
“عين الحلوة”… السيادة اللبنانية أمام مأزق عقدة المخيمات
منذ عقود شكل لبنان ساحة صراع إقليمي ودولي، وكانت القضية الفلسطينية أحد أبرز عوامل اضطرابه، خصوصاً بعد اتفاق القاهرة عام 1969 الذي شرعَن السلاح داخل المخيمات وأدى لاحقاً إلى الحرب الأهلية. اليوم يعود الملف إلى الواجهة مع خطة لبنانية – فلسطينية لنزع السلاح، لكن مخيم “عين الحلوة” يبقى العقدة الأصعب، لا سيما أنه بات ملاذاً للمطلوبين ومركزاً للجريمة المنظمة، ويحوي خليطاً من الفصائل، والجماعات المتشددة.
منذ 50 سنة ولبنان ساحة صراع مفتوح بين القوى الإقليمية والدولية وأسير توازنات هشة تتأثر بأي تبدل في معادلات المنطقة. فالموقع الجغرافي الدقيق والانقسام الداخلي الطائفي والسياسي جعلا من البلاد ساحة يتقاطع فيها النفوذ الإقليمي والدولي. ولعل القضية الفلسطينية كانت ولا تزال أحد أبرز المفاتيح التي استخدمت في الداخل اللبناني، إذ أسهم دخول الفصائل الفلسطينية المسلحة بعد “اتفاق القاهرة” عام 1969، والذي شرع “الكفاح المسلح” انطلاقاً من لبنان، وغطى السلاح داخل المخيمات، في إشعال فتيل الحرب الأهلية، ومهد لدوامة طويلة من المواجهات والمعارك الداخلية، مما جعل المخيمات الفلسطينية تتحول إلى “جزر أمنية” خارجة عن سيطرة الدولة.
اليوم، ومع عودة ملف السلاح الفلسطيني إلى طاولة البحث بين الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، يبرز مخيم “عين الحلوة” جنوب مدينة صيدا بوصفه العقدة الأصعب أمام أي خطة لنزع السلاح. فهو أكبر المخيمات وأكثرها تعقيداً من حيث البنية السكانية والفصائلية، والأشد حساسية أمنياً وسياسياً لكونه يقع على بوابة الجنوب. فما الذي يجعل “عين الحلوة” معضلة بهذا الحجم؟
المخيم الأكبر
أنشئ مخيم “عين الحلوة” سنة 1948 على أطراف مدينة صيدا (جنوب) لإيواء اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة. وسمي باسم عين ماء عذبة في المنطقة، وبقيت مساحته الأصلية لا تتعدى كيلومتراً مربعاً واحداً، لكن عبر العقود تضاعف عدد سكانه بصورة هائلة مع تدفق نازحين من مخيمات دمرت خلال الحرب اللبنانية مثل تل الزعتر والنبطية، ولاحقاً مع موجات من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين.
اليوم يقدر عدد سكانه بين 70 و85 ألفاً، بينهم نحو 57 ألف لاجئ مسجل لدى “الأونروا”، إلى جانب آلاف العائلات التي تعيش في فقر مدقع. هذا الاكتظاظ الهائل في مساحة ضيقة دفع إلى البناء العشوائي العمودي، وظهور أزقة متداخلة لا تتسع أحياناً إلا لشخص واحد، كما تمدد المخيم خارج حدوده الأصلية 10 مرات تقريباً ليلتهم أراضي مجاورة وأملاكاً عامة وخاصة، مما جعله مدينة متكاملة خارجة عن سيطرة القانون.
هذه البيئة العمرانية الفوضوية تحولت إلى عائق أمني وعسكري. فالشوارع الضيقة والأبنية المتلاصقة توفر بيئة مثالية للاختباء، وتحول أي محاولة اقتحام إلى حرب شوارع.
ملاذ للمطلوبين
منذ توقيع “اتفاق القاهرة” عام 1969 الذي منح الفلسطينيين نوعاً من الإدارة الذاتية داخل المخيمات، نشأ فراغ قانوني سمح بانتشار السلاح. وعلى رغم إلغاء الاتفاق لاحقاً، استمر العرف القائم: الجيش يسيطر على مداخل المخيم، والفصائل تدير أمنه من الداخل. هذا الواقع حول “عين الحلوة” إلى ملاذ آمن للمطلوبين. فمنذ عقود، لجأ إليه فارون من العدالة اللبنانية أو من دول عربية عدة. بعضهم متهم بجرائم إرهاب أو اغتيالات أو اتجار بالمخدرات وتزوير العملات. تقارير إعلامية سابقة أشارت إلى أن مئات المطلوبين يعيشون داخله، فيما اقتصرت التسوياًت على تسليم عشرات قليلة فقط.
