
“استدراج” الشرع إلى السويداء: إسرائيل تستثمر الدم الدرزي.. والحسم أميركي
هل أرادت إسرائيل إسقاط نظام الرئيس السوري أحمد الشرع؟ أم أرادت إضعاف سلطته وقوته لصالح تعزيز نفوذها وهيمنتها في سوريا؟ الأكيد أن الضربات الإسرائيلية لو استمرت ستؤدي إلى انهيار السلطة في سوريا والمسار الذي يعمل عليه الشرع. علماً أن الأميركيين تحركوا سريعاً، وفق ما أعلنوا في مواقفهم الرسمية، لمطالبة تل أبيب بوقف الضربات والإفساح في المجال أمام الوصول إلى اتفاق. عناصر كثيرة يمكنها أن تفيد في قراءة المشهد من زواياه المختلفة. إذ أن اللافت كان اندلاع المواجهات في السويداء بعد ساعات على ما سُرّب من معلومات حول مفاوضات عقدت بين أمنيين سوريين وإسرائيليين في أذربيجان. كانت المفاوضات تتركز على الوصول إلى تفاهم أمني بين سوريا وإسرائيل.
مفاوضات أذربيجان
لا أحد يملك جواباً حول حقيقة ما جرى في مفاوضات باكو. ولذلك هناك تضارب بين وجهتي نظر. الأولى، أن يكون الاتفاق قد حصل بين الجانبين، وأن هذا الاتفاق يقضي بسيطرة سلطة الشرع على السويداء، كما على مناطق شمال شرق سوريا، انطلاقاً من الوصول إلى تفاهمات مع الدروز والأكراد. هنا لا يمكن إغفال مواقف الموفد الأميركي توم باراك الذي توجه للأكراد والدروز بضرورة الاندماج مع الدولة السورية، والتخلي عن فكرة الكيانات المستقلة.
وجهة النظر الثانية، هي أن تكون المفاوضات في أذربيجان قد فشلت، أو لم تصل إلى تلبية الشروط الإسرائيلية. وهو ما انعكس توترات على الأرض، أضيف إليها تورط مجموعات عسكرية موالية للشرع والدولة السورية في جرائم ومجازر وانتهاكات في السويداء، مع الإشارة إلى أن المواجهات خاضتها جهات متعددة، كبعض العشائر، وقوى الأمن العام، وقوات وزارة الدفاع السورية ومجموعات مسلحة أخرى. الجرائم التي ارتكبت والإهانات والاعتداءات أدت إلى استنفار درزي عارم، بالإضافة إلى محاولة إسرائيلية لاستغلال ذلك، في ادعاء الدفاع عن الدروز وحمايتهم.
الدم والتفاوض
هنا أيضاً، لا بد من الإشارة إلى أن داخل السويداء أو المجتمع الدرزي السوري، هناك اتجاهات متعددة، فثمة من يؤيد الاندماج ضمن الدولة السورية والحفاظ على سوريا موحدة ومركزية، ومن يطالب باللامركزية، بينما مجموعة ثالثة تريد كياناً مستقلاً، ولديها صلات مع إسرائيل. كل هذه الانقسامات الدرزية تتبدد في لحظة سقوط الدم وحصول اعتداءات. وعلى الرغم من ذلك، بقيت الاتصالات مستمرة للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، علماً أن الشرع كان قد تأخر في إصدار بيان إدانة الاعتداءات التي تعرضت لها السويداء.
طوال فترة التفاوض، كان المسؤول العسكري أحمد الدالاتي هو الذي يتولى التفاوض مع وجهاء السويداء، وتم الوصول إلى اتفاق قبل أن يتم الانقلاب عليه من قبل الشيخ حكمت الهجري. وقد ساهمت الجرائم التي ارتكبت في تغذية الصراع والاشتباك. وهو ما استغلته إسرائيل أكثر، من خلال تصعيد عملياتها العسكرية والتشديد على ضرورة خروج القوات العسكرية السورية التابعة لوزارة الدفاع من السويداء، مع الإشارة إلى أن الاستهدافات الإسرائيلية تركزت على الدبابات وكل السلاح الثقيل الذي تمتلكه سوريا. وعبّر الإسرائيليون صراحة عن أنهم يريدون الجنوب السوري منطقة خالية من السلاح تماماً.
ما تريده إسرائيل
الرئيس أحمد الشرع يشدد على سوريا الموحدة، ويتمسك بالسيطرة على كامل الأراضي السورية، بما فيها السويداء ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية. عندما بدأت المواجهات في السويداء، كان يدور الحديث في أروقة السلطة السورية أنه ما بعد السيطرة هناك، وحسم الأمور، لا بد من انتقال التركيز إلى شمال شرق سوريا وتفكيك البنية العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية. فالشرع يعتبر أنه في حال لم يتمكن من السيطرة على المنطقتين وضمهما إلى سلطته سيبقى ضعيفاً، ولن يتمكن من تثبيت حكمه، وسيكون كبشار الأسد بعد الثورة. أي يتحكم بمناطق جغرافية معينة بسوريا ولا يحكم سوريا كلها.
