
فرحان المرسومي: شيخ العشيرة الذي أرسل “جنوده” إلى السويداء
في تسجيل مصوّر تداولته صفحات منصات التواصل الإجتماعي، يظهر مقاتل مسلح على جبهة قتال في السويداء، يقول بصوت حماسي: “مباشر من الخطوط الأولى لخطوط التماس، إلى الشيخ فرحان المرسومي، ونقول له: نحن كلنا جنودك… أبشر”.
لم يكن هذا التصريح مجرد تحية عابرة، بل إعلان بيعة عشائرية لرجل لا يحمل منصباً عسكرياً ولا رتبة أمنية، لكنه يملك ما هو أخطر: شبكة نفوذ عابرة للعشائر والمناطق، ترتبط بأجهزة أمنية سورية، وميليشيات إيرانية، وشركات مالية تُستخدم غطاءً لأنشطة مشبوهة.
من هو فرحان المرسومي؟
ولد فرحان محمد حمد المرسومي عام 1983 في الكويت، وينحدر من بلدة الباغوز في ريف البوكمال الشرقي. عاد إلى سوريا في التسعينيات، وبدأ نشاطه التجاري ببيع التبغ والمواد الكهربائية، ثم توسّع لاحقاً ليؤسس مجمعاً تجارياً في البوكمال عام 2005. بعد سنوات من العمل بين سوريا والعراق، انتقل إلى دمشق عام 2018، وهناك بدأ يظهر كلاعب اقتصادي-عشائري.
وفي عام 2019، نُصّب شيخاً لعشيرة “المراسمة” في احتفالية عشائرية أثارت كثيراً من التساؤلات. لم يكن التتويج تقليدياً بقدر ما كان إعلاناً عن بدء دور جديد لرجل الأعمال العشائري: دور الوسيط بين الميليشيات، والنظام، والمجتمع المحلي.
تحالف مع الأسد وذراع لإيران
وتربط فرحان المرسومي علاقات وثيقة بالفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، وتشير تقارير حقوقية وصحافية، إلى أنه يُستخدم كواجهة محلية للفرقة في البوكمال ودير الزور، لتنظيم عمليات التهريب وتجنيد العشائر في صفوف الميليشيات الإيرانية في سوريا.
ومنذ عام 2020، بدأ المرسومي يظهر كأحد أهم الوسطاء المحليين للنفوذ الإيراني في سوريا. فقد سهّل دخول ميليشيات “الفوج 47” التابعة للحرس الثوري إلى ريف دير الزور، وساهم في تجنيد الشباب ضمن صفوفها، كما عمل على شراء عقارات في البوكمال لصالح “حركة جهاد البناء”، وهي ذراع إيرانية تنشط في التغيير الديمغرافي والتغلغل الاجتماعي، كما استضاف وفوداً شيعية في دمشق، ونظم فعاليات عشائرية بمشاركة قادة من الحشد الشعبي العراقي، في محاولة لخلق حزام عشائري موالٍ لإيران في البادية السورية.
وفي الوقت الذي كان فيه المرسومي يبني تحالفه مع إيران والفرقة الرابعة، اصطدم بنفوذ مجموعة القاطرجي، الذراع الاقتصادية لروسيا في شرق سوريا. فحاول المرسومي انتزاع عقود نقل النفط من مناطق قسد إلى الساحل، بدعم إيراني، مما أثار حفيظة القاطرجي ودفعهم إلى تقديم شكاوى أمنية ضده لمطار حميميم العسكري الروسي.
ورغم أن الصراع لم يتطوّر إلى مواجهة مباشرة، إلا أنه كشف هشاشة التوازن بين الحلفاء المفترضين لنظام الأسد، وسلّط الضوء على تضارب المصالح بين الإيرانيين والروس.
من الباغوز إلى السويداء
يتنقّل فرحان المرسومي بين ثلاث مناطق أساسية: البوكمال، وهي موطنه ومسقط رأس شبكته الأولى، ودير الزور التي تعتبر نقطة ارتكاز إيرانية هامة، ودمشق وهي الواجهة السياسية والتجارية. وتُستخدم هذه المدن كمحاور لوجستية متصلة، حيث تنطلق من الباغوز، شبكات التهريب إلى العراق عبر معبر القائم، وتتم من تتم عمليات التجنيد والتعبئة العشائرية المرتبطة بالفوج 47 الإيراني دير الزور، فيما تُدار شركاته وتُنسق الأنشطة العقارية والمالية مع شركاء أمنيين وتجاريين من دمشق.