المخيم بات كذلك مركزاً للجريمة المنظمة، إذ كشفت القوى الأمنية اللبنانية مرات عدة عن شبكات لتزوير الدولار تعمل من داخله وعصابات تهريب مخدرات تمرر شحناتها عبره باتجاه بيروت. هذا كله جعل من “عين الحلوة” “بؤرة أمنية” تهدد ليس فقط صيدا، بل الاستقرار اللبناني برمته.
خريطة النفوذ
يوصف المخيم بـ”عاصمة الشتات الفلسطيني” لأنه يضم كل ألوان الطيف الفلسطيني:
– “منظمة التحرير الفلسطينية”: وتتصدرها حركة “فتح” التي تسيطر على أحياء واسعة مثل الطيرة والبساتين والبركسات. كانت بقيادة اللواء أبو أشرف العرموشي حتى اغتياله عام 2023، وتتحالف معها “الجبهة الشعبية” و”الجبهة الديمقراطية”.
– تحالف القوى الفلسطينية: يضم “حماس” و”الجهاد الإسلامي” والجبهة الشعبية – القيادة العامة” و”حركة الصاعقة”، والمخيم يشكل أكبر قاعدة لـ”حماس” في لبنان.
– القوى الإسلامية المحلية: مثل “عصبة الأنصار الإسلامية” (سلفية براغماتية)، و”الحركة الإسلامية المجاهدة” بقيادة الشيخ جمال خطاب، و”حزب التحرير”، و”أنصار الله” الموالية لـ”حزب الله“.
– المجموعات المتشددة: الأخطر والأكثر رفضاً لأي تسوية، مثل “جند الشام” و”الشباب المسلم” (تجمع يضم فلول “فتح الإسلام” و”القاعدة” و”داعش”). وتقودها شخصيات كهيثم الشعبي وبلال بدر وأسامة الشهابي. هذه المجموعات تتحصن في أحياء مثل الطوارئ والتعمير، ويقدر عدد مسلحيها بنحو 200 – 300 مسلح. تقارير 2025 تحدثت عن اكتشاف خلية لـ”داعش” باسم “ولاية لبنان” داخل المخيم.
هذا التشابك خلق مربعات أمنية داخل المخيم: كل فصيل يسيطر على حي ويقيم نقاط تفتيش خاصة به. وعند وقوع أي اغتيال أو حادثة، ينفجر المخيم بمعارك ضارية بين هذه القوى.
تعثر قبل “عين الحلوة”
بعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بيروت في مايو (أيار) 2025، اتفق على خطة تدريجية تبدأ بمخيمات بيروت ثم الشمال فالجنوب، هذه الخطة تعثرت بعدما حدد الـ15 من يونيو (حزيران) الماضي موعداً لانطلاقها، لكن حين اقترب التنفيذ، تعثرت العملية بسبب خلافات “فتح” الداخلية ورفض فصائل التحالف الإسلامي المشاركة. ولا يمكن فهم عقدة “عين الحلوة” من دون النظر إلى المشهد السياسي اللبناني والإقليمي، حيث “حماس” و”الجهاد” تنتميان إلى محور إيران، فيما “فتح” أقرب إلى السلطة الفلسطينية والدول العربية. هذا الانقسام يعكس نفسه داخل المخيم ويجعل أي توافق داخلي شبه مستحيل، في حين تشير مصادر فلسطينية إلى أن “حزب الله” و”حركة أمل” لا يرغبان بفتح ملف السلاح الفلسطيني بالكامل خشية أن يمتد النقاش إلى سلاح “حزب الله”، وهذا ما أكده قيادي فلسطيني قال صراحة إن “الثنائي الشيعي” (“أمل” و”حزب الله”) عطلا خطة جمع السلاح بعدما ارتبطت بالنقاش حول سلاح “المقاومة”.
