أرض الصّومال وإسرائيل: تهجير الفلسطينيّين إلى القرن الإفريقيّ؟

في وقتٍ ينشغل فيه العالم بتداعيات الحرب على غزّة، تتكشّف بهدوء مسارات سياسيّة وجيوسياسيّة تعيد إلى الواجهة عنوان التهجير القسريّ للفلسطينيّين، لكن هذه المرّة نحو القرن الإفريقيّ. في قلب هذه المعادلة تبرز أرض الصومال، الكيان غير المعترَف به دوليّاً، الذي تحوّل فجأة إلى نقطة تقاطع بين أمن الملاحة الدوليّة، الطموحات الإسرائيليّة بشراكة مع دول خليجية ومستقبل القضيّة الفلسطينيّة.
تنظر إسرائيل إلى أرض الصومال باعتبارها رافعة استراتيجيّة في معادلة أمنها الإقليميّ، أكثر منها كياناً سياسيّاً ناشئاً، فإطلالة الإقليم على خليج عدن وقربه من مضيق باب المندب يفتحان أمام تل أبيب هامش تأثير غير مباشر على أحد أهم شرايين التجارة العالميّة.
يتكامل هذا الاهتمام مع الحضور الإسرائيليّ المتنامي في إريتريا، والعلاقات الأمنيّة الوثيقة مع إثيوبيا، وهو ما يتيح لإسرائيل بناء شبكة نفوذ متّصلة تمتدّ من القرن الإفريقيّ إلى البحر الأحمر، في سياق مواجهة الخصوم الإقليميّين، ولا سيما إيران، التي تُراقَب تحرّكاتها في مضيقَي هرمز وباب المندب معاً.
استثمار طويل الأمد؟
يُعدّ مضيق باب المندب نقطة التقاء البحر الأحمر بخليج عدن، وتمرّ عبره نحو 12% من التجارة العالميّة، بما فيها شحنات الطاقة والبضائع من آسيا إلى أوروبا، وهو ما يجعل أيّ اضطراب فيه عاملاً مؤثّراً فوريّاً في الاقتصاد العالميّ وسلاسل الإمداد.
في ظلّ تصاعد التوتّرات في اليمن والبحر الأحمر، تحوّل المضيق من ممرّ تجاريّ إلى ورقة ضغط سياسيّة وعسكريّة، إذ يمنح النفوذ في محيطه القدرة على تأمين الملاحة أو تهديدها. ومن هذا المنطلق، لا يبدو الانفتاح الإسرائيليّ على أرض الصومال خطوة رمزيّة، بل استثمار طويل الأمد في ساحة تتقاطع فيها مصالح دوليّة وإقليميّة، من بينها طموحات الإمارات في مرفأ بربرة، ومساعي إثيوبيا، الدولة الحبيسة، إلى العودة إلى البحر الأحمر.
يتجاوز الاهتمام الإسرائيليّ بأرض الصومال الجغرافيا ليطال البعد السياسيّ الأخطر المرتبط بمستقبل الفلسطينيّين. فقد تداولت وسائل إعلام دوليّة خلال عام 2025 تقارير عن مناقشات بين الولايات المتّحدة وإسرائيل وبعض دول شرق إفريقيا، بينها الصومال وأرض الصومال، في إعادة توطين فلسطينيّين من غزّة بعد الحرب.
على الرغم من النفي الرسميّ الصادر عن الدول المعنيّة، أعاد تداول هذه الأفكار إلى الواجهة مشاريع تهجير قديمة وطرح مخاوف جدّيّة من استخدام الاعتراف بأرض الصومال أو دعمها دوليّاً ورقة مقايضة سياسيّة في سياق ما يُسمّى “اليوم التالي” لغزّة.
