
حرب الـ 12 يوماً غيّرت إيران: 4 تداعيات رئيسية
مرجحٌ أن تقوم الجمهورية الإسلامية بعد الحرب بعملية تطهير واسعة في أنظمتها الأمنية والاستخباراتية، وبإعادة النظر في هيكلية المنظمات ذات الصلة وأدائها.
يبدو أن الحرب بين إيران وإسرائيل لم تنته بشكل تام بعد، بل توقفت موقتاً. ولا يمكن الحديث عن هدنة دائمة. وما دامت إيران تطالب، حتى بالشعارات، بتدمير إسرائيل، وتعتبرها التهديد الوجودي الأكبر لها في العالم، فإن جذوة الحرب بينهما تبقى مشتعلة تحت الرماد، جاهزة للاشتعال عند أدنى توتر. ومع ذلك، يمكن تصنيف التداعيات الرئيسية لهذه الحرب في إيران على النحو الآتي:
1- مفاجأة الحرب
كانت هذه الحرب مفاجأة كاملة لإيران. لم يتخيّل أحد هنا أن إسرائيل ستجرؤ على شنّ هجوم واسع كهذا، وأن تتحرك بهذا الحجم في الأجواء الإيرانية. خلال الأيام الأولى من الحرب، لم يكن الأداء الدفاعي الجوي الإيراني فعّالاً بشكل كافٍ، ما مكّن الجيش الإسرائيلي من إصابة العديد من أهدافه. كان تحليق الطائرات الإسرائيلية في الأجواء الإيرانية تهديداً كبيراً، حتى إن هناك تقارير تفيد بنقل آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، إلى مكان آمن، مع تقليص اتصالاته إلى الحد الأدنى لحمايته. وحتى بعد الهجوم الأميركي على المنشآت النووية في أصفهان وفوردو ونطنز، لم يصدر القائد بياناً كما توقع الإيرانيون، وذلك لأسباب أمنية. ويبدو أن الجمهورية الإسلامية ستعمل في الأيام المقبلة على إعادة بناء وتطوير نظام دفاعها الجوي بشكل جديّ، حيث يخشى العديد من الخبراء الإيرانيين من أن اختراق إسرائيل للأجواء الإيرانية قد يتيح لها فرصة شنّ هجمات أخرى، ما يترك المجال الجويّ الإيراني عرضة للخطر.
2- اغتيال القادة العسكريين
لم يكن اغتيال كبار القادة العسكريين في الليلة الأولى من الهجوم الإسرائيلي ممكناً من دون تعاون شبكة واسعة من الجواسيس في داخل إيران. وهناك تقارير تشير إلى أن العديد من الطائرات المسيّرة الانفجارية أُطلقت من داخل البلاد. هذا الافتراض دفع الأجهزة الأمنية والشرطة في إيران إلى التحرك بعد أيام من بدء الحرب، فأقامت نقاط تفتيش واسعة النطاق، واستخدمت تقارير المواطنين والمعلومات الاستخباراتية لاعتقال العديد من الأفراد بتهمة لتعاون مع “النظام الصهيوني”، وصادرت معدات كثيرة منهم. استهداف قادة عسكريين واستخباراتيين، مثل قائد استخبارات الحرس الثوري في شمالي طهران، يشير إلى وجود شبكة اختراق واسعة تقدم معلومات إلى الموساد. لذلك، من المرجّح أن تقوم الجمهورية الإسلامية بعد الحرب بعملية تطهير واسعة في أنظمتها الأمنية والاستخباراتية، وبإعادة النظر في هيكلية المنظمات ذات الصلة وأدائها.
3- الوحدة الوطنية
خلال حرب الـ12 يوماً، كانت الوحدة الوطنية قوية، حيث شكّلت مفاهيم الوطن والهوية الإيرانية القوة الدافعة لتضامن الإيرانيين داخل البلاد وخارجها، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية (مسلمون، أرمن، يهود، زرداشتيون). في هذه الفترة، وضع الكثيرون، بمن فيهم منتقدو النظام وحتى المعارضون له، خلافاتهم مع الحكومة جانباً موقتاً، ودعموا تحركات القوات المسلحة للدفاع عن الوحدة الإقليمية لإيران. بُثت أغاني محمد رضا شجريان، أبرز فنان إيراني منتقد للجمهورية الإسلامية، ذات الطابع القومي، مرات عديدة عبر التلفزيون الحكومي لإثارة مشاعر حب الوطن.
على الرغم من القيود الكبيرة على الإنترنت وعلى الرغم من أن التلفزيون الحكومي كان يعكس وجهة نظر فئة صغيرة من المجتمع ويستضيف خبراء ينتمون إلى تيار سياسي متطرف، فإن إيرانيين كثراً عبّروا عن غضبهم واحتجاجهم من الاعتداء على إيران بكل الوسائل الممكنة، بوضع خريطة إيران وعلمها كصورة لحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي, ويتوقع أن تتجلى هذه الوحدة والتضحية الوطنية بعد الحرب على شكل مطالبات شعبية من الحكومة، مثل رفع القيود على المشاركة السياسية، وإزالة بعض القيود الاجتماعية مثل الحجاب، وإصلاح السياسات السياسية والدولية الكبرى لتحسين علاقات إيران بالدول الأخرى، ما يقلل من احتمال اندلاع حرب أخرى، ويعزز الرفاهية للشعب.
4- دور المعارضة الإيرانية
برز خلال الحرب تحرك رضا بهلوي، نجل آخر شاه لإيران وأبرز معارضي الجمهورية الإسلامية. في خطوة مفاجئة، اعتبر الهجمات فرصة لتغيير النظام السياسي في إيران، داعياً الشعب إلى الخروج إلى الشوارع والانتفاض ضد الجمهورية الإسلامية. لكن هذا الموقف لم يلقَ ترحيباً شعبياً، بل أثار ردات فعل عنيفة ضده، أبرزها بيان الدكتور عبد الكريم سروش، أحد أهم المفكرين الإيرانيين، والمقيم في الولايات المتحدة، والمنتقد الشرس للجمهورية الإسلامية.
وخاطب سروش بعض أنصاره قائلاً: “إذا تخلّيتم عن حكّام الجمهورية الإسلامية، فهذا لا يعني أنكم تخليتم عن إيران، فاختاروا قائداً يمتلك الحياء والشرف والعقل والشجاعة”. وهذا يُظهر أن الجمهورية الإسلامية لا تزال تفتقر إلى معارضة خارجية منظّمة وقوية، وأن أيّ تغيير أو إصلاح في سياسات البلاد يجب أن يأتي من داخل الهياكل الحالية، بطريقة سلمية ومنخفضة التكلفة، مدعومة بتأييد شعبي أوسع.
عموماً، لا يعني الحديث عن الإصلاحات في إيران إصلاحات حزبية تقتصر على الأحزاب الإصلاحية الرسمية التي سيطرت في فترات معينة على الحكومة أو البرلمان، بل إصلاحات اجتماعية تتجلى في مطالب الطبقة الوسطى، وتعبر عنها كتابات المفكرين والصحافيين والفنانين وأساتذة الجامعات. يبدو أن على الجمهورية الإسلامية، بعد الحرب، أن تعمل أكثر من أي وقت مضى على إصلاح علاقتها بالطبقة الوسطى، وزيادة مشاركتها في جميع الشؤون، لاستعادة شرعيتها التي تضررت في السنوات الأخيرة، والاقتراب من الحكم الرشيد بالاعتماد على القوة الاجتماعية لهذه الطبقة.