أنفاق ودهاليز
وكشف مصدر أمني لبناني رفيع عن أن مخيم “عين الحلوة” لا يختزن فقط عقدة السلاح والفسيفساء الفصائلية، بل تحول أيضاً إلى شبكة تحت أرضية مجهولة المعالم. وأوضح أن المعلومات المتوافرة لدى الأجهزة تفيد بوجود أنفاق ودهاليز ممتدة من داخل المخيم نحو مدينة صيدا وجوارها، بعضها قديم وبعضها أضيف في السنوات الأخيرة. هذه البنية التحتية السرية تضاعف من الصعوبة العسكرية لأي تدخل، إذ إنها توفر للمسلحين إمكان الاختباء والتنقل الآمن بعيداً من أعين الجيش، كما تسمح بتمرير الذخائر والمؤن لفترات طويلة تساعد على الصمود في حال اندلاع مواجهة واسعة. وأضاف المصدر أن ما يزيد الوضع تعقيداً هو أن بعض المناطق المحيطة بالمخيم، خصوصاً في الجهة الجنوبية، تتداخل مع التركيبة العمرانية والاجتماعية المتعاطفة مع بعض الفصائل، مما يجعل تتبع الأنفاق أو السيطرة عليها أكثر إشكالية. وأشار إلى أن هناك خشية حقيقية من أن يستخدم المخيم كخط دفاع متقدم لـ”حزب الله”، بحيث يتحول أي تدخل للجيش إلى معركة استنزاف طويلة تبقيه في “المربع الأول” من الاشتباك من دون القدرة على الحسم أو الانتقال إلى مرحلة تالية. وختم المصدر بالقول إن هذه العوامل مجتمعة تفسر لماذا ينظر إلى “عين الحلوة” على أنه العقدة الأصعب أمام الدولة، وأن أي خطأ في الحسابات قد يجر لبنان إلى مواجهة مفتوحة يصعب التحكم بمساراتها أو كلفتها.
“الفرقة 101” الخاصة
من ناحية أخرى أوضح مصدر فلسطيني متابع ومقرب من السلطة الفلسطينية أن القيادة في رام الله تدرك تماماً صعوبة الوضعية الأمنية والسياسية للمخيم، لكنها في الوقت نفسه تعتبر أن مصلحة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تكمن في دعم الدولة اللبنانية وليس الدخول في مواجهة معها. وقال المصدر إن السلطة الفلسطينية “إلى جانب الدولة اللبنانية المستضيفة، وإذا ما قررت الأخيرة استعادة شرعيتها داخل المخيمات، فإن السلطة مستعدة للتعاون عبر كل السبل الممكنة، السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية”. وأضاف أن لدى السلطة “الفرقة 101” الخاصة، وهي وحدة عسكرية مدربة خاضت معارك ضارية في الضفة الغربية، وخصوصاً في جنين، وأثبتت جاهزيتها في حرب المدن والمخيمات. وأشار إلى أن هذه القوة “مؤهلة للتدخل متى طلب منها، والعمل بالتنسيق مع الجيش اللبناني من أجل حسم أي مواجهة محتملة داخل المخيمات، بما يحول دون تحولها إلى ملاجئ للإرهابيين أو بؤر تهدد الاستقرار اللبناني”. وختم بالتأكيد أن السلطة الفلسطينية “لن تقبل أن تستخدم المخيمات كأوراق ضغط إقليمية أو كمخازن سلاح ومطلوبين، بل يجب أن تبقى عنواناً للعودة إلى فلسطين، لا مصدراً للتهديد في لبنان”.