في المقابل، ما تريده إسرائيل هو إبقاء تفوقها وسيطرتها على الجنوب السوري، والوصول إلى تفاهم تطبيع أو سلام مع سوريا، مع اعتراف الشرع بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. وهذا ما رفضه الشرع كلياً. لذلك اتجهت الأنظار إلى تفاهم على ترتيبات أمنية، يتضمن خلق منطقة أمنية عازلة.
عندما دخل الإسرائيليون بقوة إلى المسرح السوري وعلى مشهد السويداء، أرادوا تهديد نظام الشرع وحكمه، وذلك ربما ليس إلى حد إسقاطه، بل لتطويعه أكثر، ودفعه إلى اتفاق سلام وفق الشروط الإسرائيلية.
..وما تريده أميركا
إثر هذه الضربات الإسرائيلية تحركت الولايات المتحدة الأميركية في اتصالاتها لوقف التصعيد، ثم كان اتفاق على وقف إطلاق النار في السويداء. اتفاق لا يبدو شاملاً، خصوصاً أن الشيخ حكمت الهجري رفضه مجدداً، ومشدداً على مواصلة القتال. ولكن شروط نجاح هذا الاتفاق ستكون مرتبطة في إنجاز تحقيق شفاف وجدي حول الارتكابات والانتهاكات ومحاسبة المرتكبين والجناة، وإلا فإن الجمر سيبقى تحت الرماد، ويمكن للأمور أن تنفجر في أي لحظة. كما أن ذلك يفترض إعادة البحث في كيفية إدارة الأمور في سوريا، والتصالح مع كل المكونات، ومنحها الأدوار السياسية الفعلية التي تستحقها. لا سيما أن هناك وجهة نظر تعتبر أن محاولة استنباط مركزية البعث بحكم سنّي، لا يمكن أن يستمر أو يستقيم، والمطلوب هو الموافقة على اللامركزية وإعطاء الحقوق التمثيلية لمختلف المكونات.
مما لا شك فيه أن ما يجري من مواجهات داخلية، أو من تدخل إسرائيلي لتهديد النظام في سوريا، أو توجيه ضربات متكررة من شأنها أن يضعف سوريا ويضعف السلطة فيها. هنا تبقى المسألة في يد الأميركيين. إذ أن واشنطن هي التي ستحسم الأمر، إما بالسماح لإسرائيل بمواصلة ضرباتها والتي يمكن أن تؤدي إلى إسقاط النظام، أو إضعافه في الحد الأدنى. حتى الآن يقول الأميركيون إنهم يريدون سوريا دولة واحدة وسلطة واحدة، كما يريدون جعل سوريا في صفهم الإقليمي وورقة ضغط إقليمية على قوى أخرى.
الداخل والخارج
عدم الوصول إلى حلّ فعلي وجذري والدخول في مصالحة ومحاسبة جدية، يعني أن مثل هذه المعارك ستبقى قابلة للتكرار من مجازر الساحل إلى جرائم السويداء ولاحقاً في مناطق ومحافظات أخرى. بينما الاستقرار يحتاج إلى مصالحة فعلية والدعوة إلى مؤتمر سوري عام، وإشراك كل المكونات في العملية السياسية.
في موازاة ذلك، لا يمكن إغفال حجم التداخل الإقليمي والدولي، خصوصاً في ضوء المواقف الأميركية، التي أشارت إلى استمرار المباحثات مع سوريا وإسرائيل للوصول إلى اتفاق. علماً أن إسرائيل لا تريد أي مجموعات عسكرية تابعة لوزارة الدفاع في الجنوب السوري. ولذلك ركزت استهدافاتها على قوات الجيش، ودمرت أي سلاح ثقيل، فيما -حسب المعلومات- لم تكن تعارض دخول قوات أمنية وقوات من الأمن العام إلى الجنوب السوري.
تعلم إسرائيل أن هناك دول عديدة تريد حماية الشرع وسلطته في سوريا، لا سيما الدول العربية وتركيا، بالإضافة إلى الاهتمام الأميركي بالشرع. تسعى تل أبيب إلى التصعيد لتحقيق جملة أهداف، أبرزها فرض ما تريده من وقائع في جنوب سوريا، وما تريده من شروط سياسية على دمشق، كما أن ثمن حماية النظام في دمشق لا بد أن يمر من واشنطن والرياض وأنقرة، وهو ما تريد تل أبيب أن يكون مدفوعاً من قبلهم في ملفات أخرى.