إيران تتجه ببطء نحو… «تعتيم نووي»

إيران تتجه ببطء نحو… «تعتيم نووي»

الكاتب: ايليا ج. مغناير | المصدر: الراي الكويتية
30 حزيران 2025

وافق مجلس صيانة الدستور الإيراني، رسمياً على قرار برلماني بتعليق عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يمثل تصعيداً خطيراً في المواجهة مع الغرب في شأن البرنامج النووي. فهذا القرار يُغلق فعلياً مواقع نووية رئيسية، وقد يدفع طهران إلى ما قد يكون مرحلة جديدة تقوم على غموض نووي أو حتى «تعتيم نووي شامل».

هذا القرار ليس مجرد مناورة سياسية، بل هو إجراء يرتكز على نيات طهران تجاه التزاماتها الدولية. فبموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاقية الضمانات الشاملة، يجب على إيران السماح بعمليات تفتيش للمواد والمنشآت النووية المعلنة. ومع ذلك، لم تُصادق قط على البروتوكول الإضافي، ما يعني أنها تستطيع قانوناً منع الوكالة الذرية من الوصول إلى المواقع غير المعلنة والمواقع العسكرية والبنى التحتية الحساسة الأخرى.

هذا الفارق القانوني بالغ الأهمية. فإيران لا تنتهك اتفاقية الضمانات الشاملة الخاصة بها بتقييد الوصول بما يتجاوز ما وافقت عليه. لكن من الناحية العملية، فإن لهذه الخطوة عواقب وخيمة. فمع تراجع الرؤية، لم تعد الوكالة الذرية قادرة على التحقق من الطبيعة السلمية لأنشطة إيران. والنتيجة هي تكهنات متزايدة حول ما قد تخفيه طهران ومدى تقدم قدراتها النووية.

وأطاحت الحرب الأخيرة آخر خيط ثقة إيرانية بالولايات المتحدة. واستغل الرئيس دونالد ترامب المواجهة لتأكيد هيمنته على الساحة العالمية، رغم التشكك في نتائجها داخل دوائر الدفاع والاستخبارات الأميركية. إلا أن حملة إسرائيل امتدت إلى ما هو أبعد من المواقع النووية الإستراتيجية. فقد شملت ضربات على منشآت عسكرية تقليدية واغتيالات مستهدفة علماء إيرانيين.

فبموجب المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة، يُحظر التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي، كما توافر اتفاقيات جنيف الحماية القانونية للمدنيين، بمن فيهم العلماء.

من وجهة نظر طهران، انتهكت الولايات المتحدة التزاماتها مراراً وتكراراً، لا سيما في ظل إدارة ترامب. وترفض الآن العودة إلى أي مفاوضات ما لم تتضمن اعترافاً غير مشروط بحقها في تخصيب اليورانيوم وإزالة العقوبات على نحو كامل. لقد وقع الضرر، ولم تعد طهران ترى جدوى من الانخراط في مقترحات نابعة ما تعتبره «إرثاً من الخيانة».

بدلاً من ذلك، تستعد طهران، بصمت، لإعادة بناء منشآتها النووية وأنظمة الصواريخ وقدرات الدفاع الجوي التي انطلقت لحظة الإعلان عن وقف نار شفوي. ولا ترغب في أي مفاوضات لا تفي بشروطها وستطالب بتعويض عن الأضرار التي لحقت ببنيتها التحتية المدنية والعسكرية.

من الجدير بالذكر، أن العلماء الإيرانيين أكدوا أن بلادهم تمتلك القدرة التقنية على تخصيب اليورانيوم إلى مستويات صالحة لصنع الأسلحة من دون الاعتماد على أجهزة الطرد المركزي. وأشاروا إلى بدائل متقدمة مثل تقنيات فصل النظائر بالليزر وفصل النظائر الكهرومغناطيسي (EMIS)، بالإضافة إلى أساليب أخرى خصوصاً أنها طُوّرت على مدار أعوام من البحث المحلي.

وبينما تُشكّل أجهزة الطرد المركزي العمود الفقري للبنية التحتية المُعلنة للتخصيب، فإن هذه الادعاءات تُشير إلى أن طهران مستعدة للالتفاف على الأساليب التقليدية إذا لزم الأمر. وهذا يرسل إشارة واضحة مفادها بأنه لا يمكن بسهولة عرقلة تقدمها النووي باستهداف منشآت الطرد المركزي وحدها.

عزم طهران النووي!

أصبحت إيران أكثر تحدياً، وأكثر غموضاً، وأكثر مرونة من الناحية التكنولوجية. ولم تؤدِ الهجمات على المنشآت النووية، واغتيال العلماء، وأعمال الحرب الإلكترونية، إلا إلى إقناعها بأن الشفافية نقطة ضعف، وأن البقاء يتطلب الاكتفاء الذاتي الكامل الغامض. داخلياً، ساعدت الهجمات في تعديل رؤية المعتدلين الذين كانوا يدافعون عن التواصل مع الغرب.

وتعززت رواية المقاومة الوطنية، مدعومةً بتصور مفاده أن إيران لم تُستهدف لأي انتهاك، بل لمجرد تأكيد سيادتها.

إقليمياً، خلال أكثر لحظاتها ضعفاً – تحت القصف المباشر والتهديد الوجودي – اعتمدت إيران كلياً على قدراتها الخاصة ولم تطلب من أياً من حلفائها التدخل على عكس ما فعلته إسرائيل التي ناشدت الوليات المحدة التدخل اكثر لمساعدتها.

