كوابيس لبنان بعد التطبيع السوري – الإسرائيلي

كوابيس لبنان بعد التطبيع السوري – الإسرائيلي

الكاتب: طوني عيسى | المصدر: الجمهورية
15 تموز 2025

ثمة معضلة عميقة بدأت تلوح في الأفق اللبناني، نتيجة للمراوحة في ملف سلاح «حزب الله». ففيما تتمسك إسرائيل بسيطرتها المباشرة على بعض الجنوب، وبرقابتها الدائمة على لبنان بكامله، ثمة مَن يقول إنّ دمشق الجديدة تطمح أيضاً إلى «تأمين حدودها» على طريقتها، شمالاً وبقاعاً، إذا أتيح لها ذلك.

إذا ما توصّلت سوريا وإسرائيل إلى اتفاق تطبيع، وهو ما يبدو مرجّحاً، فإنّ ذلك سيُحدِث تحوّلات جيوسياسية كبيرة، خصوصاً بالنسبة إلى لبنان. فمن المرجّح أن يتضمّن الاتفاق بنداً تلتزم فيه دمشق مواجهة المنظمات التي تعتبرها إسرائيل «إرهابية وتُهدّد أمنها». وبناءً على هذا البند، قد يمنح المجتمع الدولي ضوءاً أخضر لسوريا الجديدة لتتحرّك على امتداد الحدود اللبنانية، بذريعة ضبط «حزب الله».

لا يعني نفوذ حكومة الشرع عودة الوصاية السورية على لبنان كما كانت في عهد آل الأسد، مع أنّ الموفد الأميركي توم برّاك ذهب أبعد من ذلك بكثير عندما حذّر من ذوبان لبنان بكامله في الشام. لكن، لا يمكن إنكار أنّ التطوّرات الجديدة ستمنح سوريا أوراقاً أمنية مهمّة في الملف اللبناني، تُضاف إلى مجموعة من الملفات العالقة بين البلدَين.

سيكون لبنان أول المتأثرين بالتطبيع، بسبب موقعه الجغرافي وسلاح «حزب الله» والعلاقات المتشابكة مع سوريا. وستجد دمشق أنّ من مصلحتها التعاون في ملف إضعاف «حزب الله»، إذا رأت فيه فرصة لتعزيز شرعيّتها الدولية وتخفيف الضغوط عليها. وفي عبارة أخرى، ستحصل إسرائيل على «غطاء» سوري، وربما دولي، للضغط على «حزب الله» داخل لبنان.

 

وما يُثير القلق هو أنّ دمشق تتحكّم بعدد من الأوراق الحيَوية في لبنان. فهي لم تقل كلمتها الحاسمة في مسألة مزارع شبعا، ولم ترَ حاجة حتى الآن إلى ترسيم الحدود البرية المتنازع عليها. وفي ظل أي اتفاق تطبيع، قد تحاول سوريا فرض رؤيتها لترسيم هذه الحدود، مستفيدة من موقعها كـ«شريك» جديد لإسرائيل والمجتمع الدولي. وهو ما سيضع لبنان في موقف تفاوضي ضعيف. وكذلك هي حال الحدود البحرية وتقاسم موارد الغاز. فقد تحاول سوريا استغلال وضعها الجديد للمطالبة بحقوق أكبر في مناطق متنازع عليها مع لبنان، ما يؤثر على حصة لبنان.

 

وفوق ذلك، تبقى الورقة السورية الضاغطة هي وجود نحو مليونَي نازح سوري في لبنان. وهي تمثل عبئاً ديموغرافياً واقتصادياً واجتماعياً هائلاً. وبدلاً من تسهيل عودة النازحين في شكل طوعي وآمن، قد تستخدم دمشق هذا الملف ورقة ضغط على لبنان، أو شرطاً مسبقاً لأي «تعاون أمني» على الحدود.

 

إذا اتُفِقَ على أن تتولى سوريا، بضوء أخضر إسرائيلي – دولي، مهمّة «ضبط» «حزب الله» على الحدود، فهذا يعني ضمناً عدم الثقة بقدرة الدولة اللبنانية على بسط سيادتها. وهو ما يقوّض مفهوم الدولة القوية. وإذ يسعى لبنان إلى الحفاظ على صورته كدولة مستقلة ومحايدة، فإنّ أي اتفاق سيجعله طرفاً غير مباشر في نزاع إقليمي، أو يضعه تحت «وصاية أمنية» من أي طرف، ما سيزيد من عزلته.

 

لذلك، مسؤولية الحكومة اللبنانية هي في الخروج من حال الانتظار بلا أفق، وحل مسألة السلاح لمصلحة الدولة، وفي أقرب ما يمكن، لئلّا تفاجئها التحوّلات من الجنوب والشرق والشمال. وعليها أن تستغل الدعم الأميركي والدولي والعربي الحالي لتطلب ضمانات دولية وعربية بعدم حصول أي تدخّل عسكري أو أمني في لبنان، وعدم تغيير الحدود البرية أو البحرية، ودعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية لتمكينها من بسط سلطتها على كل الأراضي اللبنانية. وأمّا مشكلة النازحين، فتستلزم ضمانات دولية بوضع خطة واضحة ومسار زمني لعودتهم إلى بلادهم، ورفض أي محاولة لربط الملف بقضايا أمنية أو سياسية أو اقتصادية أخرى.

 

نتيجة لاتفاق التطبيع، وعلى الأرجح سيتوافق الطرفان السوري والإسرائيلي على إنهاء وجود «حزب الله» الفعّال، في الجنوب والبقاع، ليتقلّص نفوذه فيقتصر على الضاحية الجنوبية لبيروت. وهذا الوضع سيضعه أمام خيارَين: إمّا أن يُسلّم سلاحه إلى الدولة ويتحوّل قوة سياسية، وهو ما يتعارض مع عقيدته كقوة مقاومة مسلحة. وإمّا الرفض والقتال في دائرة 360 درجة: إسرائيل من الجنوب، وسوريا من الشمال والشرق، فيما هو يخاصم عدداً من القوى في الداخل. وكل من الخيارَين يحمل في طيّاته تحدّيات وجودية كبيرة لـ«الحزب». ولذلك، إنّ القرارات التي سيتخذها في الفترة المقبلة لن تحدّد مستقبله فحسب، بل مستقبل لبنان والمنطقة بكاملها. وفي الخلاصة، يُخشى أن يكون لبنان هو الثمن الجيوسياسي لـ«السلام» الإقليمي بين سوريا وإسرائيل، إذا لم تتدارك الحكومة و«الحزب» ما ينتظر من مخاطر.