إردوغان – الشّرع: حوارٌ وطنيّ.. واتّفاقٌ دفاعيّ مُشترك؟

إردوغان – الشّرع: حوارٌ وطنيّ.. واتّفاقٌ دفاعيّ مُشترك؟

الكاتب: ابراهيم ريحان | المصدر: اساس ميديا
20 تموز 2025

ماذا بحثَ الاتّصال بين الرّئيسَيْن التّركي والسّوريّ رجب طيّب إردوغان وأحمد الشّرع؟ وكيفَ ستعمل تُركيا لحماية مجالها الحيويّ في سوريا؟

 

تعتبرُ تُركيا نفسها واحدةً من أبرز “المُستثمرين” في دعمِ الثّورة السّوريّة وإسقاط نِظام بشّار الأسد منذ الأيّام الأولى للثّورة في آذار 2011. من هذا المُنطلق يُقارب الأتراك الملفّ السّوريّ الذي ينعكسُ بشكلٍ مُباشر على الأمن القوميّ لبلادهم.

دفَعَ هذا الاهتمام التّركيّ نحوَ الاتّصال بين الرّئيس التّركيّ ونظيره السّوريّ. جاءَ الاتّصال بعد القصف الإسرائيليّ الذي طالَ العاصمة السّوريّة دِمشق واستهدَفَ وزارة الدّفاع السّوريّة وقيادة الأركان وقصر تشرين الرّئاسيّ.

ماذا بحثَ الاتّصال؟

يشيرُ مصدرٌ تركيّ مسؤول لـ”أساس” إلى أنّ اتّصال إردوغان – الشّرع بحثَ الآتي:

1- أبلغ الرّئيس التّركي نظيره السّوري أحمد الشّرع قرارَه إرسال مسؤولَيْن رفيعَي المستوى إلى دمشق في مهمّة عاجلة.

يضمّ الوفد رئيس جهاز الاستخبارات التّركيّة إبراهيم قالن، ورئيس هيْئة الأركان العامّة للقوّات المسلّحة التّركيّة الجنرال متين غوراك.

تتمثّل مهمّة أرفع مسؤولَيْن أمنيَّيْن تُركيَّيْن في دِمَشق بعقد اجتماعات طارئة مع القادة العسكريّين والأمنيّين السّوريّين لمعالجة التّوتّر المُتصاعد في الجنوب السّوريّ. ترى أنقرة في هذه الزّيارة ردّاً على الاعتداءات الإسرائيليّة على العاصمة السّوريّة وعلى رمزيّة القوّات المُسلّحة السوريّة.

يكشفُ المصدر أنّ المسؤولين في أنقرة يدرسون بشكلٍ جدّيّ طرحَ توقيع اتّفاق دفاعٍ مُشترك بين تركيا وسوريا في حالِ لمسَ “قالن” و”غوراك” استعداداً من المسؤولين السّوريّين لذلكَ.

تطمحُ تركيا من خلال الاتّفاق إلى أن تُشكّلَ توازناً عسكريّاً وأمنيّاً مع إسرائيل، خصوصاً أنّ الحالةَ العسكريّة للجيش السّوريّ الجديد لا تسمح له بخوضِ قتالٍ مع الجيْشِ الإسرائيليّ الذي يُعتبرُ من أكثر الجيوش تطوّراً وتفوّقاً وتدريباً في العالم.

إلى ذلك دمّرت الغارات الإسرائيليّة التي طالت مواقع ومخازنَ جيش النّظام السّابق بعد فرار بشّار الأسد كلّ المُقدّرات الدّفاعيّة والعسكريّة لسوريا.

تطمحُ أنقرة أيضاً من خلال طرح الاتّفاق المُشترك إلى نيْل الغطاء الرّسميّ لأيّ تموضعٍ عسكريّ لها داخل الأراضي السّوريّة، بما يشملُ أيضاً تدريبَ وتسليح وتطوير القوّات المُسلّحة السّوريّة.

2- أبلغَ الرّئيس إردوغان الرّئيسَ الشّرع أنّ تُركيا تُنسّق بشكلٍ وثيق مع المملكة العربيّة السّعوديّة لتعزيز إطلاق حوارٍ سوريّ جديد.

يشملُ هذا الحوار المُزمَعُ عقده تحت مظلّة الدّولة السّوريّة مُمثّلين عن المجموعات السّياسيّة والطّائفيّة والعرقيّة في سوريا. ويهدفُ إلى التّوصّل إلى صيغة اتّفاقٍ يُرضي جميعَ الأطراف. وفي الوقت عينه يحافظ على سيادة سوريا ويُعزّز أسُس الدّولة ووحدةَ أراضيها.

