فيلم “السّتّ”: حين تُنزع القداسة عن كوكب الشّرق

عندما ملأت سيّدة الغناء العربيّ أمّ كلثوم الدُنيا وشغلت الناس، كانت تُتعب فعليّاً مَن بعدها، ليس من حيث الفنّ والنجوميّة والطرب فقط، وإنّما من حيث قدرة أيّ شخص على تناولها في سيرة تُخالف عقود التألّق التي قدّمتها للأجيال، باعتبارها أيقونةً لا تُمسّ ولا تُنتقد.
ربّما اختارت المخرجة المصريّة الكبيرة إنعام عبدالحميد في رمضان من عام 2000 أن تسلك أسهل الدروب مع النجمة صابرين، فكان مسلسل أمّ كلثوم عملاً أقرب إلى سيرة ذاتيّة وتأريخ تكريميّ وبعيداً عن أيّ معالجة جريئة تروي ظمأ جيل كامل انتظر من المسلسل آنذاك أن يسبر أغوار خفايا كوكب الشرق بعيداً عن خشبة المسرح والأثير والسينما.
ذهب كثير من النقّاد المصريّين والعرب في تلك المرحلة إلى القول إنّ مسلسل أمّ كلثوم برمّته “طُلب على عجل”، في محاولة لترميم سرديّة أخرى عن حياتها أدّتها الفنّانة المصريّة فردوس عبدالحميد من خلال فيلم تمّ إفشاله بالحملات والهجمات بسبب استعراضه لجانب من طباع أمّ كلثوم القاسية في عالم المنافسة.
سرديّة صادمة
اختارت النجمة المصريّة منى زكي تجنّب موجتين بالكامل، مُقدّمةً من خلال فيلم “الستّ”، الذي بدأ عرضه في صالات السينما العربيّة، سرديّة من النوع الصادم والمثير للدهشة في آن معاً تتجاوز فيها جرأة الطرح الذاكرة والوجدان حيال نجوميّة زمنها ونجوميّة الخمسين سنة التي تلت رحيلها وبقيت خلالها أمّ كلثوم الصوت الذي لا بدّ من مروره على مسامع الجيل مهما كان رأيه أو ذوقه.
تتوالى مشاهد الفيلم ومعها الإسقاطات الزمنيّة لأمّ كلثوم بين انطلاقتها ونجوميّتها من دون ترتيب وبوَقع مستفزّ يدفع بالمشاهد إلى ترجيح فرضيّة المؤامرة التي تقول إنّ جهة ما قرّرت بعد خمسين عاماً على رحيل أمّ كلثوم طمس التاريخ أو تمزيق صفحة بصماتها من سجلّ الذاكرة. يتبنّى الفيلم منذ لحظاته الأولى “تكتيك نزع القداسة”، مُخرجاً أسوأ ما في “سيّدة الزمن الجميل”: الطباع الفجّة حتّى مع والدها داعمها الأكبر، المادّيّة وعشق المال، حبّ السيطرة والتسلّط والغدر والابتزاز حماية لمصالحها.
بدت أمّ كلثوم في فيلم “الستّ” مريضة اهتمام وأسيرة عِقد نفسيّة ومجتمعيّة بالغة التعقيد لسبب واحد يسبق كلّ العوامل الأخرى المؤثّرة، وهو أنّها “شيء عظيم أُعطيَ للبشريّة”، ومُقابله يتوجّب على كلّ من عرفها وعايشها أو مرّ من أمامها تسديد ثمن كبير حبّاً واهتماماً وإعجاباً، والمهمّ عدم غياب اسمها عن الاهتمامات “اللحظيّة” للمصريّين وكلّ العرب في تلك المرحلة.
تمرّ السياسة في فيلم “الستّ” ليس لإغداق هالة القوّة على أمّ كلثوم، بل لكشف هشاشتها وغياب أدنى درجات الذكاء الاجتماعيّ لديها، فكان أن كلّفها تردّدها في التعاطي مع أبرز المحطّات السياسيّة انهياراً نفسيّاً واكتئاباً شديدين جعلاها تتشكّك في ثقتها بنفسها، فأحرقت صوراً وأسطوانات ودفاتر مذكّرات، وكأنّ زمن الزعيم المصريّ جمال عبدالناصر أنقذها من نهاية فنّيّة مُعتمة وصامتة.
