تغيير النّظام في إيران “خطأ” تُحذّر منه دول المنطقة؟

تغيير النّظام في إيران “خطأ” تُحذّر منه دول المنطقة؟

الكاتب: روزانا بو منصف | المصدر: النهار
19 حزيران 2025
إيران أكثر من العراق وليبيا بلد متعدد ومعقد، وليس صحيحاً أو سهلاً أن المعارضة الإيرانية في الخارج تستطيع الحلول مكان نظام الملالي وضبط صندوق باندورا الذي يمكن أن يفتح عليه الوضع في إيران

يعتبر بعض المراقبين أن إسرائيل ارتكبت خطأً فادحاً استنفرت من خلاله مخاوف دول المنطقة وخارجها حين تحدث مسؤولوها عن الدفع نحو تغيير النظام في إيران، ولو تمت إعادة صياغة مواقف تراجعية من حوله وعادت لتركز على أهداف حصرتها بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية ووقف تصنيع الصواريخ البالستية. تفيد معلومات بأن اتصالات دول إقليمية عدة مع الإدارة الأميركية ركزت خاصةً على أحد أمرين في الاعتبار : أحدهما الإصرار على أولوية وأفضلية الخيار الديبلوماسي كمخرج من هذه الحرب وإنهاء النووي الإيراني نظراً للمخاطر التي يمكن أن يفتح عليها استمرار الخيار العسكري، لا سيما أن إضعاف إيران سيساهم في مرونة أكبر من جانبها ولو أعلنت العكس. والأمر الآخر هو عدم الانجراف نحو استهداف المرشد الإيراني علي خامنئي وإطاحته لضرورات واعتبارات قصوى، أبرزها يعيد إلى الأذهان تجارب إطاحة أو إسقاط ديكتاتوريين في المنطقة كما في العراق وليبيا على الأقل وكذلك أفغانستان. وهي تجارب لم تكن ناجحة وفتحت الأبواب على اضطرابات وعدم استقرار أكبر في المنطقة.

 

وإيران أكثر من العراق وليبيا بلد متعدد ومعقد، وليس صحيحاً أو سهلاً أن المعارضة الإيرانية في الخارج تستطيع الحلول مكان نظام الملالي وضبط صندوق باندورا الذي يمكن أن يفتح عليه الوضع في إيران. وحتى في حال الاستسلام غير المشروط الذي طالب به الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يخشى أن يكون الأمر مستحيلاً لأنه يعني كذلك احتمال إسقاط النظام الإيراني. وهي مخاطرة تفيد المعلومات الديبلوماسية بأن الاتصالات مع الإدارة الأميركية تصب في هذا الهدف ولو أن لا تعاطف أبداً مع النظام الإيراني على نطاق إقليمي ودولي واسع. ولكن الانعكاسات السياسية والاقتصادية لاحتمال أن تذهب إيران إلى الفوضى التي تخيف دول المنطقة ودولاً عدة في العالم، ويجب أن يخيف الولايات المتحدة كذلك بعيداً من التأثر بالنجاحات الإسرائيلية في توجيه ضربات مهمة إلى إيران وتحقيقها مكاسب في هذا الإطار، وفق ما يعتقد كثر أن الرئيس الأميركي بدا معنياً بذلك، لا سيما في ظل سعيه إلى تحقيق نجاحات لم تتحقق حتى الآن، لا في موضوع غزة ولا في حرب أوكرانيا، وبعيداً من المصالح الإسرائيلية المباشرة والمؤثرة في واشنطن كذلك.

 

ولعلّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو استفز الإيرانيين بدعوتهم للانقلاب على النظام من أجل تغييره، انطلاقاً من أن أي حرب خارجية، سواء ضد إيران أو سواها من شأنها أن تستفز الشعب في اتجاه رد الاعتداءات، كما في مطالبة إيرانيين النظام بضرورة استكمال تخصيب النووي تأميناً للدفاع عن إيران، وأن المعارضة الداخلية، أياً تكن، يصعب عليها الاعتماد أو توظيف الاعتداءات الخارجية للوصول إلى السلطة. فهذه وصفة سيئة وغير ناجحة.

 

يعتقد ديبلوماسيون أجانب في بيروت أن الولايات المتحدة التي يمكن أن تتجاوز التهديدات الإيرانية باستهداف مصالحها في المنطقة، في حال انخراطها في الحرب لدعم إسرائيل بتوجيه ضربات أكثر تأثيراً لإيران أو إكمال ما بدأته إسرائيل لكن باعتماد وسائل أخرى وتوظيف ما تحقق، لا سيما في ظل شبه إجماع دولي على الملف النووي الإيراني وصواريخها البالستية، وكذلك أذرعها في المنطقة، وفي ظل ضربات قوية وعميقة أصابت طهران بحيث لا يمكنها أن تواصل بأي شكل من الأشكال مقارباتها السابقة في الداخل أو في المنطقة. إذ إن ما حصل من خسائر واختراقات لنظامها المالي فرض وقائع جديدة ينبغي عليها أن تأخذها في الاعتبار. فالهزيمة حصلت وكانت مدوّية، ويقول ديبلوماسيون إن الإيرانيين لم يستوعبوا بعد مفاعيل ما حصل.

 

والشروط غالباً قبل التفاوض تكون مرتفعة السقوف حفظاً لماء الوجه أمام الشعب أو ما شابه، ويتم التداول على نطاق واسع بتسريع إسرائيل الضربات على إيران نتيجة إبلاغ هذه الأخيرة واشنطن عبر عُمان والسعودية ومصر وقطر استعداد إيران للتفاوض. ولم تعارض واشنطن الضربة التي وجهتها إسرائيل لإيران لأنها تقوي أوراقها في التفاوض. فالنظام الإيراني لا يسقط عبر قصف إسرائيل إيران كما لا يمكنها إنهاء تصنيع النووي باستهداف منشأة فوردو. ولكن هذا لا يلغي واقع أن إيران أضحت في مأزق كبير ولكن النظام لا يمكن إسقاطه بالقوة. وواقع تلويح الرئيس الأميركي بمعرفته مكان وجود المرشد الإيراني، ولكن من دون النية في استهدافه راهناً يعده البعض من باب إبقاء السيف فوق رأس إيران، أي مصير النظام الذي تعارض دول إطاحته علناً كما فعلت فرنسا أو ما وراء الكواليس، كما فعلت دول في المنطقة، لا يهمها النظام في ذاته ولكن الخشية متعاظمة من التداعيات السياسية والاقتصادية واهتزاز الاستقرار بقوة في المنطقة.