
خاص- إيران تساعد “الحزب” على استعادة قوّته
إذا توقّفت الحرب على “حزب الله” وإيران الآن، فإنّ الطرفين قادران على استعادة قوّتهما في غضون أشهر، أو على الأقلّ، يمكنهما الانطلاق في عمليّة التعافي خلال فترة قصيرة. فالنظام الإيراني ما زال صامداً، وهو قادر على استئناف عمليّات التخصيب، بما تبقّى من البنية التحتية النووية. ويكفي “حزب الله” تلقّي بعض الأموال من جديد، حتّى يستعيد تدريجاً ما خسره. وبذلك، يكون عامل الوقت لوحده كفيلاً بإعادة تعويض جزء لا بأس به من الخسائر.
فهل ستقبل إسرائيل، بعد سنتين من انطلاق الحرب على المحور الإيراني، وبعد كلّ ما استعملته من أسلحة وتكنولوجيا، وما سخّرته المعلومات الاستخبارية في خدمتها، وبعد التدخّل الأميركي بقصف المنشآت النووية بالقنابل الخارقة، أن يعود الوضع إلى ما كان عليه خلال سنة أو سنتين أو ثلاث؟
الجواب البديهي سيكون بالطبع: لا. ولمنع ذلك، هناك عدّة خيارات، تعمل عليها الحكومة الإسرائيلية بالتعاون مع الإدارة الأميركية الحالية. وكلّ هذه الخيارات ستكون موضع بحث في اللقاء المفصلي اليوم في البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
الخيار الأوّل يطرحه الرئيس ترامب كخيار مرحلي، وهو التوصّل إلى حلّ مع إيران عن طريق التفاوض. وهو يعتقد أنّ ثمّة مجالاً للحصول على تنازلات من طهران بعد الضربة الأخيرة التي تلقّتها. ولكن نتنياهو لا يؤيّد هذا المسار، على اعتبار أنّ إيران تريد كسب الوقت لا أكثر ولا أقلّ، من أجل استعادة أنفاسها. وهو يعتبر أنّ طهران ستبقى خطراً استراتيجياً على بلاده، ما دام النظام فيها قائماً.
أمّا الخيار الثاني، فهو محاولة منع إيران من التقاط الأنفاس والتعافي، بحيث تسمح إسرائيل لنفسها، بموافقة أميركية، بضرب مواقع داخل إيران، عندما تستشعر أنّ هناك أعمالاً قائمة لاستئناف البرنامج النووي، أو لاستعادة كامل القدرة الدفاعية الجوية التي دُمّرت. كما تقوم إسرائيل، مثلما تفعل اليوم، بشنّ غارات وعمليّات يومية ضدّ أهداف تابعة لـ “الحزب” داخل لبنان، أو حتّى داخل سوريا، حيث تنفّذ عمليّات توغّل وتدمّر أهدافاً محدّدة، كما أنّها ستستمرّ في توجيه ضربات إلى الحوثيين في اليمن.
ولكن هذا الخيار، ليس واقعيّاً بالنسبة إلى إسرائيل. فهو يدخِلها في حرب طويلة، وإن كانت بوتيرة منخفضة نسبيّاً. كما يجعلها عرضة للصواريخ الإيرانية، ويستنزف قدرتها على اعتراض الهجمات. والأهمّ من ذلك، أنّ عامل الوقت في هذه الحالة سيكون لصالح المحور الإيراني، وليس العكس. إذ يمكن للجمهورية الأسلامية أن تصبر وتتحمّل، حتّى تتغيّر الظروف الإقليمية و الدولية، طالما أنّ النظام قائم، ويمسك بالبلاد بحزم.
ويبقى الخيار الثالث، وهو استئناف الحرب على إيران ولبنان. وهذه الحرب ستكون أكثر تدميراً واتّساعاً، وسيدفع نتنياهو الرئيس ترمب إلى التورّط فيها في شكل من الأشكال. وفي أيّ حال، لم يستبعد الرئيس الأميركي خيار الحرب، إذا لم تؤدّ السبل الدبلوماسية إلى النتيجة المتوخّاة.
وسيحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي إقناع ترامب باستئناف الحرب، أو على الأقلّ بإعطائه الضوء الأخضر لاستئنافها بنفسه، مع بقاء الدعم الأميركي متوافراً عند الحاجة. وسيقدّم نتنياهو للرئيس الأميركي ما أمكنه من الحجج من أجل ذلك.
فالضربة الأميركية لم تقضِ تماماً على البرنامج النووي الإيراني، حيث تقول تقارير استخباراتية عدّة إنّ العمليّة كانت ناجحة، لكنّها لم تحقّق الأهداف الاستراتيجية. وإذا كان الرئيس ترامب يتبجّح بالنجاح التامّ، فالهدف هو دفع إيران إلى تقديم تنازلات في أيّ مفاوضات محتملة. ولا أحد يعرف بالتحديد ما إذا كانت إيران قد نقلت جزءاً من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% إلى مكان آمن. كما أنّ شبكات الاستخبارات الإسرائيلية داخل إيران باتت مكشوفة، بعدما نفّذت عمليّاتها الأخيرة. ومن الصعب بناء شبكات أخرى بهذه السهولة، خصوصاً أنّ النظام يشدّد قبضته على المعارضين ويلاحق العملاء.
كما أنّ إيران، ستكون بعد الضربة، كما يعتقد محلّلون، أكثر جرأة وأقلّ التزاماً بالمعايير السابقة. فالحاجز النفسي قد كُسر. وهي ستكون مستعدّة لتسريع برنامجها الصاروخي وإعادة إطلاق برنامجها النووي. كما أنّها تعمل على مساعدة “حزب الله” على التعافي من جديد خلال السنوات المقبلة. وستواصل دعم الحوثيين وإعادة بناء شبكتها الإقليمية بطرق مختلفة.
ويأتي في هذا الإطار موقف “حزب الله” التصعيدي الرافض لنزع السلاح في المطلق، رداً على الورقة الأميركية. وقد كان الموفد الأميركي توم برّاك واضحاً بعد لقائه الرئيس جوزف عون، على رغم الأسلوب الدبلوماسي، بأنّ لبنان سيُترك لمصيره، ما لم يقرّر اللبنانيون بأنفسهم الإفادة من الفرصة السانحة الآن فقط.
وتركُ لبنان لمصيره يعني حريّة الحركة أمام إسرائيل لمواصلة الغارات، والعودة إلى الحرب التدميرية الواسعة، وغرق لبنان أكثر فأكثر في أزماته وتفكّكه واهترائه، من دون أن يمدّ أحد يد المساعدة إليه.