ثمّة في الفيلم من قرّر أيضاً محاولة ضرب مشهديّة الأناقة والوقار التي رافقت مسيرة أمّ كلثوم، فما لم تجرؤ فردوس عبدالحميد وصابرين على فعله، فعلته منى زكي التي قدّمت نسخة مدخِّنة لكوكب الشرق ومهمِلة لشكلها إلى حدود محزنة في أزمان الابتعاد والاكتئاب والانكفاء الإراديّ والعقابيّ لجمهور قَبِل جدولة مختلفة للراديو المصريّ مرّر فيها أغنيات سواها قبل أغنياتها.
الدهشة مكوِّن أساسيّ ودائم في تفاصيل الفيلم، فكان لبعض المعالجات بُعدها الصادم على المشاهدين الذين ربّما عرفوا للمرّة الأولى أنّ الملحّن محمّد القصبجيّ حاول إطلاق النار على ملحّن تقدّم لخطبة أمّ كلثوم لشدّة غيرته أو خشيته من إقناعها باعتزال الفنّ، إلى جانب العديد من المشاهد واللقطات التي أظهرت حنق أمّ كلثوم على كلّ من يجرؤ على منافستها، مع تسجيل ملاحظة مهمّة تتعلّق بغياب والدة أمّ كلثوم في زمن النجوميّة، وغياب أيّ مشهد تمثيليّ يوثّق وفاة أمّ كلثوم والاكتفاء بصور ولقطات أرشيفيّة حقيقيّة من جنازتها، على عكس ما ذهب إليه المسلسل الذي قامت ببطولته صابرين شتاء عام 2000، ونال فيه مشهد وفاة أمّ كلثوم الكثير من مشاعر وانطباعات التأثّر، إلى جانب إظهار مدى قوّة حضور والدتها ودعمها لها في زمن النجوميّة.
معالجات أكثر جرأة
يدعو ذكاء الفيلم من الناحية الإخراجيّة المشاهدين تلقائيّاً إلى صرف النظر عن مدى تشابه منى زكي مع أمّ كلثوم، على الرغم من أنّ بعض المشاهد والالتفاتات لمنى زكي في مرحلة وضع “الستّ” للنظّارات السود كانت قريبة ومتشابهة إلى حدود كبيرة. كانت الأولويّة الإخراجيّة للوقع السريع غير المملّ على الرغم من تخطّي الفيلم ساعتين ونصف ساعة من الوقت، وللتركيز على اللحظات التي صنعت أمّ كلثوم بالنسخة التي شاهدناها، بدل استهلاك الإبهار لإحاطة السيرة، فيما يمكن وصف الموسيقى التصويريّة والمؤثّرات المستخدَمة بأنّها تجسّد زحمة وسرعة الأفكار في وجدان أمّ كلثوم كلّما تقدّمت في مسيرتها، وفي ذلك ربّما رسالة رمزيّة أكثر منها تقنيّة.
ما شاهدناه في فيلم “الستّ” ليس حقيقة مُلزِمة ولا وثيقة إدانة، بل سرديّة سينمائيّة يحقّ لها أن ترى النور مهما كان موقفنا منها لأنّ الفنّ حين يكتفي بإعادة تصوير الرضا العامّ يفقد مبرّر وجوده. الجدل الذي أثاره الفيلم يجب أن لا يُقرأ مساساً بذاكرة جمعيّة بقدر ما هو اختبار لشجاعتنا في قبول الروايات غير المريحة، تلك التي لا تطلب التصفيق ولا تسعى إلى الطمأنينة، بل تضع المُشاهد أمام سؤال أخلاقيّ وجماليّ واحد: هل نريد الفنّ كما نحبّه أم كما يراه صانعوه؟
لا يكمن ذكاء الفيلم في جرأته فقط، بل في كونه يرفض عمداً صناعة معسكرين: مؤيّدين يدافعون عن “هدم الأصنام”، ورافضين يتّهمون العمل بالإساءة والتشويه. لا يدعونا فيلم “الستّ” إلى الاصطفاف، بل يتركنا معلّقين في منطقة رماديّة نادرة في السينما العربيّة، منطقة تُسائل ولا تُلقّن، وتعرض ولا تُطالب بالتصديق. هو فيلم يعرف أنّ الذاكرة أقوى من أن تُمحى بفيلم، وأذكى من أن تُحاصَر بسرديّة واحدة.
