
زيادة إيرادت “الخليوي” على حساب الناس: أسعار إلزامية!
يلملم قطاع الاتصالات نفسه بعد النكبات التي مرّ بها، كانعكاس مباشر لما يواجهه لبنان ككل، خصوصاً في ما يتعلّق بالنتائج المباشرة وغير المباشرة للأزمة الاقتصادية والعدوان الإسرائيلي. وإلى جانب مسار تشكيل الهيئة الناظمة للاتصالات، يتطلّع القطاع إلى زيادة إيراداته تحت وطأة “ارتفاع التكاليف التشغيلية”، وليس هناك أسرع وأفضل من تعديل مستويات أكلاف بعض الخدمات في قطاع الخليوي، لتأمين إيرادات إضافية، فكانت البداية من تعديل باقات الإنترنت على صعيديّ السِّعة والسّعر، ليتعزّز بذلك الهامش بين الأسعار في لبنان والكثير من دول العالم، في حين لا يأخذ المستهلك حقّه. على أنّ زيادة إيرادات القطاع، لا يعني بالضرورة إفادة خزينة الدولة بالشكل المطلوب، فالهدر والفساد حاضران دائماً لامتصاص أي مدخول إضافي.
أسعار الإنترنت
بعد التعديل الذي أجرته شركة “ألفا” قبل أشهر، لحجم وأسعار باقات الانترنت، أعلنت شركة “تاتش” تعديل أسعار باقات الإنترنت الشهرية على الخطوط الخلوية. وأخيراً، أرسلت الشركة رسالة نصيّة تلفت نظر مشتركيها إلى أنّ “الاشتراك في باقات الانترنت الحالية HS1 لن يعود متوفّراً ابتداءً من 30 تموز 2025. وإرسال رمز التفعيل لباقات الانترنت الحالية HS1 إلى الرقم 1188 سيؤدّي تلقائياً إلى تفعيل واحدة من باقات الانترنت الشهرية الجديدة”. علماً انّ تلك الباقات تتدرّج من سعة 1 GB بسعر 3.5 دولار وصولاً إلى سعة 444 GB بسعر 129 دولار، وما بينهما سعات بأسعار مختلفة.
أعاد تعديل الباقات التذكير بأنّ خدمات ألفا وتاتش لا تتماشيان مع حاجة المستهلكين وإمكانياتهم المادية، تماماً كما كان الحال قبل انهيار سعر صرف الليرة وفقدان الرواتب والأجور قدرتها الشرائية. فالتعديل الحالي زاد الأسعار، وهو وإن زاد أيضاً سعة الانترنت إلاّ أنّه لم يراعِ مختلف حاجات المستهلكين، إذ جعلَ الهوامش كبيرة بين باقة وأخرى. ووفق التعديل الذي أجرته تاتش على باقات الانترنت، ارتفعت السعة من 500 MB إلى 1 GB مع الحفاظ على سعر 3.5 دولار، وهو التغيير الإيجابيّ الوحيد. وبالتوازي، ومع أنّ سعة الانترنت زادت، فإنّها أتت بصورة إلزامية للمستهلك، توجب عليه دفع كلفة إضافية قد لا يريدها. وفي السياق، تقول إحدى موزّعات بطاقات التشريج الخليوية، إنّ “الزبون الذي كان يختار الـ20 GB كسعة تكفية خلال شهر، سيضطرّ بحسب التعديل الجديد إلى شراء 22 GB، أي يضطر إلى دفع 1.5 دولار إضافي”. وتلفت النظر في حديث لـ”المدن” إلى أنّ “هامش الزيادة يرتفع مع ارتفاع السعة، فيصبح الزبون مجبراً على دفع أكلاف إضافية”. علماً أنّ التعديل الذي أجرته شركة تاتش “يجعل باقاتها قريبة من باقات شركة ألفا، مع احتفاظ الأخيرة بخدمات أفضل في ما يتعلّق بالانترنت”.
معضلة الأسعار باقية
رغم الهوامش البعيدة بين سعة وأخرى، تتمحور المعضلة الكبرى بالنسبة لرئيس جمعية المستهلك زهير برّو، حول الأسعار. فيقول برّو في حديث لـ”المدن” أنّ هوامش سعات الانترنت “موجودة في كل دول العالم، لكن ما ليس موجوداً هو الأسعار المرتفعة”. علماً أنّه رغم ارتفاع الأسعار، لا تزال جودة الاتصالات والانترنت أقل من المستوى المطلوب ولا يتناسب مع ما يدفعه المستهلك.
وبحسب برّو، فإنّ “المستهلك في فرنسا على سبيل المثال، يدفع 6 دولار ثمن 20 GB وعندما يدفع المستهلك 20 دولار، تصبح خدمات الانترنت والاتصالات مفتوحة بلا قيود لجهة السعة والمدّة الزمنية”. وبالتالي “لا تغيّر تعديلات باقات الانترنت في جوهر خدمات قطاع الخليوي التي لا تزال دون المستوى المطلوب وبأسعار خيالية تصل إلى 3 أضعاف ما يُدفع في معظم البلدان”. ولا يستغرب برّو الأسعار المرتفعة في قطاع الخليوي، إذ أنّ “مدخول هذا القطاع هو مصدر تمويل للدولة من جهة وللفساد من جهة أخرى”.
هذا التعديل ليس جوهرياً في أزمة قطاع الاتصالات، وخصوصاً في الخليوي. إذ على مستوى الباقات، يمكن للزبائن المفاضلة بين باقة وأخرى، فمثلاً، يمكن اختيار الباقات المرسلة على الرقم 1100 والتي بموجبها يستفيد المشترك من خدمات الانترنت والاتصالات معاً. إذ يمكن دفع 6.9 دولار للحصول على 3 GB و60 دقيقة تخابر و60 رسالة نصية، أمّا دفع 14.9 دولار، فيمكّن المستهلك من الحصول على 25 GB و120 دقيقة تخابر و120 رسالة نصية، وهو ما يراه بعض المستهلكين باقات منافسة للباقات الجديدة. لكن المفاضلة بين الباقات والخدمات، لا تلغي حقيقة أنّ هذا القطاع “دسم”، إذ يموّل الدولة وشركتيّ الخليوي وقنوات الفساد، من جيوب الناس، وهذا ما أثبته ديوان المحاسبة في أحد تقاريره الذي بيَّنَ أنّ قطاع الاتصالات، وعبر حقبة زمنية امتدت بين العامين 2010 و2010 فقط، أهدر 6 مليار دولار. فالقطاع في تلك السنوات العشر، حقّق 17 مليار دولار، دخل منها إلى الخزينة العامة 11 مليار دولار. أمّا النائب جهاد عبد الصمد، وإثر جلسة لمجلس النواب في 23 تموز، خصّصت للاستماع لوزراء الاتصالات السابقين بطرس حرب ونقولا صحناوي وجمال الجراح، حول قضايا الفساد في القطاع، أوضح أنّه “حتى نهاية العام 2016، كان قطاع الاتصالات بمثابة نفط لبنان، إذ كان دخل الخزينة العامة السنوي من هذا القطاع يصل إلى مستوى 3 مليارات دولار في السنة”. ومن هنا، يمكن تخيّل كيف يسحب القطاع أموال الناس عبر خدمات رديئة وأسعار مرتفعة وبحجج واهية.