اختراق منظم
في السياق أكد الصحافي أسعد بشارة أن مخيم “عين الحلوة” هو العقدة الأصعب بين المخيمات الفلسطينية، كونه الأكبر والأكثر تعقيداً من حيث البنية العسكرية والفصائلية. وأوضح أن حركة “فتح”، التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، تبقى التنظيم الأكثر حضوراً وتنظيماً داخل المخيم، “لكنها واجهت محاولات اختراق متكررة من قبل قوى الممانعة، التي دفعت باتجاه إدخال مجموعات مسلحة متطرفة وإرهابية، إضافة إلى حماس والجهاد الإسلامي، لتركيز نفوذها في الأحياء الملاصقة للمخيم والتي أضيفت لاحقاً إلى تركيبته العمرانية”، وأشار إلى أن المراجع الأمنية اللبنانية والدولية تملك صورة دقيقة بالأرقام عن هذه التشكيلات والتنظيمات، لافتاً إلى أن “حزب الله” هو الممول الرئيس لها، سواء عبر قوى سنية حليفة كالمقرب الشيخ ماهر حمود، أو عبر تحالفاته مع “حماس” و”الجهاد”، وهذه التركيبة، برأيه، تستغل لزعزعة الاستقرار الداخلي، عبر التلويح المستمر بخطر المخيمات، وإظهار “المشكلة الفلسطينية كقضية تهديد أمني دائم في لبنان”، وقال إن الصعوبة في “عين الحلوة” تكمن في تداخل الأمني بالسياسي، “ففي وقت بدأت فيه السلطة الفلسطينية فعلياً بتسليم سلاح حركة فتح في مخيمات بيروت وصور والشمال، رفضت حركة حماس الالتزام بوعودها السابقة. فمع أنها أعلنت أكثر من مرة استعدادها لتسليم السلاح حين تطلب الحكومة اللبنانية ذلك، إلا أنها تراجعت ورفضت التنفيذ عندما اتخذ القرار، مما جعل المخيم محور التعطيل”، وخلص بشارة إلى أن المعضلة الكبرى تكمن في موقف “حزب الله”، الذي يرفض عملياً تسليم سلاح حلفائه الفلسطينيين بالطريقة نفسها التي يرفض بها تسليم سلاحه، وبذلك يصبح “عين الحلوة” ليس فقط عقدة فلسطينية – لبنانية، بل أيضاً ورقة في لعبة إقليمية أوسع ترتبط مباشرة بمعادلة سلاح الحزب داخل لبنان.
ثلاثة عوامل أساسية
من جهته رأى العميد المتقاعد خليل الحلو أن الحديث عن سحب السلاح من المخيمات الفلسطينية في لبنان لم يعد مستحيلاً كما كان في عقود سابقة. فبحسب قراءته هناك ثلاثة عوامل أساسية تجعل هذه العملية ممكنة اليوم “التوافق السياسي اللبناني – الفلسطيني، انخفاض التمويل الخارجي للفصائل، وتراجع الوزن العسكري للفصائل داخل لبنان مقارنة بما كانت عليه في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي”، وأكد الحلو أن حركة “فتح”، التي يقودها الرئيس محمود عباس، تملك اليوم صفة تمثيلية رسمية واسعة، ولها سفارة في بيروت، وهي مستعدة للتجاوب مع الدولة اللبنانية. وأشار إلى أن عامل انخفاض التمويل أساس، حيث كانت تتلقى الفصائل الفلسطينية دعماً سخياً من دول عربية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ولم تعد تحظى اليوم بتلك الموارد، بعدما اتجهت معظم تلك الدول إلى تسويات سياسية مع إسرائيل. ومع تراجع هذا التمويل، تضاءلت قدرات الفصائل على الاحتفاظ بترسانات كبيرة أو استقطاب مقاتلين بأعداد ضخمة، وبات سلاحها محدوداً نسبياً.
على الصعيد العسكري أوضح الحلو أن السلاح الموجود في المخيمات اليوم يقتصر بمعظمه على الأسلحة الفردية والخفيفة، مثل البنادق الرشاشة، إضافة إلى بعض الأسلحة المتوسطة كقذائف الهاون والرشاشات الثقيلة، لكنه نفى وجود مدفعية ثقيلة أو أسلحة مضادة للطائرات كما كانت الحال سابقاً، “هذا التحول يجعل مسألة نزع السلاح أسهل نسبياً مقارنة بالماضي، وإن بقيت معقدة سياسياً وأمنياً، وأن عدد المقاتلين داخل المخيمات ليس كبيراً بالقياس إلى الماضي، مما يخفف من العبء العددي في حال جرى تسليم السلاح”، ورأى أن مخيم عين الحلوة يشكل التحدي الأكبر، نظراً إلى وجود فصائل متطرفة وأخرى متحالفة مع “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وذكر بتجربة مخيم “نهر البارد” (شمال) عام 2007، حيث دخل الجيش اللبناني في مواجهة مباشرة مع تنظيم “فتح الإسلام”، وانتهت المعركة بتدمير المخيم تقريباً، لكنه شدد على أن الوضع اليوم يختلف “فالمطلوب ليس تكرار الحرب، بل تنظيم عملية تسليم تدريجية قائمة على التعاون السياسي والأمني مع الفصائل الكبرى”، وحذر في الوقت نفسه من أن أي فصيل يرفض تسليم سلاحه قد يسيطر على المخيم بمفرده، مما يعني انقلاب المعادلة رأساً على عقب.
