الشّرق رهين الأزمات: 2026 عام إدارة الصّراعات لا حلّها

الكاتب: ايمان شمص | المصدر: اساس ميديا
30 كانون الأول 2025

يتوقّع خبراء دوليون أن تكون منطقة الشرق الأوسط في عام 2026 أكثر هشاشة، معتبرين أنّه سيكون عاماً مفصليّاً في رسم ملامح العقد المقبل للمنطقة، إذ ستكون أمام فرص محدودة لإعادة التوازن، وسيظلّ الاستقرار رهين إدارة الأزمات لا حلّها الجذريّ، مع تداخل متزايد بين العوامل الأمنيّة والاقتصاديّة والمناخيّة، وبين الانكفاء الدوليّ النسبيّ وصعود أدوار إقليميّة متنافسة.

 

يشير خبراء في شؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تقرير صادر عن معهد الدراسات السياسيّة الدوليّة الإيطاليّ(ISPI) ، وهو مركز أبحاث مستقلّ تأسّس في ميلانو عام 1934، إلى أنّ من بين أبرز المتغيّرات المؤثّرة في عام 2026 سعر النفط واحتمال أن يبلغ متوسّط سعر خام برنت نحو 55 دولاراً للبرميل في مطلع 2026، ولذلك ستكون التداعيات على المنطقة عميقة.

بالنسبة للدول الخليجيّة الغنيّة، تعني الأسعار المنخفضة تراجع الإيرادات وتأجيل بعض مشاريع التنويع الاقتصاديّ الطموحة. أمّا بالنسبة للدول الأكثر هشاشة مثل الجزائر، فقد تكون النتائج أكثر حدّة، مع ضغوط على الميزانيّات العامّة وخفض الإنفاق وتصاعد التوتّرات الاجتماعيّة.

إلى ذلك يبرز التغيّر المناخيّ بوصفه محرّكاً مركزياًّ للديناميّات السياسيّة والاجتماعيّة في المنطقة. فموجات الجفاف الطويلة وتراجع الموارد المائيّة الجوفيّة واضطراب النظم الغذائيّة كلّها عوامل تعمّق عدم المساواة وتقوّض شرعيّة الدول، لا سيما في السياقات الهشّة مثل لبنان وسوريا واليمن. وقد تتحوّل ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائيّ إلى محفّزين على الاحتجاج والهجرة والصراع.

يفصّل خبراء المعهد الإيطاليّ، كلّ بحسب منطقة اختصاص أبحاثه، ما الذي ينتظر دول المنطقة:

الخليج: تعزيز الأمن والاقتصاد

في عام 2026، ستسعى دول مجلس التعاون الخليجيّ إلى تحقيق هدفين رئيسَين: تثبيت إنجازاتها الاقتصاديّة وتحسين البيئة الأمنيّة الإقليميّة. فقد أظهرت أحداث 2025 أنّ الدبلوماسيّة وحدها لم تعُد كافية لردع التهديدات الإيرانيّة، وأنّ التحالف مع الولايات المتّحدة لا يمنع بالضرورة إسرائيل من تنفيذ عمليّات عسكريّة داخل أراضي دول الخليج.

لذلك من المرجّح أن تستثمر دول الخليج أكثر في استراتيجيات دفاعيّة متعدّدة المحاور، بما في ذلك مبادرات دفاع جوّي مشتركة. ويُتوقّع أن تمارس المملكة السعوديّة وقطر ضغوطاً أكبر على واشنطن لدفع خطّة السلام في غزّة، مع إعادة تأكيد دورها الجيوسياسيّ في المشرق، خصوصاً في سوريا والعراق.

في الوقت ذاته، ستظلّ أزمات السودان واليمن، إضافة إلى التنافسات الخليجية البينية، مصادر استنزاف مستمرّة. أمّا الموازنة بين العلاقات مع الولايات المتّحدة والصين فستبقى تحدّياً استراتيجيّاً مركزيّاً.

إيران: أوقات عصيبة داخليّاً وخارجيّاً

تدخل إيران عام 2026 وهي عند مفترق طرق مصيريّ وسط تحدّيات داخليّة وخارجيّة متزايدة. فقد باتت القيادة مقتنعة بأنّ السلاح النوويّ هو الضمانة النهائيّة لبقاء النظام، لكنّها تدرك في الوقت نفسه أنّ السعي إليه يزيد مخاطر الضربات الاستباقيّة والعزلة الدوليّة والاضطرابات الداخليّة. ومن المرجّح أن تشهد المرحلة المقبلة:

– تشديداً إسرائيليّاً في سياسات الرصد والاستهداف الوقائيّ.

