كيف سيواجه رئيس الجمهورية “دولة الأحزاب والطوائف”؟

لم يكن في كلام رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون عن “دولة الأحزاب والطوائف” أي جديد. إلاّ أن جديده هو أنه قيل من على منبر بكركي، بما ترمز إليه وطنيًا ومسيحيًا. وهو قصد تكرار ما سبق أن قاله في أكثر من مناسبة في يوم عيد الميلاد لكي يُفهم من لا يريد أن يفهم من القوى السياسية والأحزاب
المسيحية أنهم معنيون بهذا القول مثلهم مثل الآخرين، الذين يبنون “دولهم الطائفية”، كل على قياسه، ووفق معايير تختلف أحجامها وتختلف أهدافها.
وفي رأي أوساط سياسية تعتبر نفسها محايدة أن كلام الرئيس عون لا يمكن قراءته كـ “هجوم سياسي مباشر” بقدر ما هو إعلان رؤية رئاسية تصطدم حكماً مع واقع الحياة الحزبية اللبنانية كما تشكّلت منذ الطائف، بل وقبله. لكنه في الوقت ذاته يفتح باب صراع سياسي مبطّن، وربما علني لاحقاً، مع معظم الأحزاب.
وترى هذه الأوساط أن رئيس الجمهورية لا يقول من حيث المضمون إن الأحزاب مرفوضة من حيث المبدأ، بل إن الأحزاب بصيغتها اللبنانية الطائفية فشلت في بناء دولة، وبنت كياناتها على حساب الدولة. وعندما يتحدث عن “دولة مؤسسات لا دولة الأحزاب والطوائف”، فهو يعيد إنتاج خطاب الدولة في مقابل الدويلات، والمواطنة مقابل الزبائنية. هذا خطاب جذاب شعبياً، لكنه سياسياً استفزازي للأحزاب لأنه يحمّلها، مجتمعة، مسؤولية الانهيار.
من هنا، فإن هذا الكلام يؤسّس لمرحلة جديدة من التوتر بين الرئاسة والأحزاب، لأن الرئيس يضع نفسه في موقع الحَكَم الذي يَدين اللاعبين، لا في موقع الشريك معهم. والأحزاب، بطبيعتها، لا تقبل أن تُعامَل على أنها عائق بنيوي أمام قيام الدولة، بل تعتبر نفسها شرطاً للحياة الديمقراطية.
أمّا من ناحية الإطار الدستوري والسياسي، فأن المتعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية، أن الأحزاب هي العمود الفقري للحياة السياسية. لكن المشكلة في لبنان ليست بوجود الأحزاب، بل بتحوّلها إلى سلطات طائفية مغلقة، تمتلك جمهورها، ومواردها، وأحياناً كثيرة سلاحها، وتفاوض الدولة بدلًا من أن تعمل من داخلها. هنا تحديداً يكمن الخلاف العميق بين منطق رئيس الجمهورية ومنطق الأحزاب: فالرئيس عون يريد دولة فوق الجميع. أمّا الأحزاب فتريد دولة تُدار بالتوازنات، أي بالشراكة القسرية معها.
وهنا يأتي الحديث عن العلاقة المتوترة بين رئيس الجمهورية و “القوات اللبنانية”، الذي يبدو بالنسبة إلى البعض طبيعياً في سياق التنافس السياسي على “الزعامة المسيحية”. فـ “القوات” حزب سياسي صدامي بطبيعته، يقوم خطابه على المواجهة والاصطفاف، ولا يرتاح لرئيس يقدّم نفسه كـ “مرجعية سياسية مسيحية، ويحمّل الأحزاب وزر الفشل الجماعي. كما أن “القوات” ترى في خطاب الرئيس تهديداً لدورها التمثيلي المسيحي، خصوصاً إذا تحوّل إلى مسار عملي يقلّص نفوذ الأحزاب داخل الدولة لمصلحة المؤسسات العسكرية والإدارية.
