
انتهى الدلع
المبادرة الأميركية فرصة لا تُعوّض. فيها مصلحة للبنان، واستعادة لقراره، وخروج من دائرة النزيف والانهيار. وأي تضييع لها يعني دخول البلاد في مرحلةٍ لا يمكن التنبّؤ بمآلاتها، وسط احتقان إقليمي، وغياب حاضنةٍ دوليةٍ حقيقية.
الورقة الأميركية التي تسلّمتها الدولة اللبنانية، وضعت معادلةً واضحةً لا تحتمل التأويل: تزامُن بين تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة وتسليم سلاح حزب الله. لا أكثر ولا أقل. لكنّ الحزب، الذي يفاوض عبر الرئيس نبيه بري، أعاد فتح بازار البيضة والدجاجة: من يأتي أولًا؟ الانسحاب الإسرائيلي أم تسليم السلاح؟
هذه الذريعة القديمة، التي استُهلكت في مفاوضات سابقة، لم تعد مقنعةً لأحد. إنّها الدوامة ذاتها التي تدور فيها الدولة منذ سنوات، وتنتج العجز ذاته. أسلوب الدلع السياسي، والمناورة، والتذاكي، بلغ نهايته. نحن اليوم في مرحلة الأبيض والأسود. لا مكان للهروب، ولا وقت لتضييع الفرص.
الخطير في اللحظة الحالية ليس فقط أن حزب الله يرفض التجاوب مع الطرح الأميركي، بل إنّ واشنطن نفسها بدأت تلوّح بإمكانية سحب يدها من الملف اللبناني. وهذا أخطر ما في المشهد. إذ إنّ انكفاء أميركا يعني شيئًا واحدًا: إطلاق يد إسرائيل، وتاليًا انتهاء فعلي لأي توازن وهمي حاول حزب الله الترويج له لسنوات تحت عنوان “الردع”.
لقد تحطّمت نظريات الردع، حين ضربت إسرائيل العمق اللبناني عشرات المرات من دون ردّ. وتحطّمت أكثر حين أصبح أمن الجنوب مرهونًا بمزاج الحزب لا بمصلحة لبنان.
اليوم، لم يعد بالإمكان التلاعب بالمواقف، أو تصوير الأمور كأنّها معركة “سيادة”. فالحقيقة أنّ من يمنع الدولة من بسط سيادتها هو نفسه من يرفع شعار “السيادة”.
انتهى الدلع. انتهت مرحلة التذاكي. المبادرة الأميركية فرصة لا تُعوّض. فيها مصلحة للبنان، واستعادة لقراره، وخروج من دائرة النزيف والانهيار. وأي تضييع لها يعني دخول البلاد في مرحلةٍ لا يمكن التنبّؤ بمآلاتها، وسط احتقان إقليمي، وغياب حاضنةٍ دوليةٍ حقيقية.
المُعادلة تغيّرت. والمُراوحة لم تعد مسموحة. إمّا دولة وسلاح شرعي، أو لا دولة وساحة مُستباحة. لا ثالث لهما.