“الرتوش” الأخير على التّشكيلات القضائيّة

“الرتوش” الأخير على التّشكيلات القضائيّة

الكاتب: ملاك عقيل | المصدر: اساس ميديا
19 تموز 2025

في ظلّ تكتّم شديد يُسيطر على مداولات مجلس القضاء الأعلى في شأن التشكيلات القضائية، تؤكّد أوساط مطّلعة لـ”أساس” أنّ المجلس يُشرِف على إتمام “الرتوش” الأخير على التشكيلات تمهيداً لرفعها إلى وزير العدل لتوقيعها، وأن لا عوائق سياسية جدّية تؤخّر بتّها. المؤكّد أنّ مجلس القضاء الأعلى كَسَر روتين إعداد هذه التشكيلات من خلال تكثيف اجتماعاته، بما في ذلك أيّام نهاية الأسبوع، وتكثيف المقابلات التي أجراها مع بعض القضاة المرشّحين لمراكز مهمّة وحسّاسة للاختيار بينهم.   

في 16 حزيران الفائت أقرّ مجلس الوزراء التشكيلات الدبلوماسية التي تعثّر صدورها منذ ثماني سنوات، تماماً كما التشكيلات القضائية.

لم يكن مُمكناً صدور التشكيلات الدبلوماسية ضمن المهلة المعقولة إلّا بعد تتويجها بالتوافق السياسي بين كبار المرجعيّات على “توزيعة” بعض السفارات الأساسيّة في عواصم العالم، إضافة إلى “سلّة” الدبلوماسيّين من خارج الملاك، التي تمّ تقليصها، من ضمن التوجّه الإصلاحي للعهد والحكومة، من  14 إلى ستّة مراكز، وإعادة جميع السفراء، البالغ عددهم 44 سفيراً، الذين تخطّوا المهلة القانونية لبقائهم في الخارج (عشر سنوات)، من الخارج، وبعضهم بقي بحدود “دوبل” المُدّة. والأهمّ إعادة توزيع 15 سفيراً في الإدارة المركزية، بعدما انتظروا سنوات عدّة لتعيينهم في سفارات عواصم العالم.

مطبّ سياسيّ

في الشكل، أعاقت صدورَ التشكيلات القضائية بعضُ المطبّات، منها ما تمّ تجاوزه بعد اكتمال عقد مجلس القضاء الأعلى، الذي سَبَقَه إصدار المجلس تشكيلات جزئية لرؤساء محاكم التمييز، وتعيين الحكومة حصّتها من أعضاء المجلس البالغة قاضيَين، ومنها مطبّات سياسية تمّ تجاوز معظمها، فيما بقي الخلاف قائماً مثلاً حتى الساعات الأخيرة على إسم النائب العامّ الاستئنافي في جبل لبنان خلفاً للقاضية غادة عون.

تجزم أوساط قضائية لـ “أساس” بأنّ “مجلس القضاء الأعلى اختار الأسماء بعيداً عن أيّ ضغوط سياسية وتدخّلات رئاسية مُعرقِلة، من أيّ جهة كانت، وسيرفع التشكيلات كما أعدّها إلى الوزير الذي لديه صلاحيّة وضع ملاحظات عليها، وإعادتها. عندها يُمكِن لمجلس القضاء الأعلى الأخذ بالملاحظات، أو إعادتها بالصيغة نفسها إلى الوزير، بالإجماع، ليوقّعها بعدئذٍ رئيس الجمهورية”.

في حال رَفَع مجلس القضاء الأعلى التشكيلات خلال هذين اليومين قد يتأخّر إطلاع وزير العدل عليها بسبب سفره إلى الخارج. مع العلم أن الأخير أكد مراراً، بأنّه سيوقّع على التشكيلات فور استلامها.

في السياق نفسه، عَلِم “أساس” أن الرؤساء الثلاثة، عون وبري وسلام، لم يطلبوا الاطلاع على مسودة التشكيلات مسبقاً، لكن بعض “الطلبات السياسية” وصلت بالتواتر إلى مجلس القضاء الأعلى، وكل إسم لم يستوفِ المعايير المطلوبة رُفِض فوراً.

التشكيلات القضائية التي كان يُفترض أن يصدرها مجلس الوزراء في آذار 2020، إبّان ولاية الرئيس ميشال عون، بعد آخر تشكيلات قضائية موسّعة عام 2017، وصفها آنذاك رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود بأنّها “الأكثر استقلاليّة في تاريخ القضاء”، ومن يَعرف “الريّس” عبود يُدرك أنّه يسعى إلى تشكيلة مماثلة لا غبار قضائيّاً-سياسيّاً عليها.

“ديل”

لكنّ التشكيلات القضائية، قبل صدورها، تعرّضت لانتكاسة بسبب ما حُكي عن “ديل” بين بعبدا وعين التينة، وصولاً إلى غرفة اجتماعات أعضاء مجلس القضاء الأعلى. وكان موقع “أساس” كشف سابقاً تفاصيل هذا الديل، الذي قضى بالسير بتخريجة أعدّها رئيس الجمهورية بتعيين القاضي ماهر شعيتو مدّعياً عامّاً ماليّاً (صدر مرسوم تعيينه فعلاً في مجلس الوزراء في 11 تمّوز)، خلفاً للقاضي علي ابراهيم المحسوب على الرئيس نبيه برّي، في مقابل تعيين القاضي زاهر حمادة، الذي كان خيار برّي في هذا الموقع، نائباً عامّاً استئنافياً في الجنوب ضمن مرسوم التشكيلات القضائية.

