
الخط البحري بين جونية وقبرص… يقترب
بعد أكثر من ربع قرن من التوقّف، يعود مشروع إعادة تشغيل مرفأ جونية، ليشغل الأوساط الاقتصادية والسياحية وحتى الأمنية في لبنان.
ففي بلدٍ مطاره عرضة للتجاذبات السياسية والتهديدات العسكرية والأمنية وطريقه خاضع لتقلبات الشارع، يبقى وجود مرفأ بحري «سياحي» حاجةً مُلِحّة لفتْح نافذة بحرية تربط لبنان بجواره المتوسطي وتشكل مخرج طوارئ للأيام الصعبة وتلعب دوراً سياحياً تنموياً لمنطقة كسروان ولبنان ككل. فهل يكون خط العبارات البحري المقترَح بين جونية وقبرص هو النافذة الموعودة؟
لطالما كانت توسعة مرفأ جونية وإعداده لاستقبال البواخر السياحية الكبيرة، ربْطاً بدول البحر المتوسط، مشروعاً طموحاً بإمكانه نقل لبنان إلى مستوى سياحي رفيع ووضْعه على الخريطة السياحية المتوسطية.
لكن مشروعاً طموحاً كهذا، تصل تكلفته بحسب التقديرات إلى 50 مليون دولار، يحتاج إلى دولة متمكّنة مادياً وإلى استثمارات مالية كبيرة ووضْعٍ مستقرّ، وكلها مقوّمات يفتقدها لبنان حالياً.
ومن هنا جاء الحديث عن ضرورة استغلال هذا المرفق الحيوي بالحد الأدنى لربْط لبنان بجزيرة قبرص من خلال خط بحري، وهو الأمر الذي كان معروفاً وشغالاً إبان الحرب اللبنانية حين كانت سبل التواصل مع الخارج مقطوعة لفئة من اللبنانيين.
وتَصاعَدَ الحديثُ عن إعادة فتح مرفأ جونية بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، التي جعلت مطار رفيق الحريري الدولي عرضة للمخاطر والوصول إليه مهمة شبه مستحيلة في ظل غياب أي منفذ جوي آخَر.
ومع انطلاقة العهد الجديد وما رافقها من زخم معنوي وسياسي، شقّ هذا المشروع طريقَه إلى التنفيذ، وكان من المتوقّع أن ينطلق الخط البحري مع بداية موسم صيف 2025، لكن تعقيدات عديدة عثّرت طريق الإنجاز.
النائب نعمة افرام، عرّاب المشروع، وفي حديث خاص إلى «الراي»، شرح تفاصيله وما واجهه من مطبات، معلناً أن الانطلاقة قريبة جداً.
وقال افرام: «بعد 20 سنة من التوقف بات مرفأ جونية جاهزاً للعمل عقب إعادة تأهيله وجعْله قادراً على استقبال البواخر المتوسطة. وقد حصل على رخصة IMO أي أنه بات يَظهر على الخريطة البحرية. واليوم نحن بحاجة إلى باخرة او أكثر تؤمن النقل من وإلى جونية. والمشكلة أن غالبية البواخر محجوزة في الموسم الصيفي. وقد تُواجِهُنا بعض المشاكل اللوجستية التي يمكن ان نكتشفها عند وصول الباخرة والبدء بتسيير رحلاتها».
ورداً على سؤال عما يُحكى عن بعض العثرات في موافقة السلطات القبرصية على موضوع الخط البحري وإعطاء الأذونات بذلك، أجاب النائب افرام «ليس هناك أي رَفْضٍ قبرصي لمبدأ الخط البحري، ولكن يجب أن توافق السلطات القبرصية على نوعية الباخرة. وحين يحصل ذلك لا يعود ثمة إشكالات تُذكر. المشاكل التي واجهتْنا كانت في تأهيل المرفأ، لكننا تَدَبَّرْنا أمر التمويل الكافي لذلك، ووزارة الأشغال مشكورة بشخص الوزير الصديق فايز رسامني أمّنتْ التراخيص الضرورية. واليوم كل الضروريات الرسمية، من الجمارك إلى الأمن العام وسلطات المرفأ، صارت جاهزة لمواكبة حركة الركاب. وقد زوّدْنا المرفأ بجهاز سكانر ولا نزال ننتظر جهاز الأشعة السينية لتكتمل التجهيزات».
