مواكبة سعودية «للحظة المفصلية» في لبنان… بانتظار برّاك

مواكبة سعودية «للحظة المفصلية» في لبنان… بانتظار برّاك

المصدر: الراي الكويتية
4 تموز 2025

بدا لبنان اليوم، أشبه بـ «خلية طوارئ» دبلوماسية خرَقَ عملَها «الصامت» عصراً دويُّ غارةٍ إسرائيلية بمسيّرةٍ على مدخل بيروت الجنوبي عند اوتوستراد خلدة، وذلك مع العدّ العكسي لعودة السفير الأميركي لدى تركيا وموفدها إلى سورية توماس برّاك إلى بيروت، يوم الاثنين، لتَلَقّي الجواب الرسمي على المقترَح «الثلاثي البُعد» الذي حَمَله في 19 يونيو الماضي، وجوهرُه جدْولة سَحْب سلاح «حزب الله» مقابل برْمجة انسحاب إسرائيل من التلال الخمس ووقف الاعتداءات.

ففي الوقت الذي كان لبنان الرسمي يضع اللمسات الأخيرة على مسودة الردّ، عبر اللجنة التي تضمّ مستشارين لرؤساء الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري ويواكب عملها «بالواسطة» حزب الله، ارتسم بوضوحٍ مسارُ متابعةٍ لصيقة، عربية – دولية، لمَهمة براك التي تعني عملياً أن «فترةَ السماحِ» انتهتْ لبتّ هذا الملف على «الطريقة اللبنانية» وبالإيقاع الذي تَحَكَّمَ به واقعياً الحزبُ في الأشهر الماضية من خلال تحويله خشية السلطة من صِدامٍ داخلي «هامشَ مناورةٍ» ورَبْطه فَتْح النقاش حول سلاحه بانسحاب إسرائيل أولاً ووقف اعتداءاتها وإطلاق مسار الإعمار، على أن يشكّل الحوار الداخلي «الإطار الناظم» لهذا النقاش ومن ضمن بحْثٍ في إستراتيجية دفاعية وحفْظ «عناصر القوة للبنان».

ولم يكن عابراً في هذا الإطار أن يسبق وصولُ براك تطوران:

– الأول زيارة مستشار وزير الخارجية السعودي الأمير يزيد بن فرحان لبيروت على نحو مفاجئ، الأربعاء، ومباشرته لقاءات مع كبار المسؤولين، بدأها بسلام ثم عون، وسط معلومات عن أنه سيلتقي براك خلال وجوده في العاصمة اللبنانية.

وتم التعاطي مع الزيارة، على أنها ذات صلة باللحظة المفصلية التي يقف على مشارفها الوضع اللبناني ربْطاً بمَهمة براك الذي لم يتوانَ قبل فترةٍ عن المجاهرة بأن على الحزب أن يَخْتفي عسكرياً وأن تفويت فرصةَ طيّ صفحة السلاح قد تعرّض «بلاد الأرز» لخطر حرب جديدة.

وإذ بدت محطةُ الموفد السعودي في سياق وَضْعِ لبنان في أجواء المناخ العربي – الدولي خصوصاً بعد الحرب الإسرائيلية – الإيرانية ونتائجها، فإن جانباً آخَر من مَهمة يزيد بن فرحان، يتّصل بالعناية التي توليها الرياض لملف العلاقات اللبنانية – السورية، هي التي باتت رافعةً أساسية للواقع في «سورية الجديدة» وشكلت ما يشبه «كاسحة الألغام» من أمام استقطاب رعاية أميركية لدمشق، علماً أن أحد بنود ورقة براك اللبنانية يتناول ملف ترسيم الحدود مع سورية.

– والثاني الاجتماع الذي عقدتْه اللجنةُ الخماسية المولجة متابعة الوضع اللبناني والتي تضم سفراء الولايات المتحدة، السعودية، فرنسا، مصر وقطر، بمقر السفارة الأميركية في عوكر.

وجاء اللقاء الذي استمرّ لساعتين ولم يحضره السفير السعودي وليد بخاري بداعي السفر، في محاولةٍ لشدّ أزر لبنان الرسمي في الموقف الذي سيتخذه من ورقة برّاك وتالياً تأكيد أن المهمة الأميركية هي جزء من دينامية عربية – دولية تُعلي عنوانيْ السيادة والإصلاح كمدخلٍ لعودة «بلاد الأرز» كدولة «كاملة المواصفات» إلى مصاف البلدان «المؤهَّلة» للدعم السياسي والمالي وإنهاضها من أزماتها المتناسلة.

«نصف جواب»

في موازاة ذلك، كانت الأنظار على عمل اللجنة الرئاسية الثلاثية والجواب الذي سيعطيه «حزب الله» على المسودة التي تتضمن تعديلات لبنانية على ورقة براك، وسط معلومات أوردها تلفزيون «الجديد» عن أن بري استقبل الثلاثاء موفداً من الحزب وتبلغ منه «نصف جواب» كان عبارة عن مجموعة ملاحظات، وأن ممثل رئيس البرلمان في اللجنة علي حمدان تولى نقْل هذه الملاحظات إليها وتمت مناقشتها في اجتماعِ في اليوم نفسه على أن يتبعها جواب رسمي يُبلغ الى بري.

