
قطار المنطقة يتوقّف في محطّة جديدة.. اسمها بيروت
“زمامير” الموتوسيكلات التي جابت بعض شوارع بيروت اعتراضًا على قرار حصر السلاح بيد الدولة، لا تصل إلى غرف السراي الكبير. إن في 5 آب حين أقرّت الحكومة مهلة زمنية قبل نهاية العام ومهلة للجيش كي يقترح الآلية قبل نهاية الشهر الجاري… أو في 7 منه حين أقرّت الحكومة أهداف ورقّة المبعوث الأميركي توم بارّاك… وكلّ الخطط، ستصل إلى جيوب اللبنانيين وإلى عروق بيوتهم لتنيرها.
إشارتان التقطهما رئيس الحكومة نواف سلام في يومه الأوّل بالسراي الحكومي بعد إنجازه الكبير بإقرار حصر السلاح في لبنان بيد الدولة:
1- بيان “مجلس التعاون الخليجي”: وهو رحّب بقرار الحكومة حصر السلاح بيد الدولة في كلّ أنحاء لبنان. وختم بأنّه “يلبّي تطلّعات الشعب اللبناني نحو مستقبل أكثر أمناً وازدهاراً واستقراراً”. والكلمات الأخيرة هي مفتاح “الفرج” بالنسبة إلى لبنان.
2- تحضيرات قطرية لإرسال وفد “كهربائي” إلى لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة. ما يذكّر بالدعم القطري الكبير، بمباركة أميركية، لقطاع الكهرباء في سوريا. والذي يفترض أنّه بزيد ساعات التغذية بنسبة 40 % لخمس ملايين مشترك خلال أشهر قليلة.
الرسائل الدولية.. ولبنان المتروك
خلال الأشهر الماضية، رئيس الحكومة، ورئيس الجمهورية زارا عشرات الدول، والتقيا ملوكاً ورؤساء ووزراء. لكنّ سلالهم كانت تعود بهم خالية الوفاض.
لم يتجاوب أحد معهما. بعض المسؤولين قدّم وعوداً مشروطة بـ”الإصلاحات”، وآخرون كانوا أوضح: لا مساعدات قبل “بناء الدولة”.
حتّى أنّ هناك مؤتمراً للمانحين كان يفترض أن يقدّم للبنان مليار دولار لإعادة الإعمار. لكنّ المؤتمر التحضيري له تمّ إلغاؤه. والمؤتمر في أميركا فشل ولم يجمع شيئاً يُذكر…
فهمت “السلطة” الرسائل الكثيرة. وفي هذه الأثناء كان “الحوار حول السلاح” في بيروت يراوح مكانه. و”الحزب” يعلن جهاراً نهاراً أنّه لا مجال لتسليم سلاحه… وهنا التقط نواف سلام الفرصة. وقرّر أن يأخذ حكومته إلى قطار المنطقة. وهو كان يتابع أخبار سوريا. ويسمع كلام الموفدين والمحبّين، بأنّنا “سنبقى في الخلف” إذا لم نقبض على اللحظة.
وكان ما كان.
قطار المنطقة يتوقّف في بيروت
لكنّ بيروت اليوم ليست بيروت الأمس. فغرف السراي التي لا تسمع “الزمامير”، تصغي بذكاء إلى إيقاع المنطقة. وخلف جدران السراي، ليس الوقت مناسباً لمناقشة كيفية تنفيذ قرار الحكومة. هذا شأن تقني على الأطراف اللبنانية، خصوصاً “الحزب”، الالتزام به. لأنّ القرار يستند إلى البيان الوزاري الحاصل على ثقة نواب حزب الله وحركة أمل.
وستتبخّر خلال الأيام المقبلة محاولات جرّ البلاد إلى حديث “الحرب الأهلية”. فاللبنانيون مدعوّون إلى انتظار صوت القطار، كما في أفلام الأبيض والأسود. الذي سيعلو على أصوات الزمامير. لأنّ نواف سلام وحكومته بنيا محطّة جديدة لقطار المنطقة: اسمها بيروت.
القطار الذي عبر في الشام قبل أسابيع، وترك فيها كنوز المساعدات العربية والتركية والأميركية، يبدو أنّه سيتوقّف في عاصمتنا خلال الأسابيع المقبلة. وسيترك فيها بعض الكنوز والكثير الكثير من الوعود والالتزامات التي تحتاج إلى أسابيع وأشهر لتنفيذها.
ابتسامات الموظفين والعسكر
الداخل إلى السراي الحكومة سيجد الابتسامات موزّعة على الوجوه. من العسكريّ الواقف على الحاجز الأمني، وصولاً إلى المستشارين. أحد الموظفين التقنيين سيطرح عليكَ سؤالاً: “خلص؟ خلصنا؟”. وآخر سيقول: “للباطل جولة، وللحقّ جولات”. وآخرون يشاهدون فيديوات صنعها اللبنانيون على مواقع التواصل تصوّر نواف سلام بطلاً يهدم الجدران، أو نجماً يغنّون له.
هذه الابتسامات لها ما سيتبعها. لأنّ لبنان، بين لحظة وأخرى، ينتظر “إنزالاً” دولياً إيجابياً. بعد عامين من الإنزالات العسكرية والقصف، وأعوام طويلة من الحصار و”التخلّي” الدولي عن هذه البلاد. حتّى باتت أطراف الجسد اللبناني “تتعفّن” وتتحلّل دون أن يشعر المريض أنّه يقترب من حافة الموت.
تغيير السؤال… ومحاولات التخريب
بعض اللبنانيين يطرح اليوم السؤال الخاطىء:
“ماذا سيكون الثمن الذي سندفعه لقاء هذا القرار؟”.
السؤال الصحيح هو التالي:
“ما هي الجائزة التي سيجنيها لبنان من الخطوة الأولى على طريق إزالة الاحتلالين، الإسرائيلي والإيراني؟”.
والإجابة وردت في إشارتين مبكّرتين، بعد ساعات من صدور القرار الحكومي: إشارة خليجية عامة، وإشارة كهربائية…
فبناء الدولة سيحتاج إلى عون الأشقّاء العرب. وإسناد قرار حكومة نواف سلام وجمهورية جوزف عون، يحتاج إلى فتح الخزائن بأسرع ما يمكن.
يجب أن يشعر أبناء الطائفة الشيعية قبل غيرهم أنّ هذا القرار فاتحة خير على يومياتهم. فمن فقدوا بيوتهم خلال الحرب سيسألون قريبًا عن بدل إيواء للعام الجديد، وإذا تكفّلت به الدولة بدعم الأشقاء العرب، فسيكون ذلك أبلغ من أي وعود يطلقها “الحزب”، ويعيد المشردين إلى حضن الدولة. فيثبت أن الرعاية يمكن أن تأتي من مؤسساتها لا من خارجها.
لبنان أمام تحدّي تغيير السؤال.
فالتاريخ لا يكتبه من يسأل عن الثمن، بل من يصنع الجوائز ويقطف ثمارها.