– تنسيقاً أميركيّاً – إسرائيليّاً أعمق في جهود منع الانتشار.

– تصاعداً في السرّيّة والانغلاق داخل البرنامج النوويّ الإيرانيّ.

– اعتماداً أكبر على أدوات غير تقليدية، مثل الحرب السيبرانيّة والقدرات غير المتكافئة خلال فترة الهشاشة.

في المحصّلة، لم يعُد المسار النوويّ الإيرانيّ ورقة تفاوض بقدر ما أصبح مسألة بقاء. ويُحتمل أن تراهن طهران على دعم خارجيّ لتسريع العمليّة، ولا سيما من كوريا الشماليّة التي كثّفت تعاونها الصاروخيّ مع إيران. أمّا الصين وروسيا وباكستان فلا مصلحة لها في امتلاك إيران سلاحاً نوويّاً. وعليه، قد يشهد عام 2026 مرحلة شديدة الحساسيّة في المسار النوويّ الإيرانيّ، بما تحمله من تداعيات خطِرة على أمن المنطقة.

أمّا داخليّاً فيواصل الخطاب القوميّ وإحياء رموز ما قبل الإسلام دعم شرعيّة النظام، غير أنّ التدهور الاقتصاديّ، انخفاض قيمة العملة وأزمات المياه والبيئة الحادّة تعني أنّ الضغوط الداخليّة قد تكون بقدر خطورة التهديدات الخارجيّة.

 

سوريا على مفترق طرق: الوحدة والقوّة

شهدت سوريا انتقالاً سريعاً في مرحلة ما بعد الأسد على الصعيد السياسيّ، لكنّها تواجه حالة من عدم اليقين على أرض الواقع. ويأتي الاختبار الحقيقيّ في عام 2026، حين سيتوقّف مستقبل البلاد على قدرة الرئيس أحمد الشرع على الحفاظ على وحدة سوريا في ظلّ ضغوط داخليّة وخارجيّة شديدة. وتتلخّص التحدّيات الرئيسة في خمسة جوانب:

– أوّلاً، لا يزال دمج قوّات سوريا الديمقراطيّة، المدعومة من الولايات المتّحدة والتي يقودها الأكراد، في الدولة أمراً لم يُحسم بعد. وقد يؤدّي الفشل في ذلك إلى توتّرات مع تركيا، التي تعتبر قوّات سوريا الديمقراطيّة منظّمة إرهابيّة.

– ثانياً، يتعيّن على سوريا الموازنة بين علاقاتها الخارجيّة المتنافسة: تعميق العلاقات مع المانحين الخليجيّين، وهو أمر حيويّ لإعادة الإعمار، والحفاظ على تعاون براغماتيّ مع روسيا.

– ثالثاً، لا يزال الانقسام الداخليّ قائماً على أسس طائفيّة وعرقيّة، لا سيما مع العلويّين والدروز، ويتفاقم بسبب الغارات الإسرائيليّة المستمرّة وتوقّف المحادثات الأمنيّة مع تل أبيب.

– رابعاً، لا يزال الاندماج السياسيّ في الداخل غير مؤكّد: هل يمكن للبرلمان الجديد أن يكون بمنزلة صوت حقيقيّ؟ ستكون موازنة سلطة الرئيس أمراً حاسماً.

أخيراً، يعتمد مسار سوريا على التعلّم من إخفاقات المنطقة: تجنّب الطائفيّة المؤسّسيّة، التجزئة الإقليميّة، تصدير الثورة وفرض سياسات دينيّة قسريّة. ويجب على الشرع احتواء المعارضة من الفصائل الجهاديّة المتشدّدة. وستحدّد كيفيّة تعامله مع هذه التحدّيات في عام 2026 لتحقيق التوازن بين التماسك الداخليّ والدبلوماسيّة الخارجيّة استقرارَ سوريا على المدى البعيد ودورها في الشرق الأوسط.