المهمّ في العمل أنّه يعلن من حيث يدري أو لا يدري نهاية زمن المتاجرة بالقداسة كضمانة للنجاح، فالهالات لم تعُد وحدها قادرة على حماية الأعمال الفنيّة أو رفعها، ولم يعُد الجمهور مستعدّاً لاستهلاك سيَر مُعلّبة ومُعقّمة. يقول فيلم “الستّ” إنّ القداسة حين تتحوّل إلى سوق تُفرِغ الفنّ من معناه، بينما الموضوعيّة مهما كانت موجعة تمنحه عمراً أطول من التصفيق اللحظيّ.
ربّما تكون قيمة فيلم “الستّ” الحقيقيّة في ما يفتحه لا في ما يقوله، وفي الباب الذي يكسره لا في الطريق الذي يرسمه. هو عمل يُشجّع، عن قصد أو نتيجة، على معالجات أكثر جرأة ونضجاً في مقاربة الرموز، بعيداً عن إعادة تشكيل مرويّات جامدة استُهلكت حتّى التقديس.
الفنّ الذي لا يخاطر لا يضيف، والذي يخشى المسلَّمات محكوم بالبقاء في الماضي، بينما ما شاهدناه هنا يؤكّد أنّ الزمن تغيّر، وأنّ القداسة لم تعُد سوقاً، بل باتت سؤالاً مفتوحاً.
فيلم “السّتّ”: حين تُنزع القداسة عن كوكب الشّرق

عندما ملأت سيّدة الغناء العربيّ أمّ كلثوم الدُنيا وشغلت الناس، كانت تُتعب فعليّاً مَن بعدها، ليس من حيث الفنّ والنجوميّة والطرب فقط، وإنّما من حيث قدرة أيّ شخص على تناولها في سيرة تُخالف عقود التألّق التي قدّمتها للأجيال، باعتبارها أيقونةً لا تُمسّ ولا تُنتقد.
ربّما اختارت المخرجة المصريّة الكبيرة إنعام عبدالحميد في رمضان من عام 2000 أن تسلك أسهل الدروب مع النجمة صابرين، فكان مسلسل أمّ كلثوم عملاً أقرب إلى سيرة ذاتيّة وتأريخ تكريميّ وبعيداً عن أيّ معالجة جريئة تروي ظمأ جيل كامل انتظر من المسلسل آنذاك أن يسبر أغوار خفايا كوكب الشرق بعيداً عن خشبة المسرح والأثير والسينما.
ذهب كثير من النقّاد المصريّين والعرب في تلك المرحلة إلى القول إنّ مسلسل أمّ كلثوم برمّته “طُلب على عجل”، في محاولة لترميم سرديّة أخرى عن حياتها أدّتها الفنّانة المصريّة فردوس عبدالحميد من خلال فيلم تمّ إفشاله بالحملات والهجمات بسبب استعراضه لجانب من طباع أمّ كلثوم القاسية في عالم المنافسة.
سرديّة صادمة
اختارت النجمة المصريّة منى زكي تجنّب موجتين بالكامل، مُقدّمةً من خلال فيلم “الستّ”، الذي بدأ عرضه في صالات السينما العربيّة، سرديّة من النوع الصادم والمثير للدهشة في آن معاً تتجاوز فيها جرأة الطرح الذاكرة والوجدان حيال نجوميّة زمنها ونجوميّة الخمسين سنة التي تلت رحيلها وبقيت خلالها أمّ كلثوم الصوت الذي لا بدّ من مروره على مسامع الجيل مهما كان رأيه أو ذوقه.
