
ما جدوى “السلاح” إذا خسرنا لبنان؟
بات سلاح “حزب الله” الملف الأساسي المطروح على طاولة النقاش، وسط ضغوط أميركية يتوقع أن تبلغ ذروتها لـ”نزعه” وحديث المصادر عن إعلان المبعوث الأميركيّ توم باراك أنه لن يتوجه إلى بيروت إذا لم تقدّم الحكومة اللبنانية التزاماً علنياً بشأن نزع سلاح حزب الله، فضلاً عن التهديد الإسرائيلي بالحرب بعد رفض المقترحات اللبنانية التي قدمت إلى برّاك. يأتي الضغط الأميركي على لبنان ليزيد من إرباك الدولة ويفاقم الأخطار على البلاد، من دون أن تتعهد واشنطن بالضغط على إسرائيل لسحب قواتها من النقاط المحتلة، الأمر الذي يدفع إلى مزيد من الفوضى ويعمّق الانقسام الداخلي في مواجهة الشروط الأميركية.
اعتبار الولايات المتحدة أن “نزع السلاح” ضرورة وليس خياراً، حتّم التوجه إلى تحديد جلسة لمجلس الوزراء للبحث في تنفيذ البيان الوزاري في شقه المتعلق ببسط سيادة الدولة على كل أراضيها بقواها الذاتية حصراً. وإذا كانت هذه الصيغة تأتي تخفيفاً لنقاش “سحب السلاح” الذي يثير خلافات سياسية، مع رفض “حزب الله” النقاش في هذا الموضوع انطلاقاً من اعتباره أن سلاحه هو قوة للبنان في مواجهة المشروع الإسرائيلي، فإن التمكن من تطبيق الدولة هذا البند يواجه تحديات كبرى وسط ألغام داخلية يعززها الانقسام اللبناني.
والمسألة لم تعد تترك مجالاً للمماطلة، فإذا كانت الضغوط تضع لبنان أمام مفترق طرق، وسط تصعيد إسرائيلي مستمر، فإن مقاربة الداخل لهذا الملف لا يعي الأخطار المحدقة لما يمكن أن تتجه إليه الأمور، خصوصاً وأن الحوار بين رئيس الجمهورية جوزف عون و”حزب الله” وصل إلى طريق مسدود، مع رفض الحزب أي بحث في تسليم السلاح، لا على مراحل ولا حتى بوضع خريطة لتسلّم الجيش اللبناني الصواريخ والسلاح الثقيل، علماً أنه يدرك أن هذا السلاح لم يعد له وظيفة، وهو أُخرج من مقاومة إسرائيل، ودُفع به إلى الداخل كي يبقى عامل انقسام وتجاذب بين اللبنانيين، ما يؤثر على مهمة الجيش ودوره في استعادة السيادة وحصر السلاح بيده.
تتحمل الدولة اليوم أعباء الضغوط في ملف السلاح، لكنها مسؤولة بفعل عجزها عن مقاربة جدية تدرج هذا الأمر ضمن أجندة واضحة لإنقاذ البلاد، أما المسؤولية الكبرى، فيتحملها “حزب الله” الذي يعيش على أمجاد سابقة وشعارات باتت من الماضي. فإعلان رفضه لأي نقاش في السلاح وعدم مبادرته إلى مساعدة الدولة والجيش على تنفيذ مهماته، يمنح الذرائع للعدوانية الإسرائيلية ضد لبنان، ويعطي الضغوط شرعيتها، مع استحضاره أوهام النصر والقدرة على هزيمة إسرائيل، فإذا بالسلاح الذي يحتفظ به أو يراهن عليه في المواجهة، هو نفسه الذي لم يستطع أن يمنع الاغتيالات والتدمير وقصف بيروت والضاحية وجرف القرى الحدودية التي تريد إسرائيل جعلها منطقة أمنية عازلة.
الوقت ينفد أمام الاخطار التي تهدد لبنان، والحرب الإسرائيلية الداهمة المغطاة أميركياً، وإذا استمرت المراوحة على النحو الذي نشهده، من دون إخراج مقاربة تحمي لبنان، ماذا ينفع عندئذ التمسك بالسلاح المخبأ ونخسر البلد بأكمله؟