٢٠٢٥: خمسة أفلام = خمسة عوالم

عام سينمائي يشرف على النهاية، وها آن أوان جردة الحساب. الهدف من اختيار الأفلام الآتية ليس الوصول إلى قائمة “أفضل” بقدر ما هو محاولة للإضاءة على ما سمحت به السينما طوال الأشهر الـ12 الماضية من تنوّع في الأساليب والرؤى. تعمّدتُ انتقاء خمسة أفلام بعيدة كلّ البُعد أحدها عن الآخر، جغرافياً وجمالياً وخطاباً، كي نعي اتساع المشهد السينمائي الراهن: من التجريب الخالص إلى الدراما الأسرية، ومن السينما السياسية المشاكسة إلى إعادة ابتكار الفيلم الأميركي، وصولاً إلى الواقعية الفانتازية. خمسة أفلام، خمسة عوالم، وسينما واحدة تتجدّد باستمرار.

“انعكاس في ألماسة ميتة” لإيلين كاتيه وبرونو فورزاني. لا يمكن هذا الفيلم أن يكون محل إجماع نظراً إلى راديكالية الأطروحة. الفيلم عن جاسوس يتذكّر مغامراته في الستينات وهو جالس على شاطئ أحد فنادق الكوت دازور. لا ضرورة لفهم كلّ شيء من مسرح العبث، وهنا تكمن روعة الفيلم الأشبه برحلة، بأوديسّا، بفتح سينمائي يوفّر لنا متعة خالصة. لا يتخطّى الفيلم الـ87 دقيقة، بإيجاز وتكثيف لافتين. نحن أمام فنّ خالص، عن الأفلام، داخل السينما وخارجها، حيث شدّ حبال لا ينتهي بين الواقع والخيال.

“قيمة عاطفية” ليواكيم ترير، دراما أسرية تلامس أوتار القلب، ينسجها المخرج على شكل شذرات وفصول، ملتقطاً تفاصيل العلاقات الأبوية وروابط الدم. الحكاية عن أب هو مخرج سينمائي وابنتيه، تشكّل محور هذا النص السينمائي البديع. كلّ شيء ينقلب مع عودة الأب بعد غياب سنوات، حاملاً مشروعاً سينمائياً يستلهمه من ماضيه. منزل الأسرة يتحوّل إلى فضاء مفتوح للمشاعر والذكريات. المشاعر مكبوتة، لكن التأثّر يتصاعد تدريجاً حتى لحظة نادرة من الكشف والصدق. هذا فيلم عن المصالحة، وعن لمّ شمل العائلة من خلال الفنّ.
“نعم” لناداف لابيد عمل صدامي يفضح المجتمع الإسرائيلي بلا مواربة، آتياً من داخل المشكلة لا من خارجها، ويمنحه ذلك بُعداً إضافياً من الأهمية.
يمكن إدراج لابيد ضمن السينمائيين الإسرائيليين الذين حاصروا إسرائيل بأسئلتهم وكشفوا زيف روايتها الرسمية. مع “نعم”، يذهب إلى الحد الأقصى، واضعاً الفرد في مواجهة جماعة تتحوّل إلى آلة عنف رمزية وجسدية. الفنّ هنا أداة في خدمة الدعاية الرسمية، والفيلم انعكاس ليأس الفنّان أمام واقع طاحن، حيث لا كلمتان سوى “لا” و”نعم”، رفض أو تسليم.

“معركة تلو أخرى” لبول توماس أندرسون، دليل على قدرة السينما الأميركية على مفاجأتنا، وفيلم واحد كفيل أن ينسينا طوفان ”البلوكبستر“ المكرّرة.
نحن حيال فيلم إخراج ووتيرة وتعقّب، بحيث لا صوت يعلو فوق صوت المخرج وموهبته. تدور الأحداث في أميركا ما، حيث الاستقطاب السياسي على أشدّه، من أزمة اللاجئين إلى الاصطفاف العنيف بين يمين متطرّف ويسار راديكالي. الحكاية في جوهرها يمكن اختزالها في كلمتين: حقّ الاعتراض. لا يقول أندرسون شيئاً مباشراً عن أميركا، وفي الوقت نفسه يقول عنها كلّ شيء، مفكّكاً أفكارها وتناقضاتها من دون أطروحة واحدة.
باستخدام أدوات “البلوكبستر”، ينجز فيلماً نقدياً عنيفاً، بلا أبطال ولا ضحايا، فقط بشر يشبهون المُشاهد.

“عائشة لا تستطيع الطيران” لمراد مصطفى يفتتح بمشهد لعاملة منزل سودانية في القاهرة تنفض الغبار، تلك هي عائشة التي ترافقنا منذ اللقطة الأولى حتى النهاية. نتابع يومياتها الصامتة في قلب أحياء عين شمس، امرأة لا تفعل بقدر ما تتلقّى، شاهدة على واقع يعصف بها من كلّ الاتجاهات. عنصرية، مخدّرات، احتكاك مع أجهزة الأمن، هذا بعض من واقعها كمهاجرة. يختار المخرج أن يُرينا الواقع المصري الراهن من خلال عيني “غريبة”، في سينما بلا خطاب أو وعظ، مكتفياً بالصورة، حيث تفاوض عائشة على كلّ شيء، لكنها لا تساوم على كرامتها.
٢٠٢٥: خمسة أفلام = خمسة عوالم