تريّث أميركيّ ورفض عربيّ
على الرغم من الاعتراف الإسرائيليّ، لم تغيّر الولايات المتّحدة موقفها الرسميّ، مؤكّدة دعمها لوحدة وسيادة الصومال. ويعكس هذا التريّث مخاوف أميركيّة من زعزعة الاستقرار في القرن الإفريقيّ وتعقيد جهود مكافحة الإرهاب والإضرار بعلاقات واشنطن مع حلفائها العرب والأفارقة.
في المقابل، يشهد الكونغرس الأميركيّ زخماً متزايداً، لا سيما بين بعض الجمهوريّين، لدعم الاعتراف بأرض الصومال، بدعوى الاستقرار ومواجهة النفوذ الصينيّ وتأمين الملاحة في البحر الأحمر، وهو ما يكشف انقساماً واضحاً داخل واشنطن.
أمّا عربيّاً فجاء الموقف أكثر وضوحاً، إذ دانت جامعة الدول العربيّة الاعتراف الإسرائيليّ بأرض الصومال، معتبرةً إيّاه انتهاكاً لسيادة الصومال ومقدّمة خطِرة لزعزعة الاستقرار الإقليميّ، خصوصاً في ظلّ الربط بين الاعتراف وخطط تهجير الفلسطينيّين.
تُظهر قضيّة أرض الصومال كيف تتحوّل الجغرافيا إلى أداة سياسيّة في صراعات القرن الحادي والعشرين. فبين الممرّات البحريّة ومشاريع النفوذ ومحاولات تصدير الفلسطينيّين خارج أرضهم يتجاوز الاهتمام الإسرائيليّ بهذا الإقليم حدوده المحليّة ليطال جوهر الصراع في المنطقة.
يبدو واضحاً أنّ أيّ محاولة لإعادة إنتاج التهجير، مهما تغيّرت وجهته، لا تزال مرفوضة أخلاقيّاً وسياسيّاً حتّى هذه الساعة على الأقلّ، وهذا ما برز في الموقف الأوّليّ لجامعة الدول العربيّة التي رفضت تقسيم الصومال، الخطوة الأولى باتّجاه استكمال خارطة الطريق الإسرائيليّة.
أرض الصّومال وإسرائيل: تهجير الفلسطينيّين إلى القرن الإفريقيّ؟

في وقتٍ ينشغل فيه العالم بتداعيات الحرب على غزّة، تتكشّف بهدوء مسارات سياسيّة وجيوسياسيّة تعيد إلى الواجهة عنوان التهجير القسريّ للفلسطينيّين، لكن هذه المرّة نحو القرن الإفريقيّ. في قلب هذه المعادلة تبرز أرض الصومال، الكيان غير المعترَف به دوليّاً، الذي تحوّل فجأة إلى نقطة تقاطع بين أمن الملاحة الدوليّة، الطموحات الإسرائيليّة بشراكة مع دول خليجية ومستقبل القضيّة الفلسطينيّة.
تنظر إسرائيل إلى أرض الصومال باعتبارها رافعة استراتيجيّة في معادلة أمنها الإقليميّ، أكثر منها كياناً سياسيّاً ناشئاً، فإطلالة الإقليم على خليج عدن وقربه من مضيق باب المندب يفتحان أمام تل أبيب هامش تأثير غير مباشر على أحد أهم شرايين التجارة العالميّة.
يتكامل هذا الاهتمام مع الحضور الإسرائيليّ المتنامي في إريتريا، والعلاقات الأمنيّة الوثيقة مع إثيوبيا، وهو ما يتيح لإسرائيل بناء شبكة نفوذ متّصلة تمتدّ من القرن الإفريقيّ إلى البحر الأحمر، في سياق مواجهة الخصوم الإقليميّين، ولا سيما إيران، التي تُراقَب تحرّكاتها في مضيقَي هرمز وباب المندب معاً.
استثمار طويل الأمد؟
يُعدّ مضيق باب المندب نقطة التقاء البحر الأحمر بخليج عدن، وتمرّ عبره نحو 12% من التجارة العالميّة، بما فيها شحنات الطاقة والبضائع من آسيا إلى أوروبا، وهو ما يجعل أيّ اضطراب فيه عاملاً مؤثّراً فوريّاً في الاقتصاد العالميّ وسلاسل الإمداد.
