ملفّ السّلاح: الحكومة تعتمد سياسة “القضم”؟

ملفّ السّلاح: الحكومة تعتمد سياسة “القضم”؟

الكاتب: كلير شكر | المصدر: اساس ميديا
25 آب 2025

على الرغم من أنّ توم بارّاك، المبعوث الأميركي، أثنى على خطوة تسليم مخيّم برج البراجنة السلاح، كما فعل رئيس الحكومة نوّاف سلام، لم ترقَ مشهديّة جمع هذا السلاح إلى المستوى الجدّيّ لافتقارها إلى عناصر الإقناع التي من شأنها أن تُحرج “الحزب”، كما أُريد لها أن تكون.

 

يقول مواكبون لملفّ تسليم السلاح إنّ الضجّة التي أحاطت بخطوة تسليم السلاح الفلسطيني في مخيّم برج البراجنة، تجاوزت الحدث بعينه، فكانت أكثر صخباً ممّا للمسألة من تأثير وتداعيات. ويشيرون إلى أنّ الدليل القاطع على أنّ الانطلاقة جاءت مجتزأة، ولا تعبّر عن حقيقة ما حصل، هو تأجيل الخطوة الثانية، التي كان يُفترض أن تحصل يوم الجمعة، وتحديداً في مخيّم البص. لكنّها لم تحصل بطلب من ياسر عبّاس، نجل الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، كما تفيد المعلومات.

في الواقع، تعرّضت مشهديّة جمع السلاح من مخيّم برج البراجنة لحملة انتقادات لاذعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما تمّ التمهيد لها وكأنّها ستحوّل برج البراجنة إلى مخيّم كشفيّ(!) بفعل تجريده من السلاح، وسحب الخطوة على بقيّة المخيّمات، واستطراداً على شمال الليطاني وبقيّة المناطق اللبنانية، كما جاء في قرارات حكومة نوّاف سلام الأخيرة.

لكنّ اقتصار الحملة على تسليم بعض الأسلحة الخفيفة ضرب صدقيّة هذه الخطوة التي وثّقها رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني السفير رامز دمشقيّة على أنّها “المرحلة الأولى من مسار تسليم الأسلحة من داخل المخيّمات الفلسطينية، انطلاقاً من مخيّم برج البراجنة في بيروت، حيث ستُسلَّم دفعة أولى من السلاح وتُوضَع في عهدة الجيش اللبناني. وستشكّل عمليّة التسليم هذه الخطوة الأولى، على أن تُستكمل بتسلّم دفعات أخرى في الأسابيع المقبلة في مخيّم برج البراجنة وباقي المخيّمات”. وتبيّن المعلومات أنّ هذه الأسلحة الخفيفة دخلت برج البراجنة منذ أشهر تزامناً مع المعارك التي شهدها مخيّم عين الحلوة صيف 2023، وكان يفترض نقلها إلى هناك، إلّا أنّ عودة الهدوء إلى عين الحلوة أبقت على هذه الأسلحة في برج البراجنة.

مسرحيّة

حتّى إنّ رئيس “التيّار الوطني الحرّ” جبران باسيل تحدّث عن “مسرحيّة”، وقال: “نحن معكم لتسليم السلاح وليس للقيام بمسرحيّات، ونحن معكم لتكليف الجيش بمهمّةٍ يستطيع فعليّاً القيام بها، وتوفّرون لها بالسياسة ظروفَ النجاح، ولسنا مع إرساله إلى الهاوية ليفشل لأنّكم أخذتم قراراً ونريده أن ينجح. ولكنّ الكارثة أن تأخذوا قراراً وتنفّذوه بطريقةٍ تؤدّي إلى وقوع حرب، أو لا تنفّذوه وتفقدوا هيبةَ الدولة من جديد، لأنّه حصل بطريقةٍ كنتم فيها “مأمورين” عوضاً عن أن تكونوا “مبادرين”.

ماذا بعدها؟

حتّى الآن، تترنّح الأمور بعد قرار مجلس الوزراء حصر السلاح بيد الدولة والطلب من قيادة الجيش وضع خطّة عملانيّة لتنفيذ القرار. صحيح أنّ “الثنائي” علّق تحرّكاته الميدانية عبر “الموتوسيكلات” الجوّالة في المناطق، لكنّ الأكيد أنّ المناخ السلبي لا يزال يخيّم فوق هذا الملفّ.

في الأثناء، اجتاز مستشار رئيس الجمهورية العميد المتقاعد أندريه رحّال “المتاريس”، وزار كلّاً من رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، في محاولة للبحث عن صيغة تسمح لوزراء الثنائي بالمشاركة في جلسة أيلول المرتقبة لمناقشة خطّة الجيش.

يقول المتابعون إنّ الأيّام المستقطَعة الفاصلة بين جلستَي 5 و7 آب، وتلك المرتقبة لمناقشة خطّة الجيش، ستكون بمنزلة فرصة لالتقاط الأنفاس. لكنّها على الأكيد لن تبدّل في رأي الثنائي الشيعي، وتحديداً “الحزب”. يؤكّد هؤلاء أنّ البحث جارٍ في الوقت الراهن لإقناع الثنائي بالمشاركة في الجلسة المفصليّة لتأييد خطّة الجيش، على أن يُترك التنفيذ إلى مرحلة لاحقة. بمعنى آخر، يدلّ سلوك السلطة على أنّها تستخدم أسلوب القضم مع “الحزب” في ملفّ سلاحه، أي الكسب نقطة نقطة، في ضوء الممانعة المطلقة التي يبديها رافضاً تسليماً غير مشروط لسلاحه.

لكنّ المطّلعين على موقف “الحزب” يؤكّدون أنّ السعي إلى إقناع الثنائي بالسير بخطّة الجيش يصطدم بحائط مسدود، ذلك لأنّ الخطّة هي نتيجة تنفيذيّة لقرارَي مجلس الوزراء، فيما الثنائي، وتحديداً “الحزب”، يتعاطى مع هذين القرارين وكأنّهما غير موجودين، كما جاء في بيان رسمي.

المقاربة لم تتبدّل

لهذا لن يكون مجدياً الدفع باتّجاه تأييد خطّة الجيش وتأجيل ما بعدها ما دامت المقاربة السياسيّة لملفّ السلاح لم تتغيّر، لا سيّما في ضوء التسريبات التي تحدّثت عن أنّ إسرائيل “وافقت على جميع طلبات الجانب اللبناني من وقف جميع الأعمال العسكرية وتسليم الأسرى وترسيم الحدود شرط التزام لبنان إعطاء إسرائيل الحقّ في البقاء داخل 14 قرية وإفراغها من الأهالي كليّاً وجزئيّاً لتكون منطقة عازلة”. هذا مع العلم أنّ إسرائيل توسّعت في احتلالها من 5 إلى 8 نقاط جنوب لبنان.

بالنتيجة، لا يزال ملفّ السلاح محكوماً بمعادلة سلبية قد تدفع إلى مزيد من التوتّر والاحتقان ما دامت إسرائيل لم تبدِ استعدادها لتقديم أيّ ورقة تسمح لـ”الحزب” بالمضيّ قدماً في تسليم سلاحه.