وهكذا، لم تفشل الولايات المتحدة وإسرائيل في عزل إيران فحسب، بل دفعتاها إلى تعاون أوثق مع شركائها الإقليميين وقوى عالمية مثل روسيا والصين. ولعلّ الأمر الأكثر دلالة هو أن مجرد طلب إسرائيل من الولايات المتحدة، وكلاهما يمتلكان الصواريخ النووية، التوسط في وقف إطلاق النار مع إيران، اعتُبر في طهران انتصاراً إستراتيجياً. وقد غيّرت هذه التطورات التوازن النفسي والإستراتيجي، مما وضع إيران في موقف أقوى من أي وقت مضى في الذاكرة الحديثة.

فالضغط العسكري لم يقضِ على الإمكانات النووية، بل جعلها أكثر ترسخاً. وهذا يمهد الطريق لنقطة تحول حاسمة تلوح في الأفق في أكتوبر 2025. ويمثل هذا الشهر موعداً نهائياً بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 2231، حيث يمكن للموقعين الأوروبيين على خطة العمل الشاملة المشتركة تفعيل «إعادة فرض» عقوبات الأمم المتحدة إذا ثبت انتهاك إيران جوهرياً.

وإذا فشلوا في التصرف، فقد تنتهي القيود المرتبطة بالبرنامج النووي، ما يضفي الشرعية فعلياً على التخصيب الإيراني المستمر.

وطهران على دراية بذلك، وما لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول منتصف عام 2025، فقد تُغلق نافذة أكتوبر من دون ضمانات دبلوماسية. وفي مثل هذا السيناريو، يمكن لإيران تصعيد برنامجها علناً بينما تفقد القوى الغربية الأدوات القانونية للتدخل، ما يدفع الصراع إلى مرحلة متقلبة وغير محددة تهيأ الظروف لمواجهة أشد خطورة وأقل قابلية للتنبوء.

يبدو الطريق إلى الأمام قاتماً في شكل متزايد. إذا استمرت إيران في تقييد عمليات التفتيش، فستصدر الوكالة الذرية تقريراً رسمياً يوضح أسباب منع الوصول، ويحدد الضمانات التي لم تعد ممكنة، ويسلط الضوء على تزايد خطر تحويل المواد النووية.

بعد ذلك، سيراجع مجلس محافظي الوكالة النتائج، وقد يصوت على إحالة القضية على مجلس الأمن بموجب المادة 12 (ج) من النظام الأساسي للوكالة. عندها، يمكن لمجلس الأمن مطالبة إيران بالامتثال، أو فرض عقوبات جديدة، أو محاولة استئناف المحادثات الدبلوماسية تحت ضغط قانوني وسياسي مكثف.

لكن ماذا سيحدث إذا رفضت إيران التراجع؟

هناك نتيجتان محتملتان، الأولى هي حالة من الغموض النووي، حيث تحد إيران من بعض عمليات التفتيش لكنها تستمر في الإعلان عن أنشطة معينة. لا تستطيع الوكالة الذرية تأكيد النية السلمية، كما لا يمكنها إثبات التسليح. هذا الغموض سيشجع الجهات الفاعلة على الاستعداد للأسوأ.

النتيجة الثانية والأكثر خطورة هي تعتيم نووي كامل. إذا أغلقت إيران كل قنوات التفتيش – بما في ذلك في المواقع المعلنة – فإن الوكالة تفقد الرؤية الآنية لمستويات تخصيب إيران ومخزونات اليورانيوم واستخدامها للمنشآت الرئيسية.

من دون بيانات، لا يمكنها تأكيد الامتثال أو عدم الامتثال. حدث هذا مرة واحدة من قبل، في فبراير 2021، عندما قيدت طهران تعاونها مع الوكالة الأممية. فقد المفتشون إمكانية الوصول إلى تسجيلات المراقبة، واضطرت الوكالة إلى الاعتماد على بيانات متأخرة وغير كاملة.

من الناحية الإستراتيجية، يمنح الغموض إيران نفوذاً. إنه يُعقّد الاستجابات الدولية ويعزز قوة طهران التفاوضية. ومع ذلك، فإنه يزيد أيضاً من خطر سوء التقدير العسكري.

قد ترى إسرائيل الأخرى ضرورة للتحرك في شكل استباقي. في غضون ذلك، قد تدفع الحكومات الغربية نحو فرض عقوبات سريعة، ما يزيد من عزلة إيران ويعمق المواجهة.

«خط رفيع»

من الناحية القانونية، تسير إيران على خط رفيع. فرفضها تنفيذ البروتوكول الإضافي يمنحها الحق في منع الوصول إلى المواقع غير المعلنة، وطلب مهلة أطول لعمليات التفتيش، وحجب معلومات البحث والتطوير، ومنع الوصول إلى إنتاج أجهزة الطرد المركزي، ورفض أخذ العينات البيئية، ومن المرجح أن يثير إدانة دولية سريعة.

بالنسبة لطهران، قد يكون هذا مخاطرة محسوبة. ففي اللحظة التي تتهم فيها الأمم المتحدة، إيران رسمياً بعدم الامتثال، قد تتبنى طهران سياسة التعتيم النووي بالكامل – ما يغلق أبوابها أمام الغرب ويستعد لمرحلة أكثر صرامة ومواجهة علنية.

لم تكن موافقة مجلس صيانة الدستور على قرار مجلس الشورى مجرد خطوة بيروقراطية، بل كانت إشارة إستراتيجية. تُوجّه إيران رسالةً مفادها بأنها لن تتسامح بعد الآن مع ما تراه تطبيقاً أحادي الجانب للمعايير الدولية. لقد بدأ السير البطيء نحو التعتيم النووي، وما لم تتغير الظروف جذرياً، فقد لا يكون هناك تراجع.