في المقابل، فإن العلاقة بين الرئيس عون وحزب “الكتائب اللبنانية” هي أكثر هدوءاً خصوصًا أن الكتائب، وعلى رغم تاريخها الحزبي العريق، تحاول منذ سنوات إعادة تموضعها كحزب إصلاحي، أقرب إلى خطاب الدولة والمحاسبة، وأقل التصاقاً بمنطق السلطة. لذلك فهو يلتقي، ولو جزئياً، مع رؤية رئيس الجمهورية، أو على الأقل لا يصطدم معها مباشرة، مع أن “الكتائب” تلتقي مع “القوات” في كثير من النقاط الاستراتيجية، ومن بينها موضوع حصرية السلاح وحق المغتربين بالاقتراع للنواب الـ 128، وتشاركهما في النظرة إلى أن الخطوات المتعلقة بموضوع “حصرية السلاح” لا تزال “سلحفاتية”، وهما يطالبان رئاستي الجمهورية والحكومة بتسريع هذه الخطوات للوصول إلى الأهداف المشتركة في أسرع وقت ممكن، وذلك قبل أن تضيع فرصة استعادة الدولة لقرار الحرب والسلم واحتكار حمل السلاح على كافة الأراضي اللبنانية.
وتخلص هذه الأوساط إلى الاستنتاج بأن كلام الرئيس عون ليس عابراً ولا إنشائياً، بل هو تموضع سياسي واضح يضع الرئاسة في مواجهة نموذج الحكم الحزبي الطائفي. هذا التموضع سيزيد منسوب التوتر مع أحزاب وازنة، وفي طليعتها “القوات اللبنانية”، فيما يفتح هوامش تفاهم مع أحزاب أقل اندماجاً في منظومة السلطة التقليدية، كحزب “الكتائب” مثلًا، والحزب التقدمي الاشتراكي”. لكن السؤال الأهم هو: هل يستطيع رئيس الجمهورية تحويل هذا الخطاب إلى ممارسة، أم سيُحاصر، كما حوصِر من سبقوه، بجدار الأحزاب نفسها التي ينتقدها؟
كيف سيواجه رئيس الجمهورية “دولة الأحزاب والطوائف”؟

لم يكن في كلام رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون عن “دولة الأحزاب والطوائف” أي جديد. إلاّ أن جديده هو أنه قيل من على منبر بكركي، بما ترمز إليه وطنيًا ومسيحيًا. وهو قصد تكرار ما سبق أن قاله في أكثر من مناسبة في يوم عيد الميلاد لكي يُفهم من لا يريد أن يفهم من القوى السياسية والأحزاب
المسيحية أنهم معنيون بهذا القول مثلهم مثل الآخرين، الذين يبنون “دولهم الطائفية”، كل على قياسه، ووفق معايير تختلف أحجامها وتختلف أهدافها.
وفي رأي أوساط سياسية تعتبر نفسها محايدة أن كلام الرئيس عون لا يمكن قراءته كـ “هجوم سياسي مباشر” بقدر ما هو إعلان رؤية رئاسية تصطدم حكماً مع واقع الحياة الحزبية اللبنانية كما تشكّلت منذ الطائف، بل وقبله. لكنه في الوقت ذاته يفتح باب صراع سياسي مبطّن، وربما علني لاحقاً، مع معظم الأحزاب.
وترى هذه الأوساط أن رئيس الجمهورية لا يقول من حيث المضمون إن الأحزاب مرفوضة من حيث المبدأ، بل إن الأحزاب بصيغتها اللبنانية الطائفية فشلت في بناء دولة، وبنت كياناتها على حساب الدولة. وعندما يتحدث عن “دولة مؤسسات لا دولة الأحزاب والطوائف”، فهو يعيد إنتاج خطاب الدولة في مقابل الدويلات، والمواطنة مقابل الزبائنية. هذا خطاب جذاب شعبياً، لكنه سياسياً استفزازي للأحزاب لأنه يحمّلها، مجتمعة، مسؤولية الانهيار.
