران يعزّز حجّته التي حملته في ولايته الأولى على الانسحاب من اتّفاق البرنامج النوويّ عام 2018. مكمن حجّته أنّ الغاية ممّا فعله آنذاك هو ما يدفع به إلى اتّفاق جديد مناقض مع الجمهوريّة الإسلاميّة يفضي إلى إلغاء البرنامج النوويّ بدعوى أنّ الديمقراطيّين وراء تكريس هذا الحقّ لها، وهو ما لا يريده لها الآن. الدافع الفعليّ لتعويله على الوصول إلى التسوية السلميّة أنّ الحرب الإسرائيليّة ـ الأميركيّة عليها قبل أشهر وضعتها أمام خيار المحافظة على نظامها أوّلاً.
4 ـ ما يسمعه مسؤولون لبنانيّون من دبلوماسيّين غربيّين أنّ إنهاء دور القوّة الدوليّة في جنوب لبنان في 31 كانون الأوّل 2026 هو أحد مقوّمات توقّع تسوية في المنطقة على نحو لا يقتصر على إعادة الاستقرار النهائيّ، أخيراً، على جانبَيْ الحدود اللبنانيّة ـ الإسرائيليّة. بذلك يُنظر إلى لجنة “الميكانيزم” على أنّها إحدى أدوات إدارة حدّ أدنى من الاستقرار في جنوب نهر الليطاني على الرغم من عدم توقّف الاعتداءات الإسرائيليّة، وفي الوقت نفسه إيجاد أرضيّة حوار سياسيّ لبنانيّ ـ إسرائيليّ للوصول إلى ضمانات المرحلة المقبلة المؤجّلة. منذ اليوم الأوّل لتكليفها بمهمّتها، لم تكن في حسبان أيّ من أفرقائها الخمسة أنّها ستمثّل المرجعيّة الفعليّة لتطبيق اتّفاق وقف النار خارج نطاق التسوية.
السنة الأولى من العهد: شاهدا المَلِك… إسرائيل و”الحزب”

ينتهي عام 2025 بحماسة أقلّ من أوّله. هي حال السنة الأولى في ولاية الرئيس جوزف عون. بعض ما أُعطيت السنة الأولى مشابه لِما عرفه معظم أسلافه في السنة الأولى على الأقلّ في ولايتهم: أن يؤتى انتخاب الرئيس بأوسع تأييد في مجلس النوّاب وفي الشارع، وأن يختار حكومته الأولى على صورة المواصفات التي أوجبت انتخابه، وأن يأتي برجاله في تعيينات الجيش والأمن والقضاء والإدارة. القاسم المشترك بين الرؤساء السابقين أنّ كلّاً منهم حمل في خطاب القسم أكبر مستودع من الوعود.
لا يختلف اثنان على أنّ الحرب الإسرائيليّة على “الحزب” بين تمّوز وتشرين الثاني 2024 شقّت الطريق أمام إعادة الروح إلى فكرة الدولة. بفعل نتائجها المباشرة انتُخب رئيس للجمهوريّة دُعي مجلس النوّاب إلى التصويت له ولم ينبثق من إرادة الكتل التي لم يسعها إلّا أن تسلّم رغماً عنها بانتخاب القائد السابق للجيش، وليست المرّة الأولى التي يؤتى بقائد للجيش لوظيفة كهذه.
سُمّي رئيس مكلّف للحكومة بجهد مماثل جعله لا يدين لأيّ من الكتل بمنصبه. المُعادلان الرئيسان لذيْنك الحدثَيْن اثنان آخران مهّدا لهما وضاهياهُما أهميّة هما سقوط نظام الرئيس السوريّ بشّار الأسد والانهيار الكامل للتجربة العسكريّة لـ”الحزب”.
التحوّل الأكثر أهميّة في ولاية السنة الأولى دخول إسرائيل في صلب معادلة الاستقرار اللبنانيّ كما فوضاه بعد خروج سوريا منه. مذّاك وقعت الدولة اللبنانيّة بين فكّي اعتداءات الدولة العبريّة وإصرار “الحزب” على التمسّك بسلاحه، كما لو أنّه كان يجبه في عام 2025 ما كان اختبره في عام 2006 مع انتهاء حرب تمّوز، على أنّها جولة في حرب طويلة لا تتوقّف. وبمقدار ما كان كلاهما، إسرائيل و”الحزب”، عدوّين، كانا شاهدَي الملك على ولاية يصعب أن تكون ضدّهما معاً، ويصعب أن تكون مع أحدهما، وحتماً معهما معاً.
