القوات عن جلسة الثلاثاء النيابية: مأزق الدولة وذريعة المافيا

القوات عن جلسة الثلاثاء النيابية: مأزق الدولة وذريعة المافيا

الكاتب: ندى أندراوس | المصدر: المدن
14 تموز 2025

منذ تشكيل حكومة الرئيس نواف سلام، لم تكن العلاقة بين القوات اللبنانية ورئيس الجمهورية جوزاف عون على وتيرة واحدة. فقد تميّز هذا المسار منذ البداية بالتقاطع الظرفي في بعض المحطات، وبالاعتراض العميق في ملفات أخرى، أبرزها مقاربة الرئيس لملف السلاح غير الشرعي، وتحديداً سلاح حزب الله، الذي تعتبره القوات جوهر الأزمة اللبنانية السياسية والدستورية.

التباين حول السلاح
تجلّى هذا التباين بشكل حاد مع بروز مقاربة رئيس الجمهورية التي اعتمدت، بحسب مصادر القوات لـ”المدن”، منطق “التدرج الواقعي”، عبر ربط مسألة السلاح بخطوات بناء الثقة والحوارات المتعددة الأطراف، بدل الذهاب إلى حسم واضح لمطلب حصرية السلاح بيد الدولة. وهنا تحديداً، إصطدمت الرؤية الرئاسية بمنهجية القوات التي تعتبر أن أي تساهل في هذا الملف يعيد إنتاج مآسي الدولة العاجزة، ويفتح الباب أمام إستنساخ نموذج التسويات الهشة التي أخرجت لبنان من الوصاية السورية وأعادته إلى وصايات مضاعفة من أبواب أخرى.
وتوضح مصادر معراب أن الإشكالية لا تكمن فقط في منهجية التدرّج التي يتبعها رئيس الجمهورية، بل في ما تعتبره غيابًا للجدّية المطلوبة في تحديد موقف واضح من مكمن الخطر البنيوي في البلاد، وهو السلاح غير الشرعي. وتضيف: “إذا بقيت الدولة تتعاطى مع هذا الملف كمسألة إدارية أو تفاوضية، فهي تكرّس دورها كسلطة ملحقة، لا كمرجعية سيادية فعلية.”

جلسة في لحظة دقيقة
في هذا السياق، تكتسب جلسة مجلس النواب الثلثاء طابعًا استثنائيًا، كونها تشكّل مناسبة للقوى السياسية لتظهير تموضعها من سياسة الحكومة، وخصوصًا في القضايا الخلافية. فقد جاءت دعوة الرئيس نبيه بري لعقد الجلسة في توقيت سياسي حساس، إستجابةً للضغوط النيابية بتفعيل الدور الرقابي للمجلس، وفقًا لما نصّت عليه المادة 136 من النظام الداخلي، وسط تساؤلات نيابية حول أداء الحكومة في أكثر من ملف.
تتصدر مواضيع النقاش حصرية السلاح التي تطرحها القوات اللبنانية والكتائب، بالإضافة إلى إصرار القوات على عرض ورقة الموفد الأميركي توم براك على مجلس الوزراء. وهي ستحدّد موقفها من ذلك في اجتماع تعقده كتلتها الإثنين، على خلفية جلسة مجلس الوزراء الجمعة. كما ستعرض موقفها من قانون اقتراع المغتربين. وفي جلسة ساحة النجمة أسئلة التيار الوطني الحر حول داتا النازحين السوريين وآلية التعيينات، وصولًا إلى ملف إعادة الإعمار، الذي يشكّل الهاجس الأساسي لنواب ثنائي أمل – حزب الله.
في ما خص السلاح، تقول مصادر معراب إن القوات اللبنانية تعتبر ورقة توم براك إختبارًا حقيقيًا لصدقية السلطة في مقاربة المسائل السيادية، لاسيما أن ما تضمّنته من إشارات دولية واضحة نحو إعادة هيكلة وضع لبنان في سياق إقليمي جديد، يفرض على الحكومة ورئيس الجمهورية إما التقاط اللحظة أو تضييعها لمصلحة استمرار الانهيار.