من هنا، فإن هذا الكلام يؤسّس لمرحلة جديدة من التوتر بين الرئاسة والأحزاب، لأن الرئيس يضع نفسه في موقع الحَكَم الذي يَدين اللاعبين، لا في موقع الشريك معهم. والأحزاب، بطبيعتها، لا تقبل أن تُعامَل على أنها عائق بنيوي أمام قيام الدولة، بل تعتبر نفسها شرطاً للحياة الديمقراطية.
أمّا من ناحية الإطار الدستوري والسياسي، فأن المتعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية، أن الأحزاب هي العمود الفقري للحياة السياسية. لكن المشكلة في لبنان ليست بوجود الأحزاب، بل بتحوّلها إلى سلطات طائفية مغلقة، تمتلك جمهورها، ومواردها، وأحياناً كثيرة سلاحها، وتفاوض الدولة بدلًا من أن تعمل من داخلها. هنا تحديداً يكمن الخلاف العميق بين منطق رئيس الجمهورية ومنطق الأحزاب: فالرئيس عون يريد دولة فوق الجميع. أمّا الأحزاب فتريد دولة تُدار بالتوازنات، أي بالشراكة القسرية معها.
وهنا يأتي الحديث عن العلاقة المتوترة بين رئيس الجمهورية و “القوات اللبنانية”، الذي يبدو بالنسبة إلى البعض طبيعياً في سياق التنافس السياسي على “الزعامة المسيحية”. فـ “القوات” حزب سياسي صدامي بطبيعته، يقوم خطابه على المواجهة والاصطفاف، ولا يرتاح لرئيس يقدّم نفسه كـ “مرجعية سياسية مسيحية، ويحمّل الأحزاب وزر الفشل الجماعي. كما أن “القوات” ترى في خطاب الرئيس تهديداً لدورها التمثيلي المسيحي، خصوصاً إذا تحوّل إلى مسار عملي يقلّص نفوذ الأحزاب داخل الدولة لمصلحة المؤسسات العسكرية والإدارية.
في المقابل، فإن العلاقة بين الرئيس عون وحزب “الكتائب اللبنانية” هي أكثر هدوءاً خصوصًا أن الكتائب، وعلى رغم تاريخها الحزبي العريق، تحاول منذ سنوات إعادة تموضعها كحزب إصلاحي، أقرب إلى خطاب الدولة والمحاسبة، وأقل التصاقاً بمنطق السلطة. لذلك فهو يلتقي، ولو جزئياً، مع رؤية رئيس الجمهورية، أو على الأقل لا يصطدم معها مباشرة، مع أن “الكتائب” تلتقي مع “القوات” في كثير من النقاط الاستراتيجية، ومن بينها موضوع حصرية السلاح وحق المغتربين بالاقتراع للنواب الـ 128، وتشاركهما في النظرة إلى أن الخطوات المتعلقة بموضوع “حصرية السلاح” لا تزال “سلحفاتية”، وهما يطالبان رئاستي الجمهورية والحكومة بتسريع هذه الخطوات للوصول إلى الأهداف المشتركة في أسرع وقت ممكن، وذلك قبل أن تضيع فرصة استعادة الدولة لقرار الحرب والسلم واحتكار حمل السلاح على كافة الأراضي اللبنانية.
وتخلص هذه الأوساط إلى الاستنتاج بأن كلام الرئيس عون ليس عابراً ولا إنشائياً، بل هو تموضع سياسي واضح يضع الرئاسة في مواجهة نموذج الحكم الحزبي الطائفي. هذا التموضع سيزيد منسوب التوتر مع أحزاب وازنة، وفي طليعتها “القوات اللبنانية”، فيما يفتح هوامش تفاهم مع أحزاب أقل اندماجاً في منظومة السلطة التقليدية، كحزب “الكتائب” مثلًا، والحزب التقدمي الاشتراكي”. لكن السؤال الأهم هو: هل يستطيع رئيس الجمهورية تحويل هذا الخطاب إلى ممارسة، أم سيُحاصر، كما حوصِر من سبقوه، بجدار الأحزاب نفسها التي ينتقدها؟










