هل خسر جعجع برلمانياً وربح شعبياً؟

لم يكن سهلاً ما حصل في الأيام الأخيرة على صعيد النزاع حول مشروع القانون الذي يسمح للمغتربين اللبنانيين بالتصويت لـ128 نائباً، ودعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى انعقاد جلسة تشريعية، تجاوز فيها عرض مشروع القانون المذكور أعلاه على الهيئة العامة، بالرغم من مرور 15 يوماً على وجوده في اللجان الفرعية.
من الواضح أن “القوات اللبنانية” كانت رأس الحربة في مواجهة ما يقوم به بري، معتبرةً أنه ضربٌ للآليات الدستورية والتشريعية عرض الحائط، وتجاوزٌ للدستور والنظام الداخلي ودور المجلس النيابي كسلطة تشريعية، وتحويله إلى ساحة خاضعة لمصالح حزبية ومزاجيات شخصية تتحكّم بجدول أعماله، وبما يُناقَش وما يُمنَع من النقاش.
وتكشف مصادر “القوات” أنها أعدّت العُدّة قبل أيام، بالتعاون مع كتل نيابية متنوّعة، لمواجهة انعقاد جلسة لا تبحث في مشروع قانون تصويت المغتربين. لكن عشية انعقاد الجلسة، بدأت تتظهّر مواقف بعض الكتل، وبدا أن عدداً لا يُستهان به من النواب تراجعوا عن مواجهة بري بـ”سحر ساحر”. وهؤلاء معروفون بعلاقاتهم معه، وغالباً ما تموضعوا في الوسط. وبات المشهد أكثر وضوحاً مع “كلمة سر” من رؤساء المجلس النيابي والجمهورية والحكومة لهؤلاء النواب بضرورة المشاركة في الجلسة التشريعية.
عدم “كسر الجرّة” مع بري
وتلفت المصادر إلى أن السبب كان تصميم الرئيسين عون وسلام على عدم “كسر الجرّة” مع بري، ومحاولة إرضائه لاستمرار التعاون، وهو ما أثاره رئيس “القوات” سمير جعجع، واصفاً ذلك بأنه إعادة إحياء لما يُسمّى “الترويكا“.
لم تستسلم “القوات”، بل حاولت جمع أكبر عدد ممكن من النواب المعارضين دفاعاً عن القانون المُرسَل من الحكومة، وتعاونت مع كتلتي “الكتائب” و”تحالف التغيير” وبعض النواب المستقلّين. إلا أن بري استطاع، بالتعاون مع الرئيسين عون وسلام، تأمين 67 نائباً لاكتمال نصاب الجلسة التشريعية، فانعقدت وأُقرّت القوانين المُرضي عنها من بري نفسه.
وُصفت نتيجة هذه المنازلة بأنها خسارة لجعجع شخصياً، إلا أن مصادر “القوات” تؤكّد أن المسألة ليست خسارة، إذ إن المطلوب هو الالتزام بالدستور وآلياته. وإذا كان جعجع، الذي يحاكي وجدان الشعب اللبناني وتوقه إلى دولة القانون والمؤسسات، قد خسر، فهذا يعني أن الشعب كلّه خسر. وتشير المصادر إلى أن الأمر يمكن وصفه بالخسارة لو كان دستورياً ونظامياً، علماً أن جعجع هو المدافع عن الدستور والنظام والقوانين المرعية الإجراء، فيما بري والنواب الذين شاركوا في الجلسة خالفوا ذلك.
تبدو “القوات” منسجمة مع نفسها في هذا الطرح، فيما يرى الرأي العام بوضوح من يخالف القوانين. وتوضح المصادر أن المؤسف هو أن انعقاد الجلسة التشريعية أتى في مرحلة ظنّ فيها اللبنانيون أن زمن مخالفة الدستور أصبح من الماضي، فإذا بالواقع يعيد إنتاج الممارسات نفسها، وكأن قدر اللبنانيين التأقلم مع الشواذ. إن الخسارة الحقيقية هي لكل من يتمسّك بقيام دولة فعلية وجمهورية جديدة، ولكل من راهن على دخول لبنان مرحلة مختلفة، بعيدة عن منطق التسويات القسرية والمساومات على حساب الدستور.
وبالتالي، يحقّ للشعب أن يسأل النواب الذين حضروا الجلسة عن سبب تغيير تموضعهم، ولا بدّ من محاسبة كل نائب بحسب أفعاله.
