
سلاح المخيّمات خطّ دفاع أوّل عن سلاح “الحزب”؟
لا يجتمع لبنانيّان إلّا ويكون هاجس احتمال تجديد إسرائيل حربها على لبنان و”الحزب” ثالثهما. ولكن ليس الجمهور العريض وحده يعيش المعادلة القائلة: إمّا يسلّم “الحزب” صواريخه للجيش اللبناني، أو تتولّى إسرائيل نزعها.
بانتظار أن يصدر عن السلطة اللبنانية “إطار زمنيّ” لجمع سلاح “الحزب” وسائر الميليشيات، وهو ما يتوقّعه الموفد الأميركي، المرجّحة عودته في 23 تمّوز، تزداد التعقيدات الإقليمية. من أوجه التعقيد أنّ جمع السلاح من المخيّمات الفلسطينية تعثّر، لكنّه سيعود إلى الواجهة.
منذ 16 حزيران الماضي، تراجعت الآمال بأن يعطي قرار جمع السلاح الفلسطيني في مخيّمات بيروت فسحة من الوقت للسلطة اللبنانية لتفادي الضغوط عليها لتسريع سحب سلاح “الحزب”.
توظيف السّلطة اللّبنانيّة صدقيّتها مع أميركا؟
كان يمكن لأركان الدولة، الذين يتمنّون ليونة من “الحزب” ومن إيران في شأن سحب سلاحه، أن يصنّفوا الخطوة، لو نجحت، في خانة صدقيّة التزامهم تنفيذ اتّفاق وقف الأعمال القتالية (27 تشرين الثاني الماضي)، الذي يحصر السلاح جنوب الليطاني وشماله بيد الدولة. تقف أسباب عديدة خلف استعجال السلطتين اللبنانية والفلسطينية بدء جمع السلاح الفلسطيني، منها:
- كان ممكناً أن يمدّد نجاح الخطوة بمخيّمات بيروت حالة “التفهّم” التي تظهرها بعض الدبلوماسية الأميركية للخلاصة القائلة بأنّ سحب سلاح “الحزب” لن يتمّ بين ليلة وضحاها. الانطلاقة من المخيّمات، بانتظار اقتناع “الحزب” بتسليم سلاحه، كانت ستشكّل دليلاً على جدّية لبنانية تعزّز الثقة الأميركية والدولية.
- لو نجحت الخطوة لكان مفعولها الرمزيّ إيجابيّاً على محادثات كبار المسؤولين مع بارّاك في زيارته الأولى في 19 حزيران. ذكّر بارّاك خلال زيارته الثانية في 7 تمّوز بأنّ سحب السلاح يشمل السلاح الفلسطيني. كانت الخطوة في التاريخ الضمنيّ لتنفيذها المفترض نوعاً من شراء الوقت بخصوص سلاح “الحزب”.
… والتّوظيف الفلسطينيّ لجمع سلاح المخيّمات
- للخطوة رمزيّتها الأبعد من الساحة اللبنانية. تحديد 16 حزيران موعداً ضمنيّاً صادف وقوعه قبل 24 ساعة من انعقاد مؤتمر “حماية حلّ الدولتين” في نيويورك، الثلاثاء 17 حزيران برئاسة سعوديّة فرنسيّة مشتركة. كان المؤتمر يهدف لضمان أوسع التفاف دوليّ حول إطلاق مسار قيام دولة فلسطينية مستقلّة باعتباره أساساً للسلام في المنطقة. استبق الرئيس الفلسطيني انعقاد المؤتمر برسالة إلى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون تؤكّد “نزع” سلاح “حماس” في غزّة وإبعادها عن حكم القطاع. وكان رئيس الحكومة نوّاف سلام، الذي كان سيمثّل لبنان، يأمل ضمناً أن يلاقي جمع سلاح المخيّمات صدى إيجابيّاً لدى الوفود التي كان سيلتقيها، فهي خطوة تشير إلى أنّ منظّمة التحرير لا تعتمد على السلاح والعنف لتحصيل حقّ قيام الدولة المستقلّة. لكنّ المؤتمر تأجّل بناء على طلب الرياض بعد المستجدّات الكبرى التي فرضها بدء المواجهة الإسرائيلية المدعومة من إدارة الرئيس دونالد ترامب مع إيران في 13 حزيران.
