ثلاثة تساؤلات في خطاب رئيس الجمهورية

تطرّق رئيس الجمهورية في مواقفه وإطلالاته الأخيرة إلى العديد من العناوين والملفات والقضايا التي لم يكن مضطرًا إلى مقاربتها، ومن بينها ثلاثة عناوين تستدعي مناقشته بها، انطلاقًا من الحرص على موقع الرئاسة ودورها، ولا سيما أن الاتجاه العام لمواقفه يصبّ في خانة السعي إلى قيام دولة فعلية.
فقد دعا الرئيس عون في أكثر من موقف إلى “تجاوز الأحزاب والطائفية للوصول إلى لبنان الدولة والمؤسسات”، و”الالتفاف حول الدولة والخروج من الطائفية والمذهبية والحزبية باتجاه حزب واحد هو لبنان”، كما أكد مرارًا وتكرارًا أن “شبح الحرب تم إبعاده عن لبنان”.
أولًا، أين مصلحة رئيس الجمهورية في وضع نفسه في مواجهة مع الأحزاب؟
أين مصلحة رئيس الجمهورية في أن يضع نفسه في مواجهة مع الأحزاب، ويعلن رسميًا أنه ضدها؟ وما الفائدة من هذا الإعلان في وقت يفترض فيه أن يكون رئيس البلاد في الموقع الحاضن للجميع، من دون أي انتقاص من حقه في أن يكون أقرب أو أبعد من هذا الفريق أو ذاك، تبعًا لقربه من مشروع الدولة أو ابتعاده عنه؟
وعندما يدعو الرئيس إلى تجاوز الأحزاب، فماذا يقصد تحديدًا؟ هل يقصد تجاوزها نحو الفردية السياسية، أو العائلية، أو الإقطاعية، أو حزب الجيش تأثرًا بشعار العميد فؤاد عون “ويبقى الجيش هو الحل”؟ يعلم فخامة الرئيس، بطبيعة الحال، أن الأنظمة الديمقراطية في العالم تقوم على الأحزاب، وهو ليس في وارد، حتمًا، تحويل الجمهورية اللبنانية إلى ديكتاتورية؟
وعلاوة على ذاك، فإن إعطاء الانطباع بأن الأزمة اللبنانية ناتجة عن الأحزاب وانقساماتها هو أمر في غير محله إطلاقًا، إذ إن الأزمة ناتجة عن عدم تطبيق الدستور والقوانين المرعية الإجراء. ولا يجوز أصلًا وضع جميع الأحزاب في سلة واحدة، لأن التعميم غير صحيح، فهل يجوز مثلًا مساواة من يتمسّك بسلاح الدولة ودستورها، بمن يتمسّك بسلاحه غير الشرعي ويرفض تطبيق الدستور؟
كما يعلم الرئيس أيضًا أن المحرِّك الأساسي للحياة السياسية في لبنان هو الأحزاب، فلماذا يضع نفسه في مواجهة معها مجانًا، فيما قسم كبير منها يؤيد خطاب قسمه ومعظم مواقفه؟
ثانيًا، أين مصلحة رئيس الجمهورية في تكرار أدبيات “اليسار العالمي” حول “الطائفية البغيضة”؟
إن ما ينطبق على الأحزاب ينسحب على الطائفية، بمعنى أن الطائفية ليست سبب نكبات البلد وانتكاساته، بل إن السبب الأساسي هو تفضيل بعض الجماعات أو الأحزاب الممثلة لها خيارات تتناقض مع الولاء للبنان والانتماء له.
فما علاقة البنية الطائفية للنظام السياسي بحزب مثل “حزب الله” الذي يُلحق لبنان بإيران؟ ولو قرّر مجلس النواب غدًا إلغاء الطائفية، فهل يسلِّم “الحزب” سلاحه أو ينزعه منه؟ إن المشكلة في العقدين الأخيرين تكمن في “حزب الله” الذي يخطف لبنان، وليس في النظام الطائفي التقاسمي. والمطلوب هو أن تمنع الدولة هذا “الحزب”، أو غيره، من مصادرة قرارها، لا الدعوة إلى تجاوز الطائفية، التي لا تحل هذه المعضلة.