معالجة الأخطاء

ترى أنقرة أنّ أخطاءً وقَعَت في التعاطي مع ملفَّيْ السّاحل والسّويداء عبر بعضِ التجاوزات التي طالت بعضَ الفئات المدنيّة في المنطقتَيْن. ولهذا اعتبَرَ إردوغان أنّ دعوةَ دمشق إلى حوارٍ وطنيّ سوريّ يضمّ أطياف المُجتمع السّوريّ ضرورة للملمة الآثار المُترتّبة على الانتقام والانتقام المُقابل اللذين أدّيا إلى تأجيج القِتال الذي أخذَ صبغة طائفيّة منذ شرارته الأولى. وهذا ما أعطى إسرائيل الذّرائع للتدخّل في سوريا وقصف العاصمة.

على الخطّ نفسه، يرى السّياسيّ السّوريّ ورئيس مركز “جسور” للدّراسات محمّد سرميني أنّ ما حدث في سوريا ناتج عن سوء قراءة للرّسائل السّياسية الإقليميّة والدّوليّة وعدم نضج سياسيّ كافٍ لدى الإدارة الحاليّة أدّيا إلى زجّ الإدارة في هذه الأحداث المؤسفة التي ستقوّض لفترة طويلة الثقة بينها وبين مكوّن أساسيّ من تاريخ سوريا.

يؤكّدُ سرميني أنّ للحكومة السّوريّة الحقّ ببسطِ سُلطَتِها على كامل أراضيها وحصر السّلاح بيدها فقط. لكنّ هَشاشة الوضع في سوريا في ظلّ وجود الكثير من المتُربّصين بالنّظام الجديد، كانت تتطلّب مقاربة أكثر حكمة وعقلانيّة للموضوع.

يصفُ الدّروز بأنّهم من المؤسّسين للوطنِ السّوريّ. وهُم بهذا المعنى “ولائيّون”، أي أنّ ولاءَهم للوطن فقط. وهُنا يشيرُ إلى الخطأِ الفادِح بالتّعامل مع الدّروز بخشونةٍ فرأوا في ذلك تهديداً لوجودِهم وكرامتهِم. وهذا يَتطلّب وقتاً طويلاً لإصلاحه ويفتح الباب أمام حكم ذاتيّ جديد.

يرى سرميني أنّ التّوهّم أنّ استخدام القوّة المُفرطة مشروعٌ لأنّ له غطاء دوليّاً – إقليميّاً، إلاّ أنه أثبت محدوديّته. يستدلّ على هذا التّحليل بأنّ التّدخّل الإسرائيليّ بحجّة حماية أبناءِ الطّائفة الدّرزيّة، وهي حُجّة كاذبة، جاء ليقول إنّ مشروعيّة النظام وديمومته مرتبطتان قبل كلّ شيء بالتّوافق “معنا”، أي إسرائيل، وليس بالرضا الأميركي والعربي. و”مصالحنا وأمننا” هما قبل كلّ صفقات الاستثمار في البترول والبنى التحتية والمرافق العامّة والمرافئ والمطارات.

إنّ الاقتتال المؤلم الذي جرى كانت وستكون له آثار كارثيّة على عدّة مُستويات:

1- على مستوى الوحدة الوطنية السورية، تتطلّب الدماء وقتاً طويلاً لتجفّ، وستزداد جميع المكوّنات الطائفية والعرقية انعزالاً وبعداً عن السلطة المركزيّة.

2-على مستوى قدرة السّلطة على فرض هيبتها بقوّة القانون والمُعاملة بالإحسان، ثبُت من خلال تراجعها السّريع بعد التّشدّدِ المُعلَن أنّها غير قادرة على الإمساك بالأمور، وأنّها موجودة تحت رحمة التّوازنات الإقليميّة، وهذا ما أفقدها الكثير من الهيبة لدى مناصريها أو حتّى لدى المراقبين المحايدين.

ماذا عن الولايات المُتّحدة؟

يرى سرميني أنّ الجانب الأميركي سيُتابع رعاية المَوقف لكن ليْس كما كانت الإدارة السّوريّة تعتقد. فالضّوء الأخضر ما يزال موجوداً لكن بشكل خافت، حتّى إعادة الإدارة إثبات جدارتها في الحصول على ضوء أخضر قويّ.

الضوء الأخضر الأميركيّ هذا، ومعه العربي، مُرتبطٌ بالتّخوّف من انفجار الوضع الأمنيّ (حتّى إسرائيل تخشى ذلك)، وبالتالي يمكن للنّظام الاستمرار مؤقّتاً ولكن بضعف واضح.

يتخوّف سرميني من انتقال العدوى إلى لبنان حيثُ ظهَرت بعض مشاهد التّوتّر في مناطق في طرابلس والبقاع. ويختمُ أنّ “الحزبَ” سيجدُ في ما حصل ذريعة لعدم تسليم سلاحه بحجّة أنّ “الدواعش” على الأبواب، على حدّ تعبيره.