التوتر قادم.. إسرائيل تتصرّف من موقع القوّة وبرّي يرفع السقف

التوتر قادم.. إسرائيل تتصرّف من موقع القوّة وبرّي يرفع السقف

الكاتب: حسن فقيه | المصدر: المدن
27 آب 2025

لا مؤشرات للتهدئة في الأفق، ولا ملامح لحلول قريبة. لبنان يقف اليوم عند مفترق حاسم، حيث تتقاطع الضغوط الأميركية مع تشدد إسرائيلي غير مسبوق، فيما الثنائي الشيعي يصرّ على معادلة “الانسحاب قبل السلاح”. وبين شدّ وجذب، تلوح في الأفق أزمة قد تضع الجيش اللبناني والدولة برمّتها أمام اختبار مصيري.

ففي زيارةٍ تتحدث أهميتها عن نفسها قبل انطلاقها، وقبل أيامٍ من موعد تقديم الجيش اللبناني خطته للحكومة بشأن حصرية السلاح، حلّ وفدٌ أميركي كبير ضيفًا على لبنان. هذه المرة، لم يقتصر الوفد على المبعوث الأميركي توم براك وشريكته مورغان أورتاغوس، بل ضمّ أيضًا أعضاءً في الكونغرس الأميركي.

بدأت الجولة من قصر بعبدا، لتتبعها تصريحات كلّ من شارك في الاجتماع، كلٌّ على حدة. هذه التصريحات عكست أجواءً سلبية، على الرغم من محاولات إحداث خرقٍ إيجابي. فقد بدا واضحًا أنّ إسرائيل قرّرت البقاء إلى حين سحب السلاح من حزب الله، وهو ما رفضه الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، قبل يومٍ واحد فقط.

مصادر مطّلعة أكدت لـ”المدن” أنّ الوفد الأميركي قال صراحةً للرؤساء الثلاثة إنّ إسرائيل أبدت إيجابيةً بشأن خطوة الحكومة اللبنانية، لكنها لن تنسحب من النقاط التي احتلّتها، ولن توقف عملياتها، قبل أن ترى خطوة الجيش اللبناني وتتم عملية سحب السلاح عمليًا من حزب الله. وأعطى الوفد ضمانات بأنّ أميركا قادرة على إلزام إسرائيل بتنفيذ كل ما هو متفق عليه فور الشروع بعملية سحب السلاح، إذ لا يمكن الاعتماد فقط على الإطار النظري للخطة، بل إنّ إسرائيل تريد أن ترى التنفيذ عمليًا، وتتأكد من أنّه تمّ على أتم وجه، وأنّ حزب الله جُرّد من سلاحه ولم يعد يشكّل خطرًا على حدودها. وبالتالي، لا ردّ مكتوبًا من إسرائيل، ولا موقفًا واضحًا وحاسمًا يطمئن اللبنانيين، ما يعني أنّ التوتر آتٍ لا محالة. والسؤال الأبرز: من يستطيع إقناع حزب الله بالمثول لمبدأ حصرية السلاح إذا لم تنسحب إسرائيل؟

بيان الرئاسة الأولى قابل تصريحات الوفد الأميركي بالشكر، مؤكّدًا الحرص على صون الأمن والاستقرار، وحصرية السلاح، وانسحاب إسرائيل. ومن بعبدا، انتقل الوفد الأميركي الرفيع إلى عين التينة، حيث انضمّ إليه براك وأورتاغوس. وهناك، وصفت مورغان أورتاغوس كلام الشيخ نعيم قاسم بـ”المثير للشفقة”، فيما صدر عن عين التينة بيانٌ مقتضب يشير إلى الاجتماع والحضور دون تفاصيل إضافية، علمًا أنّ الأنظار كانت متجهة إلى هذا اللقاء لما يحمله من موقفٍ منتظر للثنائي الشيعي على لسان الرئيس نبيه برّي.

مصادر مقرّبة من الرئاسة الثانية أكدت لـ”المدن” أنّ الرئيس برّي شدّد أمام الوفد الأميركي على ضرورة إلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية ووقف عدوانها قبل الحديث في أي أمرٍ آخر، تطبيقًا للاتفاق الذي رعته أميركا في تشرين الثاني الماضي. وتؤكد معلومات “المدن” أنّ رئيس المجلس يسير في اتجاهٍ معاكس للتصريحات الأميركية الصادرة من بعبدا، لأنّها تناقض مبدأ “الخطوة مقابل خطوة”، فلبنان، بحسب برّي، لا يعتدي، وحزب الله انسحب من جنوب الليطاني، فيما إسرائيل تستحدث يوميًا نقاطًا جديدة في الجنوب، كما أوضح للوفد.

وجدّد برّي، حسبما علمت “المدن”، تمسّكه بآخر حبّة ترابٍ من الجنوب، ورفضه إقامة أي منطقة عازلة، مؤكّدًا ضرورة عودة الجنوبيين إلى قراهم المحتلة، وإعادة الأسرى، وبدء عملية إعادة الإعمار، ووقف الاغتيالات الإسرائيلية اليومية. كما فنّد رئيس المجلس أهمية الحفاظ على قوات “اليونيفيل” العاملة في الجنوب، والتمديد لها، باعتبار ذلك من أساسيات القرار 1701 الذي يضمن الأمن في المنطقة. ووفق معلومات “المدن”، فإنّ الموقف يزداد حتى الساعة شرخًا بين المكوّن الشيعي والولايات المتحدة الأميركية، التي أعادت التأكيد أمام برّي، عبر وفدها، على ما صُرّح به في بعبدا: ضرورة تسليم السلاح قبل أي خطوة، وكان الردّ: “نحن نريد أن تنسحب إسرائيل قبل أي أمرٍ آخر“.

واصل الوفد الأميركي جولته باتجاه السراي الحكومي، حيث التقى رئيس الحكومة نواف سلام، مثنيًا أمامه على خطوة الحكومة اللبنانية وقرارها، ومشدّدًا على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار والحفاظ على الاستقرار في المنطقة الحدودية. ومن المقرّر أن يجول توم براك غدًا في الجنوب، في كلٍّ من البياضة، الناقورة، مواقع آثار صور، إضافة إلى مرجعيون والخيام.

حتى اللحظة، لا أجواء إيجابية في الأفق، ولا ردًّا مكتوبًا من إسرائيل على الخطوات اللبنانية. حكومة نتنياهو ما زالت تتصرّف بمنطق الأقوى، وترفض التقدّم خطوة إلى الأمام قبل تسليم سلاح حزب الله. في المقابل، يرى الثنائي الشيعي أنّ ما قدّمه الجانب اللبناني كافٍ، وأنّ الدور الآن على إسرائيل. أمّا الدولة اللبنانية، فتنتظر خطة الجيش اللبناني، الذي يتصدّر المشهد اليوم: كيف سيتعامل مع أمرٍ بهذه الخطورة، يهدّد الاستقرار الداخلي، بل ويضع المؤسسة العسكرية نفسها أمام اختبارٍ مصيري؟

التعقيد يتزايد

المشهد معقّد، ولا شيء يوحي بمرونة إسرائيلية، فيما واشنطن تضغط بأقصى قوتها، وحزب الله متمسّك بسلاحه كمسألة وجودية. في هذه المعادلة، يصبح الجيش اللبناني أمام امتحان خطير، ليس في الميدان فقط، بل في صياغة توازن بين السيادة والاستقرار، وبين إملاءات الخارج وحسابات الداخل. فهل تكون خطة الجيش بداية الحل، أم الشرارة التي تشعل فتيل أزمة أكبر؟