ثمّ إن الحديث المتكرِّر عن تجاوز الطائفية يؤدي، في كل مرة، إلى تعميقها أكثر فأكثر، لأنه يفاقم الهواجس من مشاريع غلبة العدد وإسقاط الديمقراطية التوافقية لمصلحة الديمقراطية العددية.
ولم يصف البابا يوحنا بولس الثاني لبنان بـ “وطن الرسالة” في معرض إهدائه وردة، بل لأن لبنان هو فعليًا البلد الوحيد في العالم الذي يتقاسم فيه المسيحيون والمسلمون السلطة. وبالتالي، المطلوب تثبيت هذه الصيغة، لا إلغاؤها. فما قيمة لبنان إذا فقد هذه الميزة التقاسمية للسلطة؟ والمشكلة ليست إطلاقًا في هذا التقاسم، بل في عدم تطبيق الدستور وآليات التعيينات. ولا يزال يُستشهد إلى اليوم بتجربة الرئيس فؤاد شهاب، الذي سعى إلى تحويل الدولة العميقة إلى دولة نخبوية عبر اختيار الأكفأ والأنزه والأجدر.
ثالثًا، أين مصلحة رئيس الجمهورية في تقديم تطمينات بشأن الحرب؟
أين مصلحة رئيس الجمهورية في إعطاء تطمينات تصل إلى حدّ التعهد بأن خيار الحرب غير مطروح، فيما الحرب الواسعة ستبقى احتمالًا قائمًا طالما أن “حزب الله” لم يسلِّم سلاحه، ولم يفكِّك تنظيمه العسكري، ولم يعلن انتهاء مشروعه المسلّح؟
وأين مصلحة رئيس الجمهورية في إعطاء تطمينات بشأن قرار ليس بيده؟ ماذا لو قرَّر بنيامين نتنياهو شن حرب لن يوقفها هذه المرة إلا بعد إعلان “حزب الله” استسلامه بالصوت والصورة، وبعد إعلان الدولة اللبنانية أنها لا تسمح لهذا التنظيم التخريبي بحمل السلاح؟
وأين مصلحة رئيس الجمهورية في إعطاء تطمينات قد تأتي التطورات على نقيضها؟ فأحد أسباب غضب الناس على الحاكم السابق رياض سلامة كان تأكيداته المتكررة أن “الليرة بألف خير”، وهو كان يعلم أنها في مأزق عميق. فلماذا يصرف رئيس الجمهورية من رصيده السياسي في مسألة خارجة عن قدرته على التحكُّم بها.
إن الحرب، فخامة الرئيس، ستبقى احتمالًا حتميًا ما دام “حزب الله” متمسِّكًا بمشروعه المسلّح، وما دامت إسرائيل مصممة على إنهاء هذا المشروع. وفي حال لم تقع الحرب الواسعة، فإن إسرائيل لن توقف ضرباتها ضد بنية “الحزب” العسكرية، وسيبقى لبنان معزولًا ومحاصرًا، من دون استثمارات ولا استقرار.
فالتطمينات المنشودة، فخامة الرئيس، لا تُستمد من الخطاب وحده، بل من مسار مؤسسي واضح يقود إلى قيام دولة قادرة على بسط سيادتها، وتطبيق الدستور، وترجمة خطاب القسم إلى سياسات وإجراءات عملية تعيد الثقة الداخلية والخارجية بالدولة اللبنانية.
إن هذا الأسئلة تُطرح من موقع الحرص على الرئاسة الأولى بوصفها الساهرة على تطبيق الدستور، وحجر الزاوية في انتظام الحياة الدستورية، كما تُطرح من منطلق القناعة برحابة صدر فخامة الرئيس، وحرصه الدائم على الاستماع إلى مختلف وجهات النظر، بما يخدم المصلحة الوطنية العليا.
