ثلاثة وأربعون عامًا على الحرس الثوري في لبنان لغز الإيرانيين الأربعة واغتيال إيلي حبيقة (2من2)

ثلاثة وأربعون عامًا على الحرس الثوري في لبنان لغز الإيرانيين الأربعة واغتيال إيلي حبيقة (2من2)

الكاتب: نجم الهاشم | المصدر: نداء الوطن
12 تموز 2025

في 24 كانون الثاني 2002 اغتيل إيلي حبيقة رئيس جهاز الأمن السابق في “القوات اللبنانية” عندما خُطف الإيرانيون الأربعة عام 1982. قيل مباشرة إن إسرائيل اغتالته لأنّه كان يريد أن يشهد في قضية مجزرة صبرا وشاتيلا المرفوعة وقتها في بلجيكا ضد رئيس وزرائها أرييل شارون الذي قاد اجتياح لبنان عام 1982 وكان وزيرًا للدفاع. ولكن الاغتيال جاء أيضًا بعد كشف مرافق حبيقة، كوبرا، في كتاب نشره في باريس عام 2000 أن الإيرانيين الأربعة قتلوا.

على مدى 43 عامًا، ظلّت إيران تنفي مقتل رعاياها الأربعة وتصرّ على أنّهم محتجزون في إسرائيل. ولكن على مدى تلك الأعوام لم تعترف إسرائيل بأنّهم عندها، وبعدما حصلت أكثر من عملية تبادل للأسرى بينها وبين “حزب الله”، لم يتمّ وضع هؤلاء على لوائح التفاوض. وبقيت إيران تعتبر أنّ إسرائيل ترفض الاعتراف بوجودهم عندها، لأنّها تربط ملفّهم بملفّ اختفاء طيّارها رون أراد الذي كانت احتجزته حركة “أمل” بعد سقوط طائرته خلال غارات في الجنوب، ثم تسلّمه “حزب الله” بعد انشقاق مسؤول أمن “الحركة” مصطفى الديراني والتحاقه به. وعلى رغم أنّ إسرائيل خطفت الديراني من بلدته قصرنبا في البقاع، إلا أنّها لم تستطع أن تحلّ لغز طيارها المفقود، وعادت وأطلقت الديراني في صفقة تبادل مع “الحزب”.

معلومات رسمية

في المعلومات الرسمية عن هذه القضية يبقى المرجع تقرير لقوى الأمن الداخلي اللبناني بتاريخ الحادث ورد فيه أن “مسلّحين حزبيين أوقفوا على حاجز البربارة المستشار الأول في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد محسن الموسوي، الذي كان عائدًا من البقاع إلى بيروت، مع ثلاثة من موظفي السفارة، ترافقه قوّة من جهاز أمن السفارات. المسلّحون أطلقوا القوة المواكبة، واحتفظوا بالدبلوماسيين الأربعة، ونقلوهم إلى أحد المراكز الحزبية. والدبلوماسيون هم، إضافة إلى الموسوي، الملحق العسكري أحمد متوسّليان، والمصوّر والمراسل الحربي كاظم إخوان، والسائق تقي رستكار”. بين هذا التوصيف المعطى من قوى الأمن الداخلي وبين حقيقة مهمّات الأربعة، تبقى فوارق كثيرة من خلالها يمكن فهم طبيعة الموقف الإيراني المتابع لقضيتهم.

الغموض والإنكار

في واقع التوصيف والإشكالات المرافقة لهذه القضية، كانت “القوات” بقيادة بشير الجميل، وحاجز البربارة كان تابعًا لقطاع الشمال بقيادة سمير جعجع، ولذلك أرادت إيران مع “حزب الله” إلصاق تهمة الخطف به مع طرح علامات استفهام حول مصير الأربعة. ولكن بحسب المعلومات، تمّ نقل الأربعة إلى جهاز الأمن الذي كان برئاسة إيلي حبيقة، ولم يكن بعد ذلك أي تدخّل لسمير جعجع في هذه القضية. ومع أن وفدًا من أهالي الأربعة قابل جعجع بعد انتهاء الحرب، وعلى رغم أنّه نفى أي علاقة له بهذه القضية، إلّا أنّ إيران رفضت أن تقرّ بهذا الأمر.

في تلك المرحلة كان إيلي حبيقة قد خرج من المناطق الشرقية بعد إسقاط “الإتفاق الثلاثي” في 15 كانون الثاني 1986، وانتقل إلى التحالف مع سوريا، ولم يُفتح هذا الملفّ معه ولم يكن باستطاعة “حزب الله” وإيران تجاوز الموقف السوري. حتى أن حبيقة صار نائبًا ووزيرًا بعد العام 1991 وكان على “حزب الله” أن يتحالف معه في انتخابات العام 1996 في قضاء بعبدا. كان “الحزب” وإيران يغطّيان على مسألة تمسّكهم برواية بقائهم على قيد الحياة من خلال الإدعاء أنّ جعجع بعد تسلّمه قيادة “القوات”، كان الأربعة لا يزالون في سجن جهاز الأمن، وأنّه تسلّمهم منه ثم سلّمهم إلى إسرائيل قبل انتهاء الحرب. وهي رواية لا يوجد أي دليل عليها، خصوصًا أنّ جعجع قام بإطلاق كلّ الذين كانوا معتقلين في جهاز الأمن وقتها لإنهاء هذه الملفّات التي كانت تلصق بـ”القوات اللبنانية”.