في ظلّ تصاعد التوتّرات في اليمن والبحر الأحمر، تحوّل المضيق من ممرّ تجاريّ إلى ورقة ضغط سياسيّة وعسكريّة، إذ يمنح النفوذ في محيطه القدرة على تأمين الملاحة أو تهديدها. ومن هذا المنطلق، لا يبدو الانفتاح الإسرائيليّ على أرض الصومال خطوة رمزيّة، بل استثمار طويل الأمد في ساحة تتقاطع فيها مصالح دوليّة وإقليميّة، من بينها طموحات الإمارات في مرفأ بربرة، ومساعي إثيوبيا، الدولة الحبيسة، إلى العودة إلى البحر الأحمر.
يتجاوز الاهتمام الإسرائيليّ بأرض الصومال الجغرافيا ليطال البعد السياسيّ الأخطر المرتبط بمستقبل الفلسطينيّين. فقد تداولت وسائل إعلام دوليّة خلال عام 2025 تقارير عن مناقشات بين الولايات المتّحدة وإسرائيل وبعض دول شرق إفريقيا، بينها الصومال وأرض الصومال، في إعادة توطين فلسطينيّين من غزّة بعد الحرب.
على الرغم من النفي الرسميّ الصادر عن الدول المعنيّة، أعاد تداول هذه الأفكار إلى الواجهة مشاريع تهجير قديمة وطرح مخاوف جدّيّة من استخدام الاعتراف بأرض الصومال أو دعمها دوليّاً ورقة مقايضة سياسيّة في سياق ما يُسمّى “اليوم التالي” لغزّة.
تريّث أميركيّ ورفض عربيّ
على الرغم من الاعتراف الإسرائيليّ، لم تغيّر الولايات المتّحدة موقفها الرسميّ، مؤكّدة دعمها لوحدة وسيادة الصومال. ويعكس هذا التريّث مخاوف أميركيّة من زعزعة الاستقرار في القرن الإفريقيّ وتعقيد جهود مكافحة الإرهاب والإضرار بعلاقات واشنطن مع حلفائها العرب والأفارقة.
في المقابل، يشهد الكونغرس الأميركيّ زخماً متزايداً، لا سيما بين بعض الجمهوريّين، لدعم الاعتراف بأرض الصومال، بدعوى الاستقرار ومواجهة النفوذ الصينيّ وتأمين الملاحة في البحر الأحمر، وهو ما يكشف انقساماً واضحاً داخل واشنطن.
أمّا عربيّاً فجاء الموقف أكثر وضوحاً، إذ دانت جامعة الدول العربيّة الاعتراف الإسرائيليّ بأرض الصومال، معتبرةً إيّاه انتهاكاً لسيادة الصومال ومقدّمة خطِرة لزعزعة الاستقرار الإقليميّ، خصوصاً في ظلّ الربط بين الاعتراف وخطط تهجير الفلسطينيّين.
تُظهر قضيّة أرض الصومال كيف تتحوّل الجغرافيا إلى أداة سياسيّة في صراعات القرن الحادي والعشرين. فبين الممرّات البحريّة ومشاريع النفوذ ومحاولات تصدير الفلسطينيّين خارج أرضهم يتجاوز الاهتمام الإسرائيليّ بهذا الإقليم حدوده المحليّة ليطال جوهر الصراع في المنطقة.
يبدو واضحاً أنّ أيّ محاولة لإعادة إنتاج التهجير، مهما تغيّرت وجهته، لا تزال مرفوضة أخلاقيّاً وسياسيّاً حتّى هذه الساعة على الأقلّ، وهذا ما برز في الموقف الأوّليّ لجامعة الدول العربيّة التي رفضت تقسيم الصومال، الخطوة الأولى باتّجاه استكمال خارطة الطريق الإسرائيليّة.