 

إسرائيل: انتخابات وخيارات مصيريّة

ستُحدّد انتخابات تشرين الأوّل 2026 في إسرائيل ملامح المشهد السياسيّ، لكنّ قضايا عالقة تُلقي بظلالها قبل ذلك. فالحكومة تواجه تراجعاً متزايداً في صدقيّتها وانتقاداتٍ حادّة بسبب إخفاقاتها المؤسّسيّة. على الصعيد الدولي، لا يزال رفض إسرائيل المستمرّ لإقامة دولة فلسطينيّة العقبة الرئيسة أمام تعزيز التكامل الإقليميّ، ويُوتّر العلاقات مع إدارة ترامب نفسها.

مع تعثّر المفاوضات في المرحلة الثانية من خطّة السلام في غزّة واستمرار الجهود الرامية إلى توسيع اتّفاقات أبراهام، تبرز الدولة الفلسطينيّة بشكل متزايد شرطاً أساسيّاً لمزيد من التطبيع. وقد يخلص ترامب في نهاية المطاف إلى أنّ إحراز تقدّم حقيقيّ يتطلّب حكومة إسرائيليّة جديدة، وهو ما يجعل عام 2026 عاماً حاسماً في تحديد مسار إسرائيل على المدى البعيد.

فلسطين: حرب أم سلام؟

ما يزال السلام في غزّة احتمالاً بعيد المنال، فوقف إطلاق النار بقي هشّاً وعرضة للانهيار، ولم يتوقّف العنف بالكامل، ويفوق حجم الدمار بكثير قدرة هذه الجهود على الاحتواء، وتبقى إعادة الإعمار بعيدة المنال، إذ تمثّل المرحلة الأخيرة من العمليّة السياسيّة، ولا يُعرف متى ستبدأ، ولا من سيموّلها، ولا كم من الوقت ستستغرق.

إذا كانت المرحلة الأولى من خطّة ترامب تواجه تعثّراً واضحاً بسبب الاتّهامات المتبادلة بخرق وقف إطلاق النار، فإنّ الانتقال إلى المرحلة الثانية يبدو أكثر تعقيداً، إذ تواجه عقبات كبيرة، أبرزها الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيليّ من غزّة ونزع سلاح “حماس”، مع اشتراط كلّ طرف تنفيذ الشروط قبل الآخَر.

على الرغم من محدوديّة الخطّة والشكوك في تنفيذها، تبقى اليوم المبادرة الوحيدة المطروحة التي نالت دعماً شبه إجماعيّ على الساحة الدوليّة. لكنّ هذا الإجماع وحده لا يكفي ما لم يُترجم إلى دعم عمليّ وضغوط سياسيّة مستدامة على جميع الأطراف لتفادي فشل جديد قد يخدم القوى الرافضة للسلام ويفتح الباب أمام جولة أخرى من الصراع الطويل.

أظهر العام المنصرم أنّ الولايات المتّحدة لا تزال الفاعل المركزيّ في قضايا الحرب والسلام في الشرق الأوسط. وإذا كان التقدّم في تنفيذ الخطّة خلال عام 2026 مرهوناً بقدرة واشنطن على استخدام نفوذها للضغط على جميع الأطراف، فلن يكون ذلك سوى بداية طريق طويل وشاقّ نحو بناء سلام حقيقيّ ودائم.

 

لبنان: الأمن والمصارف والديمقراطيّة

سيكون عام 2026 عاماً حاسماً بالنسبة للبنان، فغالبيّة اللبنانيّين، داخل البلاد وخارجها، يعلّقون آمالاً كبيرة على الانتخابات البرلمانيّة المتوقّعة في الربيع. وأيّاً كانت الحكومة الجديدة التي ستنبثق عن هذه الانتخابات، تنتظرها ثلاثة تحدّيات رئيسة:

  • استكمال إصلاح النظام المصرفيّ، الذي سيمكّن المودعين من استرداد مدّخراتهم المصادَرة في أعقاب أزمة 2019، وتحقيق استقرار الليرة اللبنانية، وبالتالي تحسين الظروف المعيشيّة لغالبيّة الشعب اللبنانيّ.
  • تنفيذ خطّة عمل سياديّة للأمن الخارجيّ تحمي البلاد من تهديدات جارتَيْها سوريا وإسرائيل.
  • أمّا التحدّي الثالث، وهو الأصعب والأكثر إلحاحاً، فهو إعادة النظر، ولو جزئيّاً، في التوزيع الطائفيّ للسلطات

