أيّ سيناريو لتصادم “الحزب” مع “غالبية” الدولة؟

أيّ سيناريو لتصادم “الحزب” مع “غالبية” الدولة؟

الكاتب: روزانا بومنصف | المصدر: النهار
17 آب 2025

هل تغيّر واقع الحزب عما كان ما قبل 27 تشرين الثاني 2024 حين كان يفاوض لوحده بواسطة “الأخ الأكبر” نبيه بري على وقف لاطلاق النار والذي وافق بموجبه على حصرية السلاح في أيدي الأجهزة الأمنية الرسمية؟

قدّم الامين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم في اطلالته التهديدية الاخيرة السيناريو الاشد قتامة بين سيناريوات محتملة لمعالجة ملف نزع او تسليم سلاح الحزب وهو التهديد بحرب اهلية داخلية يدرك جيدا بالمعلومات ان الجيش اللبناني ليس في وارد الانزلاق اليها ولا اي من الافرقاء اللبنانيين الاخرين . السيناريوات الاخرى في ظل اعلانه عدم استعداده لتسليم سلاحه طوعا واذا استطاع عزل العوامل الخارجية واهمها استمرار استهدافات اسرائيل لمواقعه وعناصره ، هو تعطيل مسار استعادة الدولة اللبنانية سيادتها بما يقوض السلطة وقدراتها ان في الرئاسة الاولى او الحكومة بما يرسخ واقع ان تعطيلها يسمح باستمرار ازدواجية السلطة او وضع العصي في دواليب الشرعية انما من دون اي قدرة على ضمان تأمين اي اموال ومساعدات للبنان ما يرجح ان يبقي اللبنانيين والجنوبيين خصوصا في حال بؤس مستدام.

هل تغير واقع الحزب عما كان ما قبل 27 تشرين الثاني 2024 حين كان يفاوض لوحده بواسطة “الاخ الأكبر” نبيه بري على وقف لاطلاق النار والذي وافق بموجبه على حصرية السلاح في ايدي االاجهزة الامنية الرسمية وحدها فيما انه يرمي التبعة على الحكومة اللبنانية لموافقتها على الورقة الاميركية التي اعادت تثبيت ذلك الواقع ؟ هل تغير واقع ايران ايجابا عما كان قبل اتفاق وقف النار اللبناني وما بعد حرب 12 يوما الاسرائيلية الاميركية عليها لكي يستطيع علي لاريجاني ترجمة دعمه للحزب في استعادة لما كان قبل ” طوفان الاقصى ” او يمنع استنساخ تجربة نزع سلاح الحزب في لبنان وفي العراق كذلك ؟ فالمسؤولون الايرانيون جالوا قبل 14 آب الجاري على حلفائهم في العراق ولبنان والتقوا ايضا القيادة الحوثية مؤكدين دعم هؤلاء جميعهم وعدم التخلي عنهم في موازاة وقبيل اجتماع الممثلين الدائمين لإيران والصين وروسيا لدى الأمم المتحدة في فيينا في 14 آب كذلك تنسيقا من حيث المبدأ للجهود الدبلوماسية ردًا على تحذير مجموعة E3 (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا) من أنها قد تُفعّل آلية الإعادة القسرية للعقوبات الاممية على ايران بحلول نهاية شهر آب الجاري ما لم تستأنف ايران مفاوضاتها مع الولايات المتحدة حول الملف النووي فيما ليست مؤكدة قدرة الصين وروسيا على منع ذلك. والسؤالان اللذان تثيرهما اوساط ديبلوماسية يرتبطان بواقع ان لا الحزب ولا ايران يملكان القدرة او القوة على مواجهة متجددة مع اسرائيل اقله في المدى المنظور على رغم التهديدات بالردود المناسبة اذا اضطرهما الامر لذلك ، كما يرتبطان بواقع انه ليس مرجحا قدرة ايران على دعم الحزب بالاسلحة كما في الماضي ولا حتى بالاموال ، ما يجعل من المواقف التهديدية بالارتداد الى الداخل اللبناني السلاح الامضى للدفاع عن السلاح وفق ما يرى كثر .