كتاب “كوبرا”

ولكن في العام 2000 حصل ما لم يكن متوقعًا، وعاد ملف الإيرانيين الأربعة إلى الضوء. في ذلك العام نشر روبير حاتم، مرافق حبيقة، في باريس كتابًا تحت عنوان: “في ظل إيلي حبيقة من إسرائيل إلى دمشق”، يروي فيه محطات من سيرة حبيقة، ويكشف معلومات عن عدد من القضايا التي كانت تلفّها الألغاز في الحرب، وتحدّث عن قضيتين أساسيتين تتعلّقان بملفّين مفتوحين هما ملفّ مجزرة صبرا وشاتيلا، وملف الإيرانيين الأربعة. فحمّل حبيقة مسؤولية المجزرة، وقال إن الأربعة قُتلوا بعد توقيفهم في جهاز الأمن، ودُفنوا في منطقة الكرنتينا، وأن جثثهم أُحرقت بالكلس، ثم نُقل ما تبقّى منها وألقي في “وادي الجماجم” الواقع جغرافيابين بتغرين وبسكنتا، وفي المناطق الوعرة في ضهور عشقوت في كسروان.

لا شك في أن إيران و”حزب الله” حاولا التأكد من هذه المعلومات الصادرة عن شخص يُعتبر أنه كان يعرف. ولكن أيضاً لم يحصل أي إقرار إيراني بهذا الأمر.

اغتيال حبيقة واتهام إسرائيل

في 24 كانون الثاني 2002 اغتيل إيلي حبيقة في الحازمية مع ثلاثة من مرافقيه بانفجار سيارة مفخخة استهدفت موكبه بالقرب من منزله في أول حادث أمني بهذا الحجم منذ انتهاء الحرب اللبنانية أواخر العام 1990. وتوجّهت الاتهامات اللبنانية فور وقوع الحادث، الذي دلّت وقائعه على احتراف شديد في التخطيط والتنفيذ، إلى إسرائيل التي اتّهمها رئيس الجمهورية وقتها إميل لحود صراحة بالسعي لمنع حبيقة من الادلاء بإفادته أمام المحكمة البلجيكية التي تنظر في اتهام رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون بالضلوع في مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982. لكن بياناً مجهول المصدر، أُرسلت نسخة منه إلى مكاتب جريدة “الشرق الأوسط” في بيروت، تبنّى تنفيذ “حكم الإعدام بحقّ العميل السوري إيلي حبيقة”. وحمَل البيان على سوريا والدولة اللبنانية موجِّهاً تهديدات للوجود السوري في لبنان. ويظهر كأن هذا البيان كان للتضليل وإبعاد الشبهات عن المنفّذين الحقيقيين.

وفي تفاصيل الحادث أن عبوة ناسفة، قدّر الخبراء زنتها بعشرين كيلوغرامًا من المواد الشديدة الانفجار، انفجرت لدى مرور سيارة حبيقة، وهي من طراز “رانج روفر”. ورجحت مصادر أمنية أن يكون التفجير حصل بواسطة جهاز تحكّم عن بعد. وما زاد في قوة الانفجار وجود قوارير أوكسيجين في سيارة حبيقة يستعملها لممارسة رياضة الغطس حيث كان في طريقه لممارسة هذه الهواية.

وأشارت المعلومات إلى أنّ العبوة كانت موضوعة في سيارة من طراز مرسيدس أُوقِفت على مسافة نحو 150 مترًا من منزل حبيقة في محلة الحازمية. وقد أزيلت الأرقام المتسلسلة عن محرّكها وهيكلها. وكان من اللافت أنّ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية وقتها القاضي نصري لحود، الذي كشف على موقع الجريمة، اتهم فورًا ومباشرة اسرائيل بالوقوف وراءها، من دون أن يكون أجري أي تحقيق بعد. بعد ثلاثة أعوام أحيلت القضية إلى المجلس العدلي، وكانت بدأت عمليات الاغتيال التي استهدفت الرئيس رفيق الحريري وعدداً من قيادات 14 آذار. وكان لافتاً أنّ طريقة اغتيال حبيقة كانت تشبه بعض هذه الاغتيالات، كمحاولتي اغتيال الوزيرين مروان حماده والياس المر، واغتيال النواب جبران تويني ووليد عيدو وأنطوان غانم، ثم اغتيال الرائد وسام عيد، واللواء وسام الحسن والوزير محمد شطح.

التحقيق الضائع

على رغم مرور أكثر من 21 عاماً على اغتيال حبيقة واتهام إسرائيل بالعملية والادعاء أنّها نفّذتها لمنعه من الإدلاء بشهادته أمام المحاكم البلجيكية في قضية صبرا وشاتيلا، لم تتوفّر أي معلومات تؤكّد هذه التهمة. ولم تعرف بعد ذلك أهمية الإفادة التي كان سيدلي بها حبيقة أمامها. بعد اغتياله مباشرة تمّ تنظيف مسرح العملية ودخل الملفّ طيّ النسيان كغيره من الملفّات. بعد الاعتراف الإيراني بمقتل الأربعة، قبل أن يتم نفيه لتدارك مفاعيل الاعتراف، هل يمكن أن يُعاد النظر في قضية اغتيال حبيقة وربطها بهذه القضية خصوصاً أنّ طريقة التعاطي معه اختلفت بعد كتاب كوبرا فسقط في انتخابات العام 2000 عندما رفض “حزب الله” أن يكون معه على لائحة واحدة حتى في الصورة، واستُبعد من الحكومة التي تشكلت بعدها؟