الحرائق المتكررة تخنق طرابلس والرادع غائب

الحرائق المتكررة تخنق طرابلس والرادع غائب

الكاتب: مايز عبيد | المصدر: نداء الوطن
12 تموز 2025

تعيش مدينة طرابلس هذه الأيام على وقع حرائق متكررة ومتعمّدة للإطارات، في مشهدٍ يجعل المدينة مجددًا ترزح تحت وطأة أزمة بيئية وصحية كبيرة، تتمثّل بانبعاث روائح كريهة، وسُحب دخان سوداء، تخنق السكان، وتثير موجات من الغضب والانزعاج، في ظل غياب أي رادع أو تحرك فعلي من الجهات الرسمية المعنية.

وتتكرّر بشكل عشوائي مشاهد إحراق الإطارات في أماكن مختلفة من المدينة، بعضها في غير أراضي”البور” المعتادة سابقًا لهذه الأعمال، لا سيما في محلة السقي، بالقرب من أوتوستراد (طرابلس- بيروت)، في مشهدٍ ظنّ أبناء المدينة أنه انتهى إلى غير رجعة بعد موجة التوقيفات التي طالت بعض مفتعلي الحرائق، وأصحاب أراضي “البور” والقيمين عليها قبل أشهر، وإقفال بعض “بؤر” الخردة التي كانت تستخدم لمثل هذه الحرائق.

وفيما علمت “نداء الوطن” بأن وزارة الداخلية بصدد إعداد قانون خاص، من أجل الترخيص لبؤر بيع الخردة والحديد التي تستوفي الشروط لتعمل بالقانون، وبشرط التعهّد بعدم الحرق، ينشط آخرون بحسب المعلومات، لا سيما أشخاص ممن كانوا يؤمّنون الإطارات والأسلاك الكهربائية لأصحاب هذه “البور”، فيقومون هم بأنفسهم بالحرق في أماكن مختلفة، من أجل بيع الأسلاك لاحقًا، سواء لأصحاب هذه “البور” أو غيرهم، وهو ما يشير إلى أنّ هذا الفعل تحوّل إلى “نشاط تجاري” يقوم به بعض الأشخاص لجمع النحاس والحديد الموجود داخل الإطارات، ثم بيعها، منتهكين حرمة المدينة وسماءها وأجواءها، وضاربين بعرض الحائط حياة الناس وصحتهم وسلامتهم.

اللافت في الأمر، أن سُحب الدخان التي تنتج عن هذه الحرائق والتي تظلل سماء طرابلس وجوارها لساعات، لم تحرّك القوى الأمنية ولم تدفع القيادات الأمنية في طرابلس، لتنظر أقله من زجاج مكاتبها وترى ما يحدث.

في ساعات الصباح الأولى أو مع ساعات المساء، لا فرق لدى من يحرق في التوقيت. روائح الحريق تنبعث فجأة لتخترق أنوف السكان، وتخنق المرضى والمسنين.

مخاطر صحية وبيئية

يؤكّد الدكتور جلال حلواني لـ “نداء الوطن”، أنّ في دول العالم هناك حل علمي مدروس، للتخلّص من هذه الإطارات التي تعتبر من النفايات الكيميائية الخطرة، وهو بإعادة تدويرها والاستفادة من المواد التي بداخلها، من دون التسبب بكل هذه المشاكل. ويشدد على أن الحرق العشوائي كما يحصل، ينتج عنه انبعاث مواد كيميائية سامّة، بالإضافة إلى الجسيمات الدقيقة بمجموعات كبيرة، وهذه تتغلغل داخل الرئة، وتؤدي إلى مشاكل تنفّسية وصدرية، وبعض الغازات يؤدي إلى أمراض سرطانية. ويلفت حلواني إلى أن الفئات الأكثر عرضة للأمراض، هي الأطفال والرّضع، وكبار السن، والنساء الحوامل.

يشار إلى أنّ الدخان المتصاعد على أوتوستراد طرابلس- بيروت، قد يتسبّب أيضًا بحوادث خطرة، لأنه يحجب الرؤية لدى مرور السيارات على متن الخط السريع.

طرابلس اليوم لا تطالب بمعجزة، بل بتحرّك فعلي. بتطبيق قانون، لا مجرد إعداده. بمحاسبة لا بمسايرة. بقرار يعيد للمدينة كرامتها وهواءها، ويوقف هذا العبث المنظّم بحياتها وناسها. فهل تُطفأ النار هذه المرة بحلول حقيقية، أم يُترَك الحريق يتمادى؟