بنية الودائع الحاليّة: هذا ما سيخضع لإعادة الهيكلة

بنية الودائع الحاليّة: هذا ما سيخضع لإعادة الهيكلة

الكاتب: علي نور الدين | المصدر: المدن
23 آب 2025

نشر مصرف لبنان مؤخّرًا ميزانيّات القطاع المصرفي المجمّعة، بما يعكس الوضعيّة الكاملة لجميع المصارف التجاريّة، لغاية منتصف العام الحالي. وبذلك، بات متاحًا الاطلاع على بنية الودائع الموجودة في القطاع، والتي ستكون جزءًا من عمليّة إعادة الهيكلة الشاملة، بحسب قانون الانتظام المالي الذي يتم العمل عليه.

ومن المعلوم أنّ بنية الودائع خضعت، منذ أواخر العام 2019، لتغيّرات كبيرة، بسبب حركة تسديد القروض بالشيكات المصرفيّة، والسحوبات المتدرّجة بحسب تعاميم مصرف لبنان. وعلى هذا الأساس، ثمّة ضرورة للعودة إلى آخر أرقام القطاع، لفهم قيمة الودائع الإجماليّة التي ستخضع لعمليّة إصلاح الوضع المصرفي. 

هذا الذي سيخضع لإعادة الهيكلة

لغاية منتصف العام 2025، يمكن تفنيد الودائع الموجودة في القطاع المصرفي على النحو التالي:

– ودائع المقيمين: باتت توازي اليوم نحو 66.8 مليار دولار أميركي، منها 65.98 مليار دولار -أي غالبيّتها الساحقة- بالعملات الأجنبيّة. 

– ودائع غير المقيمين (من اللبنانيين والأجانب معًا): باتت توازي حاليًا قرابة 21.35 مليار دولار، منها 21.31 مليار دولار بالعملات الأجنبيّة.

بهذا الشكل، يكون إجمالي الودائع بالعملات الأجنبيّة وحدها قد بلغ قيمة تقارب 87.29 مليار دولار أميركي. وهنا، من المهم الإشارة إلى أنّ تمييز الودائع بالعملات الأجنبيّة ضروريّ، لكون الودائع بالليرة اللبنانيّة مستثناة من إجراءات إعادة الهيكلة المتوقّعة في المستقبل. 

غير أنّ استثناء الودائع بالليرة اللبنانيّة لا يكفي لفهم قيمة الودائع التي سيُعاد هيكلتها. إذ إن قيمة الودائع بالعملات الأجنبيّة تشمل أيضًا ودائع “الفريش” دولار، وهي مستثناة أيضًا من عمليّة إعادة الهيكلة، ولن يطالها أي اقتطاع صريح أو ضمني، ولن يتم تقسيطها على دفعات. وفي الوقت الراهن، تبلغ قيمة هذه الودائع، “الفريش”، نحو 4 مليارات دولار (بحسب أرقام نهاية شهر حزيران الماضي). 

وعليه، تصبح النتيجة كالتالي: تبلغ قيمة الودائع بالعملات الأجنبيّة، التي ستخضع لعمليّة إعادة الهيكلة، نحو 83.29 مليار دولار أميركي. وهذه لضبط الودائع التي اصطُلح على تسميتها “دولارات محليّة”، أو “لولار” بحسب التعبير العامّي المُعتمد.

خسائر المودعين السابقة

قبل الدخول في ما قد يخسره المودع مستقبلًا، قد يكون من المفيد -في ضوء هذه الأرقام- الوقوف عند ما خسره المودع أساسًا خلال السنوات السابقة. فحجم الودائع الإجمالي -بجميع العملات- بات يقارب حدود 88.15 مليار دولار أميركي. وسينخفض هذا الرقم إلى حدود 84.15 مليار دولار إذا قمنا باستثناء الودائع الجديدة، أي الفريش. 

العودة إلى أرقام تشرين الأوّل 2019، تُظهر أن حجم ودائع القطاع الخاص كان قد لامس في تلك الفترة مستوى 168.36 مليار دولار أميركي. وبهذا المعنى، يمكن القول إنّ القطاع المصرفي كان قد أذاب نصف الودائع الموجودة لديه، خلال الفترة الممتدة بين تشرين الأوّل 2019 وحزيران 2025. ويمكن هنا تحديد عدّة عوامل ساهمت في تذويب الودائع على هذا النحو:

– استعمال الودائع المصرفيّة لتسديد القروض، وهذا جرى من خلال بيع المودعين دولاراتهم المحليّة بموجب شيكات للمقترضين، وباقتطاعات كبيرة من قيمة هذه الدولارات.