 

القوات تسأل الحكومة وتضغط على الرئيس؟
القوات اللبنانية التي كانت قد شدّدت مرارًا على أولوية بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وضعت في مقدمة جدول أعمالها لجلسة الثلاثاء ملفين أساسيين:
•    مطلب طرح ورقة الموفد الأميركي براك على طاولة مجلس الوزراء، بوصفها تمثّل إختبارًا للسلطة في تحديد موقف وطني واضح من الاتجاهات الدولية نحو ترتيب أوضاع المنطقة.
•    ملف حصرية السلاح، الذي لن يكون موضوع مزايدات سياسية وحسب، بل سيكون أيضًا معيارًا لقياس جدّية الحكومة والرئيس عون في تنفيذ التزامات البيان الوزاري وخطاب القسم.
وكان النائب جورج عدوان قد نقل، باسم الكتلة، أن التنسيق تم منذ جلسة الثقة مع رئيس المجلس النيابي لضمان انعقاد مثل هذه الجلسات الرقابية. ومع أن الحكومة لن تقدّم بيانًا رسميًا مسبقًا للنقاش، كما ينصّ النظام، إلا أن النقاش سيكون مفتوحًا وتحت الأضواء. إذ ستُنقل الجلسة مباشرة على الهواء، وستُمنح كل مجموعة من خمسة نواب عشر دقائق للكلام، فيما يُبحث عن صيغة ملائمة لمداخلات المستقلين.
وتشير مصادر معراب إلى أن القوات تعتبر أن الجلسة لا يجب أن تكون مناسبة للخطابات العامة، بل فرصة لطرح أسئلة سيادية دقيقة: هل لدى الدولة خطة واضحة لإنهاء إزدواجية السلطة؟ وهل هناك إرادة سياسية فعلية لوقف الانهيار المؤسساتي الناتج عن وجود سلاح خارج الدولة؟

 

جعجع يحذّر
في لحظةٍ دقيقة تتداخل فيها المعادلات الداخلية بالتحولات الإقليمية والدولية، برز موقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على منصة “أكس” محذرًا: “إذا إستمرت السلطة، ومن خلالها الحكومة اللبنانية، في ترددها وتباطؤ قراراتها… فإنها ستتحمّل مسؤولية أن يعود لبنان الوطن والدولة في مهبّ الريح من جديد.” أي أن جعجع يحذر من أن التلكؤ في حسم الخيارات السيادية سيُعيد لبنان إلى مسارات التلزيم الإقليمي والدولي.
وتقول مصادر معراب إن موقف جعجع يتقاطع بوضوح مع مضمون ورقة براك التي ترى فيها القوات “الفرصة الأخيرة لقيام دولة فعلية في لبنان”، معتبرةً أن واشنطن بدأت تنتهج مقاربة حاسمة تجاه الدول المتعثّرة في المنطقة، تقوم على وقف المراوحة مع الأنظمة الهشّة والدفع نحو ترتيب سياسي شامل، لا مجرّد إدارة الفراغ.
تعتبر القوات أن السياسة الدولية باتت ترفض ترك فراغ في الدول التي تفشل في إعادة الانتظام إلى مؤسساتها، ما يضع لبنان مجددًا أمام إحتمال التلزيم لدول أو محاور إقليمية أو دولية، إذا لم تُبادر السلطة إلى إتخاذ قرارات جذرية تعيد الاعتبار إلى منطق الدولة.

 

بين الدولة الفعلية والمزايدات
جلسة الثلاثاء، وإن كانت ستتحوّل إلى ساحة مزايدات متلفزة وفق التوقعات، إلا أنها تمثّل بالنسبة إلى القوات اللبنانية محطة جدية لطرح الأسئلة الحقيقية: أين تقف الدولة من السلاح غير الشرعي، وتحديدًا سلاح حزب الله؟ ما هو موقفها من المبادرات الدولية؟ وهل لا يزال رئيس الجمهورية مصرًّا على مقاربة مرحلية قد لا تفي بغرض إنقاذ الكيان؟
وتختم مصادر معراب بالقول إن الموضوع السيادي ليس مجرد عنوان للنقاش، بل هو المدخل لكل شيء: “إذا لم تكن هناك دولة فعلية تمسك بقرارها، تحتكر السلاح، وتبسط سيادتها على كامل أراضيها، يبقى لبنان مفتوحًا على الحروب كما حصل في الاعوام 2006، و2008، و2011 في سوريا، و2023.
وتحذّر المصادر من أن وجود السلاح خارج الدولة يولّد مافيات اقتصادية – أمنية متشابكة معها، مؤكدة أن “السلاح بحاجة إلى المافيا، والمافيا بحاجة إلى السلاح”، ما يفتح الباب أمام مزيد من الانهيار البنيوي.

ختاماً تشدد المصادر نفسها على أن هناك فرصة تاريخية لا يمكن تفويتها، وأن التوجّه العربي والدولي القائم اليوم لا يهدف إلى الاقتصاص من فريق، بل إلى قيام دولة. وعليه، فإن المطلوب من رئيس الجمهورية أن يلتقط هذه اللحظة، ويقرّر ما إذا كان يريد نقل لبنان إلى الدولة، أم يبقيه أسير إدارة التسويات.