لا تخلّي عن السّلاح
تنتهي السنة الحاليّة بسؤال يكاد لا يملك أحد جواباً عنه: أيّهما يسبق الآخر، الصدام أم التسوية؟
بعض المعطيات المرتبطة بالسؤال:
1 ـ يمتنع “الحزب” عن التخلّي عن سلاحه أيّاً تكن تداعيات تمسّكه به في الداخل اللبنانيّ. كانت المخابرات المصريّة آخر مَن أخطرهم بموقفه هذا الرافض على نحو مطلق لمبادرتها، المتمسّك بالحجّة التي يسوّق لها وهي أن لا تخلّي عن السلاح بالمطلق أوّلاً، ولا مناقشة فيه مع أحدٍ حتّى الدولة اللبنانيّة قبل تجريد المخيّمات الفلسطينيّة من سلاحها وضمان أمن الحدود الشرقيّة مع سوريا وتحقيق الانسحاب الشامل للقوّات الإسرائيليّة من جنوب لبنان.
بعدذاك، ما إن يتيقّن من الوصول إلى هذه الأهداف سيكون جاهزاً للجلوس مع الدولة اللبنانيّة والخوض في استراتيجية أمن وطنيّ. مغزى ما يتمسّك به هو أن لا تخلّي عن سلاحه الآن ولا في أيّ وقت آخر. أقصى تنازل يقدّمه هو القبول بتنظيم الإبقاء عليه في عهدته في حوار مع السلطات الرسميّة على أنّه دونما إشهار ظلُّ الجيش.
2 ـ ما لم يعُد مكتوماً أنّ قرار “الحزب” لم يعد لدى قيادته، بل في إيران، ولا أحد يعلم بالغرفة السوداء المقفلة التي يُتّخذ فيها. فقد “الحزب” مرجعيّته الداخليّة التي أحكم الإمساك بها أمينه العامّ الراحل السيّد حسن نصرالله. لا يملك القادة الجدد الغامضون، الموجَّهون من الحرس الثوريّ الإيرانيّ، ما كان أُعطي لنصرالله من مقدرة على تكييف أيّ قرار إيرانيّ يتعلّق بلبنان تصل إلى تعديله، وهذا الواقع من ضمن حقائق الوضع الداخليّ. بصفته قائد المحور مذ خلف قاسم سليماني على أثر اغتياله قبل خمس سنوات، أضحى نصرالله شريكاً في قرارات إدارة الجمهوريّة الإسلاميّة أذرعها في المنطقة بدءاً من اليمن مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان وغزّة.
تسوية في الأفق؟
3 ـ ما بات يقيناً لدى المسؤولين اللبنانيّين بمَن فيهم الذين يجولون بين “الحزب” والسلطات، وبينه وبين الموفدين العرب والأجانب، أنّ مصيره في لبنان بات جزءاً لا يتجزّأ من أيّ تسوية تبرم مع الجمهوريّة الإسلاميّة. يستند هؤلاء إلى اعتبارَيْن يحتّمان التعويل في وقت ما على التسوية:
– أوّلهما أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة المشهود لها باللعب على الحافة دونما المجازفة بالانتحار، باتت أكثر ميلاً إلى التهدئة بعدما فقدت ذراعَيْها القويّين من حول إسرائيل، وهما “حماس” و”الحزب”، وأكثر استعداداً للمضيّ في حوار شاقّ مع الأميركيّين.
– ثانيهما، حاجة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب إلى اتّفاق مع إيران يعزّز حجّته التي حملته في ولايته الأولى على الانسحاب من اتّفاق البرنامج النوويّ عام 2018. مكمن حجّته أنّ الغاية ممّا فعله آنذاك هو ما يدفع به إلى اتّفاق جديد مناقض مع الجمهوريّة الإسلاميّة يفضي إلى إلغاء البرنامج النوويّ بدعوى أنّ الديمقراطيّين وراء تكريس هذا الحقّ لها، وهو ما لا يريده لها الآن. الدافع الفعليّ لتعويله على الوصول إلى التسوية السلميّة أنّ الحرب الإسرائيليّة ـ الأميركيّة عليها قبل أشهر وضعتها أمام خيار المحافظة على نظامها أوّلاً.
4 ـ ما يسمعه مسؤولون لبنانيّون من دبلوماسيّين غربيّين أنّ إنهاء دور القوّة الدوليّة في جنوب لبنان في 31 كانون الأوّل 2026 هو أحد مقوّمات توقّع تسوية في المنطقة على نحو لا يقتصر على إعادة الاستقرار النهائيّ، أخيراً، على جانبَيْ الحدود اللبنانيّة ـ الإسرائيليّة. بذلك يُنظر إلى لجنة “الميكانيزم” على أنّها إحدى أدوات إدارة حدّ أدنى من الاستقرار في جنوب نهر الليطاني على الرغم من عدم توقّف الاعتداءات الإسرائيليّة، وفي الوقت نفسه إيجاد أرضيّة حوار سياسيّ لبنانيّ ـ إسرائيليّ للوصول إلى ضمانات المرحلة المقبلة المؤجّلة. منذ اليوم الأوّل لتكليفها بمهمّتها، لم تكن في حسبان أيّ من أفرقائها الخمسة أنّها ستمثّل المرجعيّة الفعليّة لتطبيق اتّفاق وقف النار خارج نطاق التسوية.