الشّرق رهين الأزمات: 2026 عام إدارة الصّراعات لا حلّها

الكاتب: ايمان شمص | المصدر: اساس ميديا
30 كانون الأول 2025

يتوقّع خبراء دوليون أن تكون منطقة الشرق الأوسط في عام 2026 أكثر هشاشة، معتبرين أنّه سيكون عاماً مفصليّاً في رسم ملامح العقد المقبل للمنطقة، إذ ستكون أمام فرص محدودة لإعادة التوازن، وسيظلّ الاستقرار رهين إدارة الأزمات لا حلّها الجذريّ، مع تداخل متزايد بين العوامل الأمنيّة والاقتصاديّة والمناخيّة، وبين الانكفاء الدوليّ النسبيّ وصعود أدوار إقليميّة متنافسة.

 

يشير خبراء في شؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تقرير صادر عن معهد الدراسات السياسيّة الدوليّة الإيطاليّ(ISPI) ، وهو مركز أبحاث مستقلّ تأسّس في ميلانو عام 1934، إلى أنّ من بين أبرز المتغيّرات المؤثّرة في عام 2026 سعر النفط واحتمال أن يبلغ متوسّط سعر خام برنت نحو 55 دولاراً للبرميل في مطلع 2026، ولذلك ستكون التداعيات على المنطقة عميقة.

بالنسبة للدول الخليجيّة الغنيّة، تعني الأسعار المنخفضة تراجع الإيرادات وتأجيل بعض مشاريع التنويع الاقتصاديّ الطموحة. أمّا بالنسبة للدول الأكثر هشاشة مثل الجزائر، فقد تكون النتائج أكثر حدّة، مع ضغوط على الميزانيّات العامّة وخفض الإنفاق وتصاعد التوتّرات الاجتماعيّة.

إلى ذلك يبرز التغيّر المناخيّ بوصفه محرّكاً مركزياًّ للديناميّات السياسيّة والاجتماعيّة في المنطقة. فموجات الجفاف الطويلة وتراجع الموارد المائيّة الجوفيّة واضطراب النظم الغذائيّة كلّها عوامل تعمّق عدم المساواة وتقوّض شرعيّة الدول، لا سيما في السياقات الهشّة مثل لبنان وسوريا واليمن. وقد تتحوّل ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائيّ إلى محفّزين على الاحتجاج والهجرة والصراع.

يفصّل خبراء المعهد الإيطاليّ، كلّ بحسب منطقة اختصاص أبحاثه، ما الذي ينتظر دول المنطقة:

الخليج: تعزيز الأمن والاقتصاد

في عام 2026، ستسعى دول مجلس التعاون الخليجيّ إلى تحقيق هدفين رئيسَين: تثبيت إنجازاتها الاقتصاديّة وتحسين البيئة الأمنيّة الإقليميّة. فقد أظهرت أحداث 2025 أنّ الدبلوماسيّة وحدها لم تعُد كافية لردع التهديدات الإيرانيّة، وأنّ التحالف مع الولايات المتّحدة لا يمنع بالضرورة إسرائيل من تنفيذ عمليّات عسكريّة داخل أراضي دول الخليج.

لذلك من المرجّح أن تستثمر دول الخليج أكثر في استراتيجيات دفاعيّة متعدّدة المحاور، بما في ذلك مبادرات دفاع جوّي مشتركة. ويُتوقّع أن تمارس المملكة السعوديّة وقطر ضغوطاً أكبر على واشنطن لدفع خطّة السلام في غزّة، مع إعادة تأكيد دورها الجيوسياسيّ في المشرق، خصوصاً في سوريا والعراق.

في الوقت ذاته، ستظلّ أزمات السودان واليمن، إضافة إلى التنافسات الخليجية البينية، مصادر استنزاف مستمرّة. أمّا الموازنة بين العلاقات مع الولايات المتّحدة والصين فستبقى تحدّياً استراتيجيّاً مركزيّاً.

إيران: أوقات عصيبة داخليّاً وخارجيّاً

تدخل إيران عام 2026 وهي عند مفترق طرق مصيريّ وسط تحدّيات داخليّة وخارجيّة متزايدة. فقد باتت القيادة مقتنعة بأنّ السلاح النوويّ هو الضمانة النهائيّة لبقاء النظام، لكنّها تدرك في الوقت نفسه أنّ السعي إليه يزيد مخاطر الضربات الاستباقيّة والعزلة الدوليّة والاضطرابات الداخليّة. ومن المرجّح أن تشهد المرحلة المقبلة:

– تشديداً إسرائيليّاً في سياسات الرصد والاستهداف الوقائيّ.

