
سلام… رئيس أكبر كتلة في البرلمان
منذ تسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة إلى اليوم، مرّت شعبية القاضي الدولي بمنعطفات كثيرة. بدأت بانفراجة وفرح هبطا على اللبنانيين بعد تسميته التي شكلت مفاجأة للجميع وصدمة لقلة كانت تنتظر عودة عقارب الساعة إلى الوراء. التسمية رفعت في اللبنانيين منسوب الأمل بعد وصول شخصية من وزن سلام إلى سدّة رئاسة الحكومة، لكن سرعان ما بدأت الشعبية والأمل على السواء، الانحدار.
بدأ هذا الانحدار مع المهلة التي وضعها سلام لنفسه لتشكيل الحكومة، وما استتبعها من مشاورات ثم “شدّ حبال” من أجل تسمية الوزراء الشيعة. تمسّك الرئيس نبيه بريّ بوزارة المالية، وتحديداً باسم الوزير ياسين جابر، فرضخ سلام فأصاب أغلب اللبنانيين بالعجز والإحباط… ثم تخطوا تلك المرحلة على أمل الدفع بالبلاد قدمًا.
الأداء الحكومي اللاحق، زاد من منسوب الإحباط، خصوصًا حينما دخلنا في حقبة التعيينات التي كشفت أنّ التحاصص كان سيد الموقف، وكل ما بُني من آمال تغيير وكفاءة على آليات لم تلتزم بها الحكومة يومًا، تبّخر في تلك اللحظة.
ترافق كل ذلك مع المهلة التي فرضها رئيس الجمهورية جوزاف عون من أجل الحوار مع “حزب الله”. هي الأخرى أشعرت جزءًا كبيرًا من اللبنانيين بأنّ الأمور تدور في حلقة مُفرغة. تعنّت “حزب الله” وإصراره على التمسك بالسلاح من دون تقديم أي تنازل يُذكر، دفع بالرئيس عون إلى إعادة النظر بمسار الحوار برمته، خصوصًا حينما بدا للرئيس في الأسابيع الماضية أنّ الأمر غير مجدٍ و”الحزب” يتعمّد استنزاف الوقت الذي لا نملك ترف إضاعته… إلى أن حصل التغيير في موقف الرئيس والحكومة على السواء وتحدّد موعد جلستيّ 5 و7 آب.
قبل الجلستين، بدت حكومة سلام وكأنها تقف على الحياد بملف السلاح، متخلية عن صلاحياتها ولو لوقت قصير، من أجل أن يأخذ الرئيس عون فرصته، علّ ذلك يقود البلاد إلى خواتيم مرضية للأطراف كلها. لكن هذا لم يحصل… ثم توالت زيارات المبعوث الأميركي توم برّاك الذي قدّم ورقته، وتبنّتها الحكومة بعد ضغوط، وباركها رئيس الجمهورية واتُخذ القرار المُنتظر: الدولة اللبنانية تتخلى، بعد عقود، عن فكرة التماهي مع “منطق الميليشيا” الذي تُرجم لسنوات طويلة في البيانات الوزارية و”قُرّش” سطوةً من خارج الدستور على الأرض وفي مفاصل الدولة.
لا مبالغة في القول إنّ قرار الحكومة، أعاد الاعتبار للدولة بعد أن أجبرها على لفظ “جسم غريب” تغذى على وجودها طويلًا. هذا القرار، برغم الغبار الذي أثير حوله، لناحية انسحاب الوزراء الشيعة أو وقوفهم على عتبة باب الجلسة (بدافع الموافقة الخجولة) قلب الطاولة رأسًا على عقب. وأثبت أنّ الحكومة حينما تأخذ قرارات وطنية وجدّية، فإنّ الشعب اللبناني بكل مكوناته يلتف حولها وينسى أو يتناسى الصغائر، بينما المعترضون يصمتون.
اليوم لا مبالغة ولا مجافاة للحقيقة، في القول إنّ نواف سلام هو رئيس أكبر كتلة نيابية سيادية في البرلمان اللبناني. وقفت خلفه وساندته جميع الكتل السيادية التي انصهرت في جسم واحد داعم لقرار حصر السلاح بيد الدولة. رئيس أكبر كتلة تدعمه وتصادق على قراراته خصوصًا حينما تصبّ في خانة “منطق الدولة”.
هذه الكتلة سوف تستمرّ في دعم نواف سلام وحكومته ومنحها ثقتها، في كل مرة وعند كل محطة مشابهة، تدفعنا قدمًا نحو بلوغ الأهداف السيادية وتزرعنا في دولة المساواة والقانون.