
لماذا الإصرار على فتح الجبهة السورية؟ وما الدوافع؟!
التوقعات بأحداث درامية على الحدود مع سوريا مرتبطة بالبحث عن وظيفة لسلاح غير شرعي بإضافة الجبهتين الشمالية والشرقية إلى الجنوبية.وعليه فان التعاون اللبناني ـ السوري يعزز ضبط الحدود بين لبنان وسوريا.
توحي تقارير ديبلوماسية وعسكرية حيادية، بأنّ ما بين لبنان وسوريا بات على المقلب الثاني مما كان قائماً. فالرعاية السعودية المدعومة أميركياً فعلت فعلها في تغيير كل ما كان معتمداً طوال العقود الماضية في ظل النظام السوري السابق، وما تبع سقوطه. وهو أمر له ما يبرره في ظل الرعاية غير المسبوقة في مواجهة من يصرّ في توقعاته على أنّ الانفجار آتٍ، وانّ فئة من اللبنانيين مستهدفة في حجة باتت على ألسِنة من يريدون الاحتفاظ بالسلاح. وعليه، ما هي المؤشرات المؤدية إلى هذا الوضع؟
منذ 8 كانون الأول الماضي يوم انهار النظام السوري بالسرعة التي لم يكن يتوقعها كثر، تلاحقت الهموم المتصلة بالوضع على الحدود اللبنانية – السورية الشمالية والشرقية. فالتداخل الذي كان قائماً أدّى إلى إلغاء كثير من الحواجز والنقاط الحدودية. لا بل فقد كانت معظم المناطق تشهد انفتاحاً غير مسبوق، لم تعرفه الحدود بين أي دولتين متجاورتين في العالم. ذلك أنّ وحدات من “حزب الله” وحلفائه في “محور الممانعة” ومعهم وحدات من الفرقة الرابعة من الجيش السوري كانت تسيطر على جانبي هذه الحدود، بطريقة لا يمكن ان يُستثنى منها سوى تلك التي يسيطر عليها الجيش اللبناني من جهة لبنان منذ عملية “فجر الجرود” في 29 آب 2017 عبر ألويته البرية التي عززت وجودها في المنطقة.
ولهذه الأسباب وخلافها، فقد انحسرت سيطرة الجيش على مسافات محدودة، أُعفيت منها المعابر غير الشرعية التي لم تكن مضبوطة إلى درجة ربطت بحرّية الحركة التي كانت متروكة للميليشيات للتحرك بين البلدين بقوافلها العسكرية وتلك التي تتولّى نقل الممنوعات وتهريب الخضر والفواكه من الأراضي المستثمرة في منطقة القلمون، حيث أُنشئت المزارع النموذجية ومعها الصناعات المستوردة من العراق وسوريا وربما من إيران، عبر ما كان يُعرف بأوتوستراد طهران ـ بغداد ـ دمشق فالأراضي اللبنانية.
وعلى هذه الخلفيات، تعترف المراجع السياسية والعسكرية والأمنية المحايدة، بأنّ سقوط النظام بالسرعة التي لم يكن يتوقعها حتى أقرب المقرّبين اليه، جعل الذين ساهموا في الدفاع عنه يعيشون اشهراً عدة من الإرباك، فاضطروا مع عائلاتهم التي استوطنت بعض القرى بديلاً من سكانها الأصليين النازحين إلى لبنان وتركيا ودول الجوار السوري، إلى النزوح، تاركين مقتنياتهم ومواقعهم العسكرية من دون القدرة على نقل أسلحتهم الثقيلة بطريقة آمنة إلى الأراضي اللبنانية، وهو ما تسبّب بحال من الفوضى، إلى درجة اعتبر فيها البعض أنّه فَقَد ما كان يتمتع به من امتيازات لعقد من الزمن، واضطرت شبكات تهريب المحروقات والممنوعات إلى الاختفاء إلى حين انجلاء الصورة الضبابية.
تزامناً، تعددت الإشكالات الأمنية بين العائدين إلى قراهم وبين من كان يستولي عليها، وخصوصاً في القرى المتداخلة على جانبي الحدود، وما رافقها من عمليات تسلل واغتيال وحرق ممتلكات وبما يشبه حالات الثأر بين جماعات مسلحة يعرف قادتها بعضهم بعضاً بعدما أمضوا في المواجهة سنوات عدة انتهت بسيطرة “محور الممانعة” على المنطقة وهروب من تمكّن من الهرب ومقتل آخرين، ونمت أجواء من الثأر، خصوصاً انّ معظمهم ينتمون إلى عشائر تعرف بعضها منذ عقود ونشأت بينها مصالح اقتصادية ومصاهرات عائلية طوال تلك الفترة، قبل أن تفرّقهم الحرب وما طرأ من سيطرة متبادلة غيّرت مسار الأحداث أكثر من مرّة.
