
أضاع “الحزب” كربلاء ويفتش في عوكر
مرّ عيد انتقال السيدة العذراء وسط ضوضاء تسبب بها الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم. واختار الأخير ذكرى أربعينية الإمام الحسين كي يجمع بين هذه الضوضاء التي عكر فيها صفو عيد السيدة وبين التشويش على سيرة الامام الكبير تاريخًا وحاضرًا ومستقبلًا. ويمتلك محبو السيدة والامام الحق بأن يتصوروا أن هناك ضرورة لمقاضاة قاسم بسبب إقلاق راحة السيدة والسطو على سيرة الامام.
اعتبر اللبنانيون تلاقي المناسبات الدينية إشارة خير. وكان يمكن الاستفادة الجمعة الماضي من هذا التلاقي لولا خطاب قاسم المتلفز الذي اعتبره كثيرون بيانًا كتب يوم الأربعاء الماضي ولخص ما دار بين قاسم وبين الأمين العام للحزب وبين الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الذي زار لبنان في ذلك اليوم. وتضمن البيان الذي تلاه قاسم الجمعة كل الغضب الإيراني على الإهانة التي ألحقها رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام تباعًا بالمسؤول الإيراني وأسمعاه كلامًا لم يسبق أن قيل مثله منذ حطت طائرة الامام الخميني عام 1979 في مطار طهران آتية من منفاه الباريسي وإيذانًا بوصول الأخير الى السلطة بدلًا من شاه ايران.
تحدث قاسم عن قرار الحكومة في 5 و7 آب الخاص بحصرية السلاح وتكليف الجيش مهمة تطبيقه في مهلة أقصاها نهاية الجارية. ولم يبرر أمين عام الحزب الدراج لماذا تأخر الرد حتى 15 آب، ما يبرّر الشك بأن قاسم انتظر لاريجاني كي يتلقى منه الرأي فكان بيان الجمعة.
يستطيع من استمع الى عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عيد السيدة أن يفهم بعضًا من تاريخ المناسبة حيث القى بعد تلاوة الإنجيل المقدس، عظة بعنوان: “ها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع بي عظائم”.
وفي المقابل، يستطيع من استمع وشاهد وقرأ خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” ان يقول العبارة الشهيرة: “شو جاب لجاب”.
يجب التوضيح أن هذه السنة شهدت للمرة الأولى في تاريخ شيعة لبنان منذ فجر تاريخهم إحياء ذكرى استشهاد الامام الحسين بعيدًا عن مكانين رئيسيين هما سوريا والعراق. نتحدث عن سوريا حيث يوجد مقام السيدة زينب شقيقة الامام الشهيد والذي تحول مزارها عبر الزمن مكانًا يقصد الشيعة من جميع الأقطار للتعبير عن ولائهم للسيرة الحسينية. لكن هذا المزار أصبح منذ انهيار نظام بشارة الأسد في نهاية العام الماضي خارج التوظيف من النظام الإيراني وتوابعه ولاسيما في لبنان. لذا، جرى التعويض عن خسارة هذا التوظيف هذه السنة بإحياء مراسم أربعينية الإمام الحسين في بعلبك حيث نظم الحزب مسيرة “موكب الأحزان” في مقام شيّده الإيرانيون منذ أعوام في مكان نسب الى ابنة الامام السيدة خولة.
ونتحدث عن العراق حيث المكان الأصلي لكل السيرة الحسينية من مبتدأها الى منتهاها. وكما حرم جماعة إيران في لبنان هذه السنة من مقام السيدة زينب في دمشق، حرموا كذلك من مزارات العراق بعد الحرب الدامية التي أتت أولا من إسرائيل في أيلول على معظم الحزب في لبنان وسقط فيها زعيمه التاريخي السيد حسن نصرالله. ثم أتت ثانية في حزيران الماضي على القدرات الجوية الإيرانية في حرب مشتركة من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
ولا يفوت كثيرون ان النبطية اعتادت منذ زمن بعيد على احياء الذكرى كربلاء. لكنها وبعد حرب الاسناد التي شنها “حزب الله” في 8 تشرين الأول عام 2023 خسرت النبطية هذا الامتياز الذي حافظت عليه طويلا.
لا يكفي الأمين العام للحزب أن وجد في خطابه يوم الجمعة بديلًا جغرافيًا عن سوريا والعراق بل سعى الى بديل تاريخي عندما قال: “نحن ضد يزيد العصر، المتمثل بالطاغية الأميركي، وبالطاغوت الإسرائيلي، والعدوان الإسرائيلي”.
وبعد تحوّل الاتهام من يزيد بن معاوية الى الأميركي والإسرائيلي، أعطى قاسم عنوان يزيد الجديد عندما قال: “إذا فُرضت (المواجهة) علينا نحن لها، ونحن مستعدون لها، ولا خيار أمامنا، حينها تحصل تظاهرة بالشوارع، تعم لبنان، تذهب على السفارة الأميركية”. وصاح قاسم باعلى صوت تلفزيوني قائلًا: “سنخوضها معركة كربلائية إذا لزم الأمر، في مواجهة هذا المشروع الإسرائيلي الأميركي”.
اذًا، لم يعد مستبعدًا أن الحزب الذي صارت قوته الضاربة في الضاحية الجنوبية دراجات نارية ان يعتبر السفارة الأميركية في عوكر مكانًا للتفتيش عن كربلاء بدلًا من مكانها الأصلي في بلاد ما بين النهرين. لكن لن يتأخر الوقت حتى يدرك قاسم أن هذا التمويه لن يستمر طويلًا. وسيتأكد أن الطريق من الضاحية الى مقر السفارة الأميركية مفتوحة فقط امام طالبي تأشيرات السفر الى الولايات المتحدة الأميركية. ولعلّ قاسم سيكون أحدهم إذا قرّر ذلك يومًا. من يدري؟