ثلاثة تساؤلات في خطاب رئيس الجمهورية

تطرّق رئيس الجمهورية في مواقفه وإطلالاته الأخيرة إلى العديد من العناوين والملفات والقضايا التي لم يكن مضطرًا إلى مقاربتها، ومن بينها ثلاثة عناوين تستدعي مناقشته بها، انطلاقًا من الحرص على موقع الرئاسة ودورها، ولا سيما أن الاتجاه العام لمواقفه يصبّ في خانة السعي إلى قيام دولة فعلية.
فقد دعا الرئيس عون في أكثر من موقف إلى “تجاوز الأحزاب والطائفية للوصول إلى لبنان الدولة والمؤسسات”، و”الالتفاف حول الدولة والخروج من الطائفية والمذهبية والحزبية باتجاه حزب واحد هو لبنان”، كما أكد مرارًا وتكرارًا أن “شبح الحرب تم إبعاده عن لبنان”.
أولًا، أين مصلحة رئيس الجمهورية في وضع نفسه في مواجهة مع الأحزاب؟
أين مصلحة رئيس الجمهورية في أن يضع نفسه في مواجهة مع الأحزاب، ويعلن رسميًا أنه ضدها؟ وما الفائدة من هذا الإعلان في وقت يفترض فيه أن يكون رئيس البلاد في الموقع الحاضن للجميع، من دون أي انتقاص من حقه في أن يكون أقرب أو أبعد من هذا الفريق أو ذاك، تبعًا لقربه من مشروع الدولة أو ابتعاده عنه؟
وعندما يدعو الرئيس إلى تجاوز الأحزاب، فماذا يقصد تحديدًا؟ هل يقصد تجاوزها نحو الفردية السياسية، أو العائلية، أو الإقطاعية، أو حزب الجيش تأثرًا بشعار العميد فؤاد عون “ويبقى الجيش هو الحل”؟ يعلم فخامة الرئيس، بطبيعة الحال، أن الأنظمة الديمقراطية في العالم تقوم على الأحزاب، وهو ليس في وارد، حتمًا، تحويل الجمهورية اللبنانية إلى ديكتاتورية؟
وعلاوة على ذاك، فإن إعطاء الانطباع بأن الأزمة اللبنانية ناتجة عن الأحزاب وانقساماتها هو أمر في غير محله إطلاقًا، إذ إن الأزمة ناتجة عن عدم تطبيق الدستور والقوانين المرعية الإجراء. ولا يجوز أصلًا وضع جميع الأحزاب في سلة واحدة، لأن التعميم غير صحيح، فهل يجوز مثلًا مساواة من يتمسّك بسلاح الدولة ودستورها، بمن يتمسّك بسلاحه غير الشرعي ويرفض تطبيق الدستور؟
كما يعلم الرئيس أيضًا أن المحرِّك الأساسي للحياة السياسية في لبنان هو الأحزاب، فلماذا يضع نفسه في مواجهة معها مجانًا، فيما قسم كبير منها يؤيد خطاب قسمه ومعظم مواقفه؟
ثانيًا، أين مصلحة رئيس الجمهورية في تكرار أدبيات “اليسار العالمي” حول “الطائفية البغيضة”؟
إن ما ينطبق على الأحزاب ينسحب على الطائفية، بمعنى أن الطائفية ليست سبب نكبات البلد وانتكاساته، بل إن السبب الأساسي هو تفضيل بعض الجماعات أو الأحزاب الممثلة لها خيارات تتناقض مع الولاء للبنان والانتماء له.
فما علاقة البنية الطائفية للنظام السياسي بحزب مثل “حزب الله” الذي يُلحق لبنان بإيران؟ ولو قرّر مجلس النواب غدًا إلغاء الطائفية، فهل يسلِّم “الحزب” سلاحه أو ينزعه منه؟ إن المشكلة في العقدين الأخيرين تكمن في “حزب الله” الذي يخطف لبنان، وليس في النظام الطائفي التقاسمي. والمطلوب هو أن تمنع الدولة هذا “الحزب”، أو غيره، من مصادرة قرارها، لا الدعوة إلى تجاوز الطائفية، التي لا تحل هذه المعضلة.