وإذ كان لافتاً أن الحزب وبلسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أطلق موقفاً حمّال أوجه بدا معه«بين السطور»وكأنه يرفض«الإطارَ الأميركي – الاسرائيلي»الناظم لأي اتفاق حول مصير السلاح مستعيداً نغمة أن«موضوع السلاح هو من القضايا الداخلية التي نعالجها معاً في نقاش ونتّفق عليها معاً ولا علاقة للآخرين أن يتدخلوا فيها (…) ولا نقبل أن نُسلّم سلاحنا للعدو الإسرائيلي»، تحدثت تقارير عن أن لبنان لن يعمد بحال لم يسعفه الحزب في تقديم ردٍّ«مقبول»من واشنطن إلى تظهير موقف ناسف لمهمة براك بل ربما يتمايز عن الحزب، من دون أن يكون ممكناً استشراف كيفية ترجمة مثل هذا التمايز في ضوء إصرار الولايات المتحدة على جواب بصيغة تعهدات للتنفيذ وضمن مهلة زمنية تراوح بين نوفمبر وديسمبر.

ولم يقلّ دلالة أن يترافق هذا المخاض مع حدثين:

عملية اغتيال

– عودة إسرائيل إلى التسخين العسكري، الأقرب الى«غطاء ناري»ضاغط على لبنان و«حزب الله»، من خلال الغارة على سيارة على اوتوستراد خلدة ما أدى إلى سقوط ما لا يقل عن شخص وجرح 4 آخرين.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الغارة بمسيرة استهدفت«مخرب كان يعمل في مجال تهريب الأسلحة والدفع بمخططات إرهابية ضد مواطنين إسرائيليين وقوات جيش الدفاع نيابة عن فيلق القدس الإيراني»، قبل أن تشير تقارير إلى أن المستهدَف هو عضو في فيلق القدس ويُدعى قاسم الحسيني.

علماً أن هذه الغارة على تخوم بيروت ومطارها تشكّل تطوراً بالغ الخطورة وبدا بمثابة رسالة مشفّرة بما قد ينتظر لبنان في حال تفريطه بالنافذة الأخيرة التي تشكلها خريطة الطريق الأميركية وتالياً معاودة فتْح«باب الرياح الساخنة».

عقوبات أميركية

– العقوبات التي فرضتْها وزارة الخزانة الأميركية، على سبعة مسؤولين كبار وكيان واحد مرتبط بالمؤسسة المالية«القرض الحسن» الخاضعة لسيطرة «حزب الله» والتي تم تصنيفها من«OFAC عام 2007 على قائمة العقوبات الدولية».

وأوضح موقع الوزارة«أن مسؤولي مؤسسة القرض الحسن المستهدفين اليوم يعملون في أدوار حيوية في أنشطة المؤسسة الداعمة لـ«حزب الله»، وقد ارتبط بعضهم بالقرض الحسن لأكثر من عقدين من الزمن».

وتابع «سبق للعديد منهم أن امتلكوا حسابات مصرفية مشتركة في مؤسسات مالية لبنانية بالتنسيق مع منتسبين آخرين للقرض الحسن، وقاموا بعمليات مالية بملايين الدولارات تعود بالفائدة لحزب الله، لكنهم أخفوا مصالحه من خلال هذه العمليات».

ومن المستهدفين بالعقوبات، نعمة أحمد جميل، و«هو مسؤول كبير في مؤسسة القرض الحسن ورئيس قسمَي التدقيق والأعمال فيها كما يدير الخدمات المالية لحزب الله ومؤسساته التابعة» و«عيسى حسين قاصر، وهو مسؤول كبير في القرض الحسن يشرف على القسم المسؤول عن تزويد الفروع بالمعدات وإدارة الشراء واللوجستيات»، و«سامر حسن فواز وهو رئيس قسم الإدارة في القرض الحسن، ويتولى مسؤولية الإدارة والتنسيق مع شركات متنوعة تساعد المؤسسة في الشؤون اللوجستية والمشتريات»، وعماد محمد بزيّ «رئيس قسم التقييم والتخزين، مسؤول عن عمليات الذهب»، وعلي محمد كرنبي «موظف كبير يرأس قسم المشتريات»، وعلي أحمد كريشت «مدير فرع القرض الحسن في صور»، ومحمد سليمان بدير «نائب مدير فرع النبطية».

وبدا من الصعب فصل هذه العقوبات عن مَهمة برّاك التي تتضمّن في جزء منها بنداً حول الإصلاحات بما في ذلك المالية ومحاربة اقتصاد الكاش وقفل «القرض الحسن»، وهو البند الذي ترافق كشفه مع حديث عن تلويح أميركي بفرض إجراءات زاجرة بحق المتلكئين عن السير بهذه الإصلاحات.