اثار كلام لاريجاني وترجمته من قاسم تهديدا بقلب الطاولة على رأس الجميع قلقا من دون ان يخيف فعلا . اذ اولا لا يمكن عزل لبنان عن الجغرافيا التي يتفاعل من ضمنها. والخطأ الجسيم في اداء الحزب ليس خطابا موتورا واستفزازيا لامينه العام فحسب ، بل استثمار زيارة احد كبار المسؤولين الايرانيين من حيث تظهير الحزب مدى ولائه وحاجته لدولة خارجية فيما يرفض الاحتضان اللبناني له ، والاكثر اذا وجد نفسه فجأة مستدرجا لزيارات مماثلة يقوم بها مسؤولون عرب مثلا دعما للطائفة السنية في لبنان وتقوية عزيمتها من طريق المطار وصولا الى قلب العاصمة والمناطق الاخرى فيما ان سوريا لم تعد تشكل ظهيرا للحزب كما في زمن استقوائه على اللبنانيين .

وثانيا ، لم يتفاعل جوزف عون ولا نواف سلام مع زيارة لاريجاني على طريقة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي تدعم بلاده دوما ” جهود الحوار بين الولايات المتحدة وإيران، باعتباره السبيل الأمثل لحل الخلافات وتعزيز الاستقرار في المنطقة ” تجنيبا للعراق من تحويله ساحة للصراع بينهما ، بل اخذا كل من جانبه مسؤولية معالجة ملف لا يزالان يعتبران انه ملف داخلي ايضا على عاتقهما ويستشعران خطورة تسليم مصير لبنان انطلاقا من تحويل سلاح الحزب الى مساومات بين ايران والولايات المتحدة .

وثالثا ، ان لبنان ، وعلى عكس العراق في الجانب المتعلق بالتنظيمات الموالية لايران ، يضم طوائف واحزابا اعلنت جميعها دعمها بقوة لمسار انهاء السلاح خارج الدولة وعدم قدرة اي منهم بمن فيهم حلفاء الحزب سابقا على مختلف المستويات تحمل المسؤولية التاريخية باجهاض الفرصة المتاحة راهنا لاعادة بناء الدولة واستعادتها لقرارها وسلطتها . والاجماع اللبناني باستثناء الحزب حتى لو انه بات يتحدث اخيرا باسم حركة ” امل” ايضا، يوفر صورة للخارج ان هناك لبنان اخر غير لبنان الحزب يريد الدولة ، وهو يمثل اكثرية طائفية وسياسية وعددية بحيث يستحق الدعم في هذا الاتجاه من حيث الحاجة الى رفده بالضمانات التي يمكن ان توفرها الدبلوماسية الدولية من حيث قدرتها على اجبار إسرائيل على تنفيذ ما يتعين عليها تنفيذه في اتفاق وقف الأعمال العدائية من اجل تجنب تقويض قدرة الدولة اللبنانية في توفير الأمن، وحتى من اجل عدم توفير عناصر قوة للحزب بان الامر يحصل فقط تحت وطاة تهديداته ، وفق ما يرجح ان يشيع في حال حصول ذلك، من اجل تبرير احتفاظه باسلحته او التخلي ظاهريا عنها وفق ما قد يتجه في مرحلة بديلة اذا شعر بالضغوط المناسبة التي لا عودة عنها . فهناك من يقرأ في موقف الحزب عطفا على تلميح او عدم استبعاد اسرائيلي قبل ايام بمرونة في شأن وجودها في الجنوب شيء من التموضع الاستباقي لمرحلة يبرز فيها الحزب في شكل خاص استعداده لاعلان ” انتصار ” ما في حال تحقق التراجع الاسرائيلي على غرار ما جرى في 2006 وقبلها في 2000 ايضا والسعي لاستثمار ذلك لمصلحته ومصلحة ايران.

وفي اي حال فان الفرصة التي يضغط الخارج من اجل ان يستفيد منها لبنان لا تتعلق به وحده ، وما يجب على اللبنانيين القيام به فحسب، بل ترتبط ايضا بارادة خارجية تتصل بعدم تركه لايران مجددا من جهة وعدم مفاوضتها عليه من جهة اخرى كذلك.