– السحب التدريجي من الودائع بحسب تعاميم مصرف لبنان. وهذا ما تضمّن اقتطاعات كبيرة من قيمة الودائع في بعض المراحل، بسبب اعتماد سعر صرف متدنّي لسحب كل أو جزء من المبالغ بالليرة اللبنانيّة، من الودائع المدولرة (تنوّعت الآليّات في كل مرحلة). مع الإشارة إلى أنّ فكرة السحوبات التدريجيّة بحد ذاتها انطوت على خسارة للمودع، بسبب “عامل الوقت” الذي يستنزف جزء من القيمة الشرائيّة للأموال المسحوبة (وفقًا لعوامل التضخّم). 

– العمولات الكبيرة التي فرضتها المصارف قسرًا على الودائع بالدولار المحلّي، والتي حشرت المودعين بسبب عدم إمكانيّة سحب هذه الأموال أو تحويلها.

– جزء كبير من هذه الخسارة ناتج عن تدهور سعر صرف الليرة اللبنانيّة، ما أدّى إلى انخفاض قيمة الودائع بالعملة المحليّة. 

هذا ما سيتم إعادة هيكلته مستقبلًا

كما أشرنا سابقًا، تبلغ قيمة الودائع التي ستخضع لعمليّة إعادة الهيكلة، أو إصلاح الوضع، قرابة 83.29 مليار دولار أميركي، وهي بالضبط حجم “اللولارات” الموجودة حاليًا في المصارف. في المقابل، تملك المصارف توظيفات في مصرف لبنان، يقارب حجمها 84.48 مليار دولار أميركي، بما يشمل شهادات الإيداع والودائع. ومن المعروف أن تعثّر مصرف لبنان، وعدم قدرته على رد هذه الأموال بالعملات الأجنبيّة، يمثّل المصدر الأساسي للأزمة الراهنة.

لفهم عمق الأزمة التي سيتعامل معها قانون الانتظام المالي، يمكن الإشارة إلى ما يلي من أرقام:

– في مقابل ودائع “بالدولار المحلّي” يقارب حجمها 83.29 مليار دولار، لا يملك مصرف لبنان من السيولة القابلة للاستعمال فورًا سوى 11.48 مليار دولار أميركي. وهذه السيولة، سيتم استعمالها لتسديد الودائع الأصغر حجمًا، وبحسب حد معيّن سيتضمّنه قانون الانتظام المالي.

– في مقابل التزامات مصرف لبنان للمصارف، التي يبلغ حجمها 84.48 مليار دولار أميركي، تبلغ ملاءة مصرف لبنان السائلة والقابلة للتسييل حدود 42 مليار دولار، وهو ما يشمل الاحتياطات والذهب معًا. ولاستعادة التوازن المالي، في ميزانيّة مصرف لبنان، سيقتضي تصفية هذا الفارق. 

أموال المصارف الخاصّة

بالعودة إلى ميزانيّات المصارف. ثمّة بند لا ينبغي تجاهله، وهو رأسمال المصارف والأموال الخاصّة، أي حقوق المساهمين فيها. وهذا البند، يفترض أن يتحمّل الشريحة الأولى من الخسائر، في أي عمليّة إعادة هيكلة، وإن كانت جمعيّة المصارف تخوض اليوم معركة كبيرة لتحييد بعض حقوق المساهمين عن هذه العمليّة. 

بحسب الميزانيّات المجمّعة، تبلغ قيمة الرساميل المصرفيّة حاليًا حدود 5.23 مليار دولار أميركي. ومن الناحية التقنيّة، يمكن تحميل هذا البند حصّته من الخسائر، عبر شطب المساهمات القائمة، ومن ثم إدخال مساهمات جديدة. وهذا ما سيعني ضخ سيولة جديدة في المصارف، من قبل المساهمين الحاليين إذا أرادوا الاحتفاظ بمصارفهم، أو من قبل مساهمين جدد يملكون الاستعداد للاستثمار في القطاع. وبخلاف ما يعتقد كثيرون، ما سيمنح القطاع المصرفي اللبناني جاذبيّة كبيرة للمستثمرين، في إطار عمليّة إعادة الهيكلة، نظرًا لحاجة السوق  الملحة إلى الخدمات المصرفيّة المفقودة حاليًا، والتي ستتم استعادتها بمجرّد تصحيح وضعيّة القطاع.

في كل ما سبق تناوله، ثمّة نقاط اشتباك عديدة سيفتحها النقاش المنتظر حول قانون الانتظام المالي: هل سترضى المصارف بالشطب الكامل لحقوق مساهميها، لتحميلهم حصّتهم من خسائر الأزمة؟ وما هي المعايير التي سيتم اعتمادها لتصنيف الودائع، وإعطاء بعضها الأولويّة في السداد؟ وأي تدقيق سيتم القيام به، قبل الشروع بهذه العمليّة؟ وكيف سيتلقّف المودعون هذه الإجراءات؟