تتوالى مشاهد الفيلم ومعها الإسقاطات الزمنيّة لأمّ كلثوم بين انطلاقتها ونجوميّتها من دون ترتيب وبوَقع مستفزّ يدفع بالمشاهد إلى ترجيح فرضيّة المؤامرة التي تقول إنّ جهة ما قرّرت بعد خمسين عاماً على رحيل أمّ كلثوم طمس التاريخ أو تمزيق صفحة بصماتها من سجلّ الذاكرة. يتبنّى الفيلم منذ لحظاته الأولى “تكتيك نزع القداسة”، مُخرجاً أسوأ ما في “سيّدة الزمن الجميل”: الطباع الفجّة حتّى مع والدها داعمها الأكبر، المادّيّة وعشق المال، حبّ السيطرة والتسلّط والغدر والابتزاز حماية لمصالحها.
بدت أمّ كلثوم في فيلم “الستّ” مريضة اهتمام وأسيرة عِقد نفسيّة ومجتمعيّة بالغة التعقيد لسبب واحد يسبق كلّ العوامل الأخرى المؤثّرة، وهو أنّها “شيء عظيم أُعطيَ للبشريّة”، ومُقابله يتوجّب على كلّ من عرفها وعايشها أو مرّ من أمامها تسديد ثمن كبير حبّاً واهتماماً وإعجاباً، والمهمّ عدم غياب اسمها عن الاهتمامات “اللحظيّة” للمصريّين وكلّ العرب في تلك المرحلة.
تمرّ السياسة في فيلم “الستّ” ليس لإغداق هالة القوّة على أمّ كلثوم، بل لكشف هشاشتها وغياب أدنى درجات الذكاء الاجتماعيّ لديها، فكان أن كلّفها تردّدها في التعاطي مع أبرز المحطّات السياسيّة انهياراً نفسيّاً واكتئاباً شديدين جعلاها تتشكّك في ثقتها بنفسها، فأحرقت صوراً وأسطوانات ودفاتر مذكّرات، وكأنّ زمن الزعيم المصريّ جمال عبدالناصر أنقذها من نهاية فنّيّة مُعتمة وصامتة.
ثمّة في الفيلم من قرّر أيضاً محاولة ضرب مشهديّة الأناقة والوقار التي رافقت مسيرة أمّ كلثوم، فما لم تجرؤ فردوس عبدالحميد وصابرين على فعله، فعلته منى زكي التي قدّمت نسخة مدخِّنة لكوكب الشرق ومهمِلة لشكلها إلى حدود محزنة في أزمان الابتعاد والاكتئاب والانكفاء الإراديّ والعقابيّ لجمهور قَبِل جدولة مختلفة للراديو المصريّ مرّر فيها أغنيات سواها قبل أغنياتها.
الدهشة مكوِّن أساسيّ ودائم في تفاصيل الفيلم، فكان لبعض المعالجات بُعدها الصادم على المشاهدين الذين ربّما عرفوا للمرّة الأولى أنّ الملحّن محمّد القصبجيّ حاول إطلاق النار على ملحّن تقدّم لخطبة أمّ كلثوم لشدّة غيرته أو خشيته من إقناعها باعتزال الفنّ، إلى جانب العديد من المشاهد واللقطات التي أظهرت حنق أمّ كلثوم على كلّ من يجرؤ على منافستها، مع تسجيل ملاحظة مهمّة تتعلّق بغياب والدة أمّ كلثوم في زمن النجوميّة، وغياب أيّ مشهد تمثيليّ يوثّق وفاة أمّ كلثوم والاكتفاء بصور ولقطات أرشيفيّة حقيقيّة من جنازتها، على عكس ما ذهب إليه المسلسل الذي قامت ببطولته صابرين شتاء عام 2000، ونال فيه مشهد وفاة أمّ كلثوم الكثير من مشاعر وانطباعات التأثّر، إلى جانب إظهار مدى قوّة حضور والدتها ودعمها لها في زمن النجوميّة.