أما السويداء، فتمثل توسعاً طارئاً في النفوذ، بهدف تأكيد الولاء وكسب النفوذ في الجنوب السوري، وربط مناطق سيطرته بعضها ببعض.
وتشير تقارير أمنية ومعطيات إعلامية إلى أن المرسومي يتولى تسهيل شراء عقارات في مناطق استراتيجية، أبرزها البوكمال، والمزة، وكفرسوسة، وحتى مناطق في ريف درعا، لصالح جهات إيرانية. يتم ذلك عبر شبكة وسطاء، من أبرزهم شخصية تُعرف باسم “أبو جعفر العقاري”، وهو وكيل ظاهري يدير عقود البيع والشراء.
ويقول أحد سكان حي الحميدية في دير الزور لـ”المدن”: “لاحظنا ازدياداً في عدد المشترين غير المحليين مابين منذ عام 2020، وغالباً ما تكون الصفقات نقدية ومباشرة”.
وتكشف تقارير أن تمويل هذه العمليات كان يتم عبر الحرس الثوري أو منظمة “جهاد البناء”، في إطار استراتيجية تهدف إلى تثبيت النفوذ السكاني في المناطق ذات الأغلبية السنية عبر شراء الأصول العقارية.
غطاء شرعي للتهريب؟
وبالرغم من هذه العلاقات مع نظام الأسد وإيران، حصل فرحان المرسومي على ترخيص رسمي من وزارة التجارة الداخلية السورية لتأسيس شركة تجارية برأسمال 100 مليون ليرة سورية، تختص بتوزيع التبغ والمعسل، في 11 شباط/فبراير 2025، وذلك بعد أن استقبل في مضافته وزير الثقافة في الحكومة الانتقالية السورية محمد صالح، وجمال الشرع شقيق الرئيس السوري أحمد الشرع، في لقاء أثار غضب واسع في أوساط السوريين.
وعلى خلفية الهجوم الشعبي ضده، خرج فرحان المرسومي في أكثر من مناسبة عبر مقاطع مصوّرة وبيانات عشائرية، لينفي وجود أي علاقة سياسية له بنظام الأسد، مؤكداً أن أي تعاون سابق مع مؤسسات الدولة كان محصوراً بتأمين المصالح التجارية وحماية أبناء العشيرة، وليس نتيجة انتماء سياسي أو أمني.
في المقابل، أكدت مصادر محلية ارتباط المرسومي المباشرة مع شخصيات مثل “أبو المهدي الإيراني” و”الموسوي”، وهي من القيادات الميدانية في الحشد، وأنه يستخدم معابر “القائم” و”السكك” لنقل البضائع بإشراف عناصر من الحشد الشعبي، مشيرة إلى أن شاحنات التبغ التابعة للمرسومي تُستخدم لنقل المواد المخدرة من دير الزور إلى الساحل، ومنها إلى لبنان والعراق، بالتنسيق مع فلول من الفرقة الرابعة الميليشيات الإيرانية. وتُعد هذه الشبكة من أخطر أدوات الاقتصاد الموازي المرتبط بالميليشيات في سوريا.
شيخ أم زعيم مافيا؟
ويُعرف المرسومي في محيطه بأنه رجل كاريزمي، يتقن استخدام الخطاب العشائري والديني لتجنيد الأتباع، لكنه في واقع الأمر يدير شبكة من المصالح المترابطة: عشائرية، سياسية، طائفية، وتجارية. وهو يستخدم عباءة الشيخ لإخفاء دوره الحقيقي كأحد أهم مشغّلي شبكات التهريب والتجنيد.
يروي أحد المقاتلين في البوكمال لـ”المدن”، أنه “لم يكن أحد يتجرأ على مساءلة رجاله، حتى من قبل الأمن العسكري. كلهم يقولون: نحن من طرف الشيخ، ونحن جنوده”.
ويؤكد ظهوره الأخير في سياق معارك السويداء، أنه لم يعد مجرّد رجل أعمال أو شيخ عشيرة، بل عنصر فاعل في المعادلة الأمنية السورية، يمتلك “جنوداً” على الأرض، ويتحرّك وفق مصالح إقليمية عابرة للحدود.
فرحان المرسومي ليس مجرد اسم عشائري جديد، بل نموذج لرجل الظل الذي يجمع بين الولاء لإيران، والربح من اقتصاد الحرب. هو تجسيد حيّ لعسكرة العشيرة، وخصخصة الأمن، وتحويل الاقتصاد المحلي إلى ذراع لتهريب المخدرات والمصالح الإقليمية.