خلافات “فتح”
ليست التطوّرات الإقليمية وحدها التي أحبطت الحسابات اللبنانية الفلسطينية لتوظيف بداية سحب السلاح. لا ينكر بعض كبار المسؤولين اللبنانيين وجود الأسباب المذكورة لاستعجال تلك الخطوات. مع ذلك قال مصدرٌ حكوميّ رفيع لـ”أساس” إنّ الدولة لم تحدّد تاريخاً لمباشرة جمع سلاح المخيّمات بدءاً من بيروت. وبينما كان المسؤولون ينتظرون أن يواجه التنفيذ عراقيل نتيجة تضارب الخيارات بين حركة فتح وبين حركة حماس ومعها التنظيمات الإسلامية الموجودة في مخيّم عين الحلوة في صيدا الجنوبية، تبيّن أنّ “فتح” غير جاهزة للخطوة. تعثّر هذا الاختبار جرّاء ممانعة قيادات فتحاوية الاستجابة لقرار عبّاس، بفعل خلافات قياداتها الممتدّة من رام الله إلى لبنان. وبعض الأجهزة الأمنيّة اللبنانية كانت أصلاً حذرةً في توقّع نجاح التسليم. شكّل ذلك دليلاً على ضعف أصاب السلطة الفلسطينية و”فتح”، بفعل الخلافات. عند اكتشاف الرئيس عبّاس الصعوبات أصدر في 12 حزيران 3 مراسيم كلّف فيها لجنة برئاسة مسؤول الساحة اللبنانية عزّام الأحمد بإعادة النظر بأوضاع ضبّاط قيادة الأمن الوطني، بالإضافة إلى السفارة في بيروت وتلفزيون فلسطين والإعلام. قضى هذا التحرّك باستبدال ضبّاط أمنيّين، إعفاء السفير دبّور من منصبه نائباً لعزّام، وسط معلومات عن نيّة نقله إلى سفارة فلسطين بدولة أخرى ربّما تكون عُمان. ظهرت وقائع كثيرة في سياق التعثّر، منها:
ماذا أبلغ “الحزب” لـ”حماس” و”فتح”؟
- سبقت زيارة عبّاس لبيروت إبلاغ “الحزب” حليفته في “الممانعة” حركة “حماس” بأنّ تفاوضها على جمع سلاحها يجب أن يتمّ من خلاله. أخذت كوادر الحركة تعمّم على مؤيّدي السلطة أن “احكوا مع الحزب”.
- في مخيّم عين الحلوة العديد من المجموعات الإسلامية غير “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، المتحالفَين علناً مع إيران و”الحزب”، منها “الحركة الإسلامية المجاهدة”، “عصبة الأنصار”، “أنصار الله” (تتلقّى دعماً من “الحزب”)، “جند الشام”، “كتائب عبدالله عزّام”، “فتح الإسلام”، “مجموعة بلال بدر” و”مجموعة شادي المولوي”. تمويل بعض هذه المجموعات من “الحزب” أو من حرس الثورة، وبعضها على صلة بـ”داعش” والمخابرات السوريّة أيّام النظام المخلوع.
- حين طلب الرئيس محمود عبّاس من السفير أشرف دبّور ومن قيادة “فتح” تسليم السلاح، سأله دبّور: وماذا عن الآخرين؟ (قاصداً “حماس” و”الجهاد” والمجموعات الإسلامية..)، أجابه عبّاس: “أنا التزمت تسليم سلاحنا. الآخرون ليسوا شغلنا”. ردّ دبّور: “عندها يجتاح الآخرون المخيّمات حيث لهم نفوذ، فتدبّ الفوضى ونعود إلى نقطة الصفر”. أصرّ عبّاس على قراره.
عون: لا تقحمونا بخلافاتكم
- حين التقى دبّور الرئيس جوزف عون في 20 حزيران الماضي طلب الثاني منه “ألّا تقحمونا في خلافاتكم”. كان الجانب اللبناني بدأ يعدّل في خطّة جمع السلاح، بدءاً من الجنوب تطبيقاً للقرار الدولي 1701، وتحديداً مخيّمات البص، الرشيدية والبرج الشمالي. فمن محيطها كانت تخرج الصواريخ التي أطلقتها “حماس” أو مجموعات أخرى متّصلة بـ”الحزب”… فالورقة التي صاغها الرؤساء الثلاثة ردّاً على ورقة بارّاك تتضمّن جمع السلاح الفلسطيني.
- “الحزب” أبلغ “فتح” أنّ المطلوب تحييد “عصبة الأنصار” في أيّ جمع للسلاح من مخيّمات الجنوب… التشدّد بعد 13 حزيران يقضي بوضع سلاح المخيّمات خطّ دفاع أوّل عن سلاحه.