إثر ذلك، طَالب نادي القضاة  مجلس القضاء الأعلى بإصدار موقف حيال هذه المعلومات، مناشداً القوى السياسية عدم التدخّل في التشكيلات القضائية “التي يعود حقّ إعدادها حصراً لمجلس القضاء الأعلى”، لكنّ الأخير لم يُصدر بيان ردّ.

مع ذلك، تقول أوساط قضائية إنّ مجلس القضاء الأعلى “تحدّث سابقاً في بيان أصدره، بعد اكتمال عقده بأعضائه العشرة، عن المعايير الموضوعية التي سيعتمدها في التشكيلات، والتزامه التامّ للنزاهة والكفاية، مع مراعاة الاحتياجات الفعليّة للمحاكم، وتوزيع القضاة، بما يُحقّق التوازن والفعّالية في الأداء القضائي”.

تضيف الأوساط: “لذلك القاضي حمادة قد يكون، بحكم هذه المعايير نفسها، القاضي المناسب لهذا الموقع، سيّما أنّ الاعتراض على تعيينه مدّعياً عامّاً ماليّاً كانت خلفيّته سياسيّة وليست قضائية أو مسلكيّة، وبالتالي تعيينه لاحقاً مدّعياً عامّاً في الجنوب يعطيه براءة ذمّة من أعلى مرجع قضائي، بغضّ النظر عن أيّ حديث عن ديل سياسي”.

النّوّاب العامّون بالأسماء

في المعلومات، باتت تفصل مسافة زمنيّة قصيرة عن صدور التشكيلات القضائية، التي باتت معظم المراكز الأساسية فيها معروفة، ربّما مع مفاجآت في بعض الأسماء، فيما تؤكّد مصادر قضائية لـ “أساس” أنّ التشكيلات تخضع للتنقيح الأخير.

حتى الآن تبدو الصورة شبه مكتملة لناحية النواب العامّين الاستئنافيين في المناطق، الذين أجروا جميعهم مقابلات مع أعضاء مجلس القضاء الأعلى. وعَلم “أساس” أنّ المقابلات، الأقرب إلى “الفحص”،  تركّزت في شق منها على المنحى النفسي، وشخصية القاضي، وكيفية تعاطيه مع حالات وملفات معينة، وطروحاته لتطوير العدلية، ولم تشمل، بالنسبة للقضاة المخضرمين، اختبار مؤهلاتهم القانونية. وهذه المقابلات كانت حاسمة في سياق حسم الأسماء.

فيما سُرّب في الإعلام أنّ بعض الأسماء محسومة في عدّة مراكز قضائيّة، أُجريت مقابلات لاحقاً مع قضاة للمواقع نفسها، وهو ما يشي بأنّ بعض المراكز ستُحسم في الساعات الأخيرة. وتوزّع النواب العامّون الاستئنافيون كالآتي:

– القاضي رجا حاموش نائباً عامّاً استئنافيّاً في بيروت.

– القاضي زاهر حمادة نائباً عامّاً استئنافياً في الجنوب، وهو أمرٌ محسوم بخلاف تسريبات أوحت بالعكس.

– القاضية نجاة أبو شقرا نائباً عامّاً استئنافياً في النبطية، على الرغم من أنّها كانت ترغب بمنصب قاضي تحقيق أوّل عسكري.

– تردّد إسم القاضي مارسيل حداد نائباً عامّاً استئنافياً في البقاع.

– في ما يتعلّق بالنائب العام الاستئنافي في الشمال تردّد إسم القاضي وائل الحسن، لكن المعطيات تشير إلى أن بعد إجراء مقابلات مع قضاة آخرين، مالت الدفة نحو قاضٍ آخر، معروف بكفاءته ونزاهته.

– النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان لم يُحسم إسمه بعد، وتتأرجح الأسماء بين القاضيين سامر ليشع وسامي صادر. وتفيد المعلومات بأن ليشع يحظى بدعم رئيس الجمهورية والرئيس سهيل عبود، فيما القاضي صادر مدعوم من وزير العدل المحسوب على حزب الكتائب. مع العلم أنّ شقيق القاضي صادر، ترشّح إلى الانتخابات النيابية عام 2022 على لائحة الكتائب في زحلة.

– القاضي كلود غانم مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة. وهو من الأسماء القليلة التي كانت شبه محسومة منذ البداية، بسبب كفاءته القضائية، حيث ورد إسمه في التشكيلات القضائية السابقة التي لم تقرّ في عهد الرئيس ميشال عون.

– ندى أسمر قاضي تحقيق أول في جبل لبنان.

– غادة بو علوان قاضي تحقيق أول في المحكمة العسكرية.

– بلال ضناوي أو رولا عثمان قاضي تحقيق أول في بيروت.