ولذلك، تعتقد المراجع نفسها، انّه كان من الطبيعي أن تتواصل عمليات الكرّ والفرّ على طول الحدود وخصوصاً في المناطق الساخنة وحيث التداخل العائلي والسكاني قريب. إذ تمكّن النظام من التلاعب بالمناطق الحدودية في أكثر من منطقة من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر ومحيطها حتى الحدود الشرقية والشمالية، حيث ازدهر الإقتصاد الموازي المبني على أعمال التهريب التجارية ونقل المخدرات وتصديرها عبر الأراضي اللبنانية ومرافقها، وهو امر لم تكن الوحدات السورية النظامية السابقة بعيدة منه بحكم مشاركتها ورعايتها لعدد من الشبكات المشتركة بين أبناء البلدين.
وتستطرد هذه المراجع، أنّه ما لم يكن في الحسبان كان انقلاب الوضع رأساً على عقب في الأشهر الثمانية الأخيرة المحتسبة منذ سيطرة المجموعات المسلحة على النظام في سوريا، وترتيب أوضاعها العسكرية، فدمجت المجموعات من ضمن الأصول النظامية بإشراف وزارة الدفاع وأُنشئ الجهاز الخاص بإدارة الحدود والمرافق البرية والبحرية والجوية لإعادة ضبط المعابر ووقف أعمال نقل الأسلحة والتهريب، وهو ما أدّى إلى نزاع من نوع جديد، عززته العمليات الإنتقامية التي شهدتها مناطق محددة في حوش السيد علي والقصير وعلى بعض المعابر على الحدود الشمالية المتداخلة، قبل ان تكتسب شكل النزاع الذي كان متوقعاً بين الوحدات العسكرية السورية النظامية والمجموعات التي كانت تعمل في صفوف “حزب الله” او بأمره. فتعددت المواجهات وسقط قتلى وجرحى من الطرفين، قبل أن يعلن الجانب اللبناني انّها حرب مع الشيعة اللبنانيين والسوريين، بفعل اضطرارهم إلى استقبال المهجّرين السوريين الشيعة الجدد إلى الأراضي اللبنانية، بعدما استهدف النظام الجديد مناطقهم، وأنشأت لهم مخيمات في لبنان.
ولم تقف الامور عند هذه الحدود، فجاءت الرعاية السعودية العملية بعد الفرنسية ممثلة بوزير دفاعها وجهاز مخابراتها، لترتيب العلاقة بين الجيشين والوضع على الحدود اللبنانية ـ السورية بما فيها المعابر الشرعية، لمنع نقل الأسلحة المحتجزة في سوريا إلى لبنان، وضمان أمن النظام الجديد الذي يرى في بعض القوى اللبنانية من يريد استهداف رئيسه احمد الشرع وقادته، بعد تهديدات علنية وأخرى وصلت سراً، فكانت الترتيبات الجديدة التي ترجمتها لجنة مشتركة، وضعت خطوط تواصل حمراء بين غرفتي عملياتهما للتدخّل عند وقوع اي حادث، لمنع تطوره، وتبادل المعلومات في شأن اعمال التهريب وفق آلية ضبطت كثيراً من العمليات الأمنية.
ولكن هناك في الجانب اللبناني، تضيف المراجع عينها، من لا يزال يتنبأ بالشرور وعظائم الامور والعمليات العسكرية على الحدود وتسريب أخبار مغلوطة ومدسوسة عن نشر مقاتلين أجانب على الحدود، فيما أنجزت وزارة الدفاع السورية تجميعهم في ثكن عسكرية في الداخل السوري لتدريبهم وتثقيفهم برضى وإذن دوليين، سمحا لها باستيعاب أصحاب الهويات من دول إسلامية مختلفة لتأهيلهم، بسبب عدم رغبة أحد منهم بالعودة إلى بلاده.
ولا تقف الأمور عند هذه المحطات فحسب، فالاجتماعات المشتركة بدأت لترتيب العلاقات على مستوى النقل والانتقال بين البلدين، وهناك بعثة سورية ستزور بيروت لتثبيت الحدود اللبنانية – السورية المرسّمة منذ آب 1970 أيام الرئيس الراحل سليمان فرنجية، وإعادة تأكيد 1000 نقطة اساسية و4000 نقطة فرعية وترتيب الخلافات العقارية التابعة لعقارات اللبنانيين في الأراضي السورية ولسوريين في الأراضي اللبنانية.
وعليه، يبدو انّ توقع البعض عمليات عسكرية على الحدود السورية بات وهماً إلى حدّ ما، وإن كان يريدها فلسبب وجيه يبرّر الاحتفاظ بالسلاح غير الشرعي وتوفير مهمّة جديدة له، بإضافة الجبهة السورية إلى الجبهة مع فلسطين المحتلة، وهو أمر لا يمكن ان يقدّم ولا يؤخّر. فكلما تحسنت العلاقات بين البلدين كلما تلفظ المشاريع الخارجة على إرادتهما.