لكن رغم تأكيدات افرام، إلا أنه لا تزال ثمة تحفظات، على ما يبدو، مِن الجهات القبرصية بإزاء تشغيل الخط ولا سيما بالنسبة إلى الشؤون الأمنية.
فقبرص التي اكتوت بالهجرة غير الشرعية إلى شواطئها انطلاقاً من لبنان، تَخشى أن يكون هذا الخط مساراً لهجرة غير مضبوطة تماماً، الأمر الذي يرفضه كلياً الجانب اللبناني. كما أن بعض الشؤون الإدارية المتعلقة بتسجيل السفن وتشغيلها لا تزال عالقة في الجانب القبرصي.
على الورق إذاً كل شيء بات جاهزاً، في انتظار تشغيل باخرةِ نقلٍ أو أكثر. واليوم تتولى شركة «INDEVCO» تسيير هذا الخط في انتظار أن تقوم شركات بحرية أخرى بتشغيل بواخرها عليه.
والبواخر العاملة ستكون صغيرة تتّسع لِما بين 300 إلى 400 راكب تشبه البواخر السريعة العاملة بين الجزر اليونانية. وتستغرق الرحلة نحو أربع ساعات من جونية إلى لارنكا، مع أسعار تنافسية أقلّ بنسبة 20 إلى 30 في المئة من تذاكر الطيران.
وتُقدر المسافة البحرية بين جونية ولارنكا بنحو 120 ميلاً بحرياً، ومن هنا فإن الرحلة المتوقَّعة، تستغرق قرابة 4 ساعات عند سرعة تقارب 30 عقدة.
ويُتوقع أن تُخفف هذه الخدمة من ضغط المطار والمرفأ في بيروت، وتوسّع خيارات التنقل أمام اللبنانيين والسياح على حد سواء، وأن يتم اعتمادها نحو ثمانية أشهر في السنة نظراً للأوضاع الجوية والبحرية شتاءً. وخلال هذه الأشهر ولا سيما في الصيف يُنتظر تسيير الرحلات بين ثلاث إلى أربع مرات أسبوعياً.
وتتطلب هذه الرحلات أن يكون لدى الركاب المُغادِرين من لبنان تأشيرة سفر إلى قبرص أو تأشيرة شنغن أو لديهم جواز سفر أجنبي يَسمح لهم بالنزول إلى قبرص. ويتوقع أن تكون تكلفة الرحلة ما بين 100 إلى 250 دولاراً.
والجدير ذكره، أن مرفأ جونية رغم كونه غير مؤهَّل ليكون مرفأ سياحياً يستقبل السفن الكبيرة، إلا أنه مرفأ مستقلّ مكتمل الصلاحيات وفيه رئيس مينا مثل كل المرافئ اللبنانية. ومع وجود الأمن العام والجمارك وأجهزة التفتيش، يصبح مكتمل الصلاحيات.
وعلى هامش الاستعدادات لتدشين خط العبارات بين جونية ولارنكا، اعترض البعض على كونه سيُلْحِق ضرراً بميناء الصيادين الواقع في مرفأ جونية وسيؤثّر عليه سلباً. لكن النائب افرام وفي أحاديث عدة له نفى هذا الأمر وأَظْهَرَ حجمَ الانعكاسات الإيجابية للخط البحري على الصيادين وعلى منطقة جونية اقتصادياً وسياحياً وتنموياً.
لا يحب النائب نعمة افرام، إعطاء مواعيد محددة لانطلاقة الرحلات لكنه يأمل أن تبدأ قبل نهاية الموسم الصيفي، فكل شيء مرتبط بإيجاد الباخرة المناسبة.
فهل يتحقق أخيراً هذا الحلم ويصبح للبنان منفذ سريع على أوروبا أم أنه سيبقى رهينة اعتبارات سياسية تَمنع عنه هذا الانفتاح؟