– تنسيقاً أميركيّاً – إسرائيليّاً أعمق في جهود منع الانتشار.

– تصاعداً في السرّيّة والانغلاق داخل البرنامج النوويّ الإيرانيّ.

– اعتماداً أكبر على أدوات غير تقليدية، مثل الحرب السيبرانيّة والقدرات غير المتكافئة خلال فترة الهشاشة.

في المحصّلة، لم يعُد المسار النوويّ الإيرانيّ ورقة تفاوض بقدر ما أصبح مسألة بقاء. ويُحتمل أن تراهن طهران على دعم خارجيّ لتسريع العمليّة، ولا سيما من كوريا الشماليّة التي كثّفت تعاونها الصاروخيّ مع إيران. أمّا الصين وروسيا وباكستان فلا مصلحة لها في امتلاك إيران سلاحاً نوويّاً. وعليه، قد يشهد عام 2026 مرحلة شديدة الحساسيّة في المسار النوويّ الإيرانيّ، بما تحمله من تداعيات خطِرة على أمن المنطقة.

أمّا داخليّاً فيواصل الخطاب القوميّ وإحياء رموز ما قبل الإسلام دعم شرعيّة النظام، غير أنّ التدهور الاقتصاديّ، انخفاض قيمة العملة وأزمات المياه والبيئة الحادّة تعني أنّ الضغوط الداخليّة قد تكون بقدر خطورة التهديدات الخارجيّة.

 

سوريا على مفترق طرق: الوحدة والقوّة

شهدت سوريا انتقالاً سريعاً في مرحلة ما بعد الأسد على الصعيد السياسيّ، لكنّها تواجه حالة من عدم اليقين على أرض الواقع. ويأتي الاختبار الحقيقيّ في عام 2026، حين سيتوقّف مستقبل البلاد على قدرة الرئيس أحمد الشرع على الحفاظ على وحدة سوريا في ظلّ ضغوط داخليّة وخارجيّة شديدة. وتتلخّص التحدّيات الرئيسة في خمسة جوانب:

– أوّلاً، لا يزال دمج قوّات سوريا الديمقراطيّة، المدعومة من الولايات المتّحدة والتي يقودها الأكراد، في الدولة أمراً لم يُحسم بعد. وقد يؤدّي الفشل في ذلك إلى توتّرات مع تركيا، التي تعتبر قوّات سوريا الديمقراطيّة منظّمة إرهابيّة.

– ثانياً، يتعيّن على سوريا الموازنة بين علاقاتها الخارجيّة المتنافسة: تعميق العلاقات مع المانحين الخليجيّين، وهو أمر حيويّ لإعادة الإعمار، والحفاظ على تعاون براغماتيّ مع روسيا.

– ثالثاً، لا يزال الانقسام الداخليّ قائماً على أسس طائفيّة وعرقيّة، لا سيما مع العلويّين والدروز، ويتفاقم بسبب الغارات الإسرائيليّة المستمرّة وتوقّف المحادثات الأمنيّة مع تل أبيب.

– رابعاً، لا يزال الاندماج السياسيّ في الداخل غير مؤكّد: هل يمكن للبرلمان الجديد أن يكون بمنزلة صوت حقيقيّ؟ ستكون موازنة سلطة الرئيس أمراً حاسماً.

أخيراً، يعتمد مسار سوريا على التعلّم من إخفاقات المنطقة: تجنّب الطائفيّة المؤسّسيّة، التجزئة الإقليميّة، تصدير الثورة وفرض سياسات دينيّة قسريّة. ويجب على الشرع احتواء المعارضة من الفصائل الجهاديّة المتشدّدة. وستحدّد كيفيّة تعامله مع هذه التحدّيات في عام 2026 لتحقيق التوازن بين التماسك الداخليّ والدبلوماسيّة الخارجيّة استقرارَ سوريا على المدى البعيد ودورها في الشرق الأوسط.