معالجات أكثر جرأة
يدعو ذكاء الفيلم من الناحية الإخراجيّة المشاهدين تلقائيّاً إلى صرف النظر عن مدى تشابه منى زكي مع أمّ كلثوم، على الرغم من أنّ بعض المشاهد والالتفاتات لمنى زكي في مرحلة وضع “الستّ” للنظّارات السود كانت قريبة ومتشابهة إلى حدود كبيرة. كانت الأولويّة الإخراجيّة للوقع السريع غير المملّ على الرغم من تخطّي الفيلم ساعتين ونصف ساعة من الوقت، وللتركيز على اللحظات التي صنعت أمّ كلثوم بالنسخة التي شاهدناها، بدل استهلاك الإبهار لإحاطة السيرة، فيما يمكن وصف الموسيقى التصويريّة والمؤثّرات المستخدَمة بأنّها تجسّد زحمة وسرعة الأفكار في وجدان أمّ كلثوم كلّما تقدّمت في مسيرتها، وفي ذلك ربّما رسالة رمزيّة أكثر منها تقنيّة.
ما شاهدناه في فيلم “الستّ” ليس حقيقة مُلزِمة ولا وثيقة إدانة، بل سرديّة سينمائيّة يحقّ لها أن ترى النور مهما كان موقفنا منها لأنّ الفنّ حين يكتفي بإعادة تصوير الرضا العامّ يفقد مبرّر وجوده. الجدل الذي أثاره الفيلم يجب أن لا يُقرأ مساساً بذاكرة جمعيّة بقدر ما هو اختبار لشجاعتنا في قبول الروايات غير المريحة، تلك التي لا تطلب التصفيق ولا تسعى إلى الطمأنينة، بل تضع المُشاهد أمام سؤال أخلاقيّ وجماليّ واحد: هل نريد الفنّ كما نحبّه أم كما يراه صانعوه؟
لا يكمن ذكاء الفيلم في جرأته فقط، بل في كونه يرفض عمداً صناعة معسكرين: مؤيّدين يدافعون عن “هدم الأصنام”، ورافضين يتّهمون العمل بالإساءة والتشويه. لا يدعونا فيلم “الستّ” إلى الاصطفاف، بل يتركنا معلّقين في منطقة رماديّة نادرة في السينما العربيّة، منطقة تُسائل ولا تُلقّن، وتعرض ولا تُطالب بالتصديق. هو فيلم يعرف أنّ الذاكرة أقوى من أن تُمحى بفيلم، وأذكى من أن تُحاصَر بسرديّة واحدة.
المهمّ في العمل أنّه يعلن من حيث يدري أو لا يدري نهاية زمن المتاجرة بالقداسة كضمانة للنجاح، فالهالات لم تعُد وحدها قادرة على حماية الأعمال الفنيّة أو رفعها، ولم يعُد الجمهور مستعدّاً لاستهلاك سيَر مُعلّبة ومُعقّمة. يقول فيلم “الستّ” إنّ القداسة حين تتحوّل إلى سوق تُفرِغ الفنّ من معناه، بينما الموضوعيّة مهما كانت موجعة تمنحه عمراً أطول من التصفيق اللحظيّ.
ربّما تكون قيمة فيلم “الستّ” الحقيقيّة في ما يفتحه لا في ما يقوله، وفي الباب الذي يكسره لا في الطريق الذي يرسمه. هو عمل يُشجّع، عن قصد أو نتيجة، على معالجات أكثر جرأة ونضجاً في مقاربة الرموز، بعيداً عن إعادة تشكيل مرويّات جامدة استُهلكت حتّى التقديس.
الفنّ الذي لا يخاطر لا يضيف، والذي يخشى المسلَّمات محكوم بالبقاء في الماضي، بينما ما شاهدناه هنا يؤكّد أنّ الزمن تغيّر، وأنّ القداسة لم تعُد سوقاً، بل باتت سؤالاً مفتوحاً.