ثمّ إن الحديث المتكرِّر عن تجاوز الطائفية يؤدي، في كل مرة، إلى تعميقها أكثر فأكثر، لأنه يفاقم الهواجس من مشاريع غلبة العدد وإسقاط الديمقراطية التوافقية لمصلحة الديمقراطية العددية.
ولم يصف البابا يوحنا بولس الثاني لبنان بـ “وطن الرسالة” في معرض إهدائه وردة، بل لأن لبنان هو فعليًا البلد الوحيد في العالم الذي يتقاسم فيه المسيحيون والمسلمون السلطة. وبالتالي، المطلوب تثبيت هذه الصيغة، لا إلغاؤها. فما قيمة لبنان إذا فقد هذه الميزة التقاسمية للسلطة؟ والمشكلة ليست إطلاقًا في هذا التقاسم، بل في عدم تطبيق الدستور وآليات التعيينات. ولا يزال يُستشهد إلى اليوم بتجربة الرئيس فؤاد شهاب، الذي سعى إلى تحويل الدولة العميقة إلى دولة نخبوية عبر اختيار الأكفأ والأنزه والأجدر.
ثالثًا، أين مصلحة رئيس الجمهورية في تقديم تطمينات بشأن الحرب؟
أين مصلحة رئيس الجمهورية في إعطاء تطمينات تصل إلى حدّ التعهد بأن خيار الحرب غير مطروح، فيما الحرب الواسعة ستبقى احتمالًا قائمًا طالما أن “حزب الله” لم يسلِّم سلاحه، ولم يفكِّك تنظيمه العسكري، ولم يعلن انتهاء مشروعه المسلّح؟
وأين مصلحة رئيس الجمهورية في إعطاء تطمينات بشأن قرار ليس بيده؟ ماذا لو قرَّر بنيامين نتنياهو شن حرب لن يوقفها هذه المرة إلا بعد إعلان “حزب الله” استسلامه بالصوت والصورة، وبعد إعلان الدولة اللبنانية أنها لا تسمح لهذا التنظيم التخريبي بحمل السلاح؟
وأين مصلحة رئيس الجمهورية في إعطاء تطمينات قد تأتي التطورات على نقيضها؟ فأحد أسباب غضب الناس على الحاكم السابق رياض سلامة كان تأكيداته المتكررة أن “الليرة بألف خير”، وهو كان يعلم أنها في مأزق عميق. فلماذا يصرف رئيس الجمهورية من رصيده السياسي في مسألة خارجة عن قدرته على التحكُّم بها.
إن الحرب، فخامة الرئيس، ستبقى احتمالًا حتميًا ما دام “حزب الله” متمسِّكًا بمشروعه المسلّح، وما دامت إسرائيل مصممة على إنهاء هذا المشروع. وفي حال لم تقع الحرب الواسعة، فإن إسرائيل لن توقف ضرباتها ضد بنية “الحزب” العسكرية، وسيبقى لبنان معزولًا ومحاصرًا، من دون استثمارات ولا استقرار.
فالتطمينات المنشودة، فخامة الرئيس، لا تُستمد من الخطاب وحده، بل من مسار مؤسسي واضح يقود إلى قيام دولة قادرة على بسط سيادتها، وتطبيق الدستور، وترجمة خطاب القسم إلى سياسات وإجراءات عملية تعيد الثقة الداخلية والخارجية بالدولة اللبنانية.
إن هذا الأسئلة تُطرح من موقع الحرص على الرئاسة الأولى بوصفها الساهرة على تطبيق الدستور، وحجر الزاوية في انتظام الحياة الدستورية، كما تُطرح من منطلق القناعة برحابة صدر فخامة الرئيس، وحرصه الدائم على الاستماع إلى مختلف وجهات النظر، بما يخدم المصلحة الوطنية العليا.












