سلطة الشرعيّتين على المخيّمات

سلطة الشرعيّتين على المخيّمات

الكاتب: اسعد بشارة | المصدر: نداء الوطن
22 آب 2025

يشكّل البدء بتنفيذ قرار سحب السلاح من المخيّمات الفلسطينية في لبنان منعطفًا تاريخيًا طال انتظاره. فهذا الملفّ الذي كان منذ عقود أشبه ببرميل بارود جاهز للاشتعال، يتمّ تفكيكه اليوم بخطوة عملية تضع أمن المخيّمات في عهدة الدولة اللبنانية، وتُسقط من يد اللاعبين الإقليميين ورقة طالما استُخدمت لتعطيل الدولة اللبنانية أو لابتزازها.

القرار الذي أتى بالتنسيق الكامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية لم يكن وليد اللحظة، بل ثمرة مسار طويل من الاتصالات. وقد أدّى الرئيس محمود عباس (أبو مازن) دورًا محوريًا في تهيئة الظروف لاتخاذه، إيمانًا منه بأنّ الفلسطينيين في لبنان لن يستفيدوا من استمرار فوضى السلاح، بل على العكس فإنّهم يدفعون أثمانها أمنيًا واجتماعيًا. بذلك، يكون عباس قد ربط مصير المخيّمات بشرعية الدولة اللبنانية، في لحظة إقليمية ودولية لا تحتمل استمرار أي جيوب أمنية خارجة عن السيطرة.

ما يحصل اليوم يذكّر بالتجارب السابقة، بدءًا باتفاق القاهرة عام 1969 الذي منح الفصائل حرية العمل المسلّح داخل المخيّمات، وصولًا إلى تجربة نهر البارد عام 2007 التي أظهرت كلفة ترك مربّعات أمنية مستقلة. لكنّ الفارق أنّ ما يجري حاليًا ليس نتيجة حرب أو ضغط عسكري، بل قرار سياسي مشترك من الشرعيتين: اللبنانية والفلسطينية.

انعكاسات القرار ستكون مزدوجة:

على الصعيد اللبناني، ستتمكّن الدولة تدريجيًا من بسط سلطتها على مساحات ظلّت خارج سيطرتها منذ نصف قرن تقريبًا، ما يعزز صورة الدولة ويعيد ترميم مفهوم السيادة.

على الصعيد الفلسطيني، سيؤدي نزع السلاح إلى تحسين علاقة المخيّمات بمحيطها اللبناني، ويمنع تحويلها إلى ساحة صراعات داخلية أو إقليمية. الأهمّ أنّ اللاجئين أنفسهم سينتقلون من موقع المتهم دائمًا بامتلاك سلاح غير شرعي إلى موقع الشريك في تعزيز الاستقرار.

أمّا على المستوى السياسي الأوسع، فإنّ هذه الخطوة تسحب ورقة طالما استعملتها قوى الممانعة للتلويح بالفوضى، وتُعيد ضبط التوازن داخل لبنان. كما تساهم في “تطبيع” الواقع الفلسطيني في لبنان، عبر تحويل المخيّمات من عنوان إشكالي إلى ملف منضبط بإطار الشرعية.

في المحصّلة، نحن أمام لحظة تأسيسيّة تكرّس سلطة الشرعيّتين: الدولة اللبنانية بسيادتها، والسلطة الفلسطينية بمسؤوليتها. خطوة كهذه لا تنهي فقط مرحلة السلاح، بل تؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والاجتماعي، حيث يصبح الفلسطينيون جزءًا من معادلة الأمن لا جزءًا من معادلة التفجير.