غابة أرز بديلة..عرّابون يتقاطرون لحماية رمز لبنان

غابة أرز بديلة..عرّابون يتقاطرون لحماية رمز لبنان

الكاتب: رنا البايع | المصدر: المدن
18 آب 2025

نظّمت لجنة أصدقاء غابة الأرز، “يوم العراب”، في غابة العرابين، وهو حدث سنوي يقام في غابة الأرز في بشري، حيث يقوم العرّابون، أي الرعاة الروحيون للأرز، بزيارة أشجار الأرز التي يرعونها ويتفقدون أحوالها.

ولبّى العديد من العرّابين الدعوة مع عائلاتهم، للتعرّف على أشجارهم وتفقّد نموّها، وأخذ الصور التذكارية إلى جانبها. واستهلت المناسبة منذ الصباح باستقبال الوافدين من مختلف المناطق، الذين أتوا وانتشروا في أرجاء الغابة لتفقّد أرزهم، واختتمت بجولة لوزير الزراعة نزار هاني يرافقه حشد من فعاليات المنطقة.

ويأتي هذا النشاط كمبادرة للإضاءة على عمق العلاقة مع الأرض والتاريخ، وللتشديد على ضرورة ترسيخ هذا الرابط لا سيما للأجيال الصاعدة، كما على أهمية الوعي البيئي لديهم.

محيط بيئي متوازن للحفاظ على الغابة

منذ 26 عاماً أُطلقت “غابة أصدقاء أرز لبنان”، لتكون بمثابة رئة أو متنفس غابة أرز الرب، بغية حمايتها، لا سيما أنها تعتبر أقدم غابة أرز في العالم، وتضم 2162 أرزة. كانت الغابة القديمة بحاجة إلى محيط متوازن بيئيًا، يوفّر لها الحماية من عوامل الطقس والرياح والصقيع والعواصف. فجاءت فكرة غابة العرّابين الرديفة، التي من شأنها إيجاد توازن طبيعي لحماية الغابة الدهرية لمئات السنوات.

رئيس لجنة أصدقاء أرز لبنان بسام جعجع أكد لـ”المدن”، أن المشروع ناجح جداً واستقطب عدداً كبيراً من العرّابين المهتمين بالبيئة والطبيعة، مضيفاً، أن العراب هو فرد يأخذ على عاتقه مصاريف الاهتمام بزراعة شجرة أرز بمبلغ 100 دولار. ويمنحه ذلك الحق بالدخول إلى الغابة وزيارة أرزته، والتأكد من حسن نموها، ويمكنه أيضاً أخذ صوراً تذكارية إلى جانبها. 

وشرح كيف أن غابة العرابين هي جزء من غابة أصدقاء أرز لبنان، وبما أن الغابة لا تستطيع العيش في التّصحر تمت دراسة نظام رديف قادر على حماية النظام البيئي وتنوّعه. وأضاف: “منحتنا بلدية بشري أراض تصل لنحو ستة ملايين متر مربع، وبدأنا التشجير بالتعاون مع جمعيات متخصصة”.

أكبر من غابة الرب بخمسين مرّة

تساهم غابة العرابين في إعادة دمج المجتمع وتشجّعه على التشجير، كما قال جعجع لافتاً إلى أن “نسبة نجاح الزرع وصلت إلى 72 بالمئة، وهي تكاد تكون الأعلى عالمياً”. 

وشرح أنهم خصوا هذه المبادرة ببركة ماء سعتها 14 ألف متر مكعب، أنشأها ألفردو حرب حلو، لري الغابة. وفي حال يبست أرزة يزرعون واحدة بديلة عنها. وكشف أن عدد العرابين يصل إلى 4145 عراباً فردياً، يضاف إليهم 15700 عراب كمجموعات. وعليه وصل عدد الأشجار المزروعة إلى 172.600 أرزة على مساحة خمسة ملايين ونص مليون متر مربع، أي ما يضاهي خمسين مرة مساحة غابة أرز الرب.

ولفت إلى أن “البيت البيئي أو بيت العراب مخصص لاستقبال العرابين وإقامة الاحتفالات مجاناً. أما يوم العراب فمخصص ليتفقد كل عراب أرزته، والتأكد من أنه يجري الاهتمام بها جيداً. وهذا ينشئ رابطاً وطنياً اجتماعياً وبيئياً مع الأرض”.

يوم بيئي لحماية الرمز

من أوائل العرابين، الرئيس العماد جوزيف عون، وقد بلغ عمر أرزته عشرين عاماً. كما يملك وزير الزراعة نزار هاني شجرة باسمه أيضاً، تفقّدها اليوم في جولة قام بها في غابة العرابين. وأشار لـ”المدن” إلى أنّ شجرة الأرز شعار بلدنا، وتمثّل تراث لبنان الخالد، داعياً إلى حماية غابات الأرز التي تضاءلت مساحتها ولم تعد تتعدى ألفي هكتار، لافتاً إلى حاجتها الدائمة لعناية.

وأضاف أنّ المحميات لها دور في حماية شجر الأرز، والمبادرات والمشاريع التي تشجّع على تبنّي شجرة أرز تساهم في زيادة مساحة غابات الأرز. 

أمام كلّ أرزة تُغرس لوحة صغيرة يكتب عليها اسم العراب، وتوضع صورة له مع رقم تسلسلي لكل أرزة. ومنذ الصباح توافد العرابون والعرّابات برفقة عائلاتهم، اصطفوا على طول الطريق المقسّم إلى مناطق مرقّمة ومنظّمة، لتسهيل وصول كل مواطن إلى أرزته. وكان يوماً بيئياً بامتياز، ودحض المخاوف من اضمحلال غابة الأرز في بلاد الأرز. وعبّر العرابون بدورهم عن معنى هذه المبادرة. 

حب الوطن 

إحدى العرّابات عبّرت عن سعادتها كلّما زارت أرزتها لتطمئن إليها. وأكدت أنها تعاين الغابة كل عام في يوم العراب برفقة أولادها، بعدما زرعت أرزة باسم كلّ فرد منهم.

عراب آخر وقف أمام أرزته مندهشاً من نموّها، يتفحّص صوراً لشجرته منذ ثلاث سنوات مضت ويقارن طولها ولونها، بجانبه مرشد لم يبخل عليه بالأجوبة مفسّراً مراحل الاعتناء بها.

الوعي البيئي يحمله الأهل إلى أولادهم، هكذا قال عراب جلب معه عائلته كلّها. فهو يريد لأولاده أن يتعلّموا حبّ الأرض والأرزة وترسيخ علاقتهم بها، فتربطهم ببلدهم ليعودوا إليه في حال قرروا السفر والهجرة.