لا تملك “القوات” عصاً سحرية لتغيير هذا الواقع الشاذ، لكنها ستستمر في النضال من أجل تغيير المشهد. وترى المصادر أن الفرصة متاحة اليوم من خلال رسالة يوجّهها رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي. وقد حرص جعجع على توجيه رسالة إلى الرئيس عون، اعتبر فيها أن “الانتخابات في موقع الخطر الجدّي بسبب التعطيل المتعمّد الذي ينتهجه رئيس مجلس النواب خلافاً للدستور وللأكثرية النيابية”، وأنه “لم يبقَ باب للخلاص سوى بتوجيه فخامتكم رسالة إلى مجلس النواب تطلبون فيها من رئيس المجلس الانعقاد خلال ثلاثة أيام للبتّ بالمشروع المعجّل من الحكومة لقانون الانتخابات النيابية“.
وعليه، تُعقَد الآمال على دور عون لانتشال الانتخابات النيابية من المجهول، وتثبيت حقوق اللبنانيين في إعادة إنتاج السلطة أينما تواجدوا، من دون تحجيم أو انتقاص.
مصير تصويت المغتربين على المحك
تؤمن “القوات” بأن مسألة تصويت المغتربين لا تخصّها وحدها، بل تتعلّق بجميع اللبنانيين، وتستغرب عدم انتفاض الحكومة على طريقة تعاطي رئيس المجلس مع قانون مُرسَل من قبلها بهذه الطريقة.
لا شكّ في أن مصير تصويت المغتربين أصبح على المحك من جهة، و”القوات” تُصرّ على إجراء الانتخابات في موعدها، ولن تقبل بأي تأجيل من جهة أخرى. وتؤكّد مصادرها أنها لن تلجأ إلى الشارع في الوقت الراهن، إذ لا يزال من المبكر الحديث عن هذا الخيار، فيما يتركّز الاهتمام حالياً على قضية تصويت المغتربين.
وتحاول “القوات” الحفاظ على علاقة جيّدة مع رئيسي الحكومة والجمهورية، رغم بعض المآخذ على الأساليب غير المؤسساتية الظاهرة بوضوح، وتأمل أن يستمر التعاون معهما لما فيه خير المصلحة اللبنانية العليا، وتعزيز منطق الدولة، لا مهادنة ثقافة الاستباحة والتجاوز والالتفاف على الدستور، وتحويل المؤسسات إلى أدوات شكليّة.
هل خسر جعجع برلمانياً وربح شعبياً؟

لم يكن سهلاً ما حصل في الأيام الأخيرة على صعيد النزاع حول مشروع القانون الذي يسمح للمغتربين اللبنانيين بالتصويت لـ128 نائباً، ودعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى انعقاد جلسة تشريعية، تجاوز فيها عرض مشروع القانون المذكور أعلاه على الهيئة العامة، بالرغم من مرور 15 يوماً على وجوده في اللجان الفرعية.
من الواضح أن “القوات اللبنانية” كانت رأس الحربة في مواجهة ما يقوم به بري، معتبرةً أنه ضربٌ للآليات الدستورية والتشريعية عرض الحائط، وتجاوزٌ للدستور والنظام الداخلي ودور المجلس النيابي كسلطة تشريعية، وتحويله إلى ساحة خاضعة لمصالح حزبية ومزاجيات شخصية تتحكّم بجدول أعماله، وبما يُناقَش وما يُمنَع من النقاش.
وتكشف مصادر “القوات” أنها أعدّت العُدّة قبل أيام، بالتعاون مع كتل نيابية متنوّعة، لمواجهة انعقاد جلسة لا تبحث في مشروع قانون تصويت المغتربين. لكن عشية انعقاد الجلسة، بدأت تتظهّر مواقف بعض الكتل، وبدا أن عدداً لا يُستهان به من النواب تراجعوا عن مواجهة بري بـ”سحر ساحر”. وهؤلاء معروفون بعلاقاتهم معه، وغالباً ما تموضعوا في الوسط. وبات المشهد أكثر وضوحاً مع “كلمة سر” من رؤساء المجلس النيابي والجمهورية والحكومة لهؤلاء النواب بضرورة المشاركة في الجلسة التشريعية.
عدم “كسر الجرّة” مع بري
وتلفت المصادر إلى أن السبب كان تصميم الرئيسين عون وسلام على عدم “كسر الجرّة” مع بري، ومحاولة إرضائه لاستمرار التعاون، وهو ما أثاره رئيس “القوات” سمير جعجع، واصفاً ذلك بأنه إعادة إحياء لما يُسمّى “الترويكا“.