عام سينمائي يشرف على النهاية، وها آن أوان جردة الحساب. الهدف من اختيار الأفلام الآتية ليس الوصول إلى قائمة “أفضل” بقدر ما هو محاولة للإضاءة على ما سمحت به السينما طوال الأشهر الـ12 الماضية من تنوّع في الأساليب والرؤى. تعمّدتُ انتقاء خمسة أفلام بعيدة كلّ البُعد أحدها عن الآخر، جغرافياً وجمالياً وخطاباً، كي نعي اتساع المشهد السينمائي الراهن: من التجريب الخالص إلى الدراما الأسرية، ومن السينما السياسية المشاكسة إلى إعادة ابتكار الفيلم الأميركي، وصولاً إلى الواقعية الفانتازية. خمسة أفلام، خمسة عوالم، وسينما واحدة تتجدّد باستمرار.

“انعكاس في ألماسة ميتة” لإيلين كاتيه وبرونو فورزاني. لا يمكن هذا الفيلم أن يكون محل إجماع نظراً إلى راديكالية الأطروحة. الفيلم عن جاسوس يتذكّر مغامراته في الستينات وهو جالس على شاطئ أحد فنادق الكوت دازور. لا ضرورة لفهم كلّ شيء من مسرح العبث، وهنا تكمن روعة الفيلم الأشبه برحلة، بأوديسّا، بفتح سينمائي يوفّر لنا متعة خالصة. لا يتخطّى الفيلم الـ87 دقيقة، بإيجاز وتكثيف لافتين. نحن أمام فنّ خالص، عن الأفلام، داخل السينما وخارجها، حيث شدّ حبال لا ينتهي بين الواقع والخيال.

“قيمة عاطفية” ليواكيم ترير، دراما أسرية تلامس أوتار القلب، ينسجها المخرج على شكل شذرات وفصول، ملتقطاً تفاصيل العلاقات الأبوية وروابط الدم. الحكاية عن أب هو مخرج سينمائي وابنتيه، تشكّل محور هذا النص السينمائي البديع. كلّ شيء ينقلب مع عودة الأب بعد غياب سنوات، حاملاً مشروعاً سينمائياً يستلهمه من ماضيه. منزل الأسرة يتحوّل إلى فضاء مفتوح للمشاعر والذكريات. المشاعر مكبوتة، لكن التأثّر يتصاعد تدريجاً حتى لحظة نادرة من الكشف والصدق. هذا فيلم عن المصالحة، وعن لمّ شمل العائلة من خلال الفنّ.
“نعم” لناداف لابيد عمل صدامي يفضح المجتمع الإسرائيلي بلا مواربة، آتياً من داخل المشكلة لا من خارجها، ويمنحه ذلك بُعداً إضافياً من الأهمية.
يمكن إدراج لابيد ضمن السينمائيين الإسرائيليين الذين حاصروا إسرائيل بأسئلتهم وكشفوا زيف روايتها الرسمية. مع “نعم”، يذهب إلى الحد الأقصى، واضعاً الفرد في مواجهة جماعة تتحوّل إلى آلة عنف رمزية وجسدية. الفنّ هنا أداة في خدمة الدعاية الرسمية، والفيلم انعكاس ليأس الفنّان أمام واقع طاحن، حيث لا كلمتان سوى “لا” و”نعم”، رفض أو تسليم.

“معركة تلو أخرى” لبول توماس أندرسون، دليل على قدرة السينما الأميركية على مفاجأتنا، وفيلم واحد كفيل أن ينسينا طوفان ”البلوكبستر“ المكرّرة.
نحن حيال فيلم إخراج ووتيرة وتعقّب، بحيث لا صوت يعلو فوق صوت المخرج وموهبته. تدور الأحداث في أميركا ما، حيث الاستقطاب السياسي على أشدّه، من أزمة اللاجئين إلى الاصطفاف العنيف بين يمين متطرّف ويسار راديكالي. الحكاية في جوهرها يمكن اختزالها في كلمتين: حقّ الاعتراض. لا يقول أندرسون شيئاً مباشراً عن أميركا، وفي الوقت نفسه يقول عنها كلّ شيء، مفكّكاً أفكارها وتناقضاتها من دون أطروحة واحدة.
باستخدام أدوات “البلوكبستر”، ينجز فيلماً نقدياً عنيفاً، بلا أبطال ولا ضحايا، فقط بشر يشبهون المُشاهد.

“عائشة لا تستطيع الطيران” لمراد مصطفى يفتتح بمشهد لعاملة منزل سودانية في القاهرة تنفض الغبار، تلك هي عائشة التي ترافقنا منذ اللقطة الأولى حتى النهاية. نتابع يومياتها الصامتة في قلب أحياء عين شمس، امرأة لا تفعل بقدر ما تتلقّى، شاهدة على واقع يعصف بها من كلّ الاتجاهات. عنصرية، مخدّرات، احتكاك مع أجهزة الأمن، هذا بعض من واقعها كمهاجرة. يختار المخرج أن يُرينا الواقع المصري الراهن من خلال عيني “غريبة”، في سينما بلا خطاب أو وعظ، مكتفياً بالصورة، حيث تفاوض عائشة على كلّ شيء، لكنها لا تساوم على كرامتها.