الحلو لفت إلى ان الإرادة السياسية متوافرة، التمويل للفصائل متراجع، والقدرات العسكرية محدودة، لكن العقبة الكبرى تبقى في “عين الحلوة”، حيث يتشابك السلاح الفلسطيني مع حسابات “حماس” والجماعات المتطرفة وعلاقة هذه القوى بمحور “المقاومة”.
خطوط حمراء
من ناحيته، ربط الصحافي نقولا ناصيف قضية سلاح المخيمات بثلاثة خطوط حمراء تاريخية في لبنان “الوجود السوري، سلاح (حزب الله)، وسلاح المخيمات الفلسطينية. الخطان الأولان سقطا بفعل ظروف إقليمية ودولية، وحان الوقت للتعامل مع الثالث، وتحديداً عين الحلوة الذي تحول إلى قلعة مغلقة خارج سلطة الدولة”، وأكد أن السلاح الفلسطيني فقد وظيفته السياسية منذ عام 1982 بعد خروج “منظمة التحرير”، ولم يعد أداة “مقاومة” بل غطاء للمطلوبين والمجرمين والمهربين. وعليه، فإن المخيم لم يعد مشكلة سياسية بقدر ما هو مشكلة جنائية – أمنية تضم آلاف المطلوبين من فلسطينيين ولبنانيين وسوريين.
من زاوية أخرى لفت ناصيف إلى أن نجاح الدولة اللبنانية في ضبط المخيمات سيسقط ذريعة “حزب الله” بالاحتفاظ بسلاحه، “فالحزب طالما برر ترسانته بوجود سلاح غير شرعي داخل المخيمات، بالتالي فإن فرض السيادة على عين الحلوة يفتح الباب لنقاش أوسع حول مستقبل سلاح الحزب. وهذا ما يفسر حساسية الملف بالنسبة إلى الثنائي الشيعي”، وذكر ناصيف بتجربة “نهر البارد” 2007 حين حسم الجيش المعركة ضد “فتح الإسلام” على رغم اعتبار المخيم خطاً أحمر، معتبراً أن السيناريو يمكن أن يتكرر في “عين الحلوة” إذا توافرت الإرادة السياسية والغطاء الإقليمي، لكنه شدد على أن أي حل يحتاج توافقاً داخلياً ورعاية خارجية، لأن الملف يتجاوز القدرات اللبنانية وحدها.
السلاح مقابل الحقوق
في المقابل رأى الكاتب الفلسطيني هيثم زعيتر أن ملف سلاح المخيمات لا يمكن التعامل معه بمعزل عن السياق الأوسع للعلاقات اللبنانية – الفلسطينية، “فالبيان المشترك بين الرئيسين جوزاف عون ومحمود عباس لم يقتصر على الجانب الأمني، بل تضمن رزمة متكاملة تشمل تحسين أوضاع اللاجئين اجتماعياً واقتصادياً وضمان حقهم بالعيش الكريم إلى حين العودة”، وشدد على أن المخيمات ليست مجرد ملف أمني، بل قضية سياسية وإنسانية، وأن أي نجاح في ضبط السلاح يستوجب معالجة ظروف الفلسطينيين، ومنحهم حقوقاً أساسية كالعمل والتملك، وتسوية أوضاع آلاف المطلوبين الفلسطينيين واللبنانيين عبر العفو أو التسويات القضائية، وبرأيه، لا يمكن مطالبة اللاجئين بتسليم حتى “سكين” من دون هذه المعالجات.
من ناحية عسكرية، أكد زعيتر أن السلاح الثقيل خارج المخيمات انتهى، وما تبقى داخله هو أسلحة فردية ومتوسطة، والمشكلة الحقيقية ليست نوعية السلاح، بل وظيفته، حيث يستخدم لحماية المطلوبين أكثر من كونه سلاح “مقاومة”، ولفت إلى أن إطلاق الصواريخ من الجنوب أخيراً ارتبط بعناصر من “حماس”، مما يثير تساؤلات حول التمويل والأجندة. واعتبر زعيتر أن الفرصة اليوم تاريخية، إذ باتت العلاقة رسمياً بين دولتين، لبنان وفلسطين، وليس بين فصائل متناثرة. ومع وجود لجنة لبنانية – فلسطينية مشتركة، أصبح ممكناً تنظيم الأمن شرط أن يكون الملف جزءاً من تسوية شاملة تعالج السياسة والحقوق والاقتصاد معاً. ومن دون ذلك، ستظل المخيمات، بخاصة “عين الحلوة”، ساحة مفتوحة للتوتر وأجندات خارجية.