لم تستسلم “القوات”، بل حاولت جمع أكبر عدد ممكن من النواب المعارضين دفاعاً عن القانون المُرسَل من الحكومة، وتعاونت مع كتلتي “الكتائب” و”تحالف التغيير” وبعض النواب المستقلّين. إلا أن بري استطاع، بالتعاون مع الرئيسين عون وسلام، تأمين 67 نائباً لاكتمال نصاب الجلسة التشريعية، فانعقدت وأُقرّت القوانين المُرضي عنها من بري نفسه.
وُصفت نتيجة هذه المنازلة بأنها خسارة لجعجع شخصياً، إلا أن مصادر “القوات” تؤكّد أن المسألة ليست خسارة، إذ إن المطلوب هو الالتزام بالدستور وآلياته. وإذا كان جعجع، الذي يحاكي وجدان الشعب اللبناني وتوقه إلى دولة القانون والمؤسسات، قد خسر، فهذا يعني أن الشعب كلّه خسر. وتشير المصادر إلى أن الأمر يمكن وصفه بالخسارة لو كان دستورياً ونظامياً، علماً أن جعجع هو المدافع عن الدستور والنظام والقوانين المرعية الإجراء، فيما بري والنواب الذين شاركوا في الجلسة خالفوا ذلك.
تبدو “القوات” منسجمة مع نفسها في هذا الطرح، فيما يرى الرأي العام بوضوح من يخالف القوانين. وتوضح المصادر أن المؤسف هو أن انعقاد الجلسة التشريعية أتى في مرحلة ظنّ فيها اللبنانيون أن زمن مخالفة الدستور أصبح من الماضي، فإذا بالواقع يعيد إنتاج الممارسات نفسها، وكأن قدر اللبنانيين التأقلم مع الشواذ. إن الخسارة الحقيقية هي لكل من يتمسّك بقيام دولة فعلية وجمهورية جديدة، ولكل من راهن على دخول لبنان مرحلة مختلفة، بعيدة عن منطق التسويات القسرية والمساومات على حساب الدستور.
وبالتالي، يحقّ للشعب أن يسأل النواب الذين حضروا الجلسة عن سبب تغيير تموضعهم، ولا بدّ من محاسبة كل نائب بحسب أفعاله.
لا تملك “القوات” عصاً سحرية لتغيير هذا الواقع الشاذ، لكنها ستستمر في النضال من أجل تغيير المشهد. وترى المصادر أن الفرصة متاحة اليوم من خلال رسالة يوجّهها رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي. وقد حرص جعجع على توجيه رسالة إلى الرئيس عون، اعتبر فيها أن “الانتخابات في موقع الخطر الجدّي بسبب التعطيل المتعمّد الذي ينتهجه رئيس مجلس النواب خلافاً للدستور وللأكثرية النيابية”، وأنه “لم يبقَ باب للخلاص سوى بتوجيه فخامتكم رسالة إلى مجلس النواب تطلبون فيها من رئيس المجلس الانعقاد خلال ثلاثة أيام للبتّ بالمشروع المعجّل من الحكومة لقانون الانتخابات النيابية“.
وعليه، تُعقَد الآمال على دور عون لانتشال الانتخابات النيابية من المجهول، وتثبيت حقوق اللبنانيين في إعادة إنتاج السلطة أينما تواجدوا، من دون تحجيم أو انتقاص.
مصير تصويت المغتربين على المحك
تؤمن “القوات” بأن مسألة تصويت المغتربين لا تخصّها وحدها، بل تتعلّق بجميع اللبنانيين، وتستغرب عدم انتفاض الحكومة على طريقة تعاطي رئيس المجلس مع قانون مُرسَل من قبلها بهذه الطريقة.
لا شكّ في أن مصير تصويت المغتربين أصبح على المحك من جهة، و”القوات” تُصرّ على إجراء الانتخابات في موعدها، ولن تقبل بأي تأجيل من جهة أخرى. وتؤكّد مصادرها أنها لن تلجأ إلى الشارع في الوقت الراهن، إذ لا يزال من المبكر الحديث عن هذا الخيار، فيما يتركّز الاهتمام حالياً على قضية تصويت المغتربين.
وتحاول “القوات” الحفاظ على علاقة جيّدة مع رئيسي الحكومة والجمهورية، رغم بعض المآخذ على الأساليب غير المؤسساتية الظاهرة بوضوح، وتأمل أن يستمر التعاون معهما لما فيه خير المصلحة اللبنانية العليا، وتعزيز منطق الدولة، لا مهادنة ثقافة الاستباحة والتجاوز والالتفاف على الدستور، وتحويل المؤسسات إلى أدوات شكليّة.