 

إسرائيل: انتخابات وخيارات مصيريّة

ستُحدّد انتخابات تشرين الأوّل 2026 في إسرائيل ملامح المشهد السياسيّ، لكنّ قضايا عالقة تُلقي بظلالها قبل ذلك. فالحكومة تواجه تراجعاً متزايداً في صدقيّتها وانتقاداتٍ حادّة بسبب إخفاقاتها المؤسّسيّة. على الصعيد الدولي، لا يزال رفض إسرائيل المستمرّ لإقامة دولة فلسطينيّة العقبة الرئيسة أمام تعزيز التكامل الإقليميّ، ويُوتّر العلاقات مع إدارة ترامب نفسها.

مع تعثّر المفاوضات في المرحلة الثانية من خطّة السلام في غزّة واستمرار الجهود الرامية إلى توسيع اتّفاقات أبراهام، تبرز الدولة الفلسطينيّة بشكل متزايد شرطاً أساسيّاً لمزيد من التطبيع. وقد يخلص ترامب في نهاية المطاف إلى أنّ إحراز تقدّم حقيقيّ يتطلّب حكومة إسرائيليّة جديدة، وهو ما يجعل عام 2026 عاماً حاسماً في تحديد مسار إسرائيل على المدى البعيد.

فلسطين: حرب أم سلام؟

ما يزال السلام في غزّة احتمالاً بعيد المنال، فوقف إطلاق النار بقي هشّاً وعرضة للانهيار، ولم يتوقّف العنف بالكامل، ويفوق حجم الدمار بكثير قدرة هذه الجهود على الاحتواء، وتبقى إعادة الإعمار بعيدة المنال، إذ تمثّل المرحلة الأخيرة من العمليّة السياسيّة، ولا يُعرف متى ستبدأ، ولا من سيموّلها، ولا كم من الوقت ستستغرق.

إذا كانت المرحلة الأولى من خطّة ترامب تواجه تعثّراً واضحاً بسبب الاتّهامات المتبادلة بخرق وقف إطلاق النار، فإنّ الانتقال إلى المرحلة الثانية يبدو أكثر تعقيداً، إذ تواجه عقبات كبيرة، أبرزها الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيليّ من غزّة ونزع سلاح “حماس”، مع اشتراط كلّ طرف تنفيذ الشروط قبل الآخَر.

على الرغم من محدوديّة الخطّة والشكوك في تنفيذها، تبقى اليوم المبادرة الوحيدة المطروحة التي نالت دعماً شبه إجماعيّ على الساحة الدوليّة. لكنّ هذا الإجماع وحده لا يكفي ما لم يُترجم إلى دعم عمليّ وضغوط سياسيّة مستدامة على جميع الأطراف لتفادي فشل جديد قد يخدم القوى الرافضة للسلام ويفتح الباب أمام جولة أخرى من الصراع الطويل.

أظهر العام المنصرم أنّ الولايات المتّحدة لا تزال الفاعل المركزيّ في قضايا الحرب والسلام في الشرق الأوسط. وإذا كان التقدّم في تنفيذ الخطّة خلال عام 2026 مرهوناً بقدرة واشنطن على استخدام نفوذها للضغط على جميع الأطراف، فلن يكون ذلك سوى بداية طريق طويل وشاقّ نحو بناء سلام حقيقيّ ودائم.

 

لبنان: الأمن والمصارف والديمقراطيّة

سيكون عام 2026 عاماً حاسماً بالنسبة للبنان، فغالبيّة اللبنانيّين، داخل البلاد وخارجها، يعلّقون آمالاً كبيرة على الانتخابات البرلمانيّة المتوقّعة في الربيع. وأيّاً كانت الحكومة الجديدة التي ستنبثق عن هذه الانتخابات، تنتظرها ثلاثة تحدّيات رئيسة:

  • استكمال إصلاح النظام المصرفيّ، الذي سيمكّن المودعين من استرداد مدّخراتهم المصادَرة في أعقاب أزمة 2019، وتحقيق استقرار الليرة اللبنانية، وبالتالي تحسين الظروف المعيشيّة لغالبيّة الشعب اللبنانيّ.
  • تنفيذ خطّة عمل سياديّة للأمن الخارجيّ تحمي البلاد من تهديدات جارتَيْها سوريا وإسرائيل.
  • أمّا التحدّي الثالث، وهو الأصعب والأكثر إلحاحاً، فهو إعادة النظر، ولو جزئيّاً، في التوزيع الطائفيّ للسلطات

مزيد من الأخبار

مزيد من الأخبار