
هل يُدخل سلاح الحزب لبنان في أيلول آخر؟
عكس الرفض الإسرائيلي للمقترح الأميركي الفرنسي لوقف مؤقت لإطلاق النار مع حزب الله في أيلول 2024، الإجماع الإسرائيلي على حرب لبنان الثالثة، وهو الإجماع الذي تبنّاه يومها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من خلال قرار المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية «الكابينت»، بتحديث أهداف الحرب وإدراج النازحين الإسرائيليين إلى البلدات الحدودية مع لبنان.
«حرب لبنان الثالثة»، كما أطلق عليها الإسرائيلي، والتي بدأها في 27 أيلول الماضي مع تنفيذ عملية الاغتيال للأمين العام السيد حسن نصرالله، كانت نتيجة الرفض الإسرائيلي للمقترحات الدولية التي قدّمت له لتهدئة الجبهة الشمالية. حيث كان حزب الله هو من افتتحها بعدما قرّر بالدخول في جبهة إسنادية لحركة حماس في قطاع غزة على اعتبار أنّه يريد ضبط قواعد اللعبة التي تفلتت منها إسرائيل وكانت الحرب الكبرى.
اليوم المشهدية مختلفة، إذ بعد مرور أشهر على توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني على أساس تطبيق القرار رقم 1701 بكافة بنوده، والتزام الحزب ببنوده وانتشار الجيش في مختلف المناطق الجنوبية. لم تزل الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على لبنان تحت ذريعة ضرب مواقع ومخازن واغتيال شخصيات تابعة لحزب الله، رغم رفع الدبلوماسية اللبنانية الصوت عالياً مندّدة بهذه الاعتداءات داعية الدول المعنية التدخّل لوقفها وللمطالبة بانسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة في لبنان.
يعيش لبنان الرسمي والشعبي حالة من عدم الاستقرار المتعلّقة بموضوع «تسليم حزب الله لسلاحه»، وحصره في يدّ الدولة اللبنانية. هذا ما جلب حركة دبلوماسية نشطة من قبل الدول المعنية من أجل الهدف نفسه، وهذا ما شكّل جبهّ معارضة داخلية يترأسها رئيسي الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام، في المطالبة بحصرية السلاح في يد الدولة اللبنانية بدعم مطلق من قبل كتل نيابية على رأسها كتلة التيار الوطني الحرّ التي تعتبر الحليف التاريخي لحزب الله.
أمام حركة الجهود الدبلوماسية وعلى وقع الاعتداءات وكان آخرها قيام وحدات من جيش العدو صباح الجمعة 4 تموز الجاري بالدخول الى بلدة كفركلا الجنوبية والاقدام على تفجيج وتفجير 3 منازل تعود إلى مواطنين لبنانيين. يتمسّك حزب الله في سلاحه على اعتبار أنّه يجب فيه وظيفة للدفاع عن لبنان، بعدما فَقدَ وظيفته الإقليمية كخط الدفاع الأول عن إيران ومصالحها ونفوذها في المنطقة. تطرح الإشكالية هل لبنان أمام أيلول أسود جديد سيشهد على حرب تدميرية جديدة؟ أمّ إن المشاهد اليومية التي تحمل المزيد من التشنجات حول هذا الموضوع سيدخل البلاد في حرب أهلية؟
حدّثت إسرائيل من أهدافها داخل لبنان، وعلى ما يبدو لم يعد من أولوياتها إعادة مستوطنيها إلى المناطق في شمال فلسطين المحتلة، بل أدرجتها من ضمن المشروع الأميركي الأوسع للمنطقة. وإن اهداف إدارة ترامب على تحقيق المشروع الابراهيمي وتوسيعي دائرة الموقّعين عليه. لهذا لم يعد قرار المبادرة في الحرب وإشراك واشنطن فيها متاحاً، بل الأمر أصبح في عهد الرئيس الأميركي، وإن الزيارات المكوكية التي يجريها نتنياهو إلى البيت الأبيض للقاء ترامب ليس بهدف التشاور في شؤون المنطقة، بقدر ما تتعلّق بما يجب على إسرائيل القيام به.
سيزور نتنياهو البيت الأبيض مطلع الأسبوع المقبل، حيث إن التوقعات ذاهبة نحو إلزام الرجل بقبول صفقة وقف إطلاق النار في غزة على اعتبار أن لا أهداف جديدة يجب تحقيقها، وإن الرؤية الأميركية لم تعد تناسبها احتلال القطاع ولا تهجير سكانه. رجّح الرئيس ترامب، الجمعة 4 تموز، ردّ حماس على مقترح الهدنة في غزة. ونقلت وكالة «رويتزر» عن ترامب إنه يريد «الأمان» لسكان قطاع غزة على اعتبار أنه «أريد الأمان للناس في غزة، هذا هو الأهم».
الأكيد أنّ هذا ليس هو الأهم بالنسبة إلى ترامب، وإلّا كان باستطاعته «لجم» نتنياهو عن ارتكابه المزيد من الجرائم، فالأهم لديه هو إدارة الصراع في المنطقة بشكل عام على قاعدة تعبيد الطريق أمام تسويات طويلة الأمد. وإن هذه التسويات التي تأتي تحت مسمّى «الاتفاق الإبراهيمي» يستند إلى فرض التطبيع أو الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل على اعتبار إزالة كافة أشكال التهديدات التي كانت تتمثل في مدّ النفوذ الإيراني في المنطقة.
تحتاج الولايات المتحدة إلى تهدئة الجبهات على قاعدة فرض التسويات تحديداً على الجبهة الجنوبية في لبنان، من خلال إبعاد خطر سلاح الحزب وصواريخه. لهذا بدّلت إدارة ترامب في «اللهجة» الدبلوماسية وتعاطيها في شأن سحب السلاح وحصره بالدولة ومؤسساتها. لهذا استبدلت الموفد مورغان أورتاغوس صاحبة اللهجة التهديدية، بالموفد توماس باراك من الأصول اللبنانية، والذي يسير على نفس التوجه العام للإدارة الأميركية إلّا أنّه يستخدم اللغة الألطف دبلوماسياً في المطالبة بضرورة سحب السلاح، وهذا ما أشغل الساحة اللبنانية بكل أطيافها للردّ على مقترحاته في زيارته المرتقبة القادمة.
سحب السلاح، ليس مطلباً أميركياً، بل يعتبر حاجة للسير بالبلاد قدماً نحو الازدهار وإعادة الإعمار، بعدما شهد عهد جوزاف عون انفتاحاً خليجياً مشروطاً بتقليص نفوذ الحزب في الدولة اللبنانية وتحويله إلى حزب سياسي. لقد لاحظت القوى السياسية انخفاض مستوى التواصل السعودي مع الداخل اللبناني، سواء عبر القنوات الدبلوماسية أو السياسية، في وقت كان ينتظر فيه تعزيز الانخراط السعودي لدعم المرحلة الجديدة.
لقد فَقدَ السلاح وظيفته، وما بات اللبناني يشاهد من مظاهر مسلحة في بيروت ضمن ممارسة الشعائر الدينية، بدأ يطرح عن البعض أسئلة حول الرسائل التي يريد توجيهها الحزب، هل هي للداخل اللبناني لارباك الساحة عبر التهديد بـ6 أيار جديدة بعد التي افتعلها عام 2008؟ أم إنها رسالة إلى الموفد الأميركي قبل مجيئه في دلالة على ان موضوع سحب السلاح غير قابل للتفاوض ولا نقاش عليه، طالما لم تنسحب إسرائيل من لبنان ولم تلتزم ببنود القرار رقم 1701؟