
إسرائيل والحاجة الدائمة لوجود عدو مقابل سعي دولي لولادة شرق أوسط جديد مستقر
هل تريد إسرائيل إنهاء حالة الحرب وعسكرة مجتمعها؟
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن شرق أوسط جديد على وشك الولادة نتيجة الحروب والتطورات التي تشهدها المنطقة منذ عامين، وسط توقعات بأن يزداد عدد الدول العربية الموقعة على الاتفاقيات الإبراهيمية للسلام والتطبيع مع إسرائيل. وهذه الاتفاقيات ستؤدي لمكاسب سياسية واقتصادية لجميع دول المنطقة وللولايات المتحدة، وستعزز موقف الغرب إقليمياً مقابل الصين وروسيا. لكن هل تريد إسرائيل إنهاء حالة الحرب وعسكرة مجتمعها؟
تضع سياسات إسرائيل على كل الجبهات علامات استفهام حقيقية عن غايات الدولة العبرية وعن بحثها حقاً عن السلام! فما يجري من قتل ودمار في غزة، ومن تدمير وتهجير في الضفة الغربية، يؤشر لمسعى جاد لتقويض حل الدولتين، كما تستمر الحرب على جبهتها الشمالية تحت شعارات متغيرة. وفي حين أن عملياتها العسكرية مستمرة في لبنان تحت شعار تجريد “حزب الله” من سلاحه، تصعّد عملياتها على الجبهة السورية بحجج مختلفة مثل محاربة الإرهاب وإنشاء منطقة عازلة وحماية الأقليات.
أما حرب إسرائيل مع إيران فقد توقفت بقرار من الرئيس الأميركي، وليس نتيجة استسلام أحد الطرفين. وهي قابلة للاندلاع مجدّداً حسب التهديدات الإسرائيلية إذا ما قررت طهران استئناف عمليات التخصيب وبناء قدراتها الصاروخية. فالنظام الإيراني لم يسقط، ولا يزال يحاول إعادة بناء وكلائه في محور الممانعة مثل “حزب الله” والحوثيين. وبناء عليه، فإن الحروب الإسرائيلية لا يبدو أنها حسمت الوضع على أيّ من الجبهات السبع التي تدعي الحكومة الإسرائيلية المحاربة عليها.
فهل تريد إسرائيل فعلاً اتفاقيات سلام مع الدول العربية؟ لو سلّم الجميع بذلك، فهذا يعني أن إسرائيل تكون قد وافقت على صيغة تدعم حلّ الدولتين، ووافقت على إحلال السلام والاستقرار على حدودها من الجهات كافة، ودخلت في مشاريع استثمارية وتجارية في إطار التطبيع مع جيرانها العرب.
وفي هذه الحالة، لن يعود هناك مبرر للخوف الوجودي لدى الشعب الإسرائيلي الذي سيفضّل الإنفاق أكثر على الإنماء والتطوير على حساب الإنفاق الدفاعي. قوى اليمين الإسرائيلي ستتراجع بشكل كبير بسبب انعدام حالة الخوف والتهديد الخارجي التي تقوى بها، كما أن تركيبة الحكم في إسرائيل، التي تشهد وصول قادة عسكريين لمراكز السلطة منذ ولادة الدولة العبرية، ستتأثر بشكل كبير، وقد تصبح حكراً على المدنيين ورجال الأعمال.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراؤه من اليمين الديني المتشدد يسعون لاستمرار الحرب، وذلك حسب تقارير إسرائيلية وغربية عدة كان آخرها لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية. فهم يعتمدون على حالة الخوف الوجودي، التي عززتها هجمات “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، من أجل بناء وتعزيز قاعدتهم الشعبية تحضيراً للانتخابات التشريعية المقبلة. فهل يمكن لقوى سياسية تعتمد على حال الخوف والتهديد لتبرر إيديولوجيتها وتبقى في السلطة أن تسعى حقاً للتوصل لاتفاقيات سلام مع جيرانها؟
هناك أصوات إسرائيلية معارضة وتتحدث عن حلّ الدولتين وانتهاز الفرصة المتاحة لسلام مع دول عربية مثل السعودية وسوريا سيؤدي لمرحلة جديدة من الاستقرار الإقليمي تنعم فيه إسرائيل. لكنها ليست في الحكم، وتبقى أقلية. وهذا يعني أن القيادة الإسرائيلية اليمينية ستحتاج لبقاء عدو تستخدمه لتجييش قاعدتها الشعبية، ولإبقاء إنفاق دفاعي مرتفع وأساسي للبنية الاقتصادية للدولة. وبما أن حملات إسرائيل العسكرية لم تنته حتى الآن، فمن غير الواضح من سيكون العدو المستقبلي. إسرائيل قد لا تريد أن تنهي جميع حروبها الحالية بشكل حاسم، لأنها بحاجة لوجود عدو، لتشن عليه ضربات من حين لآخر ويغذّي إيدولوجيتها. هل سيكون العدو هو إيران مع برنامج صواريخ باليستية وأسلحة أكثر تطوراً؟ أم هل ستسمح إسرائيل باستمرار أي من أذرع إيران في لبنان مثلاً؟ أو